الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ من بِنَاء تطاوين واتصلت الْحَرْب بَينهم وَبَين برتقال سبتة كاتصالها بَين أهل آزمور وبرتقال الجديدة اه
وَقَوله إِن بِنَاء تطاوين كَانَ عقب أَخذ غرناطة مُخَالف لما يَقُول أهل تطاوين من أَن تَارِيخ بنائها رمز تفاحة وَأَن ذَلِك كَانَ بإعانة الشريف أبي الْحسن عَليّ بن رَاشد فَيظْهر وَالله أعلم أَن أَبَا الْحسن المنظري كَانَ قد قدم من الأندلس قبل أَخذ غرناطة بسنين يسيرَة مُوَافق الرَّمْز الْمَذْكُور وَالله أعلم
قدوم أبي عبد الله بن الْأَحْمَر مخلوعا على السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمهمَا الله
لما استولى طاغية الإصبنيول على حَضْرَة غرناطة وَسَائِر الأندلس انْتقل سلطانها أَبُو عبد الله بن الْأَحْمَر إِلَى حَضْرَة فاس فاستوطنها تَحت كنف السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ بعد أَن خاطبه من إنْشَاء وزيره أبي عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الْعقيلِيّ بقصيدة بارعة يَقُول فِي صدرها
(مولى الْمُلُوك مُلُوك الْعَرَب والعجم
…
رعيا لما مثله يرْعَى من الذمم)
(بك استجرنا وَنعم الْجَار أَنْت لمن
…
جَار الزَّمَان عَلَيْهِ جور منتقم)
(حَتَّى غَدا ملكه بالرغم مستلبا
…
وأفظع الْخطب مَا يَأْتِي على الرغم)
(حكم من الله حتم لَا مرد لَهُ
…
وَهل مردا لحكم مِنْهُ منحتم)
وَهِي طَوِيلَة ثمَّ وَصلهَا برسالة يَقُول فِيهَا بعد الْحَمد لله وَالصَّلَاة على نبيه مَا نَصه
أما بعد فيا مَوْلَانَا الَّذِي أولانا من النعم مَا أولانا لَا حط الله لكم من الْعِزَّة أرواقا وَلَا أذوى لدوحة دولتكم أغصانا وَلَا أوراقا وَلَا زَالَت مخضرة الْعود مبتسمة عَن زهرات البشائر متحفة بثمرات السُّعُود ممطورة بسحائب البركات المتداركات دون بروق وَلَا رعود هَذَا مقَام العائذ بمقامكم الْمُتَعَلّق بِأَسْبَاب ذمامكم المرتجي لعواطف قُلُوبكُمْ وعوارف أنعامكم
الْمقبل الأَرْض تَحت أقدامكم المتلجلج اللِّسَان عِنْد محاولة مفاتحة كلامكم وماذا الَّذِي يَقُول من وَجهه خجل وفؤاد وَجل وَقَضيته المقضية عَن التنصل والاعتذار تجل بيد أَنِّي أَقُول لكم مَا أَقُول لرَبي واجترائي عَلَيْهِ أَكثر واحترامي إِلَيْهِ أكبر اللَّهُمَّ لَا بَرِيء فَاعْتَذر وَلَا قوي فأنتصر لكني مستقيل مستعتب مُسْتَغْفِر وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء هَذَا على طَرِيق التنازل والاتصاف بِمَا تَقْتَضِيه الْحَال مِمَّن يتحيز إِلَى حيّز الْإِنْصَاف وَأما على جِهَة التَّحْقِيق فَأَقُول مَا قالته الْأُم ابْنة الصّديق وَالله إِنِّي لأعْلم أَنِّي إِن أَقرَرت بِمَا يَقُوله النَّاس وَالله يعلم أَنِّي مِنْهُ بريئة لَا قَول مَا لم يكن وَلَئِن أنْكرت مَا تَقولُونَ لَا تصدقوني فَأَقُول مَا قَالَه أَبُو يُوسُف فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون على أَنِّي لَا أنكر عيوبي فَأَنا مَعْدن الْعُيُوب وَلَا أجحد ذُنُوبِي فَأَنا جبل الذُّنُوب إِلَى الله أَشْكُو عجري وبجري وسقطاتي وغلطاتي نعم كل شَيْء وَلَا مَا يَقُوله المتقول المشنع المهول النَّاطِق بِفَم الشَّيْطَان المسول وَمن أمثالهم سبني واصدق وَلَا تفتر وَلَا تخلق أفمثلي كَانَ يفعل أَمْثَالهَا وَيحْتَمل من الأوزار المضاعفة أحمالها وَيهْلك نَفسه ويحبط أَعمالهَا عياذا بِاللَّه من خسران الدّين وإيثار الجاحدين والمعتدين {قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين} وَايْم الله لَو علمت شَعْرَة فِي فودي تميل إِلَى تِلْكَ الْجِهَة لقطعتها بل لقطفت مَا تَحت عمامتي من هامتي وقطفتها غير أَن الرعاع فِي كل أَوَان أَعدَاء للْملك وَعَلِيهِ أحزاب وَأَعْوَان كَانَ أَحمَق أَو أَجْهَل من أبي ثروان أَو أَعقل أَو أعلم من أشج بني مَرْوَان رب مُتَّهم بَرِيء ومسربل بسربال وَهُوَ مِنْهُ عري وَفِي الْأَحَادِيث صَحِيح وَسَقِيم وَمن التراكيب المنطقية منتج وعقيم وَلَكِن ثمَّ ميزَان عقل تعْتَبر بِهِ أوزان النَّقْل وعَلى الرَّاجِح الِاعْتِمَاد ثمَّ إساغة الأحماد الْمُتَّصِل المتماد وللمرجوح الإطراح ثمَّ الْتِزَام الصراح بعد النفض من الراح وَأكْثر مَا تسمعه الْكَذِب وطبع جُمْهُور الْخلق إِلَّا من عصمه الله تَعَالَى إِلَيْهِ منجذب وَلَقَد قذفنا من الأباطيل بأحجار ورمينا بِمَا لَا يرْمى بِهِ الْكفَّار فضلا عَن الْفجار وَجرى من الْأَمر الْمَنْقُول على لِسَان زيد وَعَمْرو مَا
لديكم مِنْهُ حفظ الْجَار وَإِذا عظم الإلكاء فعلى تكأة التجلد والاتكاء أَكثر المكثرون وَجهد فِي تعثيرنا المتعثرون ورمونا عَن قَوس وَاحِدَة ونظمونا فِي سلك الْمَلَاحِدَة أكفرا أَيْضا كفرا غفرا اللَّهُمَّ غفرا أعد نظرا يَا عبد قيس فَلَيْسَ الْأَمر على مَا خيل لَك لَيْسَ وَهل زِدْنَا على أَن طلبنا حَقنا مِمَّن رام محقه ومحقنا فطاردنا فِي سَبيله عداة كَانُوا لنا غائظين فانفتق علينا فتق لم يمكنا لَهُ رتق {وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} وَبعد فاسأل أهل الْحل وَالْعقد والتمييز والنقد فَعِنْدَ جهينتهم تلقى الْخَبَر يَقِينا وَقد رَضِينَا بحكمهم يوثمنا فيوبقنا أَو يبرئنا فيقينا إيه يَا من اشرأب إِلَى ملامنا وقدح حَتَّى فِي إسْلَامنَا رويدا رويدا فقد وجدت قُوَّة وأيدا وَيحك إِنَّمَا طَال لسَانك علينا وامتد بالسوء إِلَيْنَا لِأَن الزَّمَان لنا مصغر وَلَك مكبر وَالْأَمر عَلَيْك مقبل وعنا مُدبر كَمَا قَالَه كَاتب الْحجَّاج المتبر وعَلى الْجُمْلَة فَهُنَا صرنا إِلَى تَسْلِيم مقالك جدلا وذهبنا فأقررنا بالْخَطَأ فِي كل ورد وَصدر فَللَّه در الْقَائِل
إِن كنت أَخْطَأت فَمَا أَخطَأ الْقدر وكأنا بمعتسف إِذا وصل إِلَى هُنَا وَعدم إنصافا يُعلمهُ الهنا قد أَزور متجانفا ثمَّ أفتر متهانفا وَجعل يتَمَثَّل بقَوْلهمْ إِذا عيروا قَالُوا مقادير قدرت وبقولهم الْمَرْء يعجزه الْمحَال فيعارض الْحق بِالْبَاطِلِ والحالي بالعاطل وَينْزع بقول الْقَائِل رب مسمع هائل وَلَيْسَ تَحْتَهُ طائل وَقد فَرغْنَا أول أمس من جَوَابه وَتَركنَا الضغن يلصق حرارة الجوى بِهِ وسنلم الْآن بِمَا يوسعه تبكيتا ويقطعه تسكيتا فَنَقُول لَهُ ناشدناك الله تَعَالَى هَل اتّفق لَك قطّ وَعرض خُرُوج أَمر مَا عَن الْقَصْد مِنْك فِيهِ وَالْغَرَض مَعَ اجتهادك أثناءه فِي إصدارك وإيرادك فِي وُقُوعه على وفْق اقتراحك ومرادك أَو جَمِيع مَا تزاوله بإدارتك لَا يَقع إِلَّا مطابقا لإرادتك أَو كل مَا تقصده وتنويه تحرزه كَمَا تشَاء وتحويه فَلَا بُد أَن يقر اضطرارا بِأَن مَطْلُوبه يشذ عَنهُ مرَارًا بل كثيرا مَا يفلت صَيْده من أشراكه ويطلبه فيعجز عَن إِدْرَاكه فَنَقُول ومسألتنا من هَذَا الْقَبِيل أَيهَا النبيه النَّبِيل ثمَّ نسرد لَهُ من الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة مَا شِئْنَا مِمَّا يسايرنا فِي غرضنا مِنْهُ ويماشينا كَقَوْلِه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى الْعَجز والكيس) وَقَوله أَيْضا (لَو اجْتمع أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض على أَن ينفعوك بِشَيْء لم يقضه الله لَك لم يقدروا عَلَيْهِ وَلَو اجْتَمعُوا على أَن يضروك بِشَيْء لم يقضه الله عَلَيْك لم يقدروا عَلَيْهِ) أَو كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فأخلق بِهِ أَن يلوذ بِأَكْنَافِ الأحجام ويزم على نفث فِيهِ كَأَنَّمَا الجم بلجام حِينَئِذٍ نقُول لَهُ وَالْحق قد أبان وَجهه وجلاه وقهره بحجته وعلاه (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْئا)(قل إِن الْأَمر كُله لله) وَفِي مُحَاجَّة آدم ومُوسَى مَا يقطع لِسَان الْخصم ويرخص عَن أَثوَاب أعراضنا مَا عَسى أَن يعلق بهَا من دون الوصم وكيفما كَانَت الْحَال وَإِن سَاءَ الرَّأْي والانتحال ووقعنا فِي أوجال وأوحال فثل عرشنا وطويت فرشنا ونكس لوانا ومللت مثوانا فَنحْن أمثل من سوانا وَمَا فِي الشَّرّ خِيَار وَيَد الألطاف تكسر من صولة الأغيار فحتى الْآن لم نفقد من اللَّطِيف تَعَالَى لطفا وَلَا عدمنا أدوات أدعية تعطف بِلَا مهلة على جملتنا المقطوعة جمل النعم الموصولة عطفا وَإِلَّا فَتلك بَغْدَاد دَار السَّلَام ومتبوأ الْإِسْلَام المحفوف بفرسان السيوف والأقلام مثابة الْخلَافَة العباسية ومقر الْعلمَاء والفضلاء أولي السّير الأويسية والعقول الأياسية قد نوزلت بالجيوش وَنزلت وزوزلت بالزحوف وزلزلت وتحيف جوانبها الحيف ودخلها كفار التتار عنْوَة بِالسَّيْفِ وَلَا تسل إِذْ ذَاك عَن كَيفَ أَيَّام تجلت عروس الْمنية كاشفة عَن سَاقهَا مبدية وَجَرت الدِّمَاء فِي الشوارع والطرق كالأنهار والأودية وَقيد الْأَئِمَّة والقضاة تَحت ظلال السيوف المنتضاة بالعمائم فِي رقابهم والأردية وللنجيع سيول تخوضها الْخُيُول فتخضبها إِلَى أرساغها وتهم ظماؤها بوردها فتنكل عَن تجرعها ومساغها فطاح عاصمها ومستعصمها وَرَاح وَلم يغد ظالمها ومتظلمها وَخَربَتْ مساجدها وديارها وَاصْطلمَ بالحسام أشرارها وخيارها فَلم يبْق من جُمْهُور أَهلهَا عين تطرف حَسْبَمَا عرفت أَو حَسْبَمَا تعرف فلاتك متشككا متوقفا فَحَدِيث تِلْكَ الْوَاقِعَة الشنعاء أشهر عِنْد المؤرخين من قفا فَأَيْنَ تِلْكَ الجحافل والآراء المدارة فِي المحافل حِين أَرَادَ الله تَعَالَى بإدالة الْكفْر لم تَجِد وَلَا قلامة ظفر إِذن من سلمت لَهُ نَفسه
الَّتِي هِيَ رَأس مَاله وَعِيَاله وأطفاله اللَّذَان هما من أعظم آماله وكل أوجل أَو قل رياشه وَأَسْبَاب معاشه الكفيلة بانتهاضه وانتعاشه ثمَّ وجد مَعَ ذَلِك سَبِيلا إِلَى الْخَلَاص فِي حَال مياسرة ومساهلة دون تعصب واعتياص بعد مَا ظن كل الظَّن أَن لَا محيد وَلَا مناص فَمَا أحقه حِينَئِذٍ وأولاه أَن يحمد خالقه ورازقه ومولاه على مَا أسداه إِلَيْهِ من رفده وخيره ومعافاته مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ كثير من غَيره ويرضى بِكُل إِيرَاد وإصدار تتصرف فيهمَا الْأَحْكَام الإلهية والأقدار فالدهر غدار وَالدُّنْيَا دَار مشحونة بالأكدار وَالْقَضَاء لَا يرد وَلَا يصد وَلَا يغالب وَلَا يُطَالب والدائرات تَدور وَلَا بُد من نقص وَكَمَال للبدور وَالْعَبْد مُطِيع لَا مُطَاع وَلَيْسَ يطاع إِلَّا المستطاع وللخالق الْقَدِير جلت قدرته فِي خليقته علم غيب للأذهان عَن مداه انْقِطَاع وَمَالِي والتكلف لما لَا أحتاج إِلَيْهِ من هَذَا القَوْل بَين يَدي ذِي الْجَلالَة والمجادة وَالْفضل والطول فَلهُ من الْعقل الْأَرْجَح وَمن الْخلق الأسجح مَا لَا تلتاط مَعَه تهمتي بصفره وَلَا تنْفق عِنْده وشاية الواشي لَا عد من نفره وَلَا فَازَ قدحه بظفره وَالْمولى يعلم أَن الدُّنْيَا تلعب باللاعب وتجر براحتها إِلَى المتاعب وقديما للأكياس من النَّاس خدعت وانحرفت عَن وصالهم أَعقل مَا كَانُوا وَقطعت وَفعلت بهم مَا فعلت بيسار الكواعب الَّذِي جبت وجدعت وَلَئِن رهصت وهصرت فقد نبهت وبصرت وَلَئِن قرعت ومعضت وَلَقَد أرشدت ووعظت وَيَا ويلنا من تنكرهَا لنا بِمرَّة ورميها لنا فِي غمرة أَي غمرة أَيَّام قلبت لنا ظهر الْمِجَن وغيم أفقها المصمي وأدجن فسرعان مَا عاينا حبالها منبته ورأينا مِنْهَا مَا لم نحتسب كَمَا تقوم السَّاعَة بغته فَمن استعاذ من شَيْء فليستعذ مِمَّا صرنا إِلَيْهِ من الْحور بعد الكور والانحطاط من النجد إِلَى الْغَوْر
(فَبينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا
…
إِذا نَحن فيهم سوقة نتنصف) (فتبا لدينا لَا يَدُوم نعيمها
…
تقلب تارات بِنَا وَتصرف)
وأبيها لقد أرهقتنا إرهاقا وجرعتنا من صاب الأوصاب كأسا دهاقا وَلم نفزع إِلَى غير بَابَكُمْ المنيع الجناب المنفتح حِين سدت الْأَبْوَاب وَلم نلبس
غير لِبَاس نعمائكم وَحين خلعنا مَا ألبسنا الْملك من الأثواب وَإِلَى أمه يلجأ الطِّفْل لَجأ اللهفان وَعند الشدائد تمتاز السيوف من الأجفان وَوجه الله تَعَالَى يبْقى وكل من عَلَيْهَا فان وَإِلَى هُنَا يَنْتَهِي الْقَائِل ثمَّ يَقُول حسبي هَذَا وكفان وَلَا ريب فِي اشْتِمَال الْعلم الْكَرِيم على مَا تعارفته الْمُلُوك بَينهَا فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم من الْأَخْذ بِالْيَدِ عِنْد زلَّة الْقدَم وقرع الْإِنْسَان وعض البنان من النَّدَم دينا تدينته مَعَ اخْتِلَاف الْأَدْيَان وَعَادَة أطردت على تعاقب الْأَزْمَان والأحيان وَلَقَد عرض علينا صَاحب قشتالة مَوَاضِع مُعْتَبرَة خير فِيهَا وَأعْطى من أَمَانَة الْمُؤَكّد فِيهِ خطه بأيمانه مَا يقنع النُّفُوس ويكفيها فَلم نر وَنحن من سلالة الْأَحْمَر مجاورة الصفر وَلَا سوغ لنا الْإِيمَان الْإِقَامَة بَين ظهراني الْكفْر مَا وجدنَا عَن ذَلِك مندوحة وَلَو شاسعة وَأمنا المطالب المشاغب حمة شَرّ لنا لَا سَعَة وادكرنا أَي ادكار قَول الله تَعَالَى الْمُنكر لذَلِك غَايَة الْإِنْكَار {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة} وَقَول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم المبالغ فِي ذَلِك بأبلغ الْكَلَام (أَنا بَرِيء من مُؤمن مَعَ كَافِر تتراءى ناراهما) وَقَول الشَّاعِر الحاث على حث المطية المتثاقلة عَن السّير فِي طَرِيق منجاتها البطية
(وَمَا أَنا والتلذذ نَحْو نجد
…
وَقد غصت تهَامَة بِالرِّجَالِ)
ووصلت أَيْضا من الشرق إِلَيْنَا كتب كَرِيمَة الْمَقَاصِد لدينا تستدعي الانحياز إِلَى تِلْكَ الجنبات وتتضمن مَالا مزِيد عَلَيْهِ من الرغبات فَلم نختر إِلَّا دَارنَا الَّتِي كَانَت دَار آبَائِنَا من قبلنَا وَلم نرتض الانضواء إِلَّا لمن بحبله وصل حبلنا وبريش نبله ريش نبلنا إدلالا على مَحل إخاء متوارث لَا عَن كَلَالَة وامتثالا لوصاة أجداد لَا نظارهم وأقدارهم أَصَالَة وجلالة إِذْ قد روينَا عَن سلف من أسلافنا فِي الْإِيصَاء لمن يخلف بعدهمْ من أخلافنا أَن لَا يَبْتَغُوا إِذا دهمهم أَمر بالحضرة المرينية بَدَلا وَلَا يَجدوا عَن طريقها فِي التَّوَجُّه إِلَى فريقها معدلا فاخترقنا إِلَى الرياض الأريضة الفجاج وركبنا إِلَى الْبَحْر الْفُرَات ظهر الْبَحْر الأجاج فَلَا غرو أَن نرد مِنْهُ على مَا يقر الْعين ويشفي النَّفس الشاكية من ألم الْبَين وَمن توصل هَذَا التَّوَصُّل وتوسل بِمثل
ذَلِك التوسل تطارحا على سدة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُحَارب للمحاربين وَالْمُؤمن للمستأمنين فَهُوَ الخليق الْحقيق بِأَن يسوغ أصفى مشاربه ويبلغ أوفى مآربه على توالي الْأَيَّام والشهور والسنين ويخلص من الثبور إِلَى الحبور وَيخرج من الظُّلُمَات إِلَى النُّور خُرُوج الْجَنِين وَلَعَلَّ شُعَاع سعادته يفِيض علينا ونفحة قبُول إقباله تسري إِلَيْنَا فتخامرنا أريحية تحملنا على أَن نبادر لإنشاد قَول الشريف الرضي فِي الْخَلِيفَة الْقَادِر
(عطفا أَمِير الْمُؤمنِينَ فإننا
…
فِي دوحة العلياء لَا نتفرق)
(مَا بَيْننَا يَوْم الفخار تفَاوت
…
أبدا كِلَانَا فِي الْمَعَالِي معرق)
(إِلَّا الْخلَافَة ميزتك فإنني
…
أَنا عاطل مِنْهَا وَأَنت مطوق)
لَا بل الأحرى بِنَا والأحجى والأنجح لسعينا والأرجى أَن نعدل عَن هَذَا الْمِنْهَاج وَيقوم وافدنا بَين يَدي علاهُ مقَام الخاضع المتواضع الضَّعِيف الْمُحْتَاج وينشد مَا قَالَ فِي الشِّيرَازِيّ ابْن حجاج
(النَّاس يفدونك اضطرارا
…
مِنْهُم وأفديك باختياري)
(وَبَعْضهمْ فِي جوَار بعض
…
وَأَنت حَتَّى أَمُوت جاري)
(فعش لخبزي وعش لمائي
…
وعش لداري وَأهل دَاري)
ونستوهب من الْوَهَّاب تَعَالَى جلت أسماؤه وتعاظمت نعماؤه رَحْمَة تجْعَل فِي يَد الْهِدَايَة أعنتنا وعصمة تكون فِي مَوَاقِف المخاوف جنتنا وقبولا يعْطف علينا نوافر الْقُلُوب وصنعا يسني لنا كل مَرْغُوب ومطلوب ونسأله وطالما بلغ السَّائِل سؤلا ومأمولا متابا صَادِقا على مَوْضُوع النَّدَم مَحْمُولا ثمَّ عزاء حسنا وصبرا جميلا عَن أَرض أورثها من شَاءَ من عباده معقبا لَهُم ومديلا وسادلا عَلَيْهِم من ستور الْإِمْلَاء الطَّوِيلَة سدولا {سنة الله الَّتِي قد خلت من قبل وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} فليطر طَائِر الوسواس المرفرف مطيرا {كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا} لم نستطع عَن مورده صدورا {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} إِلَّا وَإِن لله سُبْحَانَهُ فِي مقامكم العالي الَّذِي أيده وأعانه سرا من النَّصْر يترجم عَنهُ لِسَان من النصل وَترجع فروع البشائر الصادقة بالفتوحات المتلاحقة من قَاعِدَته
المتأصلة إِلَى أصل فبمثله يجب اللياد وَالْعِيَاذ ولشبهه يحِق الالتجاء والارتجاء ولأمر مَا آثرناه واخترناه بعد أَن استرشدنا الله سُبْحَانَهُ واستخرناه وَمِنْه جل جلاله نرغب أَن يُخَيّر لنا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين ويأوب بِنَا من حمايته ووقايته إِلَى معقل منيع وجناب رفيع آمين آمين آمين وَنَرْجُو أَن يكون رَبنَا الَّذِي هُوَ فِي جَمِيع الْأُمُور حَسبنَا قد خار لنا حَيْثُ أرشدنا وهدانا وساقنا توفيقه وحدانا إِلَى الاستجارة بِملك حفي كريم وَفِي أعز جارا من أبي دَاوُد وأحمى أنفًا من الْحَارِث بن عباد وَيشْهد بذلك الداني والقاصي والحاضر والباد إِن أغاث ملهوفا فَمَا الْأسود بن قنان يذكر وَإِن أنعش حشاشة هَالك فَمَا كَعْب بن مامة على فعله وَحده يشْكر جليسه كجليس الْقَعْقَاع بن شور ومذاكره كمذاكر سُفْيَان المنتسب من الربَاب إِلَى ثَوْر إِلَى التحلي بأمهات الْفَضَائِل الَّتِي أضدادها أُمَّهَات الرذائل وَهِي الثَّلَاث الْحِكْمَة وَالْعدْل والعفة الَّتِي تشملها الثَّلَاثَة الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَالشَّمَائِل وينشأ عَنْهَا مَا شِئْت من عزم وحزم وَعلم وحلم وتيقظ وَتحفظ واتقاء وارتقاء وُصُول وَطول وسماح نائل فبنور حلاه الْمشرق يفتخر الْمغرب على الْمشرق وبمجده السَّامِي خطره فِي الأخطار وبيته الَّذِي ذكره فِي النباهة والنجابة قد طَار يباهي جَمِيع مُلُوك الْجِهَات والأقطار وَكَيف لَا وَهُوَ الرفيع المنتمي والنجار الراضع من الطَّهَارَة صفو البان النَّاشِئ من السراوة وسط أَحْجَار فِي ضئضئ الْمجد وبحبوح الْكَرم وسرواة أسرة المملكة الَّتِي أكنافها حرم وذؤابة الشّرف الَّتِي مجادتها لم ترم من معشر أَي معشر بخلوا أَن وهبوا مَا دون أعمارهم وجبنوا إِن لم يحموا سوى دمارهم بَنو مرين وَمَا أَدْرَاك مَا بَنو مرين سم العداة وَآفَة الجزر النازلون بِكُل معترك والطيبون معاقد الأزر لَهُم عَن الهفوات انْتِفَاء وَعِنْدهم من السّير النَّبَوِيَّة اكْتِفَاء انتسبوا إِلَى بر بن قيس فَخَرجُوا فِي الْبر عَن الْقَيْس مَا لَهُم الْقَدِيم الْمَعْرُوف قد نفد فِي سَبِيل الْمَعْرُوف وحديثهم الَّذِي نقلته رجال الزحوف من طَرِيق القنا وَالسُّيُوف على الْحسن من الْمَقَاصِد مَوْقُوف تحمد من صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ ذابلهم ولدنهم فَللَّه آبَاء أنجبوهم وَأُمَّهَات ولدنهم شم
الأنوف من الطّراز الأول إِلَيْهِم فِي الشدائد والاستناد وَعَلَيْهِم فِي الأزمات الْمعول وَلَهُم فِي الْوَفَاء والصفاء والاحتفاء والعناية والحماية وَالرِّعَايَة الخطو الْوَاسِع والباع الأطول كَأَنَّمَا عناهم بقوله جَرْوَل
(أُولَئِكَ قوم إِن بَنو أَحْسنُوا الْبَنَّا
…
وَإِن عَاهَدُوا وفوا وَإِن عقدوا شدوا)
(وَإِن كَانَت النعماء فيهم جزوا بهَا
…
وَإِن أنعموا لَا كدروها وَلَا كدوا)
(وتعذلني أَبنَاء سعد عَلَيْهِم
…
وَمَا قلت إِلَّا بِالَّذِي علمت سعد)
وَبقول الوثيق مبناه البليغ مَعْنَاهُ
(قوم إِذا عقدوا عقدا لجارهم
…
شدوا العناج وشدوا فَوْقه الكربا)
يزيحون عَن النزيل كل نازح قاصم وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُم عائب وَلَا واصم فَهُوَ أَحَق بِمَا قَالَه فِي منقر قيس بن عَاصِم
(لَا يَفْطنُون لعيب جارهم
…
وهم لحفظ جوارهم فطن)
حلاهم هَذِه الغريزة الَّتِي لَيست باستكراه وَلَا جعل وأمير الْمُؤمنِينَ دَامَ نَصره قسيمهم فِيهَا حَذْو النَّعْل بالنعل ثمَّ هُوَ عَلَيْهِم وعَلى من سواهُم بالأوصاف الملوكية مستعل ارْفض مزنهم مِنْهُ عَن غيث ملث يمحو آثَار اللزبة وَانْشَقَّ عيلهم مِنْهُ عَن لَيْث ضار منقبض على براثنه للوثبة فَقل لسكان الفلا لَا تغرنكم أعدادكم وأمدادكم فَلَا يُبَالِي السرحان الْمَوَاشِي سَوَاء مشي إِلَيْهَا النقرا أَو الجفلى بل يصدمهم صدمة تحطم مِنْهُم كل عرنين ثمَّ يبتلع بعد أشلاءهم المعفرة ابتلاع التنين فَهُوَ هُوَ كَمَا عرفوه وعهدوه وألفوه وأخو المنايا وَابْن جلا وطلاع الثنايا مُجْتَمع أشده قد احتنكت سنه وَبَان رشده جاد مجد محتزم بحزام الحزم مشمر عَن ساعد الْجد
(لَا يشرب المَاء إِلَّا من قليب دم
…
وَلَا يبيت لَهُ جَار على وَجل)
(أسدى الْقلب آدَمِيّ الروا لابس
…
جلد النمر يَزْنِي العناد والنوى)
(وَلَيْسَ بشاري عَلَيْهِ دمامة
…
إِذا مَا سعى يسْعَى بقوس وأسهم)
(وَلكنه يسْعَى عَلَيْهِ مفاضة
…
دلاص كأعيان الْجَرَاد المنظم)
فالنجاء النَّجَاء سَامِعين لَهُ طائعين والوجل الوجل لاحقين بِهِ خاضعين
قبل أَن تساقوا إِلَيْهِ مُقرنين فِي الأصفاد ويعيي الْفِدَاء بنفائس النُّفُوس وَالْأَمْوَال على الفاد حِينَئِذٍ يعَض ذُو الْجَهْل والفدامة على يَدَيْهِ حسرة وندامة إِذا رأى أبطال الْجنُود تَحت خوافق الرَّايَات والبنود قد لفحتهم نَار لَيست بِذَات خمود وأخذتهم صَاعِقَة مثل صَاعِقَة الَّذين من قبلهم عَاد وَثَمُود زعقات تؤز الْكَتَائِب أزا وهمزا محققا للخيل بعد الْمَدّ المشبع للأعنة همزا وسلا للهندية سلا وهزا للخطية هزا حَتَّى يَقُول النسْر للذئب هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا ثق خَليفَة الله بِذَاكَ فِي كل من رام أَذَى رعيتك أَو أذاك فَتلك عَادَة الله سُبْحَانَهُ فِي ذَوي الشقاق والنفاق الَّذين يشقون عَصا الْمُسلمين ويقطعون طَرِيق الرفاق وينصبون حبائل الْبَغي وَالْفساد فِي جَمِيع النواحي والآفاق فَلَنْ يجعلهم الله عز وجل من الْآمنينَ أَنى وَكَيف وَقد أفسدوا وخانوا وَهُوَ سُبْحَانَهُ {لَا يصلح عمل المفسدين} و {لَا يهدي كيد الخائنين} وَهَا نَحن قد وجهنا إِلَى كعبة مجدكم وُجُوه صلوَات التَّقْدِيس والتعظيم بعد مَا زينا معاظفها باستعطافكم بدر ثَنَاء أبهى من در العقد النظيم منتظمين فِي سلك أوليائكم متشرفين بِخِدْمَة عليائكم وَلَا فقد عزة وَلَا عدمهَا من قصد مثابتكم العزيزة وخدمها وَأَن المترامي على سنائكم لجدير بحرمتكم واعتنائكم وكل ملهوف تبوأ من كنفكم حصنا حصينا عَاشَ بَقِيَّة عمره محروسا من الضيم مصونا وَقد قيل فِي بعض الْكَلَام من قعدت بِهِ نكاية الْأَيَّام أقامته إغاثة الْكِرَام ومولانا أيده الله تَعَالَى ولي مَا يزفه إِلَيْنَا من مكرمَة بكر ويصنعه لنا من صَنِيع حافل يخلد فِي صَحَائِف حسن الذّكر ويروي مُعَنْعَن حَدِيث حَمده وشكره طرس عَن قلم عَن بنان عَن لِسَان عَن فكر وَغَيره من ينَام عَن ذَلِك فيوقظ ويسترسل مَعَ الْغَفْلَة حَتَّى يذكر ويوعظ وَمَا عهد مُنْذُ وجد إِلَّا سَرِيعا إِلَى دَاعِي الندى والتكرم بَرِيئًا من الضجر بالمطالبة والتبرم حَافِظًا للْجَار الَّذِي أوصى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بحفظه مستفرغا وَسعه فِي رعيه المستمر ولحظه آخِذا من حسن الثَّنَاء فِي جَمِيع الْأَوْقَات والآناء بحظه
(فَهُوَ من دوحة السنا فرع عز
…
لَيْسَ يحْتَاج مجتنيه لهز)
(كَفه فِي الأمحال أغزر ويل
…
وذراه فِي الْجوف أمنع حرز)
(حلمه يسفر اسْمه لَك عَنهُ
…
فتفهم يَا مدعي الْفَهم لغزي)
(لَا تسله شَيْئا وَلَا تستلنه
…
نظرة مِنْهُ فِيك تغني وتجزي)
(فنداه هُوَ الْفُرَات الَّذِي قد
…
عَام فِيهِ الْأَنَام عوم الأوز)
(وحماه هُوَ المنيع الَّذِي ترجع
…
عَنهُ الخطوب مرجع عجز)
(فدعوا ذهنه يزاول قولي
…
فَهُوَ أدرى بِمَا تضمن رمزي)
(دَامَ يحيى بِكُل صنع وَمن
…
وَيُعَافى من كل بوس ورجز)
وكأنا بِهِ قد عمل على شاكلة جَلَاله من مد ظلاله وتمهيد خلاله وتلقى ورودنا بتهلله واستهلاله وتأنيسنا بجميل قبُوله وإقباله وإيرادنا على حَوْض كوثره المترع بزلاله وَالله سُبْحَانَهُ يسْعد مقَامه الْعلي ويسعدنا بِهِ فِي حلّه وارتحاله ومآله وحاله وَيُؤَيّد جنده المظفر ويؤيدنا بتأييده على نزال عدوه واستنزاله وهز الذوابل لإطفاء ذباله وَهُوَ سبحانه وتعالى المسؤول أَن يرِيه قُرَّة الْعين فِي نَفسه وَأَهله وخدامه وأمواله وأنظاره وأعماله وكافة شؤونه وأحواله وأحق مَا نصل بِالسَّلَامِ وَأولى على الْمقَام الْجَلِيل مقَام الْخَلِيفَة الْمولى وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة وَسلَامًا دائمين أبدا موصولين بدوام الْأَبَد واتصاله ضامنين لمجددهما ومرددهما صَلَاح فَسَاد أَعماله وبلوغ غَايَة آماله وَذَلِكَ بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وإذنه وفضله وأفضاله انْتَهَت الرسَالَة وَمَا كَادَت
وَوصل السُّلْطَان ابْن الْأَحْمَر المخلوع بعد نُزُوله بمليلية إِلَى مَدِينَة فاس بأَهْله وَأَوْلَاده معتذرا عَمَّا أسلفه متلهفا على مَا خَلفه وَبنى بفاس بعض قُصُور على طَرِيق بُنيان الأندلس وَتُوفِّي بهَا سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَدفن بِإِزَاءِ الْمصلى خَارج بَاب الشَّرِيعَة وَخلف ذُرِّيَّة من بعده قَالَ فِي نشر المثاني انقرضوا وَلم يبْق مِنْهُم أحد وَزعم منويل أَنه هلك فِي وقْعَة أبي عقبَة فِي حَرْب الوطاسيين مَعَ السعديين قَالَ وَلم يحسن هَذَا الرجل أَن يدْفع عَن ملكه فَدفع عَن ملك غَيره