الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّلْطَان أبي تاشفين ويكنى أَبَا زيان فعقد لَهُ على تلمسان وَأَعْطَاهُ الْآلَة وَجمع لَهُ جَيْشًا من مغراوة وَبني توجين وَدفع لَهُم أعطياتهم وانكفأ رَاجعا إِلَى فاس فأجفل أَبُو حمو وَالْعرب أَمَامه ثمَّ خالفوه إِلَى تلمسان فطردوا عَنْهَا أَبَا زيان واستولوا عَلَيْهَا وَثَبت قدم أبي حمو بهَا وَعَاد أَبُو زيان إِلَى الْمغرب لاحقا بالسلطان أبي سَالم قبله وَعقد المهادنة مَعَ أبي حمو وَاسْتقر الْأَمر على ذَلِك وَقد كَانَ ابْن الْخَطِيب عِنْدَمَا بلغه اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي سَالم على تلمسان هنأه بقصيدة طَوِيلَة يَقُول فِي مطْلعهَا
(أطَاع لساني فِي مديحك إحساني
…
وَقد لهجت نَفسِي بِفَتْح تلمسان)
وَيَقُول فِي أَثْنَائِهَا وَقد ألم بِشَيْء من علم الْأَحْكَام النجومية لميل السُّلْطَان إِلَيْهِ
(وَللَّه من ملك سعيد ونصبة
…
قضى المُشْتَرِي فِيهَا بعزلة كيوان)
(وسجل حكم الْعدْل من بيوتها
…
وقوفا مَعَ الْمَشْهُور من رَأْي يونان)
(فَلم تخشى سهم الْقوس صفحة بدرها
…
وَلم تشك فِيهَا الشَّمْس من بخس ميزَان)
(وَلم يعْتَرض مبتزها قطع قَاطع
…
وَلَا نازعت نوبهرها كف عدوان)
(تولى اخْتِيَار الله حسن اخْتِيَارهَا
…
فَلم يحْتَج الفرغان فِيهَا لفرغان)
(وَلَا صرفت فِيهَا دقائق نِسْبَة
…
وَلَا حققت فِيهَا طوالع بلدان)
وفادة السودَان من أهل مَالِي على السُّلْطَان أبي سَالم وإغرابهم فِي هديتهم بالزرافة الْحَيَوَان الْمَعْرُوف
قد تقدم لنا مَا جرى من المواصلة بَين السُّلْطَان أبي الْحسن وَالسُّلْطَان منسا مُوسَى وأخيه أَو ابْنه من بعده منسا سُلَيْمَان وَتردد الْوُفُود وإسناء الْهَدَايَا بَينهم وَقد كَانَ السُّلْطَان منسا سُلَيْمَان قد هيأ هَدِيَّة نفيسة بِقصد أَن يبعثها إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن مُكَافَأَة لَهُ على هديته فَهَلَك السُّلْطَان أَبُو الْحسن خلال ذَلِك ثمَّ هلك السُّلْطَان منسا سُلَيْمَان بعده وَاخْتلف أهل مَالِي وافترق أَمرهم وتقاتلوا على الْملك إِلَى أَن جمع الله كلمتهم على السُّلْطَان منسا زاطة واستوسق لَهُ الْأَمر ثمَّ نظر فِي أعطاف ملكه وَأخْبر بشأن الْهَدِيَّة الَّتِي كَانَ منسا
سُلَيْمَان قد هيأها لملك الْمغرب فَأمر بإنفاذها إِلَيْهِ وَضم إِلَيْهَا الزرافة الْحَيَوَان الْغَرِيب الشكل الْعَظِيم الهيكل الْمُخْتَلف الشّبَه بالحيوانات وفصلوا بهَا من بِلَادهمْ فوصلوا إِلَى حَضْرَة فاس فِي صفر من سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة
قَالَ ابْن خلدون وَكَانَ يَوْم وفادتهم يَوْمًا مشهودا جلس لَهُم السُّلْطَان ببرج الذَّهَب بمجلسه الْمعد لعرض الْجنُود وَنُودِيَ فِي النَّاس بالبروز إِلَى الصَّحرَاء فبرزوا يَنْسلونَ من كل حدب حَتَّى غص بهم الفضاء وَركب بَعضهم بَعْضًا فِي الازدحام على الزرافة إعجابا بخلقتها وَحضر الْوَفْد بَين يَدي السُّلْطَان وأدوا رسالتهم بتأكيد الود والمخالصة والعذر عَن إبطاء الْهَدِيَّة بِمَا كَانَ من اخْتِلَاف أهل مَالِي وتواثبهم على الْأَمر وتعظيم سلطانهم وَمَا صَار إِلَيْهِ والترجمان يترجم عَنْهُم وهم يصدقونه بالنزع فِي أوتار قسيهم عَادَة مَعْرُوفَة لَهُم وحيوا السُّلْطَان بِأَن جعلُوا يحثون التُّرَاب على رؤوسهم على سنة مُلُوك الْعَجم وَأنْشد الشُّعَرَاء فِي معرض الْمَدْح والتهنئة وَوصف الْحَال ثمَّ ركب السُّلْطَان إِلَى قصره وانفض ذَلِك الْجمع وَقد طَار بِهِ طَائِر الاشتهار وَاسْتقر الْوَفْد تَحت جراية السُّلْطَان أبي سَالم إِلَى أَن هلك قبل انصرافهم فوصلهم الْقَائِم بِالْأَمر من بعده وَانْصَرفُوا إِلَى مراكش ثمَّ مِنْهَا إِلَى ذَوي حسان عرب السوس الْأَقْصَى من بني معقل المتصلين ببلادهم وَمن هُنَاكَ لَحِقُوا بسلطانهم وَالْأَمر كُله لله
وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي ذَلِك الْيَوْم قَول ابْن خلدون من قصيدة يَقُول فِي مطْلعهَا
(قدحت يَد الأشواق من زند
…
وهفت بقلبي زفرَة الوجد)
إِلَى أَن قَالَ فِي وصف الزرافة
(ورقيمة الأعطاف حَالية
…
موشية بوشائع الْبرد)
(وحشية الْأَنْسَاب مَا أنست
…
فِي موحش الْبَيْدَاء بالقرد)
(تسمو بجيد بَالغ صعدا
…
شرف الصروح بِغَيْر مَا جهد)
(طَالَتْ رُؤُوس الشامخات بِهِ
…
ولربما قصرت عَن الوهد)
(قطعت إِلَيْك تنائفا وصل
…
أسئادها بِالنَّصِّ والوخد)
(تحدى على استصعابها ذللا
…
وتبيت طوع الْقِنّ وَالْقد)
(بسعودك اللائي ضمن لنا
…
طول الْحَيَاة بعيشة رغد)
(جاءتك فِي وَفد الأحابش لَا
…
يرجون غَيْرك مكرم الْوَفْد)
(وافوك أنضاء تقليبهم
…
أَيدي السرى بالغور والنجد)
(كالطيف يستقري مضاجعه
…
أَو كالحسام يسل من غمد)
(يثنون بِالْحُسْنَى الَّتِي سبقت
…
من غير إِنْكَار وَلَا جحد)
(ويرون لحظك من وفادتهم
…
فخرا على الأتراك والهند)
(يَا مستعينا جلّ فِي شرف
…
عَن رُتْبَة الْمَنْصُور وَالْمهْدِي)
(جازاك رَبك عَن خليقته
…
خير الْجَزَاء فَنعم مَا تسدى)
(وَبقيت للدنيا وساكنها
…
فِي عزة أبدا وَفِي سعد)
وَقَول الْكَاتِب البارع أبي عبد الله بن زمرك الأندلسي من قصيدة يَقُول فِي مطْلعهَا
(لَوْلَا تألق بارق التذْكَار
…
مَا صاب واكف دمعي المدرار)
(لكنه مهما تعرض خافقا
…
قدحت يَد الأشواق زند أواري)
إِلَى أَن قَالَ فِي الْغَرَض الْمَذْكُور
(وغريبة قطعت إِلَيْك على الونى
…
بيدا تبيد بهَا هموم الساري)
(تنسيه طيته الَّتِي قد أمهَا
…
والركب فِيهَا ميت الْأَخْبَار)
(يقتادها من كل مُشْتَمل الدجى
…
فَكَأَنَّمَا عَيناهُ جذوة نَار)
(تشدو بِحَمْد المستعين حداتها
…
يتعللون بِهِ على الأكوار)
(إِن مسهم لفح الهجير أبلهم
…
مِنْهُ نسيم ثنائك المعطار)
(خَاضُوا بهَا لجج الفلا فتخلصت
…
مِنْهَا خلوص الْبَدْر بعد سرار)
(سلمت بسعدك من غوائل مثلهَا
…
وَكفى بسعدك حاميا لذمار)
(وأتتك يَا ملك الزَّمَان غَرِيبَة
…
قيد النواظر نزهة الْأَبْصَار)
(موشية الأعطاف رائقة الحلى
…
رقمت بدائعها يَد الأقدار)
(راق الْعُيُون أديمها فَكَأَنَّهُ
…
روض تفتح عَن شَقِيق بهار)