الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان المرء قد ينتفع بسعي غيره لكنه ليس له فلا [يمن](1) ويدل بما ليس له (2).
فإن كانت الإسرائيليات حجة فهذا فيه دليل، على أنه لا يسأل الله بحق الأنبياء. وإن لم تكن حجة لم يجز الاحتجاج بتلك الإسرائيليات، ثم إن توسل النبي المتقدم بالنبي الذي بعده يقتضي أن يكون أفضل منه، فيقتضي أن يتوسل نوح بإبراهيم، وداود بعيسى، وإسرائيل بموسى، ومثل هذا لو كان حقاً لكان أصلاً في العلم الصحيح، ولكن المتقدم من الأنبياء يبشر بمن يأتي بعده منهم، وليس هو مأموراً باتباع شريعة من يأتي بعده. بل إما أن يكون مأموراً باتباع شريعة توحى إليه أو شريعة رسول قبله، فهو مستغن عمن بعده متبع لمن قبله، فكيف يتوسل بالمتأخر؛ ولا يتوسل بالمتقدم الذي يجب عليه اتباعه؟.
10 - استدلال البكري بقصة الامام مالك مع أبي جعفر المنصور:
قال الشيخ: (قال المعترض وقد رُوي أن أبا جعفر لما ناظر مالكاً في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوماً فقال: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2]، وذم آخرين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4]، وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله، أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به)(3).
*
رد ابن تيمية
- قال الشيخ: فيقال: (الجواب) عن هذا من وجهين:
(أحدهما) المطالبة بصحة هذه الحكاية وليس معه ولا مع من ينقلها (4)
(1) في (د) و (ط) لا يمت، وفي التيمورية (لا يمن).
(2)
وأيضاً لا يمن ولا يدل بعمله على الله لما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"، انظر: ص 233.
(3)
سيأتي تخريجه في ص 264.
(4)
في الأصل (به) وفي (ت)(بها)، ويستقيم المعنى بدونها.
إسناد صحيح ولا ضعيف، وإنما غايته أن يعزوها إلى "الشفا" أو إلى من نقلها منه، وكل عالم بالحديث يعلم أن في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار ما ليس له أصل ولا يجوز الاعتماد عليه، فإذا قال القاضي عياض ذكره فلان في كتابه فهو الصادق في خطابه؛ وإذا لم يذكره من أين نقله لم نتهمه؛ ولكن نتهم من فوقه، وقد رأيناه ينقل من كتب فيها كذب كثير وهو صادق في نقله منها لكن [من](1) فوقه لا يجوز الاعتماد عليهم.
الوجه الثاني: أن يقال هذه الحكاية كذب بلا ريب من وجوه: منها أنها مخالفة لمذهب مالك ومذهب سائر الأئمة، فإنهم متفقون على أن من سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد الدعاء فإنه يستقبل القبلة، كما روي ذلك عن الصحابة، وتنازعوا وقت السلام عليه هل يستقبل القبلة أو القبر؟ على قولين: قال أبو حنيفة: يستقبل "القبلة أيضاً". وقال: غيره: "يستقبل القبر وقت السلام عليه".
وأما وقت الدعاء فما أعلم إماماً خالف في أنه يستقبل القبلة، بل الأئمة متفقون على أن قبلة المسلمين التي يستقبلونها في جميع أدعيتهم وأمكنتهم هي الكعبة، ويستحب لكل من دعا الله أن يستقبل الكعبة حيث كان، وأين كان، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبلها، فيستقبلها وقت الذكر والدعاء بعرفة ومزدلفة وبين الجمرات وعلى الصفا والمروة، وعقب الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره، وما جعل أحد من الأئمة قبر أحد من الأنبياء قبلة للدعاء، وإنما يستقبل قبورهم أهل الجهل عند عباداتهم، ومن هؤلاء الغلاة من يستقبل قبورهم ويصلي إليها، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"(2).
(ومنها) أن مالك من قوة متابعته للسنة كره أن يقال زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يستريب أحد في ثبوته عنه، مع أن لفظ زيارة القبور في الجملة مما جاءت به السنة في غير قبره، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي أن
(1) كذا في (ت) وفي (د) و (ط) ما.
(2)
أخرجه الإمام مسلم في (كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة عليه) 2/ 667 رقم 972.