الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول:
الاستغاثة
أقسامها وحكمها
الاستِغَاثةُ: مصدر، وعند النحاة من أنواع النداء، وتعريفها لغة: أن يطلب من المُنادى الإغاثة لغيره، وهي: طلب الغوث وهو كشف الشدة، كالاستنصار طلب النصر، وكالاستجارة والاستعاذة، فكلها من أنواع الطلب والدعاء لأن الفعل الثلاثي إذا تقدمه السين والتاء دل على طلب الشيء، والنداء والدعاء بمعنى واحد، وبين الاستغاثة والدعاء عموم وخصوص مطلق يجتمعان في مادة دعاء المستغيث، وينفرد الدعاء الذي هو مطلق الطلب أو السؤال من غير المستغيث، وينفرد الدعاء الذي هو مطلق الطلب أو السؤال من غير المستغيث.
والمستغاث به هو المطلوب منه الغوث، والمستغيث هو الذي يطلب الإغاثة من غيره، ولفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما يستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به.
والفرق بين الاستغاثة والتوسل، أنه في الاستغاثة لا يقال: استغثت إليك بفلان أن يفعل بي كذا، وإنما يقال: استغثت بفلان أن يفعل بي كذا، وفي التوسل يقال ذلك، كما أن من سأل بشيء أو توسل به لا يكون مخاطباً له ولا مستغيثاً به، لأن قول السائل المتوسل: أتوسل إليك يا إلهي بكذا، إنما هو خطاب لله، لا لذلك المتوسل به، بخلاف المستغاث به فإنه مخاطب مسؤول منه الغوث.
أقسام الاستغاثة:
وتنقسم الاستغاثة إلى: استغاثة مشروعة، واستغاثة ممنوعة، و
الاستغاثة المشروعة
أنواع:
أولها: الاستغاثة بالله -تعالى-، وهي الاستغاثة المأمور ما في الشرع، فلا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله -تعالى-، وكل غوث فهو من عنده.
قال تعالى إخباراً عن المؤمنين في استغاثتهم إياه ليلة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال: 9]، وقد أمر تعالى عباده أن يدعوه ويستغيثوه، فهو تعالى غياث المستغيثين: ومعناه المدرك لعباده في الشدائد، قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60] عبادتي: أي دعائي.
الثاني: الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يقدر عليه ويليق بمنصبه، وهذا لا يُنازع فيه مسلم، وهذا النوع جائز أيضاً في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم من عامة المؤمنين وخاصتهم، بل والفجار والكفار أيضاً، ومن هذا النوع ما وردت به النصوص من الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
قال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)} [القصص: 15]، فهذه الاستغاثة في ما يقدر عليه موسى عليه السلام، وهذا لا ينافي كمال التوحيد.
وقد غلط بعض الغلاة فسوَّى بين حياة النبي صلى الله عليه وسلم وموته، وأثبتوا له بعد موته حياة حقيقية كحياته صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، وأن الشهداء أحياء في قبورهم وحياة الأنبياء أكمل، وبناء على هذا أجازوا الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً.
ولم يعلموا أن حياته صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- حياة برزخية، وهذه الحياة البرزخية من الغيب الذي أخبرنا الله به، ولم نعلم حقيقتها وكنهها، فوجب علينا الإيمان بحياة الأنبياء على هذا الأساس مع الجزم باختلافها عن الحياة الدنيا، ولو أريد أن حياتهم كحياتهم في الدنيا لاقتضت جميع لوازمها من أعمال، وتكليف، وعبادة، ونطق، وغير ذلك (1).
(1) انظر: حياة الأنبياء بعد وفاتهم، لأبي بكر البيهقي، تحقيق د. أحمد الغامدي ص 32 وما بعدها، الطبعة الأولى 1414 هـ الناشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية.