الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظالم الجاهل لئلا يضل بكلامه بعض الطغام، حتى قال بعضهم: إن الكلام على هذه المسألة من أفضل الكلام، إذ فيها بيان التوحيد ونفي الشرك عن الصمد المجيد، فإن أول ما نشأ الشرك وعبادة غير الله من القبور، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته"(1)، فأمره بمحو الشرك وأصله الذي ينشأ منه.
4 - استدلال البكري بحديث آدم في الرد على ابن تيمية:
مما استدل به البكري الحديث الذي يُروى أن آدمَ عليه السلام لما أكل من الشجرة وجرى ما جرى استشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله، فقال له:"يا آدم كيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟ "، قال له:"لما نفخت فيّ الروح رفعت رأسي فرأيت على قائم العرش لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فقلت: إنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك"، فقال:"صدقت يا آدم إنه لأحب خلقي إليّ، وإذ سألتني به فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك وهو آخر الأنبياء من ذريتك"(2)، ذكره في رده مع نظائره من هذا الجنس الذي لا يستجيز الصبيان ذكره، فضلاً عن الجهال، فضلاً عمن شمَّ للعلم شة أو نشق له رائحة.
قال (3): وقد رواه بصيغ مختلفة من المفسرين والمحدثين من لا أحصيهم كثرة ولم يروه من المرويات المنكرة. قال: وقد جاء أن نوحاً وإدريس وأيوب وموسى وجماعة من الأنيياء توسلوا به.
*
رد ابن تيمية
(قال شيخ الإسلام ابن تيمية) في نقض كلامه وحل إبرامه: فيقال: أولاً: هذا الحديث وأمثاله لا يحتج به في إثبات حكم شرعي، لم يسبقه أحد من الأئمة إليه، وإثبات عبادة لم يقلها أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم؛ إلا من هو أجهل الناس بطرق الأحكام الشرعية وأضلهم في
(1) أخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر) 2/ 666 رقم 969 واللفظ له إلا قوله: "لا أدع"، فلفظ مسلم:"لا تدع".
(2)
سيأتي تخريجه في ص 262.
(3)
أي البكري.
المسالك الدينية، فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ولا صحيح بل ولا ضعيف يستأنس به ويعتضد به، وإنما نقل هذا وأمثاله كما تنقل الإسرائيليات التي كانت في أهل الكتاب، وتنقل عن مثل كعب ووهب وابن إسحاق (1)، ونحوهم ممن أخذ ذلك عن مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم. كما روي أن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك من الإسرائيليات فكان يحدث منها بأشياء.
ويكفيك أن هذا الحديث ليس في شيء من دواوين، الحديث التي يعتمد عليها.
وقد جمع غير واحد من الحفاظ قصة آدم (2)، ومن أجمعهم أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه الكبير"، فإنه روى عامة ما رواه الناس ولم يذكر هذا، وإنما ذكر هذا وأمثاله من يجمع الموضوعات الكثيرة والأكاذيب العظيمة.
ومما يبين كذب هذا أن الله سبحانه وتعالى قال: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: 37 - 38]، فأخبر أنه تاب بالكلمات التي تلقاها منه وقد قال تعالى:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الآية، فأخبر أنه أمرهم بالهبوط عقب هذه الكلمات، وأخبر أنه تاب عليه عقب الكلمات وأمره بالهبوط، فكان أمره بالهبوط عقب الكلمات التي تلقاها منه وهي قولهما:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، أو كلمات تشبه هذه الكلمات ذكر ذلك طائفة كثيرة من المفسرين، ومن ذكر أن الكلمات التي تلقاها من ربه غير هذه لم يكن معه حجة في خلاف ظاهر القرآن.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب "التوبة" في هذه الكلمات أشياء كثيرة كلها تدور على ما ذكره الله في كتابه من قول آدم وحواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وأيضاً فإن قولهما:{ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا} يتضمن الإقرار والاستغفار، ومن هو دون آدم أقر بذنبه واستغفر منه غُفِرَ له، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "إن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله
(1) أشار المؤلف لهذا في الأصل ص 322 ، وانظر: غير مأمور تراجمهم هناك.
(2)
أي قصة آدم وأكله من الشجرة، وتوبته، ولم يذكر هذا الخبر الباطل.