الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكيف يقال إنّه مأمور به فيما لا يقدر عليه الخلق؟ وهل قال أحد: إنَّ سؤال المخلوق والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله -تعالى- مأمور به أو مباح.
ومن هنا يظهر الوجه السّادس: قوله (والمراد به التنبيه على الرجوع إلى الله -تعالى- بالقلب لا بترك السبب، بل أن يذكر الله في ذلك السبب).
فيقال له: هذا إنّما يصح إذا كان السبب مشروعًا، فإن
السبب المشروع لا ينافي التوكل
، والكلام هنا في من يستغيث بالخلق فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله، كما قيل في الجواب، فأمّا ما لا يقدر عليه إِلَّا الله فلا يجوز أن يطلب إِلَّا من الله، لا يطلب ذلك من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم.
ومعلوم أن سؤال الخلق (1) مثل هذا باطل شرعًا وعقلًا، فمن الذي جعل هذا من الأسباب الشرعية؟ ومن قال إنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن عنده شيء يعطيه فينبغي للإنسان أن يسأله ويستغيث به؟ وإذا لم يمكنه دفع العدو ينبغي للإنسان أن يسأله ويستغيث به في ذلك؟ وقد تقدمت النصوص عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأنّه كان يمدح من لا يسأله مطلقًا، ويذمّ من يسأله ما لا يحب أن يعطيه، ويذمّ من يسأله ما لا يقدر عليه.
فسؤاله والاستغاثة به (2) في ذلك أذى وعدوان عليه، يحرم فعله معه صلى الله عليه وسلم، أعظم ممّا يحرم أذى غيره والعدوان عليه، مع ما فيه من الشرك والجزع، وقد كان الصّحابة -رضوان الله عليهم- نُهوا أن يسألوه كما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال:"نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يعجبنا أن يجيء الرَّجل من أهل البادية -العاقل- فيسأله ونحن نسمع"(3)، وقد قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، هذا وإن كان في سؤال العلم أحيانًا، فسؤال الدنيا أولى.
وقد ذُم من كان يسأل الرسل الآيات، قال تعالى:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 108]، وقال تعالى: {يَسْأَلُكَ
(1) في (د)(سؤال) زياده.
(2)
(به) سقطت من (د).
(3)
أخرجه مسلم في (كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام) 1/ 41 برقم 12 ولفظه: "
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء
…
"، والنسائي في (كتاب الصِّيام، باب وجوب الصِّيام) 4/ 121 رقم 2089 وغيرهم.
أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153]، ولو كان يجوز السؤال له (1) والاستغاثة به في كلّ ما يُسأل الله ويستغاث به فيه، -كما قال هؤلاء المفترون: إنّه تجوز الاستغاثة به وبغيره من الصالحين في كلّ ما يستغاث الله فيه-، لم يحرم من مسألته إِلَّا ما يحرم من مسألة الله، والعبد يجوز أن يسأل الله الرزق والعافية والنصر على الأعداء والهداية، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يسأله أحد كلّ ما (2) يقدر، فضلًا عن أن يسأله ما لا يقدر عليه؛ لما في ذلك من الأذى والعدوان عليه، وهو أحق بالتعزير والتوقير من غيره، فإذا كان يحرم أذى غيره بذلك؛ فأذاه أولى (3) بالتحريم، بل أذاه كفر، وأذى المؤمنين ذنب، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 57، 58].
فصل
قال: (وكثيرًا ما تنفى الأشياء في النصوص الشرعية إشارة إلى التّوحيد، ويثبتها الباري -سبحانه- في مواضع أخر اعتبارًا بالأسباب، وإثباتًا لبساط الحكمة، فيأتي هذا المبتدع (4) فيخلط في الحقائق ويلحد في الآيات، كما قال في الإغاثة والنصرة وغيرهم أنّها لا تصح في الخلق ولا يسألونها ولا تضاف إليهم، وأخطأ في ذلك، فإن هذه الحقائق تبتت للمخلوقات حقيقة لغوية بإجماع العلّماء ونصوص الكتاب والسُّنَّة اعتبارًا بالسبب والحكمة، وتنفى عن الخلق إشارة للتوحيد وانفراد الباري بخلقها، كما انفرد بخلق غيرها، كما قال سبحانه من بساط التّوحيد:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]، وقال عز وجل:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (5)[القصص: 56]، وقال:
(1)(له) سقطت من (د).
(2)
في (ف) و (د) كما وفي (ط) ممّا.
(3)
(أولى) سقطت من (د).
(4)
في هامش الأصل: "يشير إلى شيخ الإسلام رحمه الله وهو المبتدع
…
ثمّ ثلاث كلمات غير واضحة".
(5)
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} سقط من (د).
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5]، ثمّ قال لنبيه:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وقال:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72](1)، وفي الصحيح:"انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"(2)، وقال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وفي الصحيح:"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"(3) و"أعنّي على نفسك بكثرة (4) السجود"(5)، وجمع الوجهين في قوله تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
فيقال: في هذا الكلام من الكذب والافتراء الظلم والاعتداء والجهل والضلال ما يظهر عند التأمل، وجوابه من وجوه: الأوّل: أن لفظ المذكور جواب المسألة التي سألها، واعترض بعد جوابه، [وصورة السؤال: المسؤول من السادة العلماء أئمة الدِّين، أن يبينّوا ما يجوز وما لا يجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين. وصورة الجواب] (6): قد ثبت بالسُّنَّة المستفيضة [بل](7)
(1) في (ف) وقال في.
(2)
أخرجه البخاريّ في (كتاب المظالم، باب أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا) 2/ 732 رقم 2443 بلفظه من حديث أنس بن مالك وطرفه رقم 6552.
(3)
أخرجه مسلم في (كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر) 4/ 2074 رقم 2699 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأوله: "من نفس عن مؤمن .... الحديث".
(4)
في (د) بكثر.
(5)
أخرجه مسلم في (كتاب الصّلاة، باب فضل السجود والحث عليه) 1/ 353 رقم 48 من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي وأوله: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سل"، فقلت: أسأَلُكَ مرافقتك في الجنَّة، قال: "أو غير ذلك؟ "، قلت: هو ذاك، قال
…
الحديث".
(6)
بياض في الأصل و (د) و (ف) و (ح) و (ط).
ما أثبت أعلاه من كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 244، من كلام المؤلِّف عن هذه الرسالة ومن هنا تبدأ رسالة "الاستغاثة" لشيخ الإسلام ابن تيمية خرج أحاديثها محمود إمام منصور وسبق الإشارة إليها في الدراسة، وسيشير المؤلِّف بعد انتهائه من نقل أجزاء من الرسالة أنّه ذكر السؤال والجواب عليه كما في ص 204، ولم أُثبت السؤال من رسالة الاستغاثة لأنّه لا يستقيم معه الكلام، وقد قارنت الرسالة بهذا النص وتبين وجود سقط وتحريف بها.
(7)
كذا في (ف) وسقطت من الأصل و (د) و (ح). والسُّنَّة المستفيضة: هي السُّنَّة =