المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رد ابن تيمية - الاستغاثة في الرد على البكري

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌القسم الأول: الدراسة

- ‌الباب الأول: في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية وترجمة البكري

- ‌الفصل الأول: ترجمة مختصرة لشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ ترجمة موجزة للمؤلف:

- ‌اسمه ونسبه ومولده ونشأته:

- ‌ مكانته ومنزلته:

- ‌ جهاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌ محنته وسجونه:

- ‌ مؤلفاته ورسائله:

- ‌ وفاته:

- ‌الفصل الثاني: ترجمة البكري وموقفه من شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌1 - اسمه ونسبه ومولده:

- ‌2 - شيوخه وآثاره العلمية:

- ‌3 - مذهبه الفقهي:

- ‌4 - عقيدة البكري:

- ‌5 - طريقة البكري الصوفية:

- ‌6 - منهج البكري في التكفير:

- ‌7 - مواقفه مع شيخ الإسلام ابن تيمية:

- ‌8 - موقف البكري مع السلطان (الملك الناصر محمد بن قلاوون):

- ‌9 - وفاته وشعره:

- ‌الباب الثاني: دراسة الكتاب

- ‌الفصل الأول:‌‌ الاستغاثةأقسامها وحكمها

- ‌ الاستغاثة

- ‌أقسام الاستغاثة:

- ‌الاستغاثة المشروعة

- ‌ الاستغاثة الممنوعة

- ‌الفصل الثاني: الكتب المؤلفة في موضوع الاستغاثة

- ‌القسم الأول: الكتب المؤلفة في الاستغاثة بالله -تعالى

- ‌ من المؤلفات في هذا القسم:

- ‌ القسم الثاني: الانحراف في مسألة الاستغاثة:

- ‌ القسم الثالث: ردود أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الثالث: عنوان الكتاب ونسبته للمؤلف

- ‌ نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌الفصل الرابع: منهج المؤلف في الكتاب

- ‌1 - الشمولية في الرد:

- ‌2 - وضوح الهدف والغاية:

- ‌3 - ثبات المنهج والثقة به:

- ‌4 - الأمانة العلمية والصدق:

- ‌5 - العدل والانصاف:

- ‌6 - المقارنة والتحليل:

- ‌7 - الاستطراد والتكرار:

- ‌القسم الثاني: تحقيق الكتاب

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول: وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌ النسخة الأولى:

- ‌ النسخة الثانية ورمزها (ف):

- ‌ النسخة الثالثة ورمزها (د):

- ‌ النسخة الرابعة ورمزها (ح):

- ‌ تاريخ تأليف الكتاب:

- ‌الفصل الثاني: منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه

- ‌(1) تحقيق النص:

- ‌(2) عزو الأحاديث والآثار:

- ‌(3) توثيق الأقوال والمسائل والآراء الفقهية:

- ‌(4) التراجم والتعريفات:

- ‌(5) المصادر والمراجع:

- ‌(6) الرموز والمصطلحات:

- ‌الباب الثاني: كتاب تلخيص الاستغاثة لابن كثير

- ‌الفصل الأول: كتاب تلخيص الاستغاثة

- ‌الفصل الثاني: نسبة التلخيص لابن كثير

- ‌الفصل الثالث: منهج ابن كثير في التلخيص

- ‌الفصل الرابع: الموضوعات التي انفرد بها التلخيص أو أطال فيها

- ‌ أولاً: الموضوعات التي انفرد التلخيص بذكرها:

- ‌ ثانياً: الموضوعاث التي أطال الملخص فيها:

- ‌الفصل الخامس: الموضوعات التي فقدت من الكتاب الأصل أو جاءت مختصرة فيه

- ‌1 - رأي ابن تيمية في البكري:

- ‌2 - وصف ابن تيمية لرد البكري عليه:

- ‌3 - سبب رد ابن تيمية على البكري:

- ‌4 - استدلال البكري بحديث آدم في الرد على ابن تيمية:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌5 - كذب البكري في تكثير رواة حديث توسل آدم:

- ‌6 - الأحاديث الواردة في كتابة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - الأحاديث الموضوعة:

- ‌8 - دعوى البكري في توسل الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - أمثلة لما ورد عن أنبياء بني إسرائيل:

- ‌10 - استدلال البكري بقصة الامام مالك مع أبي جعفر المنصور:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌11 - استدلال البكري بحديث الكوة:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌12 - استدلال القبورية بحديث الأعمى:

- ‌13 - استدلال القبورية بسماع الميت:

- ‌14 - صور السؤال وحكم كل صورة:

- ‌15 - أحاديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها موضوعة:

- ‌16 - مراتب بدعة سؤال الموتى:

- ‌17 - دعاء صفة من صفات الله:

- ‌18 - سبب ضلال القبورية وأصل شبهتهم:

- ‌19 - أهمية التوحيد:

- ‌20 - استعداء البكري للدولة:

- ‌21 - مدح البكري لكتاب المؤلف الصارم المسلول:

- ‌22 - رد على البكري على استشهاد ابن تيمية بحديث لا يستغاث بي:

- ‌ رد ابن تيمية

- ‌ المثال العلّمي

- ‌ التّوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إِلَّا الله

- ‌ المطلوب من النّبيّ صلى الله عليه وسلم تارة يقدر عليه، وتارة لا يقدر عليه

- ‌ السبب المشروع لا ينافي التوكل

- ‌من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر

- ‌ لعن الذين يتخذون القبور مساجد

- ‌الكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تبارك وتعالى

- ‌ الفرق بين الحب في الله والحب مع الله

- ‌الذين لا يثبتون إلا المشيئة العامة لا يقولون بالفرق الثاني

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ ب

- ‌ ت

- ‌ج

- ‌ح

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌ س

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ ط

- ‌ض

- ‌ع

- ‌ غ

- ‌ ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ ن

- ‌ة

- ‌ و

- ‌ي

الفصل: ‌ رد ابن تيمية

تكلم فيه صاحبه بالاجتهاد، وقد أجمع المسلمون على أن مسائل الاجتهاد لا تدخل في السبِّ الذي يستحق صاحبه الوعيد.

‌22 - رد على البكري على استشهاد ابن تيمية بحديث لا يستغاث بي:

قال البكري: (وأورد هذا الرجل حديثاً أن منافقاً كان يؤذي المؤمنين، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله"، قال: والكلام على هذا الكافر الضال من وجوه، الأول: عدم تسليم صحة الحديث له إلى آخر كلامه)(1).

*‌

‌ رد ابن تيمية

قال الشيخ: والجواب عن هذا الكلام -مع ما فيه من الجهل والإلحاد والشرك في الدين والافتراء على الله والرسول وعباده المؤمنين- أن يقال: هذا الخبر لم يذكر للاعتماد عليه، بل ذكر في ضمن غيره ليتبين أن معناه موافق للمعاني المعلومة بالكتاب والسنة، كما أنه إذا ذكر حكم بدليل معلوم ذُكِرَ ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك من الاعتضاد والمعاونة، لا لأن الواحد من ذلك يعتمد عليه في حكم شرعي.

ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العمدة؛ من الأخبار التي تُكلم في بعض رواتها لسوء حفظ أو نحو ذلك، وبآثار الصحابة والتابعين، بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات والمنامات مما يصلح للاعتضاد، فما يصلح للاعتضاد نوع وما يصلح للاعتماد نوع، وهذا الخبر من النوع الأول فإنه رواه الطبراني في معجمه من حديث ابن لهيعة، وقد قال أحمد:"قد كتبت حديث الرجل لأعتبر وأستشهد به مثل حديث ابن لهيعة"، فإن عبد الله بن لهيعة قاضي مصر كان من أهل العلم والدين باتفاق العلماء ولم يكن ممن يكذب باتفاقهم، ولكن قيل إن كتبه احترقت فوقع في بعض حديثه غلط، ولهذا فرقوا بين من حدَّث عنه قديماً و [بين من حدَّث عنه] حديثاً، وأهل السنن يروون له، والسياق الذي ذكر فيه

(1) سيأتي تخريج الحديث ص 199.

ص: 118

هذا الحديث في جواب الفتيا (1) لفظه: فأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يطلب إلا من الله، لا يطلب ذلك لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم، إلى أن ذكر الحديث لأن فيه لفظ الاستغاثة التي كان فيها النزاع وهو في كتاب مشهور.

وقد روى الناس هذا الحديث من أكثر من خمسمائة سنة إن كان ضعيفاً، وإلا فهو مروي من زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وما زال العلماء يقرؤون ذلك ويسمعونه في المجالس الكبار والصغار ولم يقل أحد من المسلمين إن إطلاق القول: إنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر ولا حرام، وكان في إيراده بيان تقدم تكلم العلماء والسلف بهذا اللفظ، ولو كان عبد الله بن لهيعة ذاكراً لا آثراً لم ينكره المسلمون عليه؛ لكان في ذلك مستند لهذا الإطلاق، فإن الرجل قاضي مصر في ذلك الزمان وهو من أكبر العلماء المفتين ونظير لليث بن سعد، والغلط الذي وقع في حديثه لا يمنعه أن يكون من أهل الاجتهاد والفتيا.

(1) أي فتوى ابن تيمية وتسمي "الاستغاثة" أو "رسالة الاستغاثة".

ص: 119

النص المحقق

ص: 121

سلسلة منشورات مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع بالرياض (15)

الاستغاثة في الرد على البكري

تأليف

شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله (المتوفى 728 هـ)

دراسة وتحقيق

د. عبد الله بن دجين السهلي

عضو هيئة التدريس بقسم الثقافة الإسلامية - جامعة الملك سعود

ص: 123

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

[وأما ما ذكره من تأويل الحديث فهو من جنس دين النصارى لا من جنس دين المسلمين، وبيان ذلك من وجوه:

الأول] (2) قوله: (إن الله -تعالى- لتشريف رسوله والمقربين عنده خاطبهم تارة بتنزيلهم منزلة نفسه في الأفعال، وتارة نزَّل نفسه منزلتهم في الأفعال والأوصاف، وكلاهما تشريف عظيم).

فيقال: هذا كذب علي الله وشرك به، وهو من جنس أقوال أهل الحلول (3)

(1) كما مر في المقدمة، فإن الكتاب مفقود منه أوله، وقد سبق بيان أهم موضوعات الجزء المفقود، ومن المعلوم أن مما فُقد البسملة والحمد لله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم والتي دائماً يبدأ به المؤلف كتبه، وجميع النسخ الموجودة بدأت الكتاب بالبسملة، وهي من وضع النساخ وفيها كفاية لأنها من أبلغ الثناء والذكر، وقد اقتصر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في مراسلاته؛ كما في كتابه لهرقل عظيم الروم، صحيح البخاري (كتاب بدء الوحي، باب رقم 7) 1/ 23 تحقيق محمد علي قطب طبعة 1411 هـ الناشر المكتبة العصرية بيروت - لبنان، وكذلك الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في بداية كتابه "الصحيح" و"خلق أفعال العباد"، الطبعة الأولى 1404، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان وغيره.

(2)

ما بين المعقوفتين من (د) و (ت) وسقط من الأصل و (ف) و (ح).

(3)

الحلول: عند الصوفية معناه أن الله -تعالى- يصطفي أجساماً يحل فيها بمعاني

الربوبية، فيزيل عنها معاني البشرية، وأن الله يحل بالعارفين من أوليائه وأصفيائه، وهذا

زعم طائفة الحلولية.

انظر: معجم مصطلحات الصوفية، تأليف د. عبد المنعم الحفني ص 82، الطبعة الأولى 1400 هـ الناشر دار المسيرة بيروت - لبنان.

وأغلب فرق الحلولية عند كتاب الفرق ترجع إلى غلاة الرافضة. انظر: الفرق بين الفرق ص 254، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر دار المعرفة بيروت - لبنان.

وقسمهم ابن تيمية قسمين:

الأول: من يقول بالحلول الخاص، وهو قول النساطرة من النصارى، وغالية الرافضة، =

ص: 125

والاتحاد (1) كالنصارى (2)، فليس في خطاب الله المطلق تنزيل أحد منزلة نفسه في الأفعال، ولا تنزيل نفسه في الأفعال والأوصاف منزلتهم، بل هو إله واحدٌ لا شريك له، وكل من في السموات والأرض آتيه عبداً {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 94 - 95].

ومن قال (3): إن الرب منزل (4) المخلوق منزلة نفسه في الأفعال، أو يَنْزِلَ هو منزلة المخلوق في الأفعال والأوصاف فقد زعم أن الله -سبحانه- يجعل له نداً، وأنه يقيم المخلوق مقامه في الخلق والرزق والإحياء والإماتة وإجابة الدعاء وكونه معبوداً، وأنه يقوم مقام العبد في الصلاة والصيام والطواف وغير ذلك من أفعال العباد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- قال تعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)} [النحل: 17].

ومن أخص أوصاف الرب تعالى القدرة على الخلق والاختراع، فليس ذلك

= وغالية النساك، الذين يقولون بالحلول في الأولياء.

الثاني: الحلول العام، وهو قول متقدمي الجهمية، وغالب متعبدة الجهمية، انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 171 - 172.

(1)

الاتحاد: معناه تصيير الذاتين واحدة، وهو حال الصوفي الواصل، وعند الصوفية قيل: هو شهود وجود واحد مطلق من حيث إن جميع الأشياء موجودة بوجود ذلك الواحد، معدومة في أنفسها، لا من حيث إن لما سوى الله وجوداً خاصاً به يصير متحداً بالحق، وقيل: غير ذلك. انظر: معجم مصطلحات الصوفية للحفني ص 9 - 10.

وقد قسمهم ابن تيمية أيضاً إلى قسمين الأول: من يقول بالاتحاد الخاص، وهو قول يعقوبية النصارى، ومن وافقهم من الغلاة المنتسبين للإسلام.

الثاني: الاتحاد العام وهو قول من يقول: إن عين وجود الله، هو عين وجود الكائنات، وهو قول ابن عربي وأمثاله من أهل الوحدة. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 172.

وبعض الباحثين يجعل الحلول والاتحاد شيئاً واحداً، والصواب التفريق بينهما.

انظر: نظرية الاتصال عند الصوفية في ضوء الإسلام، تأليف سارة بنت عبد المحسن آل سعود ص 33 - 35 الطبعة الأولى 1411 هـ الناشر دار المنارة جدة.

(2)

كذا في الأصل و (ح) وسقطت من (ف) وفي هامش (د) في نسخة (كالنصارى).

(3)

في هامش (د) في نسخة (زعم).

(4)

في (د) و (ح) ينزل.

ص: 126

لغيره أصلاً، حتى إن كثيراً من، النظار [المثبتين](1) للقدر كالأشعري (2) وغيره جعلوا هذا هو أخص وصف الرب -تعالى-، كما جعل الجبائي (3) وغيره من المعتزلة (4)

(1) كذا في (د) و (ح)، وفي الأصل و (ف) المثبتة.

(2)

هو: أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق الأشعري، يرجع نسبه إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو موسى الأشعري، كان معتزلياً ثم تاب منه، وأعلن اتباعه للإمام أحمد، وإليه ينتسب الأشاعرة، ومؤسس مذهبهم حقيقة هو ابن كلَّاب؟ ومذهب الأشعري خير من مذهب الأشاعرة بعده وأقرب إلى السنة منهم، ولكن مجرد الانتساب إليه بدعة. من مؤلفاته:"المقالات" و"الإبانة" وغيرها، مات ببغداد سنة 324 هـ. انظر: السير 15/ 85 ترجمه رقم 51، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 28، 6/ 359 والأعلام 4/ 263.

وانظر: الكلام على مذهب الأشاعرة في إثبات القدرة لله -تعالى- في شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة 4/ 89 وما بعدها الطبعة الأولى 1409 هـ، الناشر دار عالم الكتب بيروت.

(3)

هو: أبو علي، محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة، له كتاب "الأصول" و"النهي عن المنكر" وغيرهما وإليه تنسب الجبائية إحدى فرق المعتزلة، وهذه المسألة انفرد بها عن أصحابه وهي مبنية على نفيه لصفات الله حيث قال: عالم لذاته، قادر حي لذاته، وقد خالفه ابنه أبو هاشم في -هذه المسألة- أخص وصف الله، مات بالبصرة سنة 303 هـ. انظر: الملل النحل 1/ 76 - 84، والسير 14/ 183 رقم الترجمة 103، والأعلام 6/ 256.

وانظر: الكلام على هذه المسألة عند المعتزلة والأشاعرة في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي تعليق أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، تحقيق د. عبد الكريم زيدان ص 182 - 201، الطبعة الثالثة رمضان 1408 هـ، الناشر مكتبة وهبه القاهرة - مصر.

(4)

المعتزلة: سمّوا معتزلة لأن واصل بن عطاء لما أظهر بدعته طرده الحسن البصري من مجلسه، فاعتزل عند سارية من سواري المسجد وانضم إليه قرينه في الضلالة عمرو بن عبيد، فقال الناس فيهما: إنهما اعتزلا قول الأمة، وسمي أتباعهما من يومئذٍ "معتزلة"، ويقال لهم قدرية لردهم لقضاء الله، ويلقبون أنفسهم بأصحاب العدل والتوحيد وغير ذلك، وهم ينفون صفات الله تعالى ويطلقون عليه السلوب، وقالوا بخلق القرآن، ونفوا الرؤية، وأنكروا قضاء الله وقدره للمعاصي، وأثبتوها للعباد دونه، وهم فرق كثيرة، يكفر بعضها بعضاً.

انظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين الملطي ت. يمان المياديني ص 49 الطبعة الأولى 1414 هـ، الناشر رمادي للنشر الدمام، ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين تأليف أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري: ت. محمد محيي الدين عبد الحميد 1/ 253 الطبعة الثانية 1379 هـ، الناشر مكتبة العلوم والحكم المدينة، والملل والنحل 1/ 43 - 44.

ص: 127

أخص وصفه القدم (1)، ومقصود المعتزلة أن لا يثبتوا له صفة قديمة لامتناع المشاركة في أخص وصفه، ومقصود أولئك المثبتين أن لا يشركه غيره في الخلق، وقد يقولون: لا يشركه غيره في الفعل؛ وهو قول من يقول: العبد فاعل مجازاً لا حقيقة وهو كاسب حقيقة، كما هو قول الأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، وهو في الأصل قول جهم بن صفوان (2)، وهو أول من عُرِفَ في الإسلام أنه قال: إن العبد ليس بفاعل.

لكن جمهور أهل السنة (3) من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم يقولون: إنه فاعل حقيقة؛ وجمهور هؤلاء يقولون: إن فعله مفعول للرب بناءً على أن الخلق غير المخلوق، كما هو قول الأكثرين وهو مذهب السلف وأهل الحديث والفقهاء.

وأما من قال: إن الفعل هو المفعول وأن فعل العبد فعل الرب، ولم يفرق بين الفعل والمفعول (4) فيلزمه لوازم تبطل قوله كما قد بسط في غير

(1)(القدم) سقطت من (د).

(2)

هو: أبو محرز جهم بن صفوان الراسبي، مولاه السمرقندي، رأس الجهمية، أنكر الصفات، وقال بخلق القرآن، وقال بالإرجاء والجبر، وقد زرع شراً عظيماً. قتل سنة 128 هـ في آخر دولة بني أمية. انظر: خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل للبخاري ص 9، والتنبيه والرد للملطي ص 113، والسير 6/ 26 ترجمة رقم 8.

(3)

أهل السنة: يراد بلفظ أهل السنة أحد معنيين:

أ- المعنى الأعم: ويراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.

ب- المعنى الأخص: ويراد به أهل الحديث والسنة المحضة وأهل الأثر فلا يدخل إلا من أثبت صفات الله -تعالى- ويقول: القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة.

قلت: فيخرج الأشعرية والماتريدية والصوفية والمعتزلة ومتأخرو الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء. والثاني هو المعنى الأكثر والأشهر وهو مراد المؤلف هنا.

انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم 2/ 221، الطبعة الأولى 1406، الناشر مؤسسة قرطبة.

(4)

مسألة: هل الخلق هو المخلوق أو غيره؟ هذه المسألة مشهورة بين المتكلمين ويطلقون عليها مسألة التكوين، ويعرِّفونها بأنها المعنى الذي يعبر عنه بالفعل والخلق والتخليق والإيجاد والإحداث والاختراع ونحو ذلك. =

ص: 128

هذا الموضع (1).

= بيان ذلك: أنه إذا كان من المتفق عليه بين جميع الطوائف أن الله -تعالى- هو الذي خلق السموات والأرض، كما اتفقوا على أن هذه المخلوقات وجدت منفصلة عنه، إلا أنهم اختلفوا في أنه تعالى لما خلقها هل قامت به صفة الخلق، أو أن الخلق هو نفس المخلوق من غير أن تقوم به صفة؟ فهذه المسألة سبب في الخلاف في الصفات الفعلية أو الاختيارية، وارتباطها بها قوي جداً.

فإنه من المعلوم أن السموات والأرض أو غيرهما من المخلوقات ليست مخلوقة منذ الأزل، بل هي حادثة، فحين خلقها الله لا بد أن تكون قد تجددت له صفة لم تكن موجودة من قبل، فبخلقه للسماء قامت به صفة الخلق لها لأن السماء لم تكن مخلوقة من قبل، ومعنى ذلك -حسب تعبير أهل الكلام- أن الله حلت به الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل.

فالذين ينفون الصفات الفعلية وحلول الحوادث قالوا بأن الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، ومعنى ذلك صفة الخلق أو الفعل لا تقوم بالله -تعالى- ويفسرون أفعاله تعالى أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، وهذا هو مذهب الأشاعرة ومن وافقهم، وسبب التزامهم هذا القول دليلهم على حدوث العالم.

أما جمهور أهل السنة ومن تابعهم كالكرَّامية والصوفية والماتريدية وبعض المعتزلة -كل طائفة بحسب أصولها- فيقولون: إن الخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول، فيثبتون صفة الخلق والفعل قائمة بالله، ويقولون بوجود المخلوق والمفعول المنفصل عن الله -تعالى-، ومعلوم أن أهل السنة يثبتون صفات الفعل لله -تعالى- وأنها تتعلق بميشئته وإرادته وقدرته وحكمته، فإذا اقتضت حكمته فعلُها فَعَلها وإن اقتضت حكمته أن لا يفعلها لم تكن، فهي قديمة النوع أو الجنس وإن كانت أحاده توجد شيئاً فشيئاً حيناً وآخر.

ورد أهل السنة دعوى الأشاعرة أن القول بأن الخلق هو المخلوق يستلزم التسلسل وهذا ممتنع، بأن التسلسل ليس تسلسلاً في الفاعلين والعلل الفاعلة، وإنما هو تسلسل في الآثار، وهو حصول الشيء بعد شيء، والسلف على إثباته، وهذا عمدة أدلة الأشاعرة، وسيعود المؤلف إلى الكلام عن هذه المسألة بعد صفحات قليلة ص 146. وللتوسع. انظر: خلق أفعال العباد للبخاري ص 112 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 149، 229 - 230، 298 والملل والنحل 1/ 108، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية للعلامة محمد السفاريني 1/ 252 - 253 الطبعة الثالثة 1411 هـ، الناشر المكتب الإسلامي- بيروت لبنان، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة، تأليف د. عبد الرحمن المحمود 3/ 1204 - 1207.

(1)

بسط المؤلف هذا الموضوع في عدة مواضع من كتبه منها:

درء تعارض العقل والنقل، تحقيق د. محمد رشاد سالم 2/ 264 - 270، 4/ 60، 59/ 579، طبعة دار الكنوز الأدبية. =

ص: 129

وبيّن أن القدرة على الاختراع من خصائص الرب، وأخص وصف الرب ليس هو صفة واحدة، بل علمه بكل شيء من خصائصه، وقدرته على كل شيء من خصائصه، وخلقه لكل شيء من خصائصه، والمقصود هنا ما يتعلق بكلام (1) هذا الرجل الذي ضاهى المشركين الحلولية من النصارى (2) وغالية الشيعة (3) وجهال الصوفية (4).

= ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 148 - 149، 229 - 230، 16/ 375 - 377، وشرح حديث النزول - ضمن مجموع الفتاوى 5/ 528 - 536 وغيرها.

(1)

في (د) الكلام على قول.

(2)

الحلولية من النصارى هم النساطرة، الذين يقولون: إن اللاهوت حل في الناسوت، وتدرع به، كحلول الماء في الإناء. انظر: الملل والنحل 1/ 224، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 171 - 172.

(3)

غالية الشيعة: هم الذين غلوا في علي، فمنهم من ادعى فيه الألوهية، وأنه لم يمت، وسيرجع إلى الدنيا قبل القيامة، وقال آخرون منهم إنه في السحاب وأن الأئمة ينسخون الشرائع وغير ذلك، ومن فرقهم الكيسانية، والسبئية أتباع "عبد الله بن سبأ" والخطابية، والمنصورية وغيرها. قال البغدادي في الفرق بين الفرق ص 254 "وجميع فرق الغلاة خارجون عن فرق الإسلام". أ. هـ. وانظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/ 66 - 88، والملل والنحل (1/ 146 - 154) وعقائد الثلاث وسبعين 1/ 85، ومذهبهم أنه لا يمتنع ظهور الروحاني بالجسماني كجبريل في صورة دحية الكلبي، فلا يبعد أن يظهر الله -تعالى- في صورة بعض الكاملين وأولى الناس بذلك علي وأولاده الذين هم خير البرية، انظر: الفرق بين الفرق ص 254 وشرح المقاصد 4/ 59.

(4)

الصوفية: نسبة إلى لبس الصوف لاختصاص أصحابه به.

يقسمهم بعض الباحثين إلى:

أ- مدرسة الزهد وأصحابها من النساك والزهاد والعباد، ويطلق عليهم صوفية خطأ، لأنهم أهل الإسلام الصحيح.

ب- مدرسة وحدة الوجود والحلول والاتحاد وأصحابها الحلاج وابن عربي والتلمساني وابن الفارض وغيرهم وهؤلاء مشركون.

جـ- المتصوفة المنحرفون أصحاب الطرق، والصوفية بعد القرن الثامن الهجري يتابعون ابن عربي الزنديق ويعتبرون مذهباً واحداً، لا خلاف بينهم، والخلاف في التصريح بمذهب ابن عربي وعدمه. وللصوفية مخالفات كثيرة مثل الشرك الأكبر، وتحضير الأرواح والشعوذة، وبناء الأضرحة والمشاهد على القبور وغير ذلك.

انظر: اللمع للسراج الطوسي ص 41، والتعرف لمذهب أهل التصوف، تأليف الكلاباذي ضبط وتخريج أحمد شمس الدين ص 9 وما بعدها الطبعة الأولى 1413 هـ، =

ص: 130

حيث قال: (إن الله تعالى ينزل المقربين منزلة نفسه تارة وينزل نفسه منزلتهم في الأفعال والأوصاف تارة)، فإن هذا كلام مخالف لدين المسلمين وسنبّين جهله وخطأه فيما تأوله على ذلك من القرآن والحديث.

فنقول: أما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10]، فليس فيها أن نفس الفعل القائم بالرسول ومخاطبته لهم ومد يده لمبايعتهم هو نفس فعل الله ومخاطبته ومبايعته، بل فيها أن من بايع الرسول فقد بايع الله كما قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصّى الله ومن عصى أميري فقد عصاني"(1).

فطاعة أميره طاعته، ومعصية أميره معصيته، لأنه أمر بطاعة (2)(أميره ونهى عن معصيته، وطاعته طاعة [لله] (3) لأن الله أمر بطاعته) (4) فمن أطاعه

= الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 5 - 7، 17 - 21، والتصوف المنشأ والمصادر، تأليف إحسان إلهي ظهير ص 20 وما بعدها الطبعة الأولى 1406 هـ، الناشر إدارة ترجمان السنة لاهور - باكستان، والسالمية (رسالة دكتوراه) للمحقق 1/ 248 و 3/ 1071.

ومذهبهم في هذا يقولون: إن السالك إذا أمعن في السلوك، وخاصة لجهة الأصول، فربما يحل الله فيه -تعالى الله عما يقولون-، بحيث لا يتمايز أو يتحد به لا أثنينية ولا تغاير وصح أن يقول: هو أنا وأنا هو. انظر: شرح المقاصد 4/ 59.

(1)

أخرجه البخاري في (كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} 5/ 2231 رقم (137) وطرفه 2957، ومسلم في (كتاب الإمارة، باب طاعة الأمراء في غير معصية الله) 3/ 1446 رقم 1835، وغيرهما بألفاظ متقاربة، وقريبة من لفظ المؤلف.

(2)

في (د) بطاعته.

(3)

كذا في (ف) و (ح) وفي هامش (د) وفي الأصل (الله).

(4)

ما بين القوسين سقط من (د)، وفي هامشها أنه هكذا في نسخة أخرى.

ص: 131

فقد أطاع الله لأن الله أمر بامتثال ما أمر به (1) لا أن (2) نفس الفعل القائم بأميره نفس فعله ولا نفس فعله هو نفس فعل الرب -تعالى-.

واعلم أن من قال من النظار: إن أفعال العباد كلها فعل الله، فلا فرق عندهم بين أفعال المؤمنين والكفار والبهائم وحركات الجمادات، فإن مرادهم أن كل ما سوى الله فهو فعله أي مفعوله، وعلى قول هؤلاء فلا فرق بين فعل الرسول وغيره، وليس في كون الله خالقاً لشيء تفضيلٌ لذلك المخلوق على غيره، فإن الله خالق كل شيء.

كذلك على قول الجمهور الذين يقولون: إن أفعال العباد مفعولة له مخلوقة له ليست فعله؛ بل هي فعل الفاعلين، والله -تعالى- خالق الفاعل وفعله، فعلى القولين لا فضيلة في ذلك لمخلوق على مخلوق، فلا تظن أن في هذا تشريفاً لمقرب لا رسول ولا غيره.

وهذه مما يبين به خطأ هؤلاء الجهال الذين لا يفرقون بين ما خلقه الله وقدّره وما أمر به وفرضه، فجعل الله -تعالى- مبايعة الرسول مبايعة لله وطاعة الرسول طاعة لله ليس (3) من جهة خلق الله أفعال العباد والقيومية (4) الشاملة للمخلوقات، فإن كونه خالقاً لكل شيء وكونها بمشيئته وقدرته، ليس فيها (5) تفضيل مخلوق على مخلوق، [إذ](6) التفضيل إنما يكون بما به الاختصاص لا بما يشترك الجميع فيه.

ومن جعل مبايعة الرسول مبايعة لله لأجل أن الله خالق كل شيء، نظراً منه إلى القيومية الشاملة لكل مخلوق؛ لزمه أن يكون من بايع الكفار والفساق مبايعاً لله، لأن الله خالق كل شيء، فيكون هؤلاء قد جعلوا مبايعة خاتم

(1) في (د) لأن أمره من أمر الله.

(2)

في (ف) لأن.

(3)

في (د)(ليست). ومصححة في الهامش بكلمة غير واضحة.

(4)

القيومية من صفة القيوم؛ ومعنى القيوم هو: القائم برزق ما خلق وحفظه. انظر: تفسير الطبري (المسمى جامع البيان في تأويل القرآن) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري 3/ 8، الطبعة الأولى 1412 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

(5)

في (ف) فيه.

(6)

كذا في (د) و (ف) و (ح)، وفي الأصل "إذا" وهو خطأ.

ص: 132

الرسل صلى الله عليه وسلم كمبايعة فرعون وأمثاله من المشركين، وهذا يقع فيه كثير ممن يلحظ القيومية الشاملة العامة المتناولة لكل مخلوق، وهؤلاء من أكفر الخلق، ويجعلون هذا منافياً للأمر والنهي، وهم من جنس الذين قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (1)[الأنعام: 148].

فإن (2) هؤلاء إنما يتبعون أهواءهم ولا يتكلمون بعلم فإن قولهم في غاية المناقضة، فإن الواحد من هؤلاء إذا آذاه غيره أو ظلمه قابله وعاقبه ولا يمكنه أن يعذره بالقدر ومشاهدة القيومية، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.

وجهة تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة كون الله -تعالى- أرسله مبلغاً لأمره ونهيه، مبيّناً لما يحبه ويرضاه وما يبغضه ويسخطه، فما أمر به الرسول فالله آمر به، وما نهى عنه فالله نهى عنه، ومن بايعه فعاهده وعاقده (3)؛ على أن يطيعه في الجهاد إذا أمر به، وعلى (4) أن [لا يفر](5) و (6) على أن يقاتل حتى يموت كما بايعه المسلمون تحت الشجرة (7)، فهم معاهدون لله معاقدون له على طاعته فيما أطاعوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الذين بايعوه قبل ذلك ليلة العقبة لما بايعه الأنصار، ولهذا قال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7]، فسمعهم وطاعتهم لما أمرهم ومعاهدتهم على ذلك هو سمع وطاعة لله -تعالى- ومعاهدة له، وعهد الله إلى خلقه هو (8) أمره ونهيه الذي بلغته رسله.

(1) قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ساقط من الأصل.

(2)

في (د) كذلك.

(3)

في (د) وعاهده وعاقد.

(4)

(وعلى) سقط من (د) و (ف).

(5)

كذا في (د) و (ف) وفي الأصل، و (ح) لا يفروا، والسياق عن المفرد.

(6)

في (د) أو.

(7)

يشير إلى بيعة المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، تحت الشجرة يقول تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وأخرج البخاري في (كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية) 3/ 1270 رقم 4169 عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.

(8)

في (د) وهو.

ص: 133

[والتخصيص والتفضيل يظهر في الوفاء به ومتابعة الرسل، ولهذا](1) قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]، أي: أوفوا بأمري أوفِ بوعدكم الذي وعدتكم (2)، فإن المعاهدة والمبايعة (3)، تتضمن المعاوضة من الجانبين فهم إذا أوفوا بما عاهدوا الله عليه من الطاعة، وفى الله -تعالى- بما عاهد عليه من الأجر والثواب كما قالت الأنصار لما قالت (4) للنبي صلى الله عليه وسلم:

اشترط لربك ولنفسك ولأصحابك، فقال:"أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أبناءكم ونساءكم، ولأصحابي أن تواسوهم"، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: "لكم الجنة"، قالوا: أمدد يدك، فوالله لا نقيلك لا نستقيلك (5).

فهم لما عاهدوه على هذا ليطيعوه فيه، قد عاهدوا ربه عز وجل الذي أمرهم بذلك، والله -تعالى- هو الذي يوفي بعهدهم فيدخلهم الجنة.

وفي الحديث الصحيح عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيد

(1) ما بين المعقوفتين من (د) وسقط من الأصل و (ف) و (ح).

(2)

في (د) على الوفاء به.

(3)

في (د) المبايعة والمعاهدة.

(4)

(قالت) سقطت من (د).

(5)

أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 119 - 120 من حديث ابن مسعود البدري ولفظه: "

فقال قائلهم -أي الأنصار وهو أبو أمامة- سل يا محمد لربك ما شئت ثم سل لنفسك ولأصحابك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله عز وجل وعليكم إذا فعلنا ذلك، فقال: "أسالكم لربي

، وأسالكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم"، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قالوا: فلك ذلك".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/ 48 طبعة 1408 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان: رواه أحمد مرسلا ورجاله رجال الصحيح، وذكره بعد ذلك مسنداً وفيه مجالد وفيه ضعف وحديثه حسن -إن شاء الله-. أ. هـ.

وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، تحقيق د. محمد رواس وعبد البر عباس (الطبعة الثالثة 1412 هـ، الناشر: دار النفائس بيروت - لبنان) 1/ 303، 308 رقم 226 بلفظ قريب جداً ولم يذكر أصحابه. والطبراني في المعجم الكبير 2/ 186 والمعجم الصغير تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان 2/ 110 (طبعة 1388 هـ، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة - السعودية) من حديث جابر بن عبد الله، ولم يذكر أصحابه، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 49: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله ثقات. أ. هـ.

ص: 134

الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما [استطعت](1)، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها حين يصبح موقناً بها فمات من يومه دخل الجنة، ومن قالها حين يمسي موقناً بها فمات من ليلته دخل الجنة" (2).

فقوله: "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"، أي على ما عهدته إلينا من طاعتك (3)؛ وما وعدتنا به من ثوابك؛ أمتثل أمرك وأرجو وعدك.

ومن المعلوم أن الإنسان لو استناب نائباً ووكل وكيلاً في عقودٍ كبيع وإجارة ومزارعة ونحو ذلك لكان المعاقد للوكيل معاقداً لموكله، بحيث إن وفّى للموكل (4) فقد وفّى للوكيل (5)، وإن غدر بالوكيل فقد غدر بالموكل، والموكل عليه أن يُوفِي بما عاقد عليه الوكيل، والوكيل (6) إذا سمى (7) موكله في العقد تعلقت حقوق العقد بالموكل، وهل يكون الوكيل ضامناً (8)، على قولين معروفين، هما روايتان عن أحمد، ومن قال إن حقوق العقد تتعلق بالوكيل كما يحكى عن أبي حنيفة يقول: إنها بعد ذلك تنتقل إلى الموكل،

(1) كذا في (د) و (ف) و (ح) وفي الأصل (سطعة).

(2)

أخرجه البخاري في (كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا أصبح) رقم (6323)(4/ 1990) وأحمد في المسند 4/ ط 12 - 125 واللفظ له، وقد أخرجه غيرهم.

(3)

في (د) ووعدك.

(4)

كذا في جميع النسخ والأولى للوكيل.

(5)

كذا في جميع النسخ والأولى للموكل.

(6)

كذا في الأصل و (ح) وفي (ف): للوكيل وفي (د): وللوكيل.

(7)

في (د): (استمر) وهو خطأ.

(8)

في هامش الأصل: الصحيح أنه لا يضمن إلا إذا خالف أمر الموكل. أ. هـ. وهذا هو الراجح، فإن الوكيل نائب المالك أشبه المودع لا ضمان عليه إلا إذا خالف أمر الموكل أو تعدى.

انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تأليف موفق الدين بن قدامة المقدسي 2/ 254 الطبعة الثانية، الناشر المكتب الإسلامي بيروت لبنان، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، المشهور بابن رشد الحفيد 2/ 227، الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.

ص: 135

ولهذا تنازعوا في المسلم إذا وكَّل ذمياً في شراء الخمر، فقال الجمهور: لا يصح لأن الملك يحصل للموكل، والمسلم ليس له أن يملك الخمر، وأبو حنيفة يقول: ملكها الذمي ابتداء ثم دخلت في ملك المسلم ضرورة كالميراث (1)، وعلى كل تقدير فمآل الأمر إلى الموكل.

ومع هذا ففعل الوكيل متميز عن فعل موكله، وكلامه متميز عن كلامه، ليس أحدهم هو الآخر، ففعل المخلوق أشد مباينة لفعل الخالق من مباينة فعل مخلوق لمخلوق، فإذا (2) كان (3) مبايعة الوكيل مبايعة للموكل؛ مع تميز الفعلين، فالتمايز في الخالق أولى، ولو أرسل مُرسل رسولاً إلى شخص ليعاهده عقداً من العقود:[هدنة](4)، أو نكاحاً أو غير ذلك؛ لكانت معاهدة الرسول معاهدة لمرسله مع تميز أحد الفعلين عن الآخر، ومِع كون المُرسل والرسول من جنس واحد، ومع أنه يمكن أن يقيم الموكل وكيله مقَامه في عامة أفعاله، لأن الوكيل يفعل مثلما يفعله موكله.

وأما الرب -تعالى- فيمتنع أن يفعل أحد مثل فعله، ويمتنع أن يستخلف أحداً يقوم مقامه في فعله، فإنه سبحانه خالق فعل ذلك الشخص، وهو سبحانه شاهد لا يغيب.

وهذا موضعٌ غلط فيه طائفة من الناس، فظنوا أن الله يستخلف أحداً عن نفسه؛ [وادعى](5) بعضهم أن آدم خليفة عن الله في الأرض يقوم مقامه، وأنه جمع له حقائق (6) أسمائه الحسنى، قالوا: وهو معنى تعليمه الأسماء كلها،

(1) والصواب: أن ما لا يجوز للمسلم أن يعقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه كشراء الخمر، لأن الخمر ليس محلّاً للعقد. انظر: المغني للعلامة موفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة 5/ 263، الناشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان، وبهامشه الشرح الكبير.

(2)

في (د) و (ف) و (ح) وإذا.

(3)

كذا في جميع النسخ والأولى كانت.

(4)

كذا في (د) وفي الأصل و (ف) و (ح) وهدنه - بزيادة واو.

(5)

كذا في (د) و (ف) و (ح) وفي الأصل "والدعى".

(6)

(حقائق) سقطت من (د) و (ف)، يزعم بعض الصوفية أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى خواصاً وأسراراً تتعلق به، وتجاوز بعضهم فزعموا بأن لكل اسم خادماً روحانياً يخدم من يواظب على الذكر به، ويدعون أنهم يكشفون بأسماء الله أسرار المغيبات، =

ص: 136

وهذا قول أهل الحلول والاتحاد كابن عربي (1) صاحب الفصوص، وأمثاله من أهل الإلحاد.

وهذا جهل وكفر، فإن الله -تعالى- هو الذي يخلق كل شيء؛ ويدبر أمر السماء والأرض، وهو خالق آدم، كما هو خالق سائر المخلوقات، وهو شاهد لا يغيب.

والمخلوق يستخلف مخلوقاً عن نفسه لعجزه أو جهله أو مغيبه، وأفعال الخليفة عن غيره يفعلها بنفسه لا يحدثها الذي استخلفه.

والله -تعالى- على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم، وهو شاهد لا يغيب، وهو الذي يخلق كل شيء، فالعبد يستخلف ربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سافر:"اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا"(2)، فإن المقيم هو

= والخافي من المكنونات، وزعم بعضهم أن اسم الله الأعظم سر من الأسرار، يُمنح لبعض الأفراد، فيفتحون به المغلقات، ويخرقون به العادات، ويكون لهم به من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس، إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة، التي لم يحصل مثلها لرسل الله وأوليائه من خلقه -سبحانك هذا بهتان عظيم-، وليس لهم دليل من كتاب ولا سنة ولا عقل ولا قول إمام معتبر، وهذه المقولة باب للخرافة والسحر والشعوذة والدجل، وتلاعب الشياطين بالناس -كما بيّنه المؤلف وسيأتي-. انظر: أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة، تأليف د. عمر سليمان الأشقر ص 39 - 40 الطبعة الثانية 1414 هـ الناشر دار النفائس عمان الأردن.

(1)

هو محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد الطائي الحاتمي، يلقبه غلاة الصوفية بالشيخ الأكبر، صاحب التواليف الكثيرة ومن أردئها كتاب "الفصوص" قال الذهبي عنه: فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، أ. هـ.

وهو قدوة القائلين بوحدة الوجود، كفره كثير من علماء المذاهب الأربعة، وصنَّف بعضهم في الرد عليه منهم المصنف في "الرد على الأقوم على ما في فصوص الحكم"، والبقاعي في "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" وغيرهم، هلك في ربيع الآخر سنة 638 هـ. انظر: السير 23/ 48 رقم الترجمة 43، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 362، والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين لتقي الدين الفاسي - جزء فيه عقيدة ابن عربي وحياته اعتنى به علي حسن علي عبد الحميد ص 12 وما بعدها، والأعلام/ 281.

(2)

أخرجه الإمام مسلم أوله في كتاب الحج، باب (ما قول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره) 2/ 978 رقم 1342، والإمام أحمد في المسند 5/ 83 من حديث عبد الله بن سرجس واللفظ له، وأخرجه غيرهم.

ص: 137

الذي (1) يدبر أمر بيته، فإذا سافر سأل الله -تعالى- أن يخلفه فيهم.

وكما رُوي أنه سُمع يوم موت (2) النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً يقول: "إن في الله عزاءً من كل هالك وعوضاً من كل مصيبة، وخلفاً من كل ما فات، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حُرم الثواب"(3).

وكذلك العبد يخلف العبد في أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من جهز غازياً فقد غزا ومن خَلَفَهُ في أهله بخير فقد غزا"(4).

(1) في هامش (د): في نسخة (عند أهله).

(2)

في (د) مات.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى في (كتاب الجنائز، باب ما يقول في التعزية) 4/ 60 بذيله الجوهر النقي لعلاء الدين ابن التركمان (طبعة دار المعرفة بيروت - لبنان) وقال: رُوى معناه عن جابر، ومن وجه آخر عن أنس وفي أسانيده ضعف. أ. هـ. وابن أبي الدنيا في الهواتف، تحقيق مجدي السيد إبراهيم الناشر مكتبة الساعي الرياض ص 23 - 24 ولفظ المؤلف أوله من الرواية الثالثة، وأخره من الثانية، عند ابن أبي الدنيا، وأبو نعيم الأصفهاني في دلائل النبوة تحقيق د. محمد رواس وعبد البر عباس 2/ 565، وزاد أن الرجل هو الخضر، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 275 (طبعة 1367 هـ الناشر دار بيروت ودار صادر بيروت - لبنان). قال ابن كثير في البداية والنهاية 5/ 262: روايات هذا الخبر كلها مرسلة، ما عدا رواية القاسم العامري عن أبيه عن جده وقد ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركه بالكلية آخرون. أ. هـ. وشذ أبو عبد الله الحاكم فصحح الخبر في المستدرك على الصحيحين 3/ 57 - 58 (طبعة دار الكتاب العربي بيروت - لبنان) وبذيله التلخيص، وذكر أن القائل في الرواية الأولى هم الملائكة، أما في الرواية الثانية فذكر أنه الخضر -ولم يصحح سندها- وقال عباد بن عبد الصمد: ليس من شرط هذا الكتاب، ووافقه الذهبي، ولا يخفى تساهل الحاكم في التصحيح. وقد ضعف سند الحاكم البيهقي في السنن 4/ 60.

وقال زين الدين عبد الرحيم العراقي في تخريج إحياء علوم الدين المسمى: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، عناية أشرف عبد المقصود 2/ 1221 رقم 4412 (الطبعة الأولى 1415 هـ، الناشر مكتبة طبرية الرياض) قال في تخريج هذا الخبر: لم أجد فيه ذكر اليسع، وأما ذكر الخضر في التعزية فأنكر النووي وجوده في كتب الحديث، وقال: إنما ذكره الأصحاب. قلت (أي العراقي): بل قد رواه الحاكم في المستدرك في حديث أنس ولم يصححه ولا يصح. ثم بيّن ضعف أسانيد ابن أبي الدنيا، ثم قال: كما رواه الشافعي في الأم وليس فيه ذكر الخضر. أ. هـ.

وقد ذكر ابن حجر في الزهر النضر في نبأ الخضر ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (الناشر مكتبة طيبة الرياض) 2/ 216 - 219: روايات هذا الخبر وبيّن ضعفها.

وسيأتي الكلام على الخضر وأنه لا يصح شيء في حياته، انظر: ص 159.

(4)

أخرجه البخاري في (كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه =

ص: 138

وقال صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز: "أو (1) كلما نفرنا في الغزو خلف أحدهم له نبيب (2) كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة (3) من اللبن، إن الله أمكنني من أحدهم لأجعلّنه نكالاً"(4)، ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: 165]، أي يخلف بعضكم بعضاً، وكما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55]، وقوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)} [يونس: 14].

وداود عليه السلام جعله الله خليفة عمن كان قبله كما جاءت بذلك الآثار، ومنه قوله تعالى:{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} [الزخرف: 60]، [وقد](5) قيل إنَّ مِنْ هنا للبدل أي بدلاً منكم، كما قالوا في قوله:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)} [الأنبياء: 42]، أي: بدلاً من الرحمن، [وأنشدوا] (6):

فليت لنا من ماء زمزم شربة

مبردة باتت على [طهيان](7)

= بخير) 2/ 879 رقم 2843. ومسلم في (كتاب الإمارة، باب فضل الصدقة في سبيل الله (3/ 1506 برقم 1895. والنسائي في (كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً) 6/ 46 رقم 3178 واللفظ له.

(1)

(أو) سقطت من (د).

(2)

النبيب: هو صوت التيس عند السفاد، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف مجد الدين الجزري ابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي 5/ 4 باب النون مع الباء طبعة المكتبة العلمية بيروت - لبنان.

(3)

الكثبة من اللبن: أي القليل من اللبن، والكثبة: كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك، والجمع كثب. المرجع السابق 4/ 151 باب الكاف مع الثاء.

(4)

أخرجه مسلم في (كتاب الحدود، باب من اعترف بالزنى) 3/ 1319 رقم 1692، وغيره بألفاظ متقاربة وقريبة من لفظ المؤلف.

(5)

كذا في (د) و (ف) و (ح) وسقطت من (الأصل).

(6)

كذا في (د) و (ف) و (ح) وفي الأصل أنشد.

(7)

كذا في (ح) ولسان العرب، وفي الأصل (طهان) وفي (د) طهيات وفي الهامش في نسخة طهمان وسقطت من (ف)، وهذا البيت نسبه ابن منظور في لسان العرب للأحول الكندي.

والطهيان: خشبة يبرد عليها الماء. انظر: لسان العرب لابن منظور 15 (17 - 18).

ص: 139

قالوا (1): معناه بدلاً من ماء زمزم، [وفي حديث أبي سعيد الذي رواه مسلم في صحيحه:"إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"(2).

والمقصود هنا أن المخلوق يمكن أن يقيم مقامه من يفعل مثل فعله.

وأما الرب سبحانه وتعالى فهذا ممتنع في حقه، ممتنع لذاته أن يكون غير الله مماثلاً له في ذاته أو (3) صفاته أو أفعاله، فإن المثلين يجوز على أحدهما ما جاز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، والرب حي قيوم غني صمد واجب بنفسه قديم بنفسه (4)، مستحق لصفات الكمال بنفسه، ممتنع

(1) في (د) و (ف) وقالوا بزيادة واو.

(2)

ما بين المعقوفتين من (د) وسقط من الأصل و (ف) و (ح)، والحديث أخرجه مسلم في (كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء) 4/ 2098 رقم 2742 ولفظه: "

فينظر كيف تعملون

"، وفي رواية: "

لينظر كيف

" وغيره.

(3)

في (د) و (ف)(واو).

(4)

(قديم بنفسه) سقطت من (د)، وإطلاق القديم على الله تبارك وتعالى اختلف فيه: فأطلقه على الله -تعالى- أهل الكلام من المعنزلة والأشاعرة، بل ذهب الجبائي وغيره من المعتزلة إلى أنه أخص وصف لله -تعالى-. انظر: الملل والنحل 1/ 83، ليثبتوا به وجود الله قبل كل شيء. ومنعه السلف، انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الطنفي، أخرج أحاديثها العلامة ناصر الدين الألباني ص 112 - 113 (الطبعة الثامنة 1404 هـ الناشر المكتب الإسلامي - بيروت لبنان) ولفظ القديم في لغة الرسول التي جاء بها القرآن خلاف الحديث كان كان مسبوقاً بغيره كقوله:{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39]، وهو عند أهل الكلام عبارة ما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقاً بعدم نفسه، ويجعلونه -إذا أريد بها هذا- من باب المجاز، ولفظ "المحدث" في القرآن مقابل للفظ "القديم". انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 245، وقال المؤلف أيضاً في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/ 300 - 301: أما إذا احتيج إلى الإخبار عنه .... فقيل في تحقيق الإثبات بل هو سبحانه قديم موجود وهو ذات قائمة بنفسها وقيل: ليس بشيء، فقيل: بل هو شيء، فهذا سائغ، وإن كان لا يدعى بمثل هذه الأسماء التي ليس فيها ما يدل على مدح. أ. هـ.

وقد استدل بعض السلف بحديث أبي هريرة في الأسماء حيث ورد في بعض رواياته اسم "القديم". =

ص: 140

اتصافه بنقائضها، فإن كماله من لوازم ذاته الواجبة الوجود بنفسها التي يمتنع (1) عدمها أو عدم شيء من لوازمها، والمخلوق يجب أن يكون معدوماً محدثاً فقيراً، فلو تماثلا للزم أن يكون كلاً منهما واجب الوجود واجب العدم؛ قديماً محدثاً؛ غنياً بنفسه فقيراً بنفسه، وذلك جمع بين النقيضين، وإذا كان المخلوق الذي يرسل من يماثله لا يكون فعله هو فعله، فالخالق الذي يرسل بعض عباده أبعد أن يكون فعله هو فعله، حتى تكون نفس بيعة الرسول نفس بيعة المرسِل، وإذا كان خالقاً لذلك الفعل وغيره من المخلوقات؛ فهو بهذا (2) الاعتبار لا اختصاص له، والله -تعالى- قال:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10].

فإن محمداً رسول الله، وبيعته عن مرسله ليست بيعة لنفسه (3) والجزاء على مرسله، ولهذا قال:{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10].

وأما استشهاده بقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فمن هذا الجنس، وهو قد سبقه إلى هذا المعنى الذي توهمه طائفة من الجهال (4)، وذلك أن الله لم يُضفِ الرمي هنا إلى نفسه؛ لمجرد كونه خالقاً لأفعال العباد، فإن هذا قدر مشترك ببن رمي النبي وسائر أفعاله غير الرمي، وبين رمي غيره من الناس وبين أفعالهم (5)، فأفعال العسكرين يوم بدر خلقها الله كما خلق سائر أفعال الحيوان، ولو جاز أن يقال: إن الله رمى؛ لكونه خلق حركة العبد، لقيل: إنه يكر ويفر ويركب ويعدو ويصوم ويطوف، [ونحو ذلك](6)؛ لكونه يخلق ذلك.

= وسيأتي بيان حكم الاستدلال بالحديث، واتفاق أهل العلم أن الأسماء ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هي مدرجة، انظر: ص 201.

(1)

في (د) ممتنع.

(2)

في (د) هذا.

(3)

في (د) لنفسي وهو خطأ.

(4)

هذه الآية استدل بها الاتحادية على مذهبهم. انظر: معجم مصطلحات الصوفية، د. عبد المنعم الحفني ص 181 حرث العين.

(5)

في (د) فإن.

(6)

ما بين المعقوفتين من (د)، وسقطت من الأصل و (ف) و (ح).

ص: 141

وقد رُوي أن المحاصرين لعثمان رضي الله عنه كانوا يرمونه بالحجارة، فقال: لِمَ ترموني بالحجارة (1)؟ فقالوا: لم نرمك، ولكن الله رماك، قال: كذبتم، لو رماني الله أصابني، وأنتم ترمونني ولا تصيبونني (2)، وهو صادق في ذلك، فإن الله لما رمى قوم لوط، وأصحاب الفيل أصابهم، ولكنهم هم رموا عثمان.

والله -تعالى- قال (3): {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من تراب و (4) غيّره، فرمى بها المشركين فأصابت عيونهم، وهزمهم الله بها، ولم يكن في قدرة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، بل الله -تعالى- أوصل ذلك إليهم، والرمي له طرفان: حذف (5) بالمرمي، ووصول إلى العدو ونكاية فيهم، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل الأول، والله فعل الثاني، والمعنى: ما أوصلت الرمي إذ حذفته (6)، ولكن الله أوصله وهزمهم به، فالذي أثبته الله لنبيه غير الذي نفاه عنه، وقد أثبت له رمياً؛ بقوله:{إِذْ رَمَيْتَ} ، ونفى عنه رمياً بقوله:{وَمَا رَمَيْتَ} فكان (7) هذا غير هذا؛ لئلا يتناقض الكلام (8).

(1)(الحجارة) سقطت من (د).

(2)

أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه المسمى تاريخ الأمم والملوك 2/ 672.

(الطبعة الثالثة 1411 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت - لبنان) في خبر استشهاد عثمان رضي الله عنه ولفظه: "

لو رمانا الله لم يخطئنا، وأنتم تخطؤننا"، قال: كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة وذكر الخبر. وقد ذكره المؤلف بصيغة التمريض.

(3)

في (د) يقول.

(4)

في (د) أو.

(5)

في (د) خذف: ويعني رمى وخص بعضهم به الحصى. لسان العرب 9/ 61.

(6)

في (د)(أو خذفته).

(7)

في (د) وكان.

(8)

هذه الآية نزلت في يوم بدر، ونحو هذا نُقل عن عكرمة ومجاهد وقتادة غيرهم.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره 6/ 202: في قوله تعالى لنبيه عليه السلام: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ، فأضاف الرمي إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جلَّ ثناؤه هو الموصل المرميّ به إلى الذين رُمُوا به من المشركين، والمسبب الرمية لرسوله. =

ص: 142

ولو كان المراد كما ظنه هذا وأمثاله؛ ممن يحتج بهذه الآية، على أن الله [خالق](1) أفعال العباد، ويضحك المعتزلة وغيرهم من القدرية (2) عليه إذا احتج بهذه الآية، [و](3) لو كان هذا (4) المراد لساغ أن يقال مثل هذا في جميع أفعال العباد، فيقال: ما ركبت إذ ركبت ولكن الله ركب، (وما طفت إذ طفت ولكن الله طاف)(5)، وما أكلت إذ أكلت ولكن الله أكل، [و](6)(لكان يقال لكل من رمى بقوس ما)(7) رميت إذ رميت ولكن الله رمى، ويقال للكفار إذا رموا المسلمين: ما رميتم ولكن الله رمى، وأشباه هذا مما لا يقوله مسلم، ولا عاقل.

ثم إن الله -تعالى- ذكره هذه الآية لبيان نعمته على نبيه [وعلى](8)

= فيقال للمنكرين ما ذكرنا -أي منكري القدر-: قد علمتم إضافة الله رمى نبيه صلى الله عليه وسلم المشركين إلى نفسه، بعد وصف نبيه به، وإضافته إليه، وذلك فعل واحد، كان من الله تسبيبه وتسديده، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم الحذف والإرسال. أ. هـ.

انظر: تفسير الطبري 6/ 202 - 203 والجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي 7/ 385 (لم يذكر الناشر)، تصحيح أحمد البردوني وآخرين الطبعة الثانية، وتفسير ابن كثير 2/ 295.

(1)

كذا في (د) و (ف) و (ح) وفي الأصل (خَلِقُ) ولا يصح رسم الكلمة أو ضبطها.

(2)

القدرية: هم نفاة القدر، وكان أوائلهم أنكروا علم الله السابق، وأول من قال بالقدر معبد الجهني، ظهرت هذه الفرقة في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولذا يلقبون أحياناً بالقدرية الأولى، وقد كان موقف الصحابة منهم شديداً، حيث تبرؤا منهم وانتشر القول بالقدر على يد المعتزلة، حتى عرفوا بالقدرية. ولذلك قيل عنهم مجوس الأمة لقولهم بالأصلين يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره، والقدرية فرق، عدها بعض كتاب الفرق سبع فرق. انظر: صحيح مسلم (كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان) 1/ 36 رقم 8، والتنبيه والرد للملطي ص 176، والملل للشهرستاني 1/ 43، والقضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود ص 117 وما بعدها الطبعة الأولى 1414 هـ، الناشر دار النشر الدولي الرياض.

(3)

كذا في (د) و (ح) وسقطت من الأصل و (ف).

(4)

(هذا) سقط من (د).

(5)

ما بين القوسين في (د)(وما ظننت إذ ظننت ولكن الله ظن).

(6)

كذا في (ح) و (ط) وسقطت من الأصل و (ف) و (د).

(7)

ما بين القوسين في (د)(يقال لكن من رمى بالقوس وما).

(8)

كذا في (د) و (ح) وسقطت من الأصل و (ف).

ص: 143

المؤمنين يوم بدر، وما أيدهم به من النصر، فلو أريد كونه خالقاً لفعله؛ لكان هذا قدراً مشتركاً بين جميع الناس، بل لا بد أن يكون لرميه خاصة يعجز عنها الخلق، فعلها الله تأييداً لنبيه ونصراً له؛ وإنعاماً عليه وعلى المؤمنين.

فتبين أن هذه الآية حجة عليه لا له كالأولى، وأن الله -تعالى- فرَّق بين فعل الخلق وفعل نفسه، ولم ينزل أحداً منزلة نفسه في الأفعال.

ومما يبيّن ذلك أن أفعال العباد لا يجوز أن تُنفى عنهم باتفاق المسلمين، من قال إن الله خالقها، ومن قال إن الله لم يخلقها، لا يجوز أن يقال هذا ما أكل ولا شرب ولا قعد ولا ركب ولا طاف، ولا ركع ولا سجد ولا صام ولا سعى، ولكن الله هو الذي أكل وشرب وقعد وركب وطاف وركع وسجد وصام وسعى، وسواء كانت أفعالاً (1) محمودة أو مذمومة، وسواء كانت سبباً لخرق العادة أم لا؟ فلا يقال إن موسى ما ضرب بعصاه البحر ولا الحجر؛ ولكن الله ضرب، ولا يقال إن نوحاً ما ركب السفينة؛ ولكن الله ركب، ولا يقال إن المسيح ما ارتفع إلى السماء بل الله ارتفع، ولا يقال محمد صلى الله عليه وسلم ما ركب البراق (2) وأمثال هذا.

فالفعل المختص بالمخلوق لا يضاف إلى الله -تعالى-؛ إلا على بيان أن الله خلقه، وجعل صاحبه فاعلاً، كقول الخليل عليه السلام:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40]، وكما قال:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]، [وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} (3)[السجدة: 24]، (وقال تعالى) (4) {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41].

ولا يقال: إن الله يقيم الصلاة، ويدعو إلى النار، ولا أنه قد أسلم،

(1) في (د) الأفعال.

(2)

البراق: هي الدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. سمي بذلك لنصوع لونه وشدة بريقه. وقيل: لسرعة حركته شبيه فيها بالبرق. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/ 120 باب الباء مع الراء.

(3)

ما بين المعقوفتين في (د)، وسقط من الأصل و (ف) و (ح).

(4)

ما بين القوسين سقط من (ف) وفي (د)(وقال).

ص: 144

وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} [المعارج: 19 - 21]، ولا يوصف الله بالهلع والجزع، وجماع الأمر أن الله لا يوصف بمخلوقاته، وهذه هي أدلة السلف وأهل السنة؛ على أن كلام الله غير مخلوق، قالوا: لأنه -سبحانه- لا يوصف بما خلقه في غيره، فإذا خلق في غيره حركة أو طعماً (1) أو ريحاً أو لوناً كالسواد والبياض؛ لم يوصف بأنه المتحرك بها، ولا بأنه متروح أو أبيض أو أسود، (وإذا خلق في غيره سمعاً وبصراً وحياة أو قدرة لم يوصف بذلك)(2)، وإذا خلق في غيره كلاماً لم يوصف بأنه هو المتكلم به، ويُعبرون عن ذلك بأن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل؛ ولم يعد على غيره، [واشتق](3) لذلك المحل منه اسم ولم يشتق لغيره، فإذا خلق في محل حركة أو علماً أو قدرة كان ذلك المحل هو المتحرك العالم القادر لا الخالق لتلك الصفة فيه.

وأورد المعتزلة نقضاً (4) على هذا صفات الأفعال، فقالوا: هو عادل بعدلٍ خَلَقَه في غيره.

فأجاب أئمة السلف وجمهورهم بطرد الدليل بناء على أن الفعل غير المفعول، واستدل الإمام أحمد وغيره بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بكلمات الله التامات"(5)، قالوا: وهو لا يستعيذ بمخلوق، وطرد هذا قوله: "اللهم إني

(1)(طعماً) سقطت من (د) و (ف).

(2)

ما بين القوسين سقط من (د).

(3)

كذا في (د) و (ف) وفي الأصل وشتق.

(4)

في (د): نقصاً.

(5)

أخرجه مسلم في (كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من سوء القضاء) 4/ 2080 رقم 2708، وأوله: "من نزل منزلاً ثم قال:

الحديث"، واستدل به البخاري في خلق أفعال العباد والرد على الجهمية ص 89، وابن خزيمة في كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل تحقيق د. عبد العزيز الشهوان 1/ 400 (الطبعة الثالثة 1414 هـ الناشر مكتبة الرشد الرياض)، والإمام عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية تقديم وتعليق بدر البدر ص 149 (الطبعة الأولى 1405 هـ، الناشر الدار السلفية حولي - الكويت)، ونقله الخطابي في معالم السنن عن الإمام أحمد.

ص: 145

أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك" (1)، فالنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه وبكلماته (2)، وهذا مذهب جمهور المسلمين، أن الخلق (3) غير المخلوق وهو المنقول عن السلف والأئمة، كما ذكره البخاري (4) في كتاب خلق الأفعال، وهو الذي ذكره البغوي (5) صاحب شرح السنة، وهو الذي ذكره الكلاباذي (6) أنه اعتقاد الصوفية، وهو قول

(1) أخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود) 1/ 352 رقم 486 ولفظه: "

وأعوذ بك منك

"، والحاكم في المستدرك في كتاب الصلاة (1/ 288) واللفظ له. وفي استدلال السلف بهذا الحديث قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بأفعال الرب وصفاته، فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه، فمعافاته ورضاه غير مخلوقة لأنه استعاذ بهما، والعافية القائمة ببدن العبد مخلوقة فإنها نتيجة معافاته. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 229 - 230، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن القيم، تعليق مصطفى أبو النصر الشلبي 2/ 266 الطبعة الأولى 1412 هـ، الناشر مكتبة السوادي جدة.

(2)

في (د)(وكلماته) بدون باء.

(3)

في (ف) بياض.

(4)

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، الإمام المشهور صاحب الصحيح المعروف بصحيح البخاري وله:"خلق أفعال العباد"، أثنى عليه الأئمة، توفي سنة 256 هـ.

نقل إجماع أهل العلم على أن الخلق غير المخلوق، والفعل غير المفعول في كتابه "خلق أفعال العباد" ص 112. انظر: السير 12/ 391 ترجمة رقم 171، والأعلام 6/ 34.

(5)

هو محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، من أئمة السنة له مصنفات. توفي في شوال سنة 516 هـ، وقيل 510 هـ.

وذكر البغوي في كتابه شرح السنة أن الخلق غير المخلوق في باب أسماء الله سبحانه وتعالى 5/ 29، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش. انظر: السير 19/ 439 ترجمة رقم 258، والأعلام 2/ 259.

(6)

هو أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي البخاري، ويقال: محمد بن إبراهيم والأول هو ما ذكره المؤلف في الاستقامة 1/ 82، محدث صوفي توفي سنة 380 هـ، وأشهر كتبه:"التعرف لمذهب أهل التصوف"، وقد ذكر ما أشار إليه المؤلف في كتابه التعرف تعليق أحمد شمس الدين ط. الأولى 1413 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت ص 38 - 39 الباب السابع:"اختلافهم في أنه لم يزل خالقاً، ونصه: والفعل غير المفعول".

انظر: الاستقامة لابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم 1/ 82 - 83 (الطبعة الثانية 1409 هـ، الناشر مكتبة السنة القاهرة - مصر)، والأعلام 5/ 295.

ص: 146

الكرامية (1)، وكثير من المعتزلة، وأصحاب أبي حنيفة (2)، وجمهور أصحاب مالك والشافعي وأحمد، لا من وافق منهم الأشعري وغيره الذين يقولون: الخلق هو المخلوق، كما اختاره ابن عقيل (3) وغيره، وهو أول قول القاضي أبي يعلى (4) ثم رجع عنه، وهو اختيار [أبي](5) المعالي الجويني (6) وغيره، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع (7).

(1) الكرَّامية: هم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، نسب لهم الأشاعرة أقوالاً كثيرة، واشتهر قولهم: الإيمان هو القول باللسان فقط. وقد وافقوا السلف في قولهم إن الخلق غير المخلوق، نقل ذلك عنهم الشهرستاني وغيره.

انظر: المقالات 1/ 223، والملل والنحل 1/ 108 - 113، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية تحقيق د. محمد رشاد سالم 2/ 379 الطبعة الأولى 1406 هـ، الناشر مؤسسة قرطبة، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 103.

(2)

انظر: الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية ص 64 وما بعدها، وشرح العقائد النسفية ص 47، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 298.

(3)

هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد البغدادي، الحنبلي المتكلم، شيخ الحنابلة، تاب من الاعتزال. له "الفنون" و"الرد على الأشاعرة وإثبات الحرف والصوت" وغيرها توفي سنة 513 هـ. وقد قال بأن الخلق هو المخلوق كما نقله عنه ابن تيمية في الفتاوى 6/ 231. انظر: السير 19/ 443 ترجمة رقم 259 الأعلام 4/ 313.

(4)

هو أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد البغدادي، الحنبلي ابن الفراء، عالم العراق في زمانه، ولي القضاء، له "أحكام القرآن" و"المعتمد" و"العدة" وغيرها. توفي سنة 458 هـ وللقاضي أبي يعلى ثلاثة مواقف من الصفات الفعلية التي هي أساس قضية الخلق والمخلوق، الأول: وافق فيها الأشاعرة، والثاني: أثبتها على أنها صفات ذاتية للرب -تعالى-، والثالث: وافق السلف وأثبتها وأنها تتعلق بالمشيئة والاختيار في "كتابه إبطال التأويلات"، وفي الموقف الثالث قال: بأن الخلق غير المخلوق. انظر: مقدمة المحقق في كتاب: مسائل الإيمان، للقاضي أبي يعلى، تحقيق سعود الخلف ص 76 - 93، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 12/ 436، والسير 18/ 89 ترجمه رقم 40، والأعلام 6/ 99.

(5)

كذا في (ف) و (د) و (ح) وفي الأصل (أبو).

(6)

هو ضياء الدين أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، حج وجاور أربع سنين يدرس ويفتي، ولذا لقب بإمام الحرمين.

ومع فرط ذكائه وإمامته لا يدري الحديث -كما يليق به- لا متناً ولا سنداً، رجح في آخر حياته مذهب السلف في الصفات وأقر به. له كتاب:"الإرشاد في أصول الدين" سنة 478 هـ. انظرت السير 18/ 476 ترجمه رقم 468، والأعلام 4/ 160.

(7)

انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 149، 229 - 240، ومنهاج السنة =

ص: 147

والمقصود هنا أن السلف والأئمة متفقون على أن الله لا يوصف بالمخلوقات، فلا يوصف بما خلقه في غيره من الصفات وإن كانت صفات كمال، فكيف يوصف بما خلقه في غيره من أفعال العباد، وتُجعل الأفعال القائمة بالمخلوقات صفات له؛ يشتق له منها (1) أسماء، فهذا مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول؛ مناقض للقواعد والأصول، ولكن بعض من ناظر القدرية في هذا المقام انحرف كما انحرفوا، وقابل باطلاً بباطل، ورد بدعة ببدعة.

والذين يصفون الله ببعض المخلوقات صنفان: صنف غلطوا في الصفات، وصنف غلطوا في القدر، فالأول الجهمية (2) من المعتزلة وغيرهم (3) الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق؛ فوصفوه بما خلقه في غيره، وكذلك يقولون: رضاه وغضبه هو [ما يخلقُهُ] من الثواب والعقاب، وإرادته خلقها لا في محلّ؛ كما تقوله المعتزلة من البصريين (4) فيصفونه بمخلوقات بائنة عنه.

= 2/ 379، وسبق ذكر بعض هذه المواضع؛ كما في ص 128، وقد نصر هذا القول أيضاً ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 5/ 151، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، حقق المجلد الأول والثاني العلامة عبد العزيز ابن باز 13/ 539 الطبعة الأولى 1410 هـ، الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان، والسفاريني في لوامع الأنوار 1/ 252 - 253، والألوسي في غاية الأماني 2/ 338 وغيرهم.

(1)

في (د) منه.

(2)

الجهمية: هم أتباع الجهم بن صفوان، وهي فرقة معطلة تنكر أسماء الله وصفاته، وتقول بالجبر والإرجاء، تنقسم الجهمية إلى ثلاث فرق: الجهمية المحضة أو الغالية وهم أشر الجهمية، والجهمية المعتزلة الذين يقرون بالأسماء وينفون الصفات، والجهمية الصفاتية الذين يعطلون بعض الصفات الخبرية ومنهم الكلَّابية، ويطلق عليهم أحياناً الجهمية الجبرية لقولهم بالجبر.

والمؤلف أراد الفرقة الثانية وهم الجهمية المعتزلة. وكل معتزلي جهمي، وليس كل جهمي معتزلي. انظر: التنبيه والرد للملطي ص 110 وما بعدها والمقالات 1/ 338، والملل والنحل 1/ 86 - 88، وتاريخ الجهمية والمعتزلة للعلامة جمال الدين القاسمي ص 53 - 55 الطبعة الثالثة 1405 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان.

(3)

في الأصل و (ف)(هم) زيادة.

(4)

هذا مذهب الجبَّائية -من معتزلة البصرة- وغيرهم. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 440، التنبيه والرد للملطي ص 52 - 54.

ص: 148

والصنف الثاني: الجهمية الجبرية الذين قالوا: إن أفعال العباد نفس فعله، وفعله هو مفعوله، كما يقوله الجهم بن صفوان وأتباعه كالأشعري ومن وافقه، وهؤلاء لم يثبتوا له فعلاً قائماً بنفسه غير المخلوقات المباينة له، فإذا كان خالق أفعال العباد لزم أن تكون هي فعله ولا تكون فعلاً لغيره، وحينئذٍ فالصفات الفعليّة التي يصفون بها الربّ، مثل كونه خالقاً ورازقاً وعادلاً؛ إنما تتصف عندهم فيها بمخلوقاته؛ وتتصف أيضاً عندهم بأفعال العباد كلها، فالجهم بن صفوان أعظم الناس وصفاً له بمخلوقاته في كلامه وأفعال العباد وغير ذلك.

والمعتزلة وافقوه في الكلام ونحوه من الصفات دون أفعال العباد، ووافقوه في فعله لغير أفعال العباد؛ لكون أفعال العباد عندهم ليست فعلاً له، فالجهمية والمعتزلة متفقون على أنه يوصف بمخلوقاته، لكن المعتزلة عندهم هو خلق كلامه ورضاه وغضبه وإراداته فيوصف بها، ولم يخلق أفعال العباد فلا يوصف بها.

و [أما](1) جهم فعنده أنه خلق الجميع فلزمه أن يوصف بالجميع، والأشعري وافق جهماً في المخلوقات من أفعال العباد وغيرها؛ دون الكلام والإرادة فإنهما عنده صفات تقوم بالله، لكنه وافقه على أن المخلوق هو الخلق، وهو يصفه بالصفات الفعلية فوافقه على اتصافه بالمخلوق من هذا الوجه، صار هو والمعتزلة متقابلين، هو ينكر عليه قولهم في الكلام والإرادة، وأصاب في إنكاره عليهم، وهم ينكرون عليه قوله في أن أفعال العباد فعله (2)، وهم وإن أصابوا في (3) هذا الإنكار؛ لكنهم ينكرون أن تكون مخلوقة لله (4)، وهذا منكر، والأشعري يثبت للعبد قدرة محدثة وكسباً (5)،

(1) كذا في (د) و (ف) و (ح)، وسقطت من الأصل.

(2)

انظر: رد الأشاعرة على المعتزلة في: الإرادة في شرح المقاصد 4/ 128 - 130، وفي مسألة الكلام 4/ 143 - 151 من نفس المرجع. ورد المعتزلة عليهم في أفعال العباد في شرح الأصول الخمسة ص 332.

(3)

في (ف)(فهذا).

(4)

في (ف)(يكون مخلوقه لله) وفي (د)(يكون مخلوق).

(5)

الكسب الأشعري: يقول الأشاعرة: الأفعال مسندة إلى الله -تعالى- خلقاً وإلى =

ص: 149

ولكن يقول قدرته لا تأثير لها في المقدور، وما أثبته من الكسب لا يتحقق الفرق بينه وبين الفعل، فكأن حقيقة قوله في أفعال العباد هو معنى قول جهم.

وأما سلف وأئمة الفقهاء وأهل الحديث وجمهور المنتسبين إلى السنة وطوائف من أهل الكلام (1) من المرجئة (2) والكرامية وغيرهم؛ فسلموا من هذه الأقوال الفاسدة، ولم يصفوا الله بمخلوقاته، وإنما وصفوه بما يقوم به من صفاته وأفعاله.

= العبد كسباً بإثبات قدرة مقارنة للفعل. ولكن قدرة العبد غير مؤثرة، والمقدور والقدرة كلاهما واقع بقدرة الله، لكن الشيء الذي حصل بخلق الله وكونه متعلق القدرة الحادثة هو الكسب.

انظر: الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي، مقابلة وطبع د. عدنان درويش ومحمد المصري ص 161 - 162، الطبعة الثانية 1413 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان.

ويقال: ثلاثة لا يُعلم لها حقيقة: أحوال أبي هاشم، وطفرة النظَّام، وكسب الأشعري، وحقيقة الكسب عند الأشاعرة يقترب من الجبر كما ذكر المؤلف، ويقال:(أو هي من كسب الأشعري)، وأهل السنة أثبتوا للعبد قدرة مؤثرة، وبها يزول الإشكال. والقدرة غير المؤثرة لا تسمى قدرة.

(1)

الكلام هو حقيقة عرفية فيمن يتكلم في الدين بغير طريقة المرسلين، ومتقدموهم كانوا يخلطون ذلك بأصول من الكتاب والسنة والآثار، وأما المتأخرون فلا يذكرون إلا الأصول المبتدعة وأعرضوا عن الكتاب السنة، وهم: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والمرجئة والكرامية وغيرهم، انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 10/ 366 - 367، 18/ 224 - 225 ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 158 - 166، وشرح الطحاوية ص 208 - 210.

(2)

المرجئة: سموا المرجئة لقولهم بالإرجاء، وله معنيان: أحدهما التأخير حيث يؤخرون العمل، والثاني: إعطاء الرجاء؛ حيث قالوا: "لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة"، وقيل معنى ثالث مقابل الشيعة أي وضع علي بن أبي طالب رابع الخلفاء خلافاً للرافضة.

وهم أربعة أصناف: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة. وقد ذم السلف هذه الفرق. قال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء. أ. هـ. انظر: التنبيه والرد للملطي ص 57، والمقالات 1/ 202، 211، والفرق بين الفرق ص 25.

ص: 150

وأما الحلولية الذين يصفونه ببعض أفعال المخلوقات، كما تقوله النصارى في المسيح والغالية في الأئمة والشيوخ والقائلون بالحلول العام -كقول ابن عربي-:

وكل كلام في الوجود كلامه

سواء علينا نثره ونظامه (1)

فهؤلاء فساد قولهم أظهر من هذا كله، وقول هذا المتخلف (2) يرجع إلى قول هؤلاء، وإن كان قد لا يلتزمه لو عرف أنه يلزمه.

وأما الخبر الذي استشهد به من قوله: "استطعمتك"، فلفظه في الصحيح يقول الله -تعالى-:"عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول: ربِّ كليف أطعمك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً جاع، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: ربِّ كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلو عدته لوجدتني عنده"(3)، وهذا الخبر ليس فيه فعل للعبد، وإنما فيه جوعه ومرضه، ولكن ظن أن لفظة "استطعمتك" وأنه جعل استطعام العبد استطعام الرب، وأيضاً فالخبر مقيد لم يطلق الخطاب إطلاقًا، وإنما بيّنَ أن عبده هو الذي مرض، وهو الذي جاع، وقال:"لو أطعمته لوجدت ذلك عندي"، ولم يقل لوجدتني أكلته، وقال:"لو عدته لوجدتني عنده؛ ولم يقل لوجدتني إياه".

والحديث خطاب مفسر مُبين أن الرب ليس هو العبد؛ ولا صفته صفته؛ ولا فعله فعله، أكثر ما فيه استعمال لفظ الجوع والمرض مقيدًا مبينًا للمراد، فلم يطلق الخطاب إطلاقًا، وأيضًا فقد عَلمَ المخاطب أن الرب لا يجوع ولا

(1) هذا البيت لابن عربي ونصه: ألا كل قول في الوجود (البيت).

انظر: الفتوحات المكية لابن عربي (4/ 14) طبعة 1329 هـ مصطفى الحلبي، دار الكتب العربية القاهرة.

(2)

أي البكري.

(3)

أخرجه مسلم في (كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض) رقم (2569)(4/ 1990) ولفظه: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا ربِ كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده. أما علَمت أنك لو عدته لوجدتني عنده. يا ابن

الحديث".

ص: 151

يمرض، فلم يكن تلبيس لا من جهة السمع؛ ولا من جهة العقل، بل المتكلم بيّن فيه مراده، والمستمع (1) لم يشتبه عليه، بخلاف ما إذا أضيف [الفعل](2) إلى (3) العبد الذي يمكن منه الفعل؛ الفعل قد قام به، فإنه إذا جعل فعله فعل الرب لم يعقل هذا؛ إلا إذا أريد أنه خالقه، و [إذا](4) أريد ذلك فالصواب أن يقال فعل العبد مخلوق للرب ومفعول له، لا يطلق أنه فعله لما فيه من التلبيس؛ ولما فيه من نفي فعل الرب؛ ولما فيه من نفي كون العبد فاعِلًا، ثم إنه لا فرق في ذلك [بين المقربين وغير المقربين بهذا الاعتبار](5).

بل قد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)} [مريم: 83]، كما قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1] ونوح محمود مقرب، والشياطين أعداء لله، وقال تعالى:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)} [الإسراء: 5]، كما قال تعالى:{بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2]، [وقال:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} ] (6)[النحل: 36]، كما أنه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، فيخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن، وقد خلق المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وخلق النبات والدواب كلها طيبها وخبيثها، فجهة الخلق عامة شاملة، فلو كان قوله:"يبايعونك" وقوله: "ولكن الله رمى" من الخلق الشامل والقيومية العامة؛ للزم أن يقال مثل ذلك في كل مبايعٍ ورامٍ، وإن كان من الكافرين، ولم يكن في ذلك خاصّة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا فضل له على أحدٍ من المخلوقين.

(1) في (د)(له).

(2)

كذا في (د) و (ف) و (ح) وفي الأصل (العقل).

(3)

(إلى) سقطت من (د).

(4)

كذا في (د) وفي الأصل و (ف) و (ح)(لأنه).

(5)

ما بين المعقوفبن من (د) و (ح)، وفي الأصل و (ف)(هذا الاعتبار بين المقربين).

(6)

كذا في (د) و (ت)، والآية سقطت من الأصل و (ف) و (ح).

ص: 152

وأما حديث الأولياء فليس من هذا الباب بالكلية، وإنما فيه:"فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي"(1)، ولم يقل: أنا أسمع وأنا أبصر، ولا أنا أبطش ولا أنا أمشي، وقد [صرح](2) بالفرق فيه بين الرب والعبد من وجوه متعددة، كقوله:"من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة"(3)، ففرق بين نفسه ووليه وعدوه ووليه، ثمّ قال:"ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه"(4)، ففرق بين المتقرب والمتقرب إليه، ثم قال: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به

" إلى آخره (5)، فلم يقل كنت إياه، ولا فيه أن فعل أحدهما هو

(1) حديث الأولياء أخرجه البخاريّ في (كتاب الرقاق، باب التواضع) 4/ 2039 رقم 6502 وغيره، وهذا اللّفظ الّذي ذكره المؤلِّف أعلاه انفرد به الحكيم التّرمذيّ في ختم الأولياء، تحقيق عثمان إسماعيل يحيى ص 332 (طبعة المطبعة الكاثوليكية بيروت - لبنان) ولم يذكر له سندًا. وسيورد المؤلِّف أجزاء من الحديث فيما بعد. قال ابن رجب إنّه من غرائب الصحيح، وقد رُوي من عدة وجوه لا تخلو كلها من مقال. أ. هـ. جامع العلوم تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس 2/ 330 وما بعدها (الطبعة الثّالثة 1412 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان). وقال ابن حجر في فتح الباري 11/ 415: إنَّ للحديث طرقًا يدلُّ مجموعها على أنّه له أصلًا. أ. هـ. وقال ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرّحمن وأولياء الشيطان، تحقيق د. عبد الرحمن اليحيى ص 50 (الطبعة الأولى 1414 هـ الناشر دار طويق الرياض): هذا أصح حديث يروى في الأولياء. أ. هـ. وجمع طرق الحديث وتكلم عليها السيوطيّ في القول الجلي في حديث الولي في كتاب الحاوي للفتاوى، لجلال الدِّين عبد الرّحمن السيوطيّ 2/ 92 - 95، طبعة دار الكتاب العربي بيروت - لبنان.

(2)

كذا في (د) و (ت) وفي الأصل و (ف) و (ح) صح.

(3)

هذا الجزء من الحديث أخرجه البخاري ولفظه "

آذنته بالحرب

"، وبلفظ البخاريّ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى والأسماء والصفات والزهد في الرِّواية الأولى وفي الرِّواية للزهد الثّانية: "

فقد استحل محاربتي

"، والطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة: "من أهان لي وليًا، فقد برزني بالمحاربة"، وكذا رواية أنس، ولم يذكر هذا السياق ابن حجر في فتح الباري 11/ 416 عند الكلام على روايات الحديث.

(4)

أخرج هذا الجزء أبو نعيم في إلى حلية 8/ 318 - 319 من حديث أنس والحكيم التّرمذيّ في ختم الولاية ص 332 الفصل السّادس، وابن أبي الدنيا في الأولياء من حديث أنس بن مالك ص 27 وغيرهم بألفاظ قريبة من لفظ المؤلِّف، وأصله في الصحيح.

(5)

هذا الجزء من الحديث أخرجه البخاري في (كتاب الرقاق، باب التواضع) 4/ 2030 رقم 6502 ولفظه: "

فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر =

ص: 153