المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إلا الله - الاستغاثة في الرد على البكري

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌القسم الأول: الدراسة

- ‌الباب الأول: في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية وترجمة البكري

- ‌الفصل الأول: ترجمة مختصرة لشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ ترجمة موجزة للمؤلف:

- ‌اسمه ونسبه ومولده ونشأته:

- ‌ مكانته ومنزلته:

- ‌ جهاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌ محنته وسجونه:

- ‌ مؤلفاته ورسائله:

- ‌ وفاته:

- ‌الفصل الثاني: ترجمة البكري وموقفه من شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌1 - اسمه ونسبه ومولده:

- ‌2 - شيوخه وآثاره العلمية:

- ‌3 - مذهبه الفقهي:

- ‌4 - عقيدة البكري:

- ‌5 - طريقة البكري الصوفية:

- ‌6 - منهج البكري في التكفير:

- ‌7 - مواقفه مع شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌8 - موقف البكري مع السلطان (الملك الناصر محمد بن قلاوون):

- ‌9 - وفاته وشعره:

- ‌الباب الثاني: دراسة الكتاب

- ‌الفصل الأول:‌‌ الاستغاثةأقسامها وحكمها

- ‌ الاستغاثة

- ‌أقسام الاستغاثة:

- ‌الاستغاثة المشروعة

- ‌ الاستغاثة الممنوعة

- ‌الفصل الثاني: الكتب المؤلفة في موضوع الاستغاثة

- ‌القسم الأول: الكتب المؤلفة في الاستغاثة بالله -تعالى

- ‌ من المؤلفات في هذا القسم:

- ‌ القسم الثاني: الانحراف في مسألة الاستغاثة:

- ‌ القسم الثالث: ردود أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الثالث: عنوان الكتاب ونسبته للمؤلف

- ‌ نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌الفصل الرابع: منهج المؤلف في الكتاب

- ‌1 - الشمولية في الرد:

- ‌2 - وضوح الهدف والغاية:

- ‌3 - ثبات المنهج والثقة به:

- ‌4 - الأمانة العلمية والصدق:

- ‌5 - العدل والانصاف:

- ‌6 - المقارنة والتحليل:

- ‌7 - الاستطراد والتكرار:

- ‌القسم الثاني: تحقيق الكتاب

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول: وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌ النسخة الأولى:

- ‌ النسخة الثانية ورمزها (ف):

- ‌ النسخة الثالثة ورمزها (د):

- ‌ النسخة الرابعة ورمزها (ح):

- ‌ تاريخ تأليف الكتاب:

- ‌الفصل الثاني: منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه

- ‌(1) تحقيق النص:

- ‌(2) عزو الأحاديث والآثار:

- ‌(3) توثيق الأقوال والمسائل والآراء الفقهية:

- ‌(4) التراجم والتعريفات:

- ‌(5) المصادر والمراجع:

- ‌(6) الرموز والمصطلحات:

- ‌الباب الثاني: كتاب تلخيص الاستغاثة لابن كثير

- ‌الفصل الأول: كتاب تلخيص الاستغاثة

- ‌الفصل الثاني: نسبة التلخيص لابن كثير

- ‌الفصل الثالث: منهج ابن كثير في التلخيص

- ‌الفصل الرابع: الموضوعات التي انفرد بها التلخيص أو أطال فيها

- ‌ أولاً: الموضوعات التي انفرد التلخيص بذكرها:

- ‌ ثانياً: الموضوعاث التي أطال الملخص فيها:

- ‌الفصل الخامس: الموضوعات التي فقدت من الكتاب الأصل أو جاءت مختصرة فيه

- ‌1 - رأي ابن تيمية في البكري:

- ‌2 - وصف ابن تيمية لرد البكري عليه:

- ‌3 - سبب رد ابن تيمية على البكري:

- ‌4 - استدلال البكري بحديث آدم في الرد على ابن تيمية:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌5 - كذب البكري في تكثير رواة حديث توسل آدم:

- ‌6 - الأحاديث الواردة في كتابة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - الأحاديث الموضوعة:

- ‌8 - دعوى البكري في توسل الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - أمثلة لما ورد عن أنبياء بني إسرائيل:

- ‌10 - استدلال البكري بقصة الامام مالك مع أبي جعفر المنصور:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌11 - استدلال البكري بحديث الكوة:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌12 - استدلال القبورية بحديث الأعمى:

- ‌13 - استدلال القبورية بسماع الميت:

- ‌14 - صور السؤال وحكم كل صورة:

- ‌15 - أحاديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها موضوعة:

- ‌16 - مراتب بدعة سؤال الموتى:

- ‌17 - دعاء صفة من صفات الله:

- ‌18 - سبب ضلال القبورية وأصل شبهتهم:

- ‌19 - أهمية التوحيد:

- ‌20 - استعداء البكري للدولة:

- ‌21 - مدح البكري لكتاب المؤلف الصارم المسلول:

- ‌22 - رد على البكري على استشهاد ابن تيمية بحديث لا يستغاث بي:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌ المثال العلّمي

- ‌ التّوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إِلَّا الله

- ‌ المطلوب من النّبيّ صلى الله عليه وسلم تارة يقدر عليه، وتارة لا يقدر عليه

- ‌ السبب المشروع لا ينافي التوكل

- ‌من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر

- ‌ لعن الذين يتخذون القبور مساجد

- ‌الكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تبارك وتعالى

- ‌ الفرق بين الحب في الله والحب مع الله

- ‌الذين لا يثبتون إلا المشيئة العامة لا يقولون بالفرق الثاني

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ ب

- ‌ ت

- ‌ج

- ‌ح

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌ س

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ ط

- ‌ض

- ‌ع

- ‌ غ

- ‌ ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ ن

- ‌ة

- ‌ و

- ‌ي

الفصل: ‌ التوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إلا الله

يفرق بين ما أمر الله به وما نهى عنه، كان معرضًا عن ذكره المنزّل، فيقيض له شيطانًا يصده عن سبيل الله؛ فيفرق بمجرد هواه، ومن أضل ممّن اتبع هواه بغير هدى من الله، ولو كان مثل هذا ذاكرًا لله ولم يشهد إِلَّا القيومية العامة، لم يشهد ما جاء به الكتاب المنزل من الفرق فإنّه يكون من أعظم أتباع الشّياطين.

ولهذا يوجد الشيوخ العبَّاد (1) والزهَّاد من هؤلاء يتبعون شياطين الإنس والجن، فيكون أحدهم من خفراء الكفار وأعوانهم، ومنهم من يحسن الظن (2) بالكفار وأعوانهم ونظرائهم [فيحسبهم](3) من أولياء الله المتقين؛ لا سيما إن رأى من الأحوال الشيطانية ما يغريه، مثل أن يخبره ببعض الغائبات، أو يحصل له نوع من التصرفات فيطير به الشيطان في [الهواء](4)، ويحضر له طعامًا وغير ذلك، كما كان يحصل لعبَّاد الأصنام مع الشّياطين، وهذا التّوحيد توحيد الربوبية العامة، كان المشركون يقرون به فهو وحده لا ينجي من نار ولا يدخل الجنَّة (5).

بل‌

‌ التّوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إِلَّا الله

وأن محمدًا رسول الله، بحيث يُقر بأن الله هو المستحق للعبادة دون ما سواه، وأن محمدًا رسوله،

(1) في (د) و (ح) والعباد.

(2)

بياض في الأصل و (د) و (ف) و (ح) بمقدار كلمة، وليس في الكلام سقط كما يتضح من السياق.

(3)

بياض في الأصل و (د) و (ف) و (ح) بمقدار كلمة وما بين المعقوفين يقتضيه السياق كذا في (ط).

(4)

كذا في (ح) وفي، الأصل، و (ف)(الاهوا) وفي (د)(الهوى).

(5)

وقد ذكر المؤلِّف هذه الأحوال الشيطانية في كثير من كتبه، انظر: التوسل والوسيلة، 300 - 303، والفرقان بين أولياء الرّحمن وأولياء الشيطان ص 328 - 332، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 610 - 611، وغيرها، وذكرها غيره من أهل العلم، مثل: أكام المرجان في عجائب وغرائب الجان، تأليف بدر الدِّين أبي عبد الله الشبلي ص 124 وما بعدها، الطبعة الأولى 1408 هـ، الناشر المكتبة العصرية بيروت - لبنان، وكتاب عالم الجن والشياطن تأليف عمر سليمان الأشقر ص 83 وما بعدها، الطبعة الثّانية، الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، وحقيقة الجن والشياطين، تأليف محمّد علي السيدابي ص 80 - 83، الطبعة الأولى 1407 هـ، الناشر دار الحارث الخرطوم - السودان.

ص: 163

فمن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن عصى الرسول فقد عصى الله، فيحل ما حلله الله ورسوله، ويحرم ما حرمه الله ورسوله، ويأمر بما أمر الله به ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله (1).

وهذا المقام غلط فيه كثير من السالكين، لم يميزوا بين الأوّل والثّاني (2) ولو طردوا قولهم لخرجوا من الدِّين كما تخرج الشعرة من العجين.

وإنّما طرده حذاق الملحدين منهم الذين يقولون: المسالك يشهد أوَّلًا طاعة ومعصية، ثمّ ثانيًا يشهد طاعة بلا معصية؛ وهو شهود القيومية، ثم لا تبقى لا طاعة ولا معصية وهو مشهد الوحدة (3) عندهم، ولهذا يقول بعض

(1) عدم معرفة أهل الكلام بالتوحيد الأعظم توحيد الألوهية وعدم ذكره في كتبهم، أدى لانخراط كثير منهم في بدع القبور، وإقرارهم للشرك الأكبر ووسائله الّتي ترتكب عند الأشرحة. انظر: دعوة التّوحيد، تأليف د. مححمد خليل هراس ص 231 الطبعة الأولى 1406 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان.

ومن تاب من أهل الكلام رجع إلى ما ذكر المؤلِّف، قال الشهرستاني في نهاية الإقدام ص 123 - 124 (طبعة ألفرد جيوم الناشر مكتبة المتنبي القاهرة - مصر): أمّا تعطيل العالم عن الصانع العالم القادر الحكيم فلست أراها مقالة لأحد ولا أعرف عليه صاحب مقالة إِلَّا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية

فما عددت هذه المسألة من النظريات الّتي يقام عليها برهان، فإن الفطر السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبدهية فكرتها على صانع حكيم عالم قدير {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

ولهذا لم يردّ التكليف بمعرفة وجود الصانع وإنَّما ورد بمعرفة التّوحيد ونفي الشرك، "أمرت أن أقاتل النَّاس حتّى يقولوا لا إله إِلَّا الله"، ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق التّوحيد

أ. هـ.

وللتوسع: انظر: كتاب التّوحيد لابن منده ص 71 وما بعدها، وهداية المريد لتحصيل معاني كتاب تجريد التّوحيد المفيد لتقي الدِّين المقريزي، تعليق أحمد طاحون ص 10 وما بعدها (طبعة 1414 هـ، الناشر مكتبة التراث الإسلامي القاهرة - مصر)، ورسالة في وجوب توحيد الله للعلّامة محمّد علي الشوكاني، تحقيق د. محمّد ربيع مدخلي ص 59 وما بعدها (الطبعة الأولى 1412 هـ، ـ الناشر دار المنار القاهرة - مصر)، والعلّم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ، للعلّامة صالح المقبلي ص 8 وما بعدها، وبهامشه كتاب الأرواح والنافح له أيضاً (الناشر مكتبة لبنان دمشق - سوريا) وغيرهم كثير.

(2)

في (د)(من توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية) وهو تفسير الأوّل والثّاني.

(3)

في (ف): الوحد، ومشهد الوحدة هو: في عرف الصوفية أن لا يشهد فيه ربًا وعبدًا، وخالقًا ومخلوقًا، وآمرًا ومأمورًا، وطاعة ومعصية بل الأمر كله واحد فيكون =

ص: 164

شيوخ لعؤلاء: أنا كافر برب يعصى، ويقول. لو قتلت سبعين نبيًا ما كنت مخطئًا.

ويقول الآخر وهو ابن عربي:

الربُّ حقٌ والعبدُ حقٌّ

يا ليت شعري من المكلَّف

إنَّ قلت عبدٌ فذاك ميْتٌ

أو قلت ربٌّ أنَّى يكلّف (1)

والكلام (على هذا)(2) مبسوط في غير هذا الموضع، وإنَّما الغرض التنبيه على موضع الغلط والاشتباه.

الوجه الثّالث: قوله: (إنَّ المقرب إذا غلب عليه هذا، نطق برد الأشياء إلى خالقها وغلب ذلك على نطقه).

فيقال: سيد المقربين محمد صلى الله عليه وسلم وهو الّذي قاتل الكفار وكان يأمر بقطع [يد](3) السارق ورجم الزاني وجلد الشارب، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطَّيِّبات ويحرم الخبائث؛ فلو غلب عليه مشهد القيومية وأن الأشياء جميعها مخلوقة لله؛ ولم يشهد ما فيها من الفرق؛ لَمَا كان ينبغي أن يأمر أحدًا، ولا ينهى أحدًا، ولا يقتل أحدًا، ولكان ينبغي أن يردّ كفر الكافرين وفسق الفاسقين إلى الخالق، كما قال (4) [في] (5) قوله:"ولكن الله حملكم"(6)، وبيّن أن يقال -والعياذ بالله- ولكن الله كفر وزنا وسرق وشرب

= المسالك عندهم في بدايته يشهد طاعة ومعصية، ثمّ يرتفع عن هذا الفرق بكشف عندهم حتّى يشهد الأفعال كلها طاعة لله لا معصية فيها، وهذا ناقص عندهم أيضاً إذ هو متضمن للفرق، ثمّ يرتفع عندهم إلى مشهد الوحدة وما ثمّ غير. طريق الهجرتين لابن القيم ص 260. وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 244.

(1)

الفتوحات المكية لابن عربي 1/ 42، تحقيق د. عثمان يحيى، طبعة 1392 هـ الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(2)

ما بين القوسين، سقط من (د).

(3)

كذا في (د) و (ح) وسقطت من الأصل و (ف).

(4)

بياض في الأصل و (ف) بمقدار سطر وفي هامش الأصل (بياض في الأصل). وفي الجملة سقط. وكذلك الجملة الّتي بعدها.

(5)

ما بين المعقوفتين من (د) و (ح) وسقط من الأصل و (ف).

(6)

هذا جزء من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أخرجه البخاريّ في (كتاب الخمس، باب ومن الدّليل على أن الخمس لنوائب المسلمين) 2/ 965 رقم 2133 بلفظه. =

ص: 165

الخّمْرِ، فهل يقول هذا مؤمن أو عاقل؟ وقوله صلى الله عليه وسلم:"ولكن الله حملكم" سنذكره إن شاء الله.

وإلا مشهد القيومية شامل لجميع الفعل، وإن فرق بين خلق الله لحملهم وكلامهم ولفعلهم ولتكذيب (1) المكذبين.

أفترى الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يشهد القيومية في بعض الأشياء، وهو أعلم الخلق بالله، ومشركو العرب كانوا مقرين بأن الله رب كلّ شيء، وهم يقرون بمشهد القيومية.

الوجه الرّابع: أن يقال له: مَنْ مِن المقربين كان يقف عند مشهد القيومية، فيرد جميع الأفعال إلى [الخالق](2) من غير أن يشهد أنّها أفعال لفاعليها يستحقون عليها المدح والذم، والثواب والعقاب.

وهذا القرآن ينطق عن جميع الأنبياء والمرسلين -وهم سادات المقربين- بأنّهم كانوا يفرقون بين المعروف والمنكر، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، ويأمرون بعبادة الله وحده، وينهون عن عبادة ما سواه، ولو لم يشهدوا إِلَّا القيومية الّتي ترد فيها الأفعال إلى خالقها، لم يأمروا ولم ينهوا ولم يمدحوا ويذموا، فإن العبد لا يأمر الله ولا ينهاه ولا يذمه ولا يعاقبه.

والأنبياء كلهم على شهود الفرق، ومدح المحسن وذم المسيء، وإن كانوا مقرين بأن الله خالق كلّ شيء وربه ومليكه، فشهود القيومية العامة لا يناقض؛ أن يفعلوا ما أُمروا به، وأن يأمروا الخلق بعبادة الله وحده، وينهونهم عن عبادة ما سواه.

بل عامة بني آدم من المسلمين والكفار يقرون بالقدر وبهذه القيومية، وهم مع هذا يثبتون الفرق بين المطلوب والمرغوب، ويمدحون من فعل ما يوافق مرادهم، ويذمون من خالف ذلك، ولا يرون الإقرار بالقيومية مناقضًا لذلك.

= وسيأتي تخريج الخبر كاملًا في ص 172.

(1)

في (ف) والتكذيب -بزيادة ألف-.

(2)

كذا في (ت) و (ط) وفي الأصل و (د) و (ف) و (ح)"الخلق"، وهو خطأ.

ص: 166

الوجه الخامس: قوله: (فيكون المعنى حينئذٍ كما وردت الآية أن البيعة وإن كانت له في الصورة فهي مع ربه في المعنى، وكذا ما كان من الرّمي فكأنّه يقول: الاستغاثة وإن وقعت بي فإني لست المستغاث به في المعنى، إنّما المستغاث به الله عز وجل).

فيقال: قد تقدّم بيان فساد أصل (1) هذا الكلام، ثمّ نقول قوله:(هي مع ربّه في المعنى) أتريد به أن الله هو المرسل الّذي أمره أن يبايعهم على الجهاد، وأمرهم بالجهاد، وهو الّذي ثبتهم على الوفاء؟ أم تريد (2) أن الله هو الّذي خلق البيعة؟ فإنّه خالق كلّ شيء، والقيومية شاملة لكل شيء، أم تريد (3) به معنى ثالثًا؟ فإن أردت الأوّل فهو صحيح؛ لكن يناقض قولك، فإن هذا مختص بمن يأمر بما أمر الله به، وينهى عما نهى الله عنه، [و](4) لم ينزل الله أحدًا منزلة نفسه في الأفعال، ولا جعل الله أفعال محمّد كصومه وصلاته وحجه واعتماره وجهاده ونكاحه وأكله وشربه ودعائه وتضرعه فعلًا له، ولا جعل نفس مبايعته للمؤمنين فعلًا له، بل جعل المُبايع له إنّما يُبايع مُرسِله والجزاء عليه، كما جعل من أطاعه فقد أطاع الله، فهذا فعل (5) خاص؛ ليس عامًا في كلّ أفعاله.

وأيضًا فلم يجعل هذا الفعل فعل الله، بل أخبر أن محمدًا رسول الله يبايع عنه والمبايعةُ لمُرسِلِه في الأصل، كما (6) أن الطاعة طاعة لمرسله في الأصل، وكما أن معاملة الوكيل معاملة مع موكله، وليس في هذا إسقاط فعل الوكيل (7) عن أن يكود وكيلًا، وإنّما فيه إثبات النيابة له عن غيره، وإن أردت أن الله خالق بيعته فهذا المعنى صحيح عند أهل السننة المثبتة للقدر، الّذي هو خلق الله خلافًا لنُفاته.

ولكن إذا فسرت الآية بهذا سوَّيت بين الأنبياء والشياطين، وبين آدم

(1) في (ف): أهل.

(2)

في (د) تريدون.

(3)

في (د) تريدون.

(4)

كذا في (ف) وسقطت من الأصل و (د) و (ح).

(5)

(فعل) سقطت من (د).

(6)

في (ف)(وكما).

(7)

في (د): عنه -زيادة-.

ص: 167

وإبليس، وموسى وفرعون، وبين أولياء الله وأعدائه، ولزمك أن تقول كفر الكافرين لهم (1) في الصورة ولربهم في المعنى، ولعنه (2) للكفار هو للكفار في الصورة ولربهم في المعنى، وأيضًا فيقال لك: المبايعة فيها فعل من الرسول وفعل من الصّحابة؛ فعلى هذا التقدير يلزمك: (أن يكون الله بايع في المعنى، لأنّه خالق للأفعال كلها، وإلا فإذا جاز أن يقول البيعة له في الصورة ولربه في المعنى، لكون الله خالقه وخلق (3) فعله؛ لزمك) (4) أن تقول: بيعته لهم بيعة لله في المعنى، لأنّ الله خلقهم وخلق أفعالهم.

ويلزمك على هذا التقدير أن تقول: إنَّ الذين بايعتهم إنّما بايعت الله، وطرده أن من قاتل شخصًا فإنّما قاتل الله، ومن بايعه فإنّما بايع الله، بل يلزمهم أقبح من هذا وهو أن من لامه أو جامعه أو ضاجعه فإنّما يفعل ذلك مع الله، فإن أصل هذا القول أن الله لما كان خالقًا لأفعال العباد، كان الفعل لهم في الصورة وله في المعنى، وهذا عام في كلّ الأفعال في الخير والشر، وان أردت معنى ثالثًا فبيّنه.

الوجه السّادس قوله: (البيعة وإن كانت في الصورة له فهي مع ربه، إذا لم يردّ معنى الإرسال والتبليغ المختص بالأمر والنهي، كان مقتضاه أن الرسول لم يفعل شيئًا ولا بايع، ولكن الرب هو الّذي فعل ذلك في المعنى). وهذا أن أُريد به خلق الأفعال، فقد تقدّم بطلان إرادة ذلك هنا، ؤإن أريد (5) به الحلول بأن يكون الرب -سبحانه- هو المتكلم على لسان الرسول، كما أن الجنّي يتكلم على لسان المصروع، (فالكلام في الصورة للمصروع)(6) وفي الباطن للجني فهذا هو الكفر الصريح، وهذا مذهب النصارى، وهؤلاء يشبهون النصارى في كثير من أمورهم، ولهذا سُلط عليهم النصارى، يُهينونهم كما أهانوا أهل هذا الشخص وأمثاله.

وكنت أقول لهم: إنَّ الله وعد بنصره المؤمنين على الكافرين، وأنتم مشابهون للنصارى، وفيهم من هو أكفر من النصارى وأعظم إلحادًا ونفاقًا من

(1)(لهم) سقطت من (د).

(2)

في (د)(أو لعنته).

(3)

في (د)(خالق).

(4)

ما بين القوسين سقط من (ف).

(5)

(أريد) سقطت من (ف).

(6)

ما بين القوسين سقط من (د).

ص: 168

النصارى، كثير مَنْ بُغْضُيهم للنصارى إنّما هو لهوى وحظ كونهم لهم في الدنيا رياسة ومال أكثر (1) منهم، لا يبغضونه لأجل كفرهم ودينهم، إذ كانوا مشاركين لهم في كثير منه (2)، وبعضهم أشد كفرًا ونفاقًا من النصارى، وبعض النصارى أكفر منهم، وطائفة من شيوخهم يميلون إلى النصارى أكثر من المسلمين، ويأمرونهم بالبقاء على دينهم، ويقولون إذا صرتم محققين على طريقتنا فلا حاجة بكم إلى الإسلام، بل دوموا على النصرانية.

ثمّ إنَّ الآية يمتنع أن يراد بها الحلول فإنّه قال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، ويد النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانت مع أيديهم لا فوقها، فلم تكن يده يدًا لله، ولأنّه قال:{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10]، ولم يقل فإنك تؤتيه، وقال:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 18]، ولم يقل أنك أنت علمت ما في قلوبهم، ولا أنزلت السكينة عليهم.

الوجه السابع قوله: (فكأنّه يقول الاستغاثة وإن وقعت بي فإني لست المستغاث به في المعنى إنّما (3) المستغاث به الله).

فيقال: إنّه لم يقل لم تستغيثوا بي؛ وإنَّما استغثتم بالله، ولكن قال:"إنه لا يستغاث بي وإنّما يستغاث بالله"(4)، وهذا نفي للمستقبل لا للماضي (5).

الوجه الثّامن: أن يقال: هذا الرَّجل فسَّر الاستغاثة بالتوسل (6)

(1) في (د) و (ح) كثير.

(2)

في (د) مهم.

(3)

في (د) وإنما -بزيادة واو-.

(4)

هذه قطعة من حديث عبادة بن الصامت، وسيأتي نصه كاملًا ص 199.

(5)

في (د) للماضي.

(6)

الوسيلة في اللُّغة هي: المنزلة عند الملك. وَسَلَ فلان إلى الله إذا عمل عملًا تقرب به إلى الله. والواسل الراغب إلى الله. لسان العرب لابن منظور 11/ 724 - 725، وتوسل إلى ربه بوسيلة تقرب إليه بعمل. المصباح المنير ص 253 مادة وسل.

وقال ابن تيمية: وجماع الوسيلة الّتي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إِلَّا بذلك.

والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصّحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته.

والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به، كما يقسمون =

ص: 169

به (1) كما تقدّم قوله: (إنَّ كلّ من توسل إلى الله بنبيه في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان (2) بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيره)، وقال:(قول القائل أتوسل إليك برسولك (3)(وأستغيث برسولك)(4) عندك أن تغفر لي، استغاث بالرسول حقيقة في لغة جميع (5) الأُمَّة).

وهذا الكلام وإن كان باطلًا كما تقدّم (6)؛ فالمقصود هنا أنّه جعل الّذي يسأل الله به مستغيثًا به، وهنا قد جعل الاستغاثة بسؤاله فقد جعل المستغيث به مستغيثًا بالله في المعنى، وهذا (7) لا يصح إذا أريد به السؤال به (8)، فإن الله هو مسؤول لا مسؤول به.

وحينئذٍ فما قال في الاستغاثة به هنا يناقض ما تقدّم؛ إِلَّا أن يجعل الاستغاثة تعم النوعين، ويلزمه أن يجعل كلّ من سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئًا فإنّما سأل الله، ويلزمه ذلك في غيره، وحينئذٍ فيسأل المخلوق كما يسأل الخالق، وهذا لا يقوله عاقل فضلًا عن مسلم.

الوجه التّاسع: أنّه لو صح (9) هذا النَّفْي والإثبات باعتبار القيومية، لقيل هذا لكل من كان كذلك، فيقال: لمن بايع النَّاس كلهم وواجرهم وشاركهم إنك

= ويسألون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح.

والخلاصة: أن التوسل يراد به معنيان صحيحان باتِّفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة. الأوّل: التوسل بطاعته والإيمان به وهو أصل الإيمان والإسلام. والثّاني: التوسل بدعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم وشفاعته لا بذاته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة. والثّالث: التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته. وهذا لم يفعله الصّحابة لا في حياته ولا بعد مماته ولا عند قبره ولا غير قبره. وينقل فيه أحاديث ضعيفة. أ. هـ. باختصار. انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 79 - 82.

(1)

سقطت من (د).

(2)

في (د) كانت.

(3)

في (د): عندك.

(4)

ما بين القوسين سقط من (ف).

(5)

في (ف) جمع.

(6)

يشير المؤلِّف هنا إلى الجزء المففود من الكتاب، وسيتعرض له المؤلِّف مرّة أخرى، وقد ذكر الملخص ما أشار إليه المؤلِّف، وقد ذكرنا نصه كاملًا تحت عنوان: سبب ضلال القبورية وأصل شبهتهم.

(7)

(وهذا) سقطت من (د).

(8)

(به) سقطت من (ف).

(9)

في (د): توضح.

ص: 170

إنّما بايعت الله وواجرت الله وشاركت الله، ويقال للذي استغاث بموسى الّذي قال الله فيه:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه} [القصص: 15]، إنّه لم يستغث بموسى وإنَّما استغاث الله، ويقال لمن استنصر المؤمنين الذين (1) قال الله فيهم:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72]، إنّما استنصروا الله والنصر على الله، ويقال في قوله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، [إنّما استعانوا الله](2) والله يُعين، وقد خاطبني مرّة شيخ من شيوخ هؤلاء الضلال، لما قدم التتار (3) -آخر قدماتهم- وكنت أُحرض الناس على جهادهم، فقال لى هذا الشّيخ: أُقاتل الله، فقلت له: هؤلاء التتار هُم الله، وهم من شر الخلق؟ (4) إنّما هم عباد الله خارجون عن دين الله، وإن قدّر أنّهم كما يقولون فالذي يقاتلهم هو الله، ويكون الله يقاتل الله، وقول هذا الشّيخ لازم لهذا وأمثاله.

الوجه العاشر: أن يقال إذا كان الأمر كما ذكرته من شهود القيوميّة فأي مدح في هذا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأي فائدة في هذا القول، أو ترى الصدّيق والصحابة ما كانوا يقرون بأن الله رب كلّ شيء ومليكه وأن العبد لا يمكنه أن يفعل شيئًا إِلَّا بمشيئة الله -تعالى- وقدرته.

(1)(الذين) سقطت من (ف).

(2)

ما بين المعقوفين يتطلبه السياق كما في (ط) بها وفي الأصل و (ف) و (د) و (ح) و (ت) واتقوا.

(3)

التتار هم بدو الترك ويطلق عليهم المغول، وتختلف لغتهم عن لغة الترك، ويعرفوذ بالصينية (تاتا)، موطنهم منغوليا جنوب شرق سيبريا على حدود الصين، وبلادهم اليوم من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، اجتاحوا العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري، في اجتياح لم يسبق مثله في التاريخ، ونشروا الرعب والقتل والتدمير في كلّ بلد يدخلونه، ثمّ هداهم الله للإسلام فيما بعد، وبعد حروب كثيرة، وللمؤلف رحمه الله مواقف مشرفة في جهادهم، وقد كان للصوفية والرافضة مواقف مخزية، قال أحدهم لشيخ الإسلام ابن تيمية: نحن ما ينفق حالنا إِلَّا عند التتر، وأمّا عند الشرع فلا. وقال الشّيخ عبد الرّحمن دمشقية: العلّاقة بين التتار والرفاعية عار وليست كرامة. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 374، والبداية والنهاية 13/ 98 وما بعدها و 14/ 51، ودائرة المعارف الإسلامية ترجمة أحمد الشنتناوي وآخرين 4/ 576 مادة تتر، والرفاعية تأليف عبد الرّحمن دمشقية ص 110 وما بعدها، الطبعة الأولى 1410 هـ.

(4)

في (د): هؤلاء.

ص: 171

الوجه الحادي عشر: أن ما كان من هذا الباب لا يجوز فيه نفي الفعل عن العبد، فإنّه مكابرة للحس ولو على مذهب الجبرية، بل إذا أريد نفي فلا بد من قرينة تببين المراد والحديث مطلق ليس فيه قرينة.

الوجه الثّاني عشر: أمّا حديث أبي موسى الأشعري وقوله: "ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم"، لم يُرد به النبي صلى الله عليه وسلم كون الله خالق أفعال العباد؛ فإن هذا يتناول هذا الفعل وغيره من الأفعال.

ومعلوم أن الله لم يقل لم أركب ولكن الله ركب، ولم يقل ما جاهدت في سبيل الله ولكن الله جاهد، ولم أسافر (1) ولكن الله سافر، ونحو ذلك.

بل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما سألوه أن يحملهم، قال: والله ما أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه، فلما ذهب أبو موسى، بُعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب (2) إبل فأمر فبعث إلينا بخمس ذود غُرّ الذرى (3)، فقلنا: تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدًا، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم"، فلما لم يكن منه لا قصد ولا قدرة، صح أن يقول ما حملتكم لأني لم يكن عندي ما أحملكم عليه، ولكن الله حملكم بما يسره من الحمولة الّتي أتى بها بغير فعل مني، فنفى الحمل عن نفسه وأضافه إلى الله، لأنّه أراد به تيسير الحمولة ولم يكن له في هذا فعل، ثمّ قال:"وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إِلَّا أتيت الّذي هو خير وتحللتها"(4)

(1) في (د) ولا سافرت.

(2)

(بنهب) سقطت من (ف).

والنهب هو: الغارة والسلب. النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (5/ 133) باب النون مع الهاء.

(3)

ذود غُر الذرى: الذود من الإبل هي ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل ما بين الثلاث إلى العشر، وقال أبو عبيد:"الذود من الإناث دون الذكور، والحديث عام فيهما"، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 2/ 171 باب الذال مع الواو. غر الذرى: أي بيض الأسنمة سمانها، والذرى جمع ذروة وهي أعلى سنام البعير، وذروة كلّ شيء أعلاه. النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 159 باب الذال مع الراء.

(4)

هذا الحديث أخرجه البخاريّ في مواضع كثيرة من صحيحه، بألفاظ متقاربة، =

ص: 172

وقال لهم هذا لما قالوا: إنك حلفت أن لا تحملنا، وكان قد قال: "ما عندي ممّا أحملكم عليها، فبيّن لهم أني حلفت للعسرة والعجز، وأن الله يسر بالحمولة، فهو الّذي حملكم، ومع هذا فإني أحنث في يميني للمصلحة الراجحة، وأكفّر.

هذا الكلام يتضمن (1) جوابين من النّبيّ صلى الله عليه وسلم كلّ منهما مستقل، وأمّا الجواب بأحدهما كأنّه يقول: أنا ما حملتكم وإن كنت حملتكم أنا أكفِّر، وعلى الأوّل يقول: الحمل الّذي طلبتموه ما حصل مني بل من الله، والحمل الّذي حلفت عليه أكفّر عنه.

الوجه الثّالث عشر: قوله: (فإن صح هذا الحديث (2) لا يكون كما قال، من جعل الصديق بتأويله مخطئًا من غير ضرورة، بل يكون الحديث حثًا على الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم).

فيقال: أنت الّذي جعلته مخطئًا، حيث قال: إنّه [يستغيث](3) بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنفى النّبيّ ما أثبته، وقال: ليس هذا استغاثة بي؛ بل بالله، بل قولكم يستلزم تخطئة الرسول حيث جعلتم (4) من طلب من مخلوق حاجة لم يطلبها منه، بل إنّما (5) يطلبها من الله، وهذا مكابرة للحس والشّرع والعقل، وعلى ما قاله يجوز أن يقال لمن سأل كافرًا حاجة واستغاث به ما سألته ولا استغثت به، ويكون من قال إنّه سأل كافرًا مخطئًا، وهذا كما أنّه تخطئة منهم للصدِّيق،

= فقد ورد بالأرقام التالية: 3133، 4385، 4415، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 7555، وأقرب لفظ إلى لفظ المؤلِّف هو ما أخرجه في (كتاب التّوحيد، باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}) 5/ 2362 رقم 7555. وأخرجه مسلم أيضاً بألفاظ متقاربة في (كتاب الإيمان، باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خير منها) 3/ 1268) رقم 1649.

قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: قال الماوردي: معناه أن الله -تعالى- أتاني ما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه. شرح مسلم للنووي 11/ 121.

(1)

في جميع النسخ إما ويظهر أنّها زيادة، وليسر لها معنى.

(2)

الحديث وسيأتي تخريجه ص 199.

(3)

كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل: لا يستغيث.

(4)

في (ف) جعلت.

(5)

في (د) وإنَّما.

ص: 173