المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية أخبار بني الأحمر واستيلاء العدو على غرناطة وسائر الأندلس منها وانقراض كلمة الإسلام منها - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٤

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة المرينية

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي بكر بن أبي عنان بن أبي الْحسن المريني

- ‌ظُهُور أبي حمو مُوسَى بن يُوسُف الزياني واستيلاؤه على تلمسان ونهوض مَسْعُود بن عبد الرَّحْمَن إِلَيْهِ وطرده عَنْهَا

- ‌ظُهُور مَنْصُور بن سُلَيْمَان وبيعة مَسْعُود ابْن عبد الرَّحْمَن لَهُ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المستعين بِاللَّه أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني

- ‌قدوم الْغَنِيّ بِاللَّه ابْن الْأَحْمَر ووزيره ابْن الْخَطِيب مخلوعين على السُّلْطَان أبي سَالم وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌سفر ابْن الْخَطِيب إِلَى مراكش وأعمالها وزيارته لأوليائها ورجالها وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار ابْن الْخَطِيب بسلا حرسها الله

- ‌انْتِقَاض الْحسن بن عمر الفودودي وَخُرُوجه بتادلا ثمَّ مَقْتَله عقب ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي سَالم إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌وفادة السودَان من أهل مَالِي على السُّلْطَان أبي سَالم وإغرابهم فِي هديتهم بالزرافة الْحَيَوَان الْمَعْرُوف

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عمر تاشفين الموسوس ابْن أبي الْحسن المريني

- ‌الفتك بغرسية بن أنطول قَائِد النَّصَارَى ومقتل جنده مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ظُهُور عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بن أبي سعيد ومحاصرته لفاس الْجَدِيد ثمَّ فراره عَنْهَا

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي زيان مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب بن أبي الْحسن المريني

- ‌وفادة ابْن الْخَطِيب من سلا على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌وفادة ابْن مُحَمَّد الهنتاتي على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌انْتِقَاض أبي الْفضل بن أبي سَالم ثمَّ مَقْتَله بعد ذَلِك

- ‌انْتِقَاض عَامر بن مُحَمَّد الهنتاتي وحصار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِيَّاه وظفره بِهِ

- ‌ارتجاع الجزيرة الخضراء من يَد الإسبانيول

- ‌نهوض السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار سلطانها أبي حمو بن يُوسُف عَنْهَا

- ‌نزوع الْوَزير ابْن الْخَطِيب عَن سُلْطَانه الْغَنِيّ بِاللَّه إِلَى السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بتلمسان

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌محنة الْوَزير ابْن الْخَطِيب ومقتله رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير مراكش عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن رحمه الله

- ‌ذكر الشاوية وَبَيَان نسبهم وأوليتهم وَشرح لقبهم وتسميتهم

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس إِلَى تلمسان وَفتحهَا وتخريبها

- ‌خلع السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم وتغريبه إِلَى الأندلس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي فَارس مُوسَى ابْن أبي عنان بن أبي الْحسن

- ‌خُرُوج الْحسن بن النَّاصِر بغمارة ونهوض الْوَزير ابْن ماساي إِلَيْهِ

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُوسَى بن أبي عنان رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمُنْتَصر بِاللَّه السُّلْطَان أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الواثق بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌ظُهُور مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بسجلماسة ثمَّ اضمحلاله بعد ذَلِك

- ‌نكبة الْكَاتِب ابْن أبي عَمْرو وحركات بن حسون ومقتلهما

- ‌أَخْبَار تلمسان واستيلاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس عَلَيْهَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب مصر السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق إِلَى السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بتازا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز ووفاته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي عَامر عبد الله ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم

- ‌حجابة أبي الْعَبَّاس القبائلي ونكبته ومقتله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حجابة فارح بن مهْدي وأوليته وَسيرَته

- ‌حجابة أبي مُحَمَّد الطريفي وَسيرَته

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان أبي سعيد وَالسُّلْطَان أبي فَارس الحفصي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسيتلاء البرتغال على مَدِينَة سبتة أَعَادَهَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم المريني رحمه الله

- ‌زحف البرتغال إِلَى طنجة ورجوعهم عَنْهَا بالخيبة

- ‌أَخْبَار الوزراء والحجاب وتصرفاتهم

- ‌وزارة يحيى بن يحيى الوطاسي ومقتله ومقتل الوطاسيين مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌رياسة الْيَهُودِيين هَارُون وشاويل وَمَا نَشأ عَن استبدادهما من المحنة والفتنة

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على طنجة

- ‌مقتل السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار بني الْأَحْمَر واستيلاء الْعَدو على غرناطة وَسَائِر الأندلس مِنْهَا وانقراض كلمة الْإِسْلَام مِنْهَا

- ‌أَخْبَار البرتغال بالمغرب الْأَقْصَى على الْجُمْلَة

- ‌الْخَبَر عَن دولة الشريف أبي عبد الله الْحَفِيد وأوليته

- ‌بيعَة السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌فتْنَة الشاوية ووصولهم إِلَى بِلَاد الغرب

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على مَدِينَة آنفي وآصيلا

- ‌خلع السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وانقراض أمره

- ‌الْخَبَر عَن دولة بني وطاس وَذكر نسبهم وأوليتهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ بن أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي رحمه الله

- ‌رياسة بني رَاشد من شرفاء الْعَالم بغمارة وبناؤهم مَدِينَة شفشاون وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ثورة عَمْرو بن سُلَيْمَان السياف بِبِلَاد السوس وَشَيْء من أخباره

- ‌بِنَاء مَدِينَة تطاوين

- ‌قدوم أبي عبد الله بن الْأَحْمَر مخلوعا على السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمهمَا الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سَاحل البريجه وبناؤهم مَدِينَة الجديدة صانها الله سبحانه وتعالى بمنه

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سواحل السوس وبناؤهم حصن فونتي قرب أكادير وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي الْمَعْرُوف بالبرتغالي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آسفي حرسه الله

- ‌زحف السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى آصيلا

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آزمور حرسه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر المعمورة حرسه الله

- ‌أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي مَعَ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الغزواني رضي الله عنه

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى مراكش ومحاصرته أَبَا الْعَبَّاس الْأَعْرَج السَّعْدِيّ بهَا

- ‌ذكر وزراء السُّلْطَان أبي عبد الله وَمَا قيل فيهم

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي عبد الله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان أبي حسون بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الوطاسي رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌وقْعَة آنماي بَين الوطاسيين والسعديين

- ‌عقد الصُّلْح بَين السلطانين أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَأبي الْعَبَّاس السَّعْدِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى

- ‌غَزْوَة الْحمر قرب آصيلا حرسها الله

- ‌وقْعَة أبي عقبَة بوادي العبيد وَمَا كَانَ فِيهَا بَين الوطاسيين والسعديين من الْقِتَال الشَّديد

- ‌بِنَاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي قنطرة الرصيف بفاس حرسها الله

- ‌وقْعَة وَادي درنة بتادلا وَأسر الْأَمِير أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي ومهلكه رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ على فاس وَقَبضه على بني وطاس ومهلك سلطانهم أبي الْعَبَّاس رَحمَه الله تَعَالَى بفضله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي حسون الوطاسي رحمه الله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا ومقتل السُّلْطَان أبي حسون رحمه الله

الفصل: ‌بقية أخبار بني الأحمر واستيلاء العدو على غرناطة وسائر الأندلس منها وانقراض كلمة الإسلام منها

‌بَقِيَّة أَخْبَار بني الْأَحْمَر واستيلاء الْعَدو على غرناطة وَسَائِر الأندلس مِنْهَا وانقراض كلمة الْإِسْلَام مِنْهَا

كَانَت دولة بني الْأَحْمَر فِي هَذِه الْمدَّة متماسكة والفتنة بَين أعياصها متشابكة والعدو فِيمَا بَين ذَلِك يخادعهم عَمَّا بِأَيْدِيهِم ويراوغهم ويسالمهم تَارَة ويحاربهم إِلَى أَن كَانَت دولة السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ ابْن السُّلْطَان سعد ابْن الْأَمِير عَليّ ابْن السُّلْطَان يُوسُف ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الْغَنِيّ بِاللَّه فنازعه أَخُوهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعد الْمَدْعُو بالزغل قدم من بِلَاد النَّصَارَى وبويع بمالقة وَبَقِي بهَا مُدَّة وَعظم الْخطب واشتدت الْفِتَن وشرق الْمُسلمُونَ بداء الْخلاف الْوَاقِع بَين هذَيْن الْأَخَوَيْنِ وتكالب الْعَدو عَلَيْهِم وَوجد السَّبِيل إِلَى تَفْرِيق كلمتهم والتمكن من فسخ عَهدهم وذمتهم وَذَلِكَ أَعْوَام الثَّمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ انْقَادَ أَبُو عبد الله لأبي السحن فسكنت أَحْوَال الأندلس بعض الشَّيْء ثمَّ خرج عَلَيْهِ وَلَده أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحسن وأسره النَّصَارَى فِي بعض الوقعات فراجع النَّاس طَاعَة أبي الْحسن ثمَّ نزل لِأَخِيهِ أبي عبد الله الزغل عَن الْأَمر لآفة أَصَابَته فِي بَصَره ثمَّ إِن الْعَدو عمد لأسيره أبي عبد الله ابْن الْحسن فوعده ومناه وَأظْهر لَهُ من أكاذيبه وخدعه غَايَة مناه وَبَعثه للتشغيب على عَمه طلبا لتفريق كلمة الْمُسلمين وَعكس مُرَادهم وتوصلا إِلَى مَا بَقِي عَلَيْهِ من حصون الْمُسلمين وبلادهم وطالت الْفِتْنَة بَين الْعم وَابْن الْأَخ وكل عقد كَانَ بَين الْعَدو وَبَينه انحل وانفسخ وخبت الْعَامَّة الَّذين هم أَتبَاع كل ناعق فِي ذَلِك وَوضعت وَكَانَ ذَلِك من أعظم الْأَسْبَاب الْمعينَة لِلْعَدو على التَّمَكُّن من أَرض الأندلس والتهامها واستئصال كلمة الْإِسْلَام مِنْهَا ثمَّ إِن ابْن الْأَخ استولى على غرناطة بعد خُرُوج الْعم عَنْهَا إِلَى الْجِهَاد ففت ذَلِك فِي عضده وَعطف إِلَى وَادي آش فاعتصم بهَا وحاصر الْعَدو مالقة فقاتله أَهلهَا بِكُل مَا أمكنهم حَتَّى إِذا لم يَجدوا لِلْقِتَالِ مساغا نزلُوا على الْأمان فاستولى الْعَدو عَلَيْهَا أَوَاخِر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ استولى بعد ذَلِك على وَادي آش وأعمالها صلحا وَدخل فِي طَاعَته صَاحبهَا أَبُو عبد الله الْعم بعد

ص: 102

أَن استهوى الْعَدو قواده بالأموال الجزيلة ثمَّ إِن الْعَدو خذله الله وَأرْسل أَبَا عبد الله بن أبي الْحسن صَاحب غرناطة وَعرض عَلَيْهِ الدُّخُول فِي الخطة الَّتِي دخل فِيهَا عَمه من النُّزُول لَهُ عَن الْبِلَاد على أَمْوَال جزيلة يبذلها لَهُ وَيكون تَحت حكمه مُخَيّرا فِي أَي بِلَاد الأندلس شَاءَ فَشَاور رَعيته فاتفق النَّاس على الِامْتِنَاع والقتال فَعِنْدَ ذَلِك أرهف الْعَدو حَده وَجعل غرناطة وَأَهْلهَا من شَأْنه بعد أَن استولى أثْنَاء هَذِه الْفِتَن والتضريبات على حصون كَثِيرَة لم نتعرض لذكرها حَتَّى لم يبْق لَهُ إِلَّا غرناطة وأعمالها وَقد اختصرنا مُعظم هَذِه الْأَخْبَار إِذْ لم تكن من مَوْضُوع الْكتاب وَإِنَّمَا ألممنا بِهَذِهِ النبذة تتميما للفائدة وَزِيَادَة فِي الإمتاع وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة خرج الْعَدو بمحلاته إِلَى مرج غرناطة وأفسد الزَّرْع ودوخ الأَرْض وَهدم الْقرى وَأمر بِبِنَاء مَوضِع بالسور والحفير فأحكمه وَكَانَ النَّاس يظنون أَنه عازم على الِانْصِرَاف فَإِذا بِهِ قد صرف عزمه إِلَى الْحصار وَالْإِقَامَة وَصَارَ يضيق على غرناطة كل يَوْم ودام الْقِتَال سَبْعَة أشهر وَاشْتَدَّ الْحصار بِالْمُسْلِمين غير أَن النَّصَارَى على بعد الطّرق بَين غرناطة والبشرات مُتَّصِلَة بالمرافق وَالطَّعَام يَأْتِي من نَاحيَة جبل شلير إِلَى أَن تمكن فصل الشتَاء وكلب الْبرد وَنزل الثَّلج فانسد بَاب الْمرَافِق وَانْقطع الجالب وَقل الطَّعَام وَاشْتَدَّ الغلاء وَعظم الْبلَاء وَاسْتولى الْعَدو على أَكثر الْأَمَاكِن خَارج الْبَلَد وَمنع الْمُسلمين من الْحَرْث وَالسَّبَب وضاق الْحَال وَبَان الاختلال وَعظم الْخطب وَذَلِكَ أول سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وطمع الْعَدو فِي الِاسْتِيلَاء على غرناطة بِسَبَب الْجُوع والغلاء دون الْحَرْب والقتال ففر نَاس كَثِيرُونَ من الْجُوع إِلَى البشرات ثمَّ اشْتَدَّ الْأَمر فِي شهر صفر من السّنة وَقل الطَّعَام وتفاقم الْخطب فَاجْتمع نَاس مَعَ من يشار إِلَيْهِ من أهل الْعلم كَأبي عبد الله الْمُوَافق شَارِح الْمُخْتَصر وَغَيره وَقَالُوا انْظُرُوا لأنفسكم وَتَكَلَّمُوا مَعَ سلطانكم فأحضر السُّلْطَان أَبُو عبد الله بن أبي الْحسن أهل دولته وأرباب مشورته وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْأَمر وَأَن الْعَدو يزْدَاد مدده كل يَوْم وَنحن لَا مدد لنا وَكُنَّا نظن أَنه يقْلع عَنَّا فِي فصل الشتَاء فخاب الظَّن وَبنى وَأسسَ وَأقَام وَقرب

ص: 103

منا فانظروا لأنفسكم وَأَوْلَادكُمْ فاتفق الرَّأْي على ارْتِكَاب أخف الضررين وشاع أَن الْكَلَام وَقع بَين النَّصَارَى ورؤساء الأجناد قبل ذَلِك فِي إِسْلَام الْبَلَد خوفًا على نُفُوسهم وعَلى النَّاس ثمَّ عددوا مطَالب وشروطا أداروها وَزَادُوا أَشْيَاء على مَا كَانَ فِي صلح وَادي آش مِنْهَا أَن صَاحب رومة يُوَافق على الِالْتِزَام وَالْوَفَاء بِالشّرطِ إِذا مكنوه من حَمْرَاء غرناطة والمعاقل والحصون وَيحلف على عَادَة النَّصَارَى فِي العهود وَتكلم النَّاس فِي ذَلِك وَذكروا أَن رُؤَسَاء أجناد الْمُسلمين لما خَرجُوا للْكَلَام فِي ذَلِك امتن عَلَيْهِم النَّصَارَى بِمَال جزيل وذخائر ثمَّ عقدت بَينهم الوثائق على شُرُوط قُرِئت على أهل غرناطة فانقادوا إِلَيْهَا ووافقوا عَلَيْهَا وَكَتَبُوا الْبيعَة لصَاحب قشتالة فقبلها مِنْهُم وَنزل سُلْطَان غرناطة أَبُو عبد الله عَن الْحَمْرَاء وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَفِي ثَانِي ربيع الأول من السّنة أَعنِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة استولى النَّصَارَى على الْحَمْرَاء ودخلوها بعد أَن استوثقوا من أهل غرناطة بِنَحْوِ خَمْسمِائَة من الْأَعْيَان رهنا خوف الْغدر وَكَانَت الشُّرُوط سَبْعَة وَسِتِّينَ شرطا مِنْهَا تَأْمِين الصَّغِير وَالْكَبِير فِي النَّفس والأهل وَالْمَال وإبقاء النَّاس فِي أماكنهم ودورهم ورباعتهم وعقارهم وَمِنْهَا إِقَامَة شريعتهم على مَا كَانَت وَلَا يحكم على أحد مِنْهُم إِلَّا بِشَرِيعَتِهِ وَأَن تبقى الْمَسَاجِد كَمَا كَانَت والأوقاف كَذَلِك وَأَن لَا يدْخل النَّصَارَى دَار مُسلم وَلَا يغصبوا أحدا وَأَن لَا يولي على الْمُسلمين نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيّ مِمَّن يتَوَلَّى عَلَيْهِم من قبل سلطانهم وَأَن يفتك جَمِيع من أسر فِي غرناطة حَيْثُ كَانُوا وخصوصا أعيانا نَص عَلَيْهِم وَمن هرب من أُسَارَى الْمُسلمين وَدخل غرناطة لَا سَبِيل عَلَيْهِ لمَالِكه وَلَا لغيره وَالسُّلْطَان يدْفع ثمنه لمَالِكه وَمن أَرَادَ الْجَوَاز إِلَى العدوة لَا يمْنَع ويجوزون فِي مُدَّة عينت فِي مراكب السُّلْطَان لَا يلْزمهُم إِلَّا الْكِرَاء ثمَّ بعد تِلْكَ الْمدَّة يُعْطون عشر مَالهم والكراء وَأَن لَا يُؤْخَذ أحد بذنب غَيره وَأَن لَا يجْبر من أسلم على الرُّجُوع لِلنَّصَارَى وَدينهمْ وَأَن من تنصر من الْمُسلمين يُوقف أَيَّامًا حَتَّى يظْهر حَاله ويحضر لَهُ حَاكم من الْمُسلمين وَآخر من النَّصَارَى فَإِن أَبى الرُّجُوع إِلَى الْإِسْلَام تَمَادى على مَا أَرَادَ وَلَا يُعَاتب

ص: 104

على من قتل نَصْرَانِيّا أَيَّام الْحَرْب وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ مَا سلب من النَّصَارَى أَيَّام الْعَدَاوَة وَلَا يُكَلف الْمُسلم بضيافة أجناد النَّصَارَى وَلَا يسفر لجِهَة من الْجِهَات وَلَا يزِيدُونَ على المغارم الْمُعْتَادَة وترفع عَنْهُم جَمِيع الْمَظَالِم والمغارم المحدثة وَلَا يطلع نَصْرَانِيّ للسور وَلَا يتطلع على دور الْمُسلمين وَلَا يدْخل مَسْجِدا من مَسَاجِدهمْ ويسير الْمُسلم فِي بِلَاد النَّصَارَى آمنا فِي نَفسه وَمَاله وَلَا يَجْعَل عَلامَة كَمَا يَجْعَل الْيَهُود وَأهل الدجن وَلَا يمْنَع مُؤذن وَلَا صَائِم وَلَا مصل وَلَا غَيره من أُمُور دينه وَمن ضحك مِنْهُم يُعَاقب ويتركون من المغارم سِنِين مَعْلُومَة وَأَن يُوَافق على كل الشُّرُوط صَاحب رومة وَيَضَع خطّ يَده وأمثال هَذَا مِمَّا تركنَا ذكره

وَبعد انبرام ذَلِك وَدخُول النَّصَارَى للحمراء وَالْمَدينَة جعلُوا قائدا بالحمراء وحكاما ومقدمين بِالْبَلَدِ وَلما علم بذلك أهل البشرات دخلُوا فِي هَذَا الصُّلْح وشملهم حكمه على هَذَا الْوَجْه ثمَّ أَمر الْعَدو بِبِنَاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْحَمْرَاء وتحصينها وتجديد بِنَاء قُصُورهَا وَإِصْلَاح سورها وَصَارَ الطاغية يخْتَلف إِلَى الْحَمْرَاء نَهَارا ويبيت بمحلته لَيْلًا إِلَى أَن اطْمَأَن من خوف الْغدر فَدخل الْمَدِينَة وَتَطوف بهَا وأحاط خَبرا بِمَا يرومه مِنْهَا ثمَّ أَمر سُلْطَان الْمُسلمين أَن ينْتَقل لسكنى البشرات وَأَنَّهَا تكون لَهُ فِي سكناهُ بأندرش فَانْصَرف إِلَيْهَا وَأخرج الأجناد مِنْهَا ثمَّ احتال عَدو الله فِي نَفْيه لبر العدوة وَأظْهر أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور طلب مِنْهُ ذَلِك ثمَّ كتب لصَاحب المرية أَنه سَاعَة وُصُول كتابي هَذَا لَا سَبِيل لأحد أَن يمْنَع مولَايَ أَبَا عبد الله من السّفر حَيْثُ أَرَادَ من بر العدوة وَمن وقف على هَذَا الْكتاب فليصرفه وليقف مَعَه وَفَاء بِمَا عهد لَهُ فَانْصَرف السُّلْطَان أَبُو عبد الله فِي الْحِين بِنَصّ هَذَا الْكتاب وَركب الْبَحْر فَنزل بمليلة واستوطن فاسا وَكَانَ قبل ذَلِك قد طلب الْجَوَاز لناحية مراكش فَلم يسعف بذلك وَحين جَوَازه لبر العدوة لَقِي شدَّة وَغَلَاء وبلاء ثمَّ إِن النَّصَارَى نكثوا الْعَهْد وَنَقَضُوا الشُّرُوط عُرْوَة عُرْوَة إِلَى أَن آل الْحَال لحملهم الْمُسلمين على التنصر سنة أَربع وَتِسْعمِائَة بعد أُمُور وَأَسْبَاب أعظمها عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا إِن القسيسين كتبُوا على جَمِيع من أسلم من النَّصَارَى أَن

ص: 105

يرجع مهرعا لدينِهِ فَفَعَلُوا ذَلِك وَتكلم النَّاس وَلَا جهد لَهُم وَلَا قُوَّة ثمَّ تعدوا ذَلِك إِلَى أَمر آخر وَهُوَ أَن يَقُولُوا للرجل الْمُسلم إِن جدك كَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم فترجع أَنْت نَصْرَانِيّا وَلما تفاحش هَذَا الْأَمر قَالَ أهل البيازين على الْحُكَّام فَقَتَلُوهُمْ وَهَذَا كَانَ السَّبَب الْأَعْظَم فِي التنصر قَالُوا لِأَن الحكم خرج من عِنْد السُّلْطَان أَن من قَامَ على الْحَاكِم فَلَيْسَ إِلَّا الْمَوْت إِلَّا أَن يتنصر فينجو من الْمَوْت وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُم تنصرُوا عَن آخِرهم بادية وحاضرة وَامْتنع قوم من التنصر واعتزلوا النَّصَارَى فَلم يَنْفَعهُمْ ذَلِك وامتنعت قرى وأماكن كَذَلِك مِنْهَا بلفيق وأندرش وَغَيرهمَا فَجمع لَهُم الْعَدو الجموع واستأصلهم عَن آخِرهم قتلا وسبيا إِلَّا مَا كَانَ من جبل بللنقة فَإِن الله تَعَالَى أعانهم على عدوهم وَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة مَاتَ فِيهَا صَاحب قرطبة وأخرجوا على الْأمان إِلَى فاس بعيالهم وَمَا خف من أَمْوَالهم دون الذَّخَائِر

ثمَّ بعد هَذَا كُله كَانَ من أظهر التنصر من الْمُسلمين يعبد الله فِي خُفْيَة وَيُصلي فَشدد النَّصَارَى فِي الْبَحْث عَنْهُم حَتَّى إِنَّهُم أحرقوا كثيرا مِنْهُم بِسَبَب ذَلِك ومنعوهم من حمل السكين الصَّغِيرَة فضلا عَن غَيرهَا من الْحَدِيد وَقَامُوا فِي بعض الْجبَال على النَّصَارَى مرَارًا فَلم يقيض الله تَعَالَى لَهُم ناصرا إِلَى أَن كَانَ إِخْرَاج النَّصَارَى إيَّاهُم جملَة أَعْوَام سَبْعَة عشر وَألف بعد أَن ساكنوهم بغرناطة وأعمالها نَحوا من مائَة وَعشْرين سنة كَانُوا فِيهَا تَحت ذمَّة النَّصَارَى كَمَا رَأَيْت وَالْأَمر لله وَحده وَلما أجلاهم الْعَدو عَن جَزِيرَة الأندلس خرجت أُلُوف مِنْهُم بفاس وألوف أخر بتلمسان ووهران وَخرج جمهورهم بتونس فتسلط عَلَيْهِم فِي الطرقات الْأَعْرَاب وَمن لَا يخْشَى الله تَعَالَى من الأوباش ونهبوا أَمْوَالهم وَهَذَا بِبِلَاد تلمسان وفاس وَنَجَا الْقَلِيل من هَذِه الْمضرَّة وَأما الَّذين خَرجُوا بنواحي تونس فَسلم أَكْثَرهم وَكَذَلِكَ بتطاوين وسلا وبيجة الجزائر وَلما استخدم سُلْطَان الْمغرب الْأَقْصَى وَهُوَ الْمَنْصُور السَّعْدِيّ مِنْهُم عسكرا جرارا وَسَكنُوا سلا كَانَ مِنْهُم من الْجِهَاد فِي الْبَحْر مَا هُوَ مَشْهُور وحصنوا قلعة سلا وَهِي رِبَاط الْفَتْح وبنوا بهَا الْقُصُور والحمامات والدور

ص: 106

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب وهم الْآن يَعْنِي فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَألف بِهَذَا الْحَال وَوصل جمَاعَة مِنْهُم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وَإِلَى مصر وَالشَّام وَغَيرهَا من بِلَاد الْإِسْلَام وانقضى أَمر الأندلس وعادت نَصْرَانِيَّة كَمَا كَانَت أول مرّة وَالله وَارِث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَهُوَ خير الْوَارِثين

وَفِي السّنة الَّتِي استولى الإصبنيول على غرناطة انكشفت لَهُم أَرض ماركان الَّتِي كَانَت مَجْهُولَة قبل هَذَا التَّارِيخ لسَائِر الْأُمَم وَذَلِكَ أَن الْحُكَمَاء الأقدمين من اليونان وَغَيرهم أَجمعُوا على أَن شكل الأَرْض كرة وَأَن المَاء قد غمر أحد جانبيها كُله بِحَيْثُ صَارَت الأَرْض فِيهِ كَأَنَّهَا بَيْضَة مغرقة فِي طست مَاء قد رسب فِيهِ أَكْثَرهَا وبرز أقلهَا وَأَجْمعُوا على أَن هَذَا البارز مِنْهَا هُوَ المسكون ببني آدم وَغَيرهم من الْحَيَوَانَات وَهُوَ الْمقسم إِلَى سَبْعَة أَقسَام تسمى الأقاليم وَلم يهتدوا إِلَى أَن الْجَانِب الآخر منكشف عَنهُ المَاء وَلَا أَنه مسكون كَهَذا الْجَانِب بل جزموا بِأَنَّهُ مَاء صرف يُسمى الْبَحْر الْمُحِيط وَاسْتمرّ هَذَا الِاعْتِقَاد عِنْدهم وَنَقله الْخلف عَن السّلف وَوَضَعُوا فِيهِ التآليف العديدة إِلَى أَن كَانَت سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَهِي السّنة الَّتِي استولى فِيهَا الإصبنيول على غرناطة وَسَائِر الأندلس فاتفق أَن ظهر فِي تِلْكَ الْمدَّة رجل من فرنج جنوة اسْمه كلنب بِضَم الْكَاف وَاللَّام كَانَت حرفته الملاحة وَالسّفر فِي الْبَحْر وَكَانَ بعيد الهمة مُولَعا بالشهرة مغرى بِالذكر وَحسن الصيت فخطر بِبَالِهِ أَن جَانب الأَرْض الَّذِي أغفل الْحُكَمَاء الْأَولونَ ذكره وَزَعَمُوا أَنه بَحر صرف رُبمَا يكون مسكونا كَهَذا الْجَانِب

وَكَانَ جنس البرتغال فِي هَذِه الْمدَّة قد كثرت أسفارهم فِي الْبَحْر وملكوا عدَّة محَال من جزائره الخالدات فَحصل لكلنب الجنويزي بعض غيرَة ونفاسة مِنْهُم وَأَرَادَ أَن يَأْتِي بأعظم مِمَّا فعلوا فعزم على التلجيج فِي الْبَحْر الْمُحِيط والإبعاد فِيهِ عَسى أَن يظفر بمراده فتطارح على ملك البرتغال واسْمه يَوْمئِذٍ يوحنا الثَّانِي فِي أَن يُعينهُ على مَا هُوَ بصدده ويمده بِمَا يكون سَببا فِي نيل مقْصده فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَلَا عرج على رَأْيه وَمن قبل مَا كَانَ أهل

ص: 107

جنوة يحمقونه وينسبونه إِلَى التهور بِمثل هَذِه الآراء فَلَمَّا لم يجد عِنْد ملك البرتغال مُرَاده تطارح على ملكة الإصبنيول وَهِي يَوْمئِذٍ إيسابيلا الشهيرة الذّكر عِنْدهم فأسعفته وَهَيَّأْت لَهُ ثَلَاث سفائن وشحنتها بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح والزاد وَالْمَال وَدفعت ذَلِك إِلَيْهِ فسافر بهَا كلنب فِي الْبَحْر الْمُحِيط على سمت الْمغرب حَتَّى أرسى بِبَعْض الجزائر الخالدات فأراح بهَا أَيَّامًا ثمَّ سَافر على السمت الْمَذْكُور ملججا مُدَّة من شَهْرَيْن وَلما طَال السّفر على أَصْحَابه الَّذين مَعَه أَرَادوا قَتله وبينما هم فِي ذَلِك ظَهرت لَهُ أَرض ماركان فَسَار حَتَّى أرسى بأجفانه على ساحلها فِي الْيَوْم الثَّامِن عشر من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة الْمَذْكُورَة فعثر مِنْهَا على أَرض وَاسِعَة ذَات أقطار ونواحي وجبال وأنهار تفوت الْحصْر حَتَّى قيل إِنَّهَا تَسَاوِي نصف هَذَا المسكون من الأَرْض أَو تزيد وَإِذا فِيهَا خلق كثير من بني آدم كهذه إِلَّا أَنهم لم يفقهوا قَوْله وَلَا فقه قَوْلهم فَعَاد كلنب إِلَى ملكة الإصبنيول بعد أَن بنى هُنَالك حصنا وَترك بِهِ بعض الْجند وسَاق من تِلْكَ الأَرْض بعض الغرائب من حَيَوَان وَغَيره إِثْبَاتًا لمدعاه فَلَمَّا قدم على الملكة بعد مغيبه سَبْعَة أشهر وَأحد عشر يَوْمًا أعظمت قدره ونوهت باسمه وسرت بِمَا أَتَى بِهِ من ذَلِك كُله وعدت ذَلِك من سعادتها إِلَى مَا تسنى لَهَا من الظفر بِجَزِيرَة الأندلس والاستيلاء عَلَيْهَا وَتبين للفرنج حِينَئِذٍ أَن الأَرْض معمورة من كلا الْجَانِبَيْنِ لَا من جَانب وَاحِد كَمَا اعتقده الأقدمون فَحِينَئِذٍ تسارعت أجناسهم إِلَى أَرض ماركان واقتسموها واعتنوا بعمرانها وسموها الدُّنْيَا الجديدة فَكَانَت من أعظم الْأَسْبَاب فِي انتعاشهم وتقويتهم وضخامة دولهم واتساع خطط ممالكهم والأمور كلهَا بيد الله

وَمن جملَة مَا كَانَ مفقودا بِأَرْض ماركان نوع الْخَيل وَكَذَا غَيرهَا من الْحَيَوَانَات الْأَهْلِيَّة وَلما رَأَوْا الأدمِيّ رَاكِبًا على الْفرس مسرجا ظنوه قِطْعَة وَاحِدَة وَأَن الْفَارِس وفرسه حَيَوَان وَاحِد خلق على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة إِلَى غير ذَلِك وأخبار أَرض ماركان وَكَيْفِيَّة العثور عَلَيْهَا ثمَّ التَّرَدُّد إِلَيْهَا واعتمارها بعد ذَلِك طَوِيلَة وملخصها مَا ذَكرْنَاهُ وَالله تَعَالَى الْمُوفق بمنه

ص: 108