الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهي تخطئة لجميع عقلاء بني آدم من المسلمين والكفار، وأيضًا فإنّه لا يلزم على ما ذكر المجيب تخطئة أبي بكر الصديق، فإن الصديق قد يعتقد عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم في دفع ذلك المنافق بعض الأمور الّتي يقدر عليها البشر فبيّن له النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه ليس عندي في دفعه حيلة، بل يستغاث الله في أمره، ومن المعلوم أن
المطلوب من النّبيّ صلى الله عليه وسلم تارة يقدر عليه، وتارة لا يقدر عليه
، وقد يظن السائل أنّه يقدر عليه، ولا يكون قادرًا، وكان نساؤه يسألنه النفقة أحيانًا وليس عنده ما ينفق عليهن (1).
وسألته الإعراب حتّى اضطروه إلى سَمُرة (2) فخطفت رداءه فقال: "ردوا عليَّ ردائي، فوالذي نفسي بيده لو أن عندي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمتها بينكم ثمّ لا تجدوني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذابًا"(3).
وحقيقة قوله: لا يستغاث بي، وإن كان مراده الاستغاثة الكلية (4)، كما يقال: لا يستغاث بي ولا يتوكل علي، ولا أُدعى ولا أُسأل ونحو ذلك، فمراده النّهي عن الطلب الّذي لا يفعله إِلَّا الله، كما نهى عن
(1) يشير المؤلِّف إلى حديث جابر بن عبد الله وغيره قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد النَّاس جلوسًا لم يؤذن لأحدٍ منهم، قال: فأذن لأبي بكر، فدخل، ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه، واجمًا ساكتًا، قال فقال: لأقولن شيئًا أُضحك النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"هن حولي كما ترى يسألنني النفقة"، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده. ثمّ اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين يومًا. ثمّ نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
…
الآية} و، أخرجه مسلم في (كتاب الطّلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إِلَّا بالنية) 2/ 1104 - 1105 رقم 1478.
(2)
سمرة: هي نوع من شجر الطلح، وجمعها سَمُرُ. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 399) باب السين مع الميم.
(3)
الحديث أخرجه البخاريّ في (كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب والجبن) 2/ 873 رقم 2821 وطرفه 3148 وغيره بألفاظ قريبة من لفظ المؤلِّف.
(4)
الاستغاثة الكلية هي: سؤال المستغاث به على اعتقاد أنّه قادر بقدرة مؤثرة على جلب نفع له أو دفع مضرة عنه. انظر: التوضيح عن توحيد الخلاق، تأليف سليمان بن عبد الله ص 303.
السجود له (1)، وكما نهى أن يقال: ما شاء الله وشاء محمّد، وقال لمن قال: ما شاء الله وشاء محمّد، ما روي عن ابن عبّاس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت"، فقال:"أجعلتني لله ندًّا؟ قل ما شاء الله وحده"(2)، رواه النسائي وابن ماجه، ورواه الإمام أحمد ولفظه:"أجعلتني لله عدلاً، بل ما شاء الله وحده"(3).
(1) يشير المؤلِّف إلى حديث معاذ رضي الله عنه، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشّام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما هذا يا معاذ؟ "، قال: أتيت الشّام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فرددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
…
الحديث"، أخرجه ابن ماجه في (أبواب النِّكاح، باب حق الزوج على المرأة) 1/ 341 رقم 1858، وأبو داود في (كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة) 2/ 604 رقم 214، والحاكم في المستدرك 2/ 187 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأخرجه غيرهم، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 309: رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح. أ. هـ.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 96 رقم 40 - 196 (شرح أحمد شاكر) واللفظ له، وابن ماجه في (أبواب الكفارات، باب النّهي أن يقال ما شاء الله وشئت) 1/ 392 رقم 2130 ولفظه: "إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثمّ شئت"، قال شهاب الدِّين البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه دراسة وتقديم كمال الحوت 1/ 363 الطبعة الأولى 1406 هـ الناشر دار الجنان: في إسناده الأجلح مختلف فيه ضعفه أحمد. وأبو حاتم وغيرهم، ووثقه ابن معين والعجلي وباقي رجال الإسناد ثقات. أ. هـ وقال العلّامة أحمد شاكر في شرح المسند للإمام أحمد 3/ 96 رقم 1964 الطبعة الرّابعة 1373 هـ، الناشر دار المعارف مصر: صحيح الإسناد. أ. هـ. وحسنه العلّامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 216 - 217 رقم 139 (الطبعة الرّابعة 1405 هـ الناشر المكتب الإسلامي بيروت - لبنان)، وقال جاسم الدوسري في النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد (الطبعة الأولى 1404 هـ، الناشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي الكويت) ص 47 رقم 82 إسناده محتمل التحسين. أ. هـ. وأخرجه غيرهم.
(3)
أخرجه الإمام أحمد 1/ 283، 347، 214، وقال الشّيخ أحمد شاكر: في شرح المسند 3/ 253 رقم 1839 "صحيح الإسناد وما وجدت هذا الحديث في غير هذا المسند"، وصححه شعيب وعبد القادر الأرنؤوط في حاشية زاد المعاد 2/ 353 (بتحقيقهما الطبعة الخامسة والعشرون 1412 هـ، الناشر مؤسسة ومكتبة المنار الكويت)، وحسنه العلّامة ناصر الدِّين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 216 رقم 139.
الوجه الرّابع عشر: أنّه إذا كان هذا حثًا على الاستغاثة به، بناء على ما ذكرت من شهود (1) القيومية وتوحيد الربوبية، وهذا عام لكل المخلوقات، فينبغي أن يحث على سؤال المخلوقين والرغبة إليهم، لأنّ السائل لهم عنده لا يسألهم؛ إنّما يسأل الله، كما أن المستغيث بمخلوق لا يستغيث به؛ إنّما يستغيث بالله على زعمكم.
وهذا كثيرًا ما يقع فيه هؤلاء الإسماعيلية الاتحادية (2)، وأعرف منهم شخصًا كان معظمًا؛ وكان له حاجة إلى نصراني، فذهب إليه وخضع له، وقبّل يده ورجله، وربما قبَّل نعله، حتّى قضى حاجته، ثمّ جعل يقول: ما رأيت إِلَّا الله، وما كان ذلك الخضوع والتقبيل إِلَّا لله.
وهؤلاء يصرحون في كتبهم بأن عُبّاد العجل ما عبدوا إِلَّا الله، وعُبّاد الأصنام ما عبدوا إِلَّا الله، وعُبّاد المسيح ما عبدوا إِلَّا الله وعندهم من عبد كلّ معبود كان محققًا موحدًا، وإنّما المقصر [عندهم](3) من عبد بعض [المظاهر](4) دون بعض، كالنصارى وعُبّاد العجل واللات والعزى، وفي كلام ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله من هذا ألوان (5)، لكن هذا الرَّجل وأمثاله
(1) في (ف): مشهد.
(2)
الإسماعيلية: فرقة باطنية، انتسبت إلى إسماعيل بن جعفر، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم شرائع الإسلام، تشعبت فرقها، منهم القرامطة والعبيديين -المسمون الفاطميين-، والحشاشية، والنزارية، والبهرة، والآغاخانيّة، والواقفة، وبعض هذه الفرق تشعبت إلى فرق أخرى.
ولا يصح انتساب أئمة الإسماعيلية لإسماعيل بن جعفر، فإنّه لم يعقب أحدًا، ومن أقوالهم: أن الرب -تعالى- يتحد مع الأئمة أو يحل بهم، لذا قال المؤلِّف: الإسماعيلية الاتحادية، واستحلوا الحرمات والمحارم، وقد أطال اليمني في عقائد الثلاث والسبعين في ذكرهم 2/ 489 وما بعدها. انظر: الفرق بين الفرق ص 281، والملل والنحل 1/ 191، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، تأليف د. أحمد جلي ص 265 وما بعدها، الطبعة الثّانية 1408 هـ، الناشر مركز الملك فيصل الرياض.
(3)
كذا في (د) وسقطت من الأصل و (ف) و (ح).
(4)
كذا في (د) و (ح) وفي الأصل و (ف) الظّاهر.
(5)
وإليك بعض الأمثلة: حط من شأن نبي الله نوح عليه السلام وصوب قومه في عدم =
لم يصلوا إلى الاتحاد بل وقفوا عند القدر وهو شهيد القيومية (1)، ولكن إذا جعلوا من استغاث بمخلوق فإنّما استغاث بالله لأجل توحيد الربوبية وشهود القيومية؛ لزمهم أن من سجد لمخلوق لم يسجد إلا لله، ومن عبد مخلوقًا إنّما (2) عبد الله، ومن سأل مخلوقًا إنّما سأل الله.
فإن قالوا: الأعمال بالنيات، قيل لهم: والذين قالوا: نستغيث بالنبي لم يذكروا أنّهم قصدوا غيره، وأنتم جعلتم ذلك بمجرده استغاثة بالله لشهود (3) القيومية، فيلزمكم أن يكون [الله](4) ورسوله أمر بسؤال المخلوق، والاستغاثة بالمخلوق، وعبادة المخلوق؛ بالسجود للمخلوق (5)؛ والخوف من المخلوق
= إجابة دعوته. انظر: فصوص الحكم لمحيي الدِّين ابن عربي، تحقيق أبو العلّا عفيفي ص 70 فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية، طبعة دار الكتاب العربي بيروت - لبنان.
وصوب السامري وعباد العجل من اليهود وخطأ هاراون عليه السلام في إنكاره عليهم، انظر: ص 192، 194 فص حكمة إمامية في كلمة هارونية. ويقول أيضاً في الفصوص ص 226 فص حكمة فردية في كلمة محمدية:"إِلَّا أن صاحب المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه على غيره فيما اعتقد في الله، إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلّم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده، وعرف الله في كلّ صورة، وكل مُعتقد فهو ظان ليس بعالم ولذلك "أنا عند ظن عبدي بي" لا أظهر إِلَّا في صورة معتقده، فإن شاء أطلق وإن شاء قيد"، وتابعه في هذا الضلال الجيلي في الإنسان الكامل، وابن الفارض في تائيته. انظر: الصوارم الحداد القاطعة لعلّائق مقالات أرباب الاتحاد للشوكاني، تحقيق محمّد ربيع المدخلي ص 123 وما (بعدها الطبعة الأولى 1414 هـ، الناشر دار الحرير القاهرة - مصر)، وهذه هي الصوفية، تأليف عبد الرّحمن الوكيل ص 95 - 97 (الطبعة الرّابعة 1984 م، الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان).
(1)
هذه شهادة من ابن تيمية للبكري، وتبرئة له من القول بالاتحاد، وهذا من عدله وصدقه رحمه الله مع ما في رد البكري من التكفير والتشنيع، ومع ما يلزم البكري من اللوازم الباطلة الّتي ذكرها المؤلِّف فيما بعد. علمًا أن البكري كفر ابن عربي في فتواه الّتي نقلها الفاسي. انظر: العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، جزء فيه عقيدة؛ ابن عربي وحياته للإمام تقي الدِّين الفاسي ص 34، 35.
(2)
في (ف): فإنّما.
(3)
(لشهود) سقطت من (د).
(4)
كذا في (ح) و (ط) وفي الأصل و (ف) و (د): أصل.
(5)
في (د): لمخلوق.
لأجل القيومية، فيلزم أن يكون كلّ شرك حرمه الله ورسوله؛ قد أمر الله به ورسوله باعتبار القيومية، لأنّ كلّ ما عُبد من دون الله فالقيومية تتناوله، فإذا كان اعتبارًا مسّوغًا لأنّ يعامل المخلوق معاملة الخالق، لزم أن يعامل المخلوقات كلها معاملة الخالق، من دعاء وسؤال، و (1) يصلّي لها ويسجد لها ويعبد.
الوجه الخامس عشر: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد نهى عن سؤال المخلوقين لغير ضرورة، ومدح من لم يسأل النَّاس شيئًا، فقال:"من سأل، النَّاس شيئًا (2) وله ما يغنيه جاءت مسألته كدوشًا أو خدوشًا في وجهه يوم القيامة (3) "(4)، (وقال: "لا تزال المسألةُ بأحدكم (5) حتّى يأتي يوم القيامة) (6) ليس في وجهه مزعة
(1)(الواو) سقطت من (د).
(2)
(شيئًا) سقطت من (د) و (ف) و (ح).
(3)
في (ف) زاد: "ليس في وجهه مزعة لحم".
(4)
أخرجه التّرمذيّ في (كتاب الزَّكاة، باب من تحل له الزَّكاة) 3/ 40 رقم 650 وحسنه، والنسائي في (كتاب الزَّكاة، باب حد الغنى) 5/ 97 رقم 2590 وأبو داود في (كتاب الزَّكاة، باب من يعطي من الصَّدقة وحد الغنى) 2/ 277 رقم 1626 وزاد: قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: فقد حدثناه زبيد عن محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد، وابن ماجه في (أبواب الزَّكاة، باب من سأل عن ظهر غنى) 1/ 339 رقم 1845، وأحمد في المسند 1/ 388، 441 جميعهم بألفاظ قريبة من لفظ المؤلِّف. وضعفوا الحديث للعلة الّتي ذكرها يحيى بن آدم وهي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير، وحكيم ضعيف انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلّامة شمس الحق العظيم آبادي، مع شرح ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد الرّحمن محمّد عثمان 5/ 29 - 30 (الطبعة الثّانية 1388 هـ، الناشر المكتبة السلفية المدينة) وفتح الباري 3/ 435.
وقد صحح الحديث الشّيخ أحمد شاكر في شرح المسند 5/ 248 رقم 3675 من طريق زبيد اليامي، والعلّامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 818 رقم 499. وقال:(حكيم بن جبير، لكن متابعة زُبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث فإنّه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد).
(5)
في (د): بأحدهم.
(6)
ما بين القوسين سقط من (ف) وفي (د) سقط قوله "يوم القيامة".
لحم" (1)، وقال: "لا تحل المسألة إِلَّا لذي غرم مفظع أو دم موجع أو فقر مدقع" (2)، وقال (3) أيضاً في حديث قبيصة بن مخارق: "إنَّ المسألة لا تحل إِلَّا لثلاثة (4): الغارم، والّذي أصابته جائحة اجتاحت ماله، والذي أصابته فاقة حتّى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلان فاقة" (5).
وقال في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب: "هم الذين لا يَسْتَرقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"(6)، وحديثهم في الصحيحين فمَدَحهم على ترك الاسترقاء، وقد دوي في بعض ألفاظه لا
(1) أخرجه البخاريّ في (كتاب الزَّكاة، باب من سأل النَّاس تكثرًا) 1/ 440 رقم 1474، ومسلم في (كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة) 2/ 730 رقم 1040 وغيرهما بألفاظ متقاربة وقريبة من لفظ المؤلف.
(2)
أخرجه أبو داود في (كتاب الزَّكاة، باب متجوز فيه المسألة) 2/ 292 - 294 رقم 1641 من حديث طويل، والترمذي في (كتاب الزَّكاة، باب من لا تحل له الصَّدقة) 2/ 15 رقم 2216، وقال التّرمذيّ في الجامع 3/ 522: هذا حديث حسن لا نعرفه إِلَّا من حديث الأخضر بن عجلان وعبد الله الحنفي الّذي روى عن أنس"، وأحمد في المسند 3/ 127 بألفاظ متقاربة وقريبة من لفظ المؤلِّف، والاختلاف في تقديم بعض ألفاظ الحديث وتأخرها عند المؤلِّف.
(3)
في (د): فقال.
(4)
في (ف): وذكر هؤلاء الثلاثة.
(5)
أخرجه مسلم في (كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة) 2/ 722 رقم 1044 ولفظه عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتّى تأتينا الصَّدقة فنأمر لك بها" قال: ثمّ قال: يا قبيصة إنَّ المسألة لا تحل إِلَّا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتىِ يصيبها ثمّ يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتّى يصيب قوامًا من عيش (أو قال سدادًا من عيش) ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا
…
الحديث" وقد أخرجه غيره.
(6)
أخرجه البخاري ومسلم في (كتاب الطب، باب أكتوى أو كوى غيره) 4/ 1825 رقم 5705 وطرفه رقم 5752 ومسلم (كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنَّة بغير حساب ولا عذاب) 1/ 198 - 200 رقم 218 بألفاظ متقاربة وخالفهم المؤلِّف في تقديم لفظة "ولا يكتون"، وزاد مسلم في الرِّواية الثّانية عنده "لا يرقون". وقال ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، تحقيق علي الشربجي وقاسم نوري ص 176 - 177 (الطبعة الأولى 1412 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان): قال شيخنا -أي ابن تيمية-: وهو الصواب، وهذه اللفظة -أي لا يرقون- وقعت مقحمة في الحديث، وهو غلط من بعض الرواة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الّذي استحق به هؤلاء دخول الجنَّة بغير حساب، وهو تحقيق التّوحيد وتجريده، فلا يسألون غيره أن يرقيهم. أ. هـ وانظر: مجموع فتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 182.
يرقون، ولم يذكره البخاريّ فإنّه لا يثبت وإن رواه مسلم، ومعلوم أن المسترقي يقول لغيره: ارقني، فيطلب من غيره الرقية، فإن (1) كان مشهد (2) القيومية معتبرًا في سؤال الخلق، وجب أن يكون المسترقي إنّما سأل الله، وكان يكون مأمورًا بالاستغاثة بالخلق باعتبار مشهد القيومية.
وقد قال الله -تعالى-: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح: 7، 8]، فإن كان مشهد القيومية معتبرًا في هذا الباب: كان كلّ من سأل مخلوقًا فإنّما رغب إلى الله فلا يُنهى عن ذلك، بل يؤمر بالرغبة إلى الخلق.
والله -تعالى- قد وصف الفقراء الممدوحين بأنّهم لا يسألون النَّاس إلحافًا، وسواء كان المعنى أنّهم لا يسألون النَّاس؛ أو يسألون النَّاس ولا يلحفون، فإن كان مشهد القيومية معتبرًا هنا، وجب أن يؤمر بسؤال الخلق والإلحاح في مسألتهم، فإنهم إنّما يلحفون في مسألة الله -تعالى- والله يحب الملحفين في الدُّعاء وهذا باب واسع.
الوجه السّادس عشر: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد مدح من لا يسأله، وفضله على من سأله، بل ذم كثيرًا ممّن [سأله](3)، فقال:"من سألنا أعطيناه ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا"(4)، وقال: "يسألني أحدهم المسألةُ ويخرج بها يتأبطها نارًا.
(1) في (د) و (ح)(وإن).
(2)
في (د) مشهود.
(3)
كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل "لمسئله".
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة والتعفف، تحقيق مجدي السَّيِّد إبراهيم ص 74 رقم 76 طبعة مكتبة القرآن - القاهرة، ولفظه "من يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن سألنا شيئًا فوجدناه أعطيناه، وواسيناه، ومن استعف عنا استغنى فهو أحب إلينا ممّن سألنا"، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 807 رقم 11419 (ط. 1419 هـ، الناشر دار الأفكار، الرياض)، وابن أبي شيبة في المصنِّف 3/ 211، بلفظ قريب من لفظ ابن أبي الدنيا، دون قوله: "ومن استعف عنا استغنى فهو
…
".
قال العراقي في تخريج الإحياء 13/ 98 رقم 3976: رواه ابن أبي الدنيا في القناعة والحارث بن أبي أسامة في مسنده وفيه حصين بن هلال ولم أر من تكلم فيه، وباقيهم ثقات. أ. هـ. قلت: في القناعة هلال بن حصن، قال أشرف عبد المقصود في حاشية تخريج الإحياء: في الإتحاف 9/ 305 حصين بن هلال. أ. هـ ولم أجده في زوائد مسند الحارث.
وقال محمّد بن طاهر الهندي في تذكرة الموضوعات ص 61 (وبذيلها قانون الموضوعات والضعفاء طبعة 1399، الناشر دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان): =
قالوا: يا رسول الله فلم تعطهم؟ فقال: يأبون إِلَّا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل" (1) وقال: "والذي نفسي بيده ما من أحد يسألني شيئًا فتخرج له المسألةُ ما لم أكن أريد (2) أعطيه فيبارك له فيه" (3)، أو كما قال لحكيم بن حزام في الحديث الصحيح الذي أخرجاه في الصحيحين قال: سألت رسول الله فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني ثمّ قال: "يا حكيم ما أنكر (4) مسألتك إنَّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخفي بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع"، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتّى أفارق الدنيا.
هذا لفظ رواية البخاري، وفي رواية:"ولا تكون يد أحد من العرب فوق يدي"، فكان أبو بكر وعمر يعطيانه حقه من بيت المال فلا يأخذه (5).
= سنده جيد. أ. هـ، وقال الحداد في المستخرج تخريج أحاديث إحياء علوم الدِّين: وله شواهد. انظر: المستخرج تخريج أحاديث إحياء علوم الدِّين، تأليف أبي عبد الله محمود محمّد الحداد 5/ 2265 - 2266 رقم 3596 الطبعة الأولى 1408 هـ، الناشر دار العاصمة الرياض - السعودية.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 16 ولفظه: "إنَّ أحدهم ليسألني المسألة فأعطيها إياه فيخرج بها يتأبطها وما هي إِلَّا نارًا، قال عمر
…
"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 94: ورجال أحمد رجال الصحيح. أ. هـ. وابن حبّان في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان، تأليف علاء الدين علي بن بلبان تحقيق شعيب الأرنؤوط في (كتاب الزَّكاة، باب المسألة والأخذ) 8/ 202 رقم 3414 (الطبعة الأولى 1412 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان)، قال شعيب الأرنؤوط في حاشية الإحسان: إسناده قوي. أ. هـ.
(2)
(أريد) سقطت من (د).
(3)
أخرجه مسلم في (كتاب الزَّكاة، باب النّهي عن المسألة) 2/ 718 رقم 1038 ولفظه: "لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا، فتخرج له مسألته مني شيئًا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته".
(4)
في (ح) ما أكثر.
(5)
أخرجه البخاريّ في (كتاب الزَّكاة، باب الاستعفاف عن المسألة) 1/ 439 رقم 1472 وأطرافه رقم 2750، 3143، 6441 واللفظ للبخاري كما ذكر المؤلِّف، إِلَّا قوله (ما أنكر مسألتك) -لم ترد في الصحيحين-، وأخرج الحديث لهذه اللفظة ابن أبي الدنيا في القناعة ص 19 بلفظه، والإمام أحمد في المسند 3/ 403 ولفظه (ما أكثر مسألتك) كما ورد في نسخة (ح)، وأمّا الرِّواية فقال ابن حجر في فتح الباري 3/ 429: وفي رواية =
فإن كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم على زعم هذا قد جعل من استغاث به فإنّما استغاث بالله، وقد حضه على ذلك، (فمن سأله فإنّما)(1) سأل الله، فليلزم أن يحض النَّاس على سؤاله، والأمر بالعكس، بل مدح من لم يسأله وذم كثيرًا ممّن سأله.
وأمّا الوجه الثّالث: قوله: (إنّه يصح أن يراد أنّه لا يستغاث بي على وجه التأثير والاقتدار، وإنّما ذلك لله، وفائدة التنبيه على ذلك أن لا يتعلّق به [أحد] (2) في الانتصار به من جهة السببية الظاهرة، كما يتعلّق النَّاس بالأسباب على الغفلة، بل يكون تعلّقهم للنظر إلى جانب الربوبية فيه، ومكانته عند ربه، فيكون ذلك كما قال: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس
…
الخبر (3) ".
فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أن هذا الّذي ذكره موافق (4) في المعنى لما ذكره المجيب، فإنّه لا ريب أنّه يجوز أن يُسأل النّبيّ أمورًا؛ ويستغات به في أشياء، بل يجوز هذا في غير حق النبي، وقد قال في أول الجواب: أجمع المسلمون على أن النبيَّ يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله النَّاس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة (5).
= لإسحاق ولفظه: "قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يد من أيدي العرب"، وأخرج الحديث مسلم في (كتاب الزَّكاة، باب بيان اليد العلّيا خير من اليد السفلى) 2/ 717 رقم 1035 وغيرهم.
(1)
ما بين القوسين في (د) كمن.
(2)
كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل "واحد" بزيادة واو.
(3)
هذا الخبر عن ابن مسعود رضي الله عنه وسيأتي بتمامه ص 188.
(4)
في (د): موافقه.
(5)
الشفاعة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب من الّذي وقع الجناية في حقه. التعريفات الجرجاني ص 172. وهذا التعريف قريب من التعريف اللغوي وحقيقتها: أن الله سبحانه هو الّذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود.
والشفاعة نوعان، شفاعة منفية في القرآن، وهي الشفاعة للكافر والمشرك، والنوع الثّاني: الشفاعة الّتي أثبتها القرآن الكريم، وهي خالصة لأهل الإيمان وقيّدها تعالى بأمرين:(الأوّل) إذنه للشافع أن يشفع، لقوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} =
ثمّ أهل السُّنَّة والجماعة متفقون على ما اتفقت عليه الصّحابة واستفاضت به السنن من أنّه يشفع لأهل، الكبائر من أمته (1)، ويشفع أيضاً لعموم الخلق، وأجمعوا على أن الصحابة كانوا يستغيثون به ويتوسلون به في حياته بحضرته كما في حديث عمر:"اللهم إنا كنا نتوسل إليك (2) بنبينا فتسقينا"(3)، والذي
= [البقرة: 255] والثّاني: رضا الله عمن أذن للشافع أن يشفع فيه، كما قال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، انظر: معارج القبول بشرح سُلم الوصول إلى علم الأصول في التّوحيد، تأليف الشّيخ حافظ الحكمي، ضبط وتعليق عمر بن محمود 1/ 866 الطبعة الثّانية 1413 هـ، الناشر دار ابن القيم الدمام - السعودية.
والشفاعة المثبتة أنواع:
الأولى: وهي العظمى، الخاصة بنبينا محمّد صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وهي الّتي أشار إليها المؤلف بقوله:"يشفع للخلق يوم القيامة بعد أنَّ يسأله النَّاس ذلك" كما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا مع النّبيّ في دعوة فرفعت إليه الذراع -وكانت تعجبه- فنهس منها نهسة، وقال: "أنا سيد النَّاس يوم القيامة، هل تدرون بم؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض النَّاس: ألَّا ترون ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ألَّا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم، فيقول بعض النَّاس: أبوكم آدم، فيأتونه
…
حتى يأتون محمدًا
…
فيأتوني فاسجد تحت العرش، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعطه"، أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب قول الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} 2/ 1026 - 1027 رقم 3340، وهذه الشفاعة في أن يفصل سبحانه بين النَّاس.
والثّانية: الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنَّة بغير حساب، كما في حديث السبعين ألفًا وسبق تخريجه.
والثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنَّة.
والرّابعة: الشفاعة في أقوام أمر بهم إلى النّار لا يدخلوها، وفي إخراجا الموحدين من النار.
والخامسة: الشفاعة في رفع درجات من يدخل الجنَّة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم، وهذا الذي وافقت عليه المعتزلة ونفت ما سواه.
والسّادسة: شفاعته في تخفيف العذاب عمن يستحقه، كشفاعته في عمه أبي طالب. انظر: شرح الطحاوية ص 229 - 233، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 2/ 204 وما بعدها، وللتوسع. انظر: كتاب الشفاعة، تأليف عبد الرحمن بن مقبل بن هادي الوادعي ص 17 - 158، الطبعة الثّانية 1403 هـ، الناشر مكتبة دار الأرقم - الكويت.
(1)
يشير المؤلِّف رحمه الله إلي النوع الرّابع من الشفاعة -كما في الفقرة السابقة- وقد تواترت الأدلة الشرعية على ثبوته، منها ما أخرجه البخاري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج قوم من النّار بشفاعة محمّد صلى الله عليه وسلم يسمين الجهنميين"(كتاب الرقاق، باب صفة الجنَّة والنار) 4/ 2035 رقم 6566.
(2)
(إليك) سقطت من (د).
(3)
أخرجه البخاري في (كتاب الاستسقاء، باب سؤال النَّاس الإمام الاستسقاء إذا =
ذكره عمر قد جاء مفسرًا في سائر أحاديث الاستسقاء، وهو من جنس الاستشفاع به، وهو أن يطلب منه الدُّعاء والشفاعة، ويطلب من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته فينا، وأن يقدم بين أيدينا شافعًا وسائلًا بأبي هو وأمي، فقد بين أنّه يجوز سفاله والطلب منه وهو الاستغاثة.
ومعلوم أن هذا من جملة الأسباب الّتي تفعل على جهة التسبب مع التوكل على الله عز وجل، لا يطلب من مخلوق شيء على جهة أنّه مستقل بالقدرة والتأثير، فإن الاستقلال (1) من خصائص الرب -تعالى-.
وإذا كان هذا الوجه متفقًا عليه فَحَمْلُ الحديث عليه لا يضر، وحينئذٍ فالمطلوب منه إمّا أن يكون قادرًا عليه، واما أن لا يكون قادرًا، فإن كان قادرًا طُلب على هذا الوجه، وإن لم يكن قادرًا عليه طُلب من الله، ولا منافاة بين المعنيين، لكن ظاهر لفظ الحديث -إن صح (2) - يقتضي أنّه لم يكن قادرًا على دفع ضرر ذلك المنافق، وأنّه أمرهم أن يستغيثوا فيه بالله -تعالى-.
الوجه الثاني: أن يقال: الأسباب المخلوقة والمشروعة لا تنكر، والأسباب المشروعة تفعل مع التوكل على الله، لكن لما قلتم: إنَّ الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إِلَّا الخالق هو من الأسباب المشروعة، والكلام إنّما هو في هذا، وهذا هو الّذي نهى عنه.
فالجواب حيث قيل: فأمّا ما لا يقدر عليه إِلَّا الله فلا يجوز أن يطلب إِلَّا من الله، لا يطلب ذلك من الملائكة ولا من غيرهم، فلا يجوز أن يقال لغير الله: اغفر لنا، واسقنا الغيث، وانصرنا على القوم الكافرين، أو اهد قلوبنا ونحو ذلك، ثمّ ذكر الحديث المذكور فبين أن المنهي عنه أن يطلب من المخلوق ما لا يقدر عليه إِلَّا الخالق، والطالب من النّبيّ قد يظن (3) أن يقدر على قضاء حاجته ولا يكون كذلك، كما كان يسأله الناس؛ إمّا نساؤه إما
= قحطوا) 1/ 302 رقم 1010 وطرفه 3710 وسيأتي الحديث بتمامه ص 197.
(1)
في (د) الاشتغال.
(2)
الحديث ضعيف وسيأتي تخريجه والكلام عليه. وسبق الكلام عليه في التلخيص وسيكرر المؤلِّف نفس العبارة بعد صفحات ص 186، وانظر: تخريج الحديث في ص 199.
(3)
(يظن) سقطت من (د).
غيرهن ما ليس عنده، وكما كان يأتونه في غزوة تبوك (1) ليحملهم فلا يجد ما يحملهم عليه، قال تعالى:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} [التوبة: 92]، وكما سأله أبو موسى الأشعري وأصحابه الأشعريون (2) أن يحملهم فقال:"والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه"، وكان هؤلاء الأشعريون من خيار الصّحابة؛ ظنوه قادرًا على حاجتهم ولم يكن كذلك.
وفي الصحيحين أن فاطمة ابنته جاءت تسأله خادمًا فأتاها بعد أن نامت هي وعلي رضي الله عنهما فعلَّمها أن تُسبح وتُحمد وتُكبّر، وقال:"ذلك خير لكِ من خادم"، ولم يعطها الخادم (3).
وقد قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ
(1) تبوك: بالفتح ثمّ الضم، وواو ساكنة وكاف. موضع بين وادي القرى والشام، وقيل: بركة لأبناء سعد من بني عذرة، وهو حصن به عين ونخل، غزاها النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سنة تسع للهجرة وهي آخر غزواته - وهي الآن مدينة كبيرة في شمال المملكة العربيّة السعودية. انظر: معجم البلدان 2/ 17 رقم 2445.
(2)
الأشعريون: بطن من كهلان، من القحطانية، وهم بنو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهم قبيلة مشهورة في اليمن، منهم أبو موسى الأشعري. قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهم. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب، تأليف عز الدِّين ابن الأثير 1/ 50 طبعة 1357 هـ، الناشر مكتبة القدسي القاهرة - مصر، ومعجم قبائل العرب القديمة والحديثة، تأليف عمر رضا كحالة 1/ 30 الطبعة الثّانية 1398 هـ الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان.
(3)
أخرجه البخاريّ في (كتاب النفقات، باب عمر المرأة في بيت زوجها) 4/ 1727 رقم 5361 ولفظه: حدّثنا علي "أن فاطمة عليها السلام أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنّه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال عَلَى مكانكما"، فجاء فقعد بيني وبينها، حتّى وجدت برد قدميه على بطني، فقال:"ألَّا أدلكما على خير ممّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم" وطرفه رقم 5362، ومسلم في (كتاب الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم) 4/ 2091 - 2092 رقم 2727 ورقم 2728.
تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)} [الإسراء: 26 - 28]، فأمره (1) تعالى إذا لم يجد ما يعطي السائل أن يقول له قولًا ميسورًا، وفي صفته أنّه صلى الله عليه وسلم كان إذا آتاه طالب حاجة لم يرده إِلَّا بها أو بميسور من القول (2)، وقد قال -تعالى-:{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263]، وقال -تعالى-:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} [الضحى: 9، 10]. ولما قدم عليه وفد هوازن مسلمين سألوه أن يردّ عليهم السبي والمال، فقال:"أحب الحديث إليَّ أصدقه ومعي من ترون، فاختاروا إحدى الطائفتين: إمّا السبي وإما المال"(3)، فهو تارة يسأل ما يقدر عليه، وتارة ما لا يقدر عليه.
فهذا الحديث -إنَّ كان صحيحًا- فقد سأله بعض أصحابه أن يدفع عنهم ضرر ذلك المنافق، فأخبرهم أنّه لا يقدر عليه بل يطلب ذلك من الله، كما أن عمر بن الخطّاب (4) كتب إليه أبو عبيدة بن الجراح عام اليرموك يستنصره على الكفار، ويخبره أنّه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلما وصل كتابه بكى النَّاس، (وكان من أشدهم عبد الرّحمن بن عوف وأشار على عمر أن يخرج بالناس)(5)، فرأى عمر أن ذلك لا يمكن، وكتب إليه (6): "مهما ينزل بامرئ مسلم من شدة فينزلها بالله يجعل الله (7) له فرجًا ومخرجًا، فإذا
(1) في (د): فأمر.
(2)
أخرجه البخاريّ في (كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل 41907 رقم 6034 عن ابن المنكدر قال:"سمعت جابرًا رضي الله عنه يقول: ما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال: لا".
(3)
أخرجه البخاريّ في (كتاب فرض الخُمس، باب ومن الدّليل على أن الخُمس لنوائب المسلمين (2/ 964 برقم 3131 - 3132 من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة. وأوله:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الحديث. الحديث" وطرفه رقم 4318، 4319.
(4)
في (د) و (ف) رضي الله عنه، بعد ذكر عمر وأبي عبيدة رضي الله عنهما.
(5)
ما بين القوسين سقط من (ف).
(6)
في هامش (د) وفي نسخه "إلى أبو عبيدة" هكذا.
(7)
لفظ الجلالة سقط من (ف).
جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم" (1)، فأخبره أنّه لا يمكنه أن يعاونه في هذه القضية، وأمره أن يستعين بالله، وإن كان يمكنه أن يعينه.
الوجه الثّالث (2): أنّه لو أريد هذا المعنى لقيل ما يدلُّ على هذا المعنى مثل أن يقال: توكلوا عليّ وأنا أغيثكم (3)، ولم يقل إنّه لا يستغاث بي، وإنَّما يستغاث بالله، فإنّه قد نفى وأثبت بكلام مطلق، وليس في الباب ما يدلُّ على ما ذكر.
ويظهر هذا بالوجه الرّابع: وهو أن أبا بكر وغيره من الصّحابة أعلم بالله من أن يظنوا أنّه يستقل بالإبداع والاختراع، فمن حمل الحديث على هذا فقد نسب الصديق إلى غاية الضلال، أين من ينزه الصديق من الخطأ وينسبه إلى هذا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم نفى وأثبت؛ وإن كان ما نفاه لم يخطر بقلوبهم فأي حاجة إلى نفيه؟ وإن قيل: إنهم ظنوه فذلك بهتان عظيم، بخلاف ظنهم أنّه يقدر على دفع المكروه، فإن هذا الظن قد كان يقع منهم كثيرًا، أو قد يكون الأمر كما يظنه الظّان، فليس فيه قدح لا في الصّحابة ولا في الرسول صلى الله عليه وسلم، بخلاف من يقول: لا تعتقدوا فيّ أني مثل الله؛ أقدر وأستقل بالتأثير كما يفعل الله، فإن هذا المعنى لا يظنه به من هو دون الصّحابة، فكيف يظنونه هم، ومن أراد أن يأمر غيره بالتوكل مع السبب المأمور به، لا ينهاه عن السبب، بل يقول له كما قال:"اعقلها وتوكل"(4)، وكَما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "احرص
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطَّأ في (كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد) 2/ 446 رقم 6 ولفظه: "
…
ومخرجًا، وأنّه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله -تعالى- يقول في كتابه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200]"، وقد أعله ابن حجر في فتح الباري 8/ 923 بالانقطاع، وأنّه موقوف على عمر، وأخرج الإمام أحمد عن عياض الأشعري؛ قال: كتبنا إلى عمر أنّه جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا إنّه قد جائني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا وأحضر جندًا، فاستنصروه، فإن محمّد صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني". الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد ترتيب أحمد عبد الرّحمن البنا 23/ 82 رقم 190 الطبعة الثّالثة 1404 هـ الناشر دار الشهاب القاهرة مصر، وقال البنا: صحيح الإسناد. أ. هـ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 213: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. أ. هـ. وله شواهد.
(2)
في (ف)(عشر) زيادة.
(3)
في (ف) أعينكم.
(4)
أخرجه التّرمذيّ في (كتاب صفة القبامة، باب 10) 4/ 668 رقم 2517 من =
على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" (1) وكما قال -تعالى-: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وكما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لمن يبعثه في السرايا: "ادعهم إلى الإسلام ثمّ الهجرة وإلا فالجزية، فإن أجابوك وإلا فاستعن بالله وقاتلهم" (2)، لا يقال في مثل هذه لا تقاتل ولا تحرص على ما ينفعك.
الوجه الخامس: أن الحديث الّذي ذكره حجة عليه، وهو حديث ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من [نزلت] (3) به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أو شك له بالغنى، إمّا بموت عاجل، أو غنى عاجل"(4) رواه أبو داود والترمذي وصححه.
فإنزال الفاقة بالناس أن يشكو إليهم ويترك الشكوى إلى الله، فلو كانت
= حديث أنس بن مالك ولفظه: "قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟
…
"، قال أبو عيسى: "وهذا حديث غريب من حديث أنس لا نعرفه إِلَّا من هذا الوجه. وقد روى عن عمرو بن أمية عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 303: رواه الطبراني عن عمرو بن أمية من طرق رجال أحدها رجال الصحيح غير يعقوب بن عبد الله بن عمرو بن أمية وهو ثقة. أ. هـ. ولم أجده في معاجم الطبراني الثّلاثة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 242 رقم 1068.
(1)
أخرجه مسلم في (كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله) 4/ 2052 رقم 2664 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأوله: "المؤمّن القوي خير وأحب إلى الله
…
" الحديث.
(2)
هذا الخبر ذكره المصنِّف مختصرًا، وقد أخرجه مسلم في (كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو) 3/ 1357 رقم 1731، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثمّ قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيهن ما أجابوك فاقبل منهم وكُف عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام (سقطت "ثم" من روايات الحديث عند غير مسلم)
…
الحديث" وأخرجه غيره.
(3)
كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل (نزل).
(4)
أخرجه التّرمذيّ في (كتاب الزهد، باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها) 4/ 563 رقم 2326 ولفظه: " .... ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"، وقال حديث حسن صحيح غريب، وأبو داود في (كتاب الزَّكاة، باب الاستعفاف) 2/ 296 رقم 1645 ولفظه: "من أصابته
…
"، وأحمد في المسند 1/ 407، 442، والحاكم في المستدرك 1/ 408 في كتاب الزَّكاة وقال: صحيح الإسناد، وتابعه الذهبي، ورواه غيرهم.
الاستغاثة بالمخلوق جائزة لجاز إنزالها بالناس، وقد قال يعقوب عليه السلام:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وقال تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح: 7، 8]، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله (1)، وإذا استعنت فاستعن بالله"(2)، ورأى الفضيل بن عياض (3) رجلًا يشكو إلى رجل فقال: يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك، وقال بعضهم: ذكر الله الصبر الجميل والهجر الجميل (والصفح (4) الجميل، فالصبر الجميل الّذي ليس فيه شكوى إلى المخلوق) (5)، والهجر الجميل الّذي ليس فيه أذى، والصفح الجميل الذي ليس فيه عتاب.
وأما قوله: (المراد بالخبر التنبيه على (6) الرجوع إلى الله -تعالى- بالقلب لا ترك السبب، بل [أن](7) يذكر الله في ذلك السبب).
فيقال: الأسباب نوعان: سبب مأمور به، فهذا طاعة وعبادة لله، كطلب
(1) لفظ الجلالة سقطت من (ف).
(2)
أخرجه الترمذي في (كتاب صفة القيامة، باب 59) 4/ 667 رقم 2516 واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وأوله عن ابن عبّاس قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: "يا غلام إنِّي أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله
…
الحديث". وتكلم على الحديث وشرحه ابن رجب فقال في جامع العلوم والحكم 1/ 462: ذكر العقيلي أن أسانيد الحديث كلها لينة، وبعضها أصلح من بعض، وبكل حال، فطريق حنش الّتي خرجها التّرمذيّ حسنة جيدة. أ. هـ. وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 293 وغيرهم.
(3)
أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي الخراساني. كان يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، فتاب، وجاور البيت الحرام. كان فاضلًا عابدًا ورعًا، وكان ثقة صدوقًا، قال الذهبي في السير 8/ 439: قال الأصمعي: نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل فقال أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك. مات سنة 187 هـ. انظر: السير 8/ 421 ترجمة رقم 114، والأعلام 5/ 153.
(4)
في (د) الصفح الجميل والهجر.
(5)
ما بين القوسين سقط من (ف). وشرح المصنِّف الصبر الجميل والهجر الجميل والصفح الجميل في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 666.
(6)
(على) سقطت من (د).
(7)
كذا في (ف) و (د) و (ح) وسقطت من الأصل، وسيذكر المؤلِّف النص مرة أخرى ويثبتها. انظر: ص 194.
الرزق؛ بالصناعة والتجارة، وكدفع العدو بالقتال، والأكل عند الجوع، واللباس عند البرد، فهذا ليس فيه إنزال الفاقة بهم ولا شكوى إليهم، وأمّا نفس سؤال النَّاس؛ فسؤالهم في الأصل محرم بالنصوص المحرمة له، وإنّما يباح عند الضّرورة (1).
وتنازع العلماء هل يجب سؤالهم عند الضّرورة؟ فالمنصوص عن أحمد أنّه لا يجب سؤال الخلق (2)، مع إيجابه مع غيره من الأئمة الأربعة وغيرهم الأكل من الميِّتة عند الضّرورة (3)، فإن الله لم يوجب سؤال الخلق، بل قد وصى النّبيّ صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه أن لا يسألوا النَّاس شيئًا، فكان (4) أحدهم إذا سقط سوطه لا يقول لأحد ناولني إياه، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه (5).
(1) انظر: شرح مسلم للنووي 7/ 133 فقد نقل اتفاق العلماء على منع السؤال. وانظر: فتح الباري لابن حجر 3/ 428.
(2)
حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل وقد سُئِلَ عن المسألة
…
قيل لأبي عبيد الله: فإن اضطر إلى المسألة؟ قال: هي مباحة إذا اضطر، قيل له: فإن تعفف؟ قال: ذلك خير له، ثمّ قال: ما أظن أحدًا يموت من الجوع! الله يأتيه بالرزق. انظر: الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي 3/ 344. ونص العلّامة منصور البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع 6/ 196 (راجعه هلال مصيلحي هلال، طبعة 1402 هـ، الناشر دار الفكر بيروت - لبنان) على أنّه يجب تقدّم السؤال على أكل الحرام.
(3)
قال ابن قدامة: وجوب الأكل من الميِّتة هو قول مسروق وظاهر كلام الأئمة الأربعة وغيرهم، وخالف بعضهم فقالوا الأكل من الميِّتة رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص، وقال النووي: والأصح وجوب الأكل. انظر: المغني وبهامشه الشرح 11/ 74، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي، إشراف زهير الشاويش الطبعة الثّانية 1405 هـ الناشر المكتب الإسلامي بيروت 3/ 282، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع جمع عبد الرّحمن بن قاسم النجدي 7/ 432 الطبعة الثّانية 1403 هـ.
(4)
في (د)(وكان).
(5)
يشير المؤلِّف رحمه الله إلى حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: "ألَّا تبايعون رسول الله؟ "، وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال:"ألا تبايعون رسول الله؟ "، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال:"ألا تبايعون رسول الله؟ "، قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا (وأسر كلمة خفية) ولا تسألوا النَّاس شيئًا"، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه. أخرجه مسلم في (كتاب الزَّكاة، باب كراهية سؤال النَّاس) 2/ 721 =
وصاحب الفاقة إذا (1) سأل الله -تعالى- (2)[أنزلها بالغني العليّ العلّيم القدير](3).
وقيل: يجب السؤال (4)، وهذا منقول عن الثّوري (5) وهو اختيار أبي الفرج ابن الجوزي (6)، وعلى هذا قال قائل: يسأل النَّاس ما يجب عليهم أن يعطوه إياه؛ إمّا من الزَّكاة وإما من غيرها، فإن إطعام الجائع فرض على الكفاية من النَّاس كما ثبت في، الصحيح عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: عودوا المريض وأطعموا البائع وفكوا العاني" (7)، وقد جاء في الحديث: "لو صدق السائل ما أفلح من رده" (8).
= رقم 1043. وعن ابن أبي مليكة قال: ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه، قال فقالوا له: لو أمرتنا نناولكه، فقال: إنَّ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أسأل النَّاس شيئًا"، أخرجه الإمام أحمد. انظر: الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد 23/ 66 رقم 148، وقال أحمد البنا: ابن أبي مليكة تابعي ثقة لم يدرك أبا بكر فإسناده ضعيف للانقطاع. أ. هـ. وهو كذلك. إِلَّا أن له شواهد صحيحة.
(1)
في الأصل و (ف)(سأل) زيادة.
(2)
في (د) و (ف)(إذا أنزلها بالله -تعالى-).
(3)
ما بين المعقوفتين، من (د) و (ت) وسقط من الأصل و (ف) و (ح).
(4)
وزاد بعض أهل العلم قولهم، يجب حال الاضطرار في العري والجوع. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود 5/ 49.
(5)
هو أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق الثّوريّ الكوفي شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، أمير المؤمنين في الحديث، له من الكتب "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" كلاهما من الحديث. توفي سنة 161 هـ. انظر: السير 7/ 229 ترجمة رقم 82 والأعلام 3/ 104.
(6)
هو جمال الدين، أبو الفرج عبد الرّحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي، الحنبلي رأسًا في التذكير والوعظ، وبحرًا في التفسير، صاحب التصانيف الكثيرة منها:"زاد "المسير" و"تذكرة الأريب" وغيرهما، نالته محنة في أواخر عمره، ووشوا به إلى الخليفة الناصر، توفي سنة 597 هـ، أنكر عليه بعض العلماء كلمات يخالف فيها السُّنَّة. انظر: السير 21/ 365 ترجمة رقم 192، والأعلام 3/ 316.
(7)
أخرجه البخاري في (كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير) 2/ 937 برقم 3046 وأطيافه بالأرقام 5174، 5373، 5649، 7173، وهذا اللّفظ أخرجه أبو يعلى في المسند 13/ 309 - 310 رقم 7325 من حديث أبي موسى رضي الله عنه وأخرجه غيرهم.
(8)
أخرجه الطبراني، في المعجم الكبير 8/ 294 رقم 7967 ورقم 7968 ولفظه: "لو =
ونقل المروذي (1) عن أحمد أنّه إذا عَلم صدق السائل وجب أن يعطيه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج: 24، 25]، واذا كان يسألهم ما أوجب الله عليهم كان بمنزلة أن يسأل ذا السلطان أن يعطيه حقه الّذي جعل الله له في المال، وسؤال ذي السلطان جائز (2)، كمن سأل
= أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم"، وأعله الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 102 بجعفر بن الزبير وقال: ضعيف أ. هـ. وذكره ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 82 تحقيق محمّد محيي الدين الأصفر (الطبعة الأولى 1409 هـ الناشر المكتب الإسلامي بيروت، ودار الإشراق بيروت - لبنان): بلفظ المصنِّف وقال: ليس له أصل. أ. هـ. وذكر روايات الخبر ابن الجوزي في الموضوعات تحقيق عبد الرّحمن محمّد عثمان 2/ 155 الطبعة الأولى 1386 هـ المكتبة السلفية المدينة وبيّن ضعفها ونقل عن العقيلي قوله: لا يصح في هذا الباب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيء. أ. هـ.
ويروى عن الإمام أحمد أنّه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس لها أصل، ذكر منها:"للسائل حق وإن جاء على فرس"، قال العراقي: لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد فإنّه أخرج هذا الحديث في المسند ثمّ ذكر العراقي طرق الحديث وأعلها. انظرت التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، تأليف زين الدِّين العراقي، تحقيق عبد الرّحمن محمّد عثمان، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة الطبعة الأولى 1389 هـ.
(1)
في (د)(المروزي) والصواب المروذي نسبة إلى مرو الروذ، والروذ بالذال المعجمة بالفارسية: النهر، من مدن خراسان. انظر: معجم البلدان 5/ 132 رقم (11167). وهو: أبو بكر أحمد بن محمّد بن الحجاج المروذي، صاحب الإمام أحمد، يقدمه أحمد على جميع أصحابه، ويأنس به، ويبعثه في الحاجة، قال له الإمام أحمد: كلّ ما قلت عني فهو على لساني وأنا قلته، نقل عن أحمد مسائل كثيرة، وهو الّذي أغمض الإمام أحمد، وكان فيمن غسله، روى جزءًا فيه كلام الإمام أحمد في علل الحديث ومعرفة الرجال، حققه صبحي البدري السامرائي، الطبعة الأولى 1409 هـ، الناشر مكتبة المعارف الرياض. توفي عام 275 هـ. انظر البداية والنهاية 11/ 58، والأعلام 1/ 205.
(2)
(جائز) سقطت من (ف): وقد اختلف العلماء في سؤال السلطان وقبول عطيته على ثلاثة أقوال:
أولها: يحرم قبول عطية السلطان.
الثّاني: يكره قبول عطية السلطان.
الثّالث: الإباحة وهو الأصل، إذا كان ماله حلالًا، وتحرم إذا كان حرامًا، ومن شك فالاحتياط رده وهو الورع. وللتوسع. انظر: شرح مسلم 7/ 141، وفتح الباري 3/ 431.
المودع أن يردّ عليه وديعته، وأن يعطيه حقه من الميراث والمغنم ونحو ذلك.
وعلى هذا فليس للسائل أن يسأل من لا فضل عنده، وليس له أن يتعدى في السؤال على الناس، وليس له أن يجزع ويعدل عن الصبر الجميل، وعليه أن يرغب إلي الله ويتوكل عليه بها وحينئذٍ فلا يكون قد أنزلها بالناس، مع أن القول الأوّل وهو عدم وجوب السؤال أظهر، فإن النصوص تقتضي أن ترك سؤال الخلق أفضل مطلقًا (1)، ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صفة السبعين ألفًا:"هم الذين لا يسترقون"، والمسترقي يطلب الدُّعاء (2) من الراقي، وقد قال - تعالى-:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3]، فقد بين أنّه كافي من توكل عليه، وأنّه لا بد أن يرزق المتقي، من حيث لا يحتسب (3)، والميِّتة رزق ساقه الله إليه عند الضّرورة فليس له أن يمتنع من أكله فيعين على قتل نفسه، ولو أتاه مال من غير مسألة ولا إشراف نفس أخذه (4)، وهذا كله يدلُّ على أن سؤال الخلق والاستغاثنة بهم حرام في الأصل؛ لا يباح إِلَّا لضرورة، وهو في الأظهر أشد تحريمًا من الميِّتة.
(1) هو الراجح، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 344، وشرح مسلم 7/ 133، وفتح الباري 3/ 342.
(2)
في هامش (د): رقي. وفي (ط): الرقية.
(3)
في (ف)(قف على قوله لا بدّ أن يرزق المتقي من حيث لا يحتسب). أ. هـ، وهذه الجملة من باب التصديق بكلام الله -تعالى- والثقة بما عنده، وهي من جنس قوله في معركة شقحب لما حلف للأمراء والناس أنّهم منصورون في هذه الكرَّة، فيقول له الأمراء: قل إنَّ شاء الله، فيقول تحقيقًا لا تعليقًا، وكان يتأول أشياء من كتاب الله، منها قوله تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} [الحج: 60] انظر: البداية والنهاية 14/ 26.
(4)
يشير المؤلف إلى حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر يقول، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال:"خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك"، أخرجه البخاري في (كتاب الزكاة، باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس) 1/ 440 رقم 1473.