المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقتل السلطان أبي سالم رحمه الله والسبب في ذلك - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٤

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة المرينية

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي بكر بن أبي عنان بن أبي الْحسن المريني

- ‌ظُهُور أبي حمو مُوسَى بن يُوسُف الزياني واستيلاؤه على تلمسان ونهوض مَسْعُود بن عبد الرَّحْمَن إِلَيْهِ وطرده عَنْهَا

- ‌ظُهُور مَنْصُور بن سُلَيْمَان وبيعة مَسْعُود ابْن عبد الرَّحْمَن لَهُ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المستعين بِاللَّه أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني

- ‌قدوم الْغَنِيّ بِاللَّه ابْن الْأَحْمَر ووزيره ابْن الْخَطِيب مخلوعين على السُّلْطَان أبي سَالم وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌سفر ابْن الْخَطِيب إِلَى مراكش وأعمالها وزيارته لأوليائها ورجالها وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار ابْن الْخَطِيب بسلا حرسها الله

- ‌انْتِقَاض الْحسن بن عمر الفودودي وَخُرُوجه بتادلا ثمَّ مَقْتَله عقب ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي سَالم إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌وفادة السودَان من أهل مَالِي على السُّلْطَان أبي سَالم وإغرابهم فِي هديتهم بالزرافة الْحَيَوَان الْمَعْرُوف

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عمر تاشفين الموسوس ابْن أبي الْحسن المريني

- ‌الفتك بغرسية بن أنطول قَائِد النَّصَارَى ومقتل جنده مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ظُهُور عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بن أبي سعيد ومحاصرته لفاس الْجَدِيد ثمَّ فراره عَنْهَا

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي زيان مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب بن أبي الْحسن المريني

- ‌وفادة ابْن الْخَطِيب من سلا على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌وفادة ابْن مُحَمَّد الهنتاتي على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌انْتِقَاض أبي الْفضل بن أبي سَالم ثمَّ مَقْتَله بعد ذَلِك

- ‌انْتِقَاض عَامر بن مُحَمَّد الهنتاتي وحصار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِيَّاه وظفره بِهِ

- ‌ارتجاع الجزيرة الخضراء من يَد الإسبانيول

- ‌نهوض السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار سلطانها أبي حمو بن يُوسُف عَنْهَا

- ‌نزوع الْوَزير ابْن الْخَطِيب عَن سُلْطَانه الْغَنِيّ بِاللَّه إِلَى السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بتلمسان

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌محنة الْوَزير ابْن الْخَطِيب ومقتله رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير مراكش عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن رحمه الله

- ‌ذكر الشاوية وَبَيَان نسبهم وأوليتهم وَشرح لقبهم وتسميتهم

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس إِلَى تلمسان وَفتحهَا وتخريبها

- ‌خلع السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم وتغريبه إِلَى الأندلس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي فَارس مُوسَى ابْن أبي عنان بن أبي الْحسن

- ‌خُرُوج الْحسن بن النَّاصِر بغمارة ونهوض الْوَزير ابْن ماساي إِلَيْهِ

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُوسَى بن أبي عنان رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمُنْتَصر بِاللَّه السُّلْطَان أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الواثق بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌ظُهُور مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بسجلماسة ثمَّ اضمحلاله بعد ذَلِك

- ‌نكبة الْكَاتِب ابْن أبي عَمْرو وحركات بن حسون ومقتلهما

- ‌أَخْبَار تلمسان واستيلاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس عَلَيْهَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب مصر السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق إِلَى السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بتازا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز ووفاته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي عَامر عبد الله ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم

- ‌حجابة أبي الْعَبَّاس القبائلي ونكبته ومقتله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حجابة فارح بن مهْدي وأوليته وَسيرَته

- ‌حجابة أبي مُحَمَّد الطريفي وَسيرَته

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان أبي سعيد وَالسُّلْطَان أبي فَارس الحفصي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسيتلاء البرتغال على مَدِينَة سبتة أَعَادَهَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم المريني رحمه الله

- ‌زحف البرتغال إِلَى طنجة ورجوعهم عَنْهَا بالخيبة

- ‌أَخْبَار الوزراء والحجاب وتصرفاتهم

- ‌وزارة يحيى بن يحيى الوطاسي ومقتله ومقتل الوطاسيين مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌رياسة الْيَهُودِيين هَارُون وشاويل وَمَا نَشأ عَن استبدادهما من المحنة والفتنة

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على طنجة

- ‌مقتل السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار بني الْأَحْمَر واستيلاء الْعَدو على غرناطة وَسَائِر الأندلس مِنْهَا وانقراض كلمة الْإِسْلَام مِنْهَا

- ‌أَخْبَار البرتغال بالمغرب الْأَقْصَى على الْجُمْلَة

- ‌الْخَبَر عَن دولة الشريف أبي عبد الله الْحَفِيد وأوليته

- ‌بيعَة السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌فتْنَة الشاوية ووصولهم إِلَى بِلَاد الغرب

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على مَدِينَة آنفي وآصيلا

- ‌خلع السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وانقراض أمره

- ‌الْخَبَر عَن دولة بني وطاس وَذكر نسبهم وأوليتهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ بن أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي رحمه الله

- ‌رياسة بني رَاشد من شرفاء الْعَالم بغمارة وبناؤهم مَدِينَة شفشاون وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ثورة عَمْرو بن سُلَيْمَان السياف بِبِلَاد السوس وَشَيْء من أخباره

- ‌بِنَاء مَدِينَة تطاوين

- ‌قدوم أبي عبد الله بن الْأَحْمَر مخلوعا على السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمهمَا الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سَاحل البريجه وبناؤهم مَدِينَة الجديدة صانها الله سبحانه وتعالى بمنه

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سواحل السوس وبناؤهم حصن فونتي قرب أكادير وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي الْمَعْرُوف بالبرتغالي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آسفي حرسه الله

- ‌زحف السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى آصيلا

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آزمور حرسه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر المعمورة حرسه الله

- ‌أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي مَعَ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الغزواني رضي الله عنه

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى مراكش ومحاصرته أَبَا الْعَبَّاس الْأَعْرَج السَّعْدِيّ بهَا

- ‌ذكر وزراء السُّلْطَان أبي عبد الله وَمَا قيل فيهم

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي عبد الله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان أبي حسون بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الوطاسي رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌وقْعَة آنماي بَين الوطاسيين والسعديين

- ‌عقد الصُّلْح بَين السلطانين أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَأبي الْعَبَّاس السَّعْدِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى

- ‌غَزْوَة الْحمر قرب آصيلا حرسها الله

- ‌وقْعَة أبي عقبَة بوادي العبيد وَمَا كَانَ فِيهَا بَين الوطاسيين والسعديين من الْقِتَال الشَّديد

- ‌بِنَاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي قنطرة الرصيف بفاس حرسها الله

- ‌وقْعَة وَادي درنة بتادلا وَأسر الْأَمِير أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي ومهلكه رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ على فاس وَقَبضه على بني وطاس ومهلك سلطانهم أبي الْعَبَّاس رَحمَه الله تَعَالَى بفضله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي حسون الوطاسي رحمه الله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا ومقتل السُّلْطَان أبي حسون رحمه الله

الفصل: ‌مقتل السلطان أبي سالم رحمه الله والسبب في ذلك

(مَا بَين مبيض وأصفر فَاقِع

سَالَ اللجين بِهِ خلال نضار)

(يَحْكِي حدائق نرجس فِي شَاهِق

تنساب فِيهِ أراقم الْأَنْهَار)

(تحدو قَوَائِم كالجذوع وفوقها

جبل أَشمّ بنوره متواري)

(وسمت بجيد مثل جذع مائل

سهل التعطف لين خوار)

(تستشرف الجدرات مِنْهُ ترائبا

فَكَأَنَّمَا هُوَ قَائِم بمنار)

(تاهت بكلكلها وأتلع جيدها

وَمَشى بهَا الْإِعْجَاب مشي وقار)

(خَرجُوا لَهَا الجم الْغَفِير وَكلهمْ

متعجب من لطف صنع الْبَارِي)

(كل يَقُول لصحبه قومُوا انْظُرُوا

كَيفَ الْجبَال تقاد بالأسيار)

(أَلْقَت ببابك رَحلهَا ولطالما

ألْقى الْغَرِيب بِهِ عَصا التسيار)

(علمت مُلُوك الأَرْض أَنَّك فخرها

فتسابقت لرضاك فِي مضمار)

(يتبوؤون بِهِ وَإِن بعد المدى

من جاهك الْأَعْلَى أعز جوَار)

(فارفع لِوَاء الْفَخر غير مدافع

واسحب ذيول الْعَسْكَر الجرار)

(واهنأ بأعياد الْفتُوح مخولا

مَا شِئْت من نصر وَمن أنصار)

(وإليكها من روض فكري نفحة

شف الثَّنَاء بهَا على الأزهار)

(فِي فصل منطقها ورائق رسمها

مستمتع الأسماع والأبصار)

(وتميل من أصغى لَهَا فكأنني

عاطيته مِنْهَا كؤوس عقار)

‌مقتل السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم رحمه الله قد غلب على هَوَاهُ الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق وَألقى زِمَام الدولة بِيَدِهِ فنقم خَاصَّة السُّلْطَان وحاشيته ذَلِك عَلَيْهِ وسخطوا الدولة من أَجله ومرضت قُلُوب أهل الْحل وَالْعقد من تقدمه فتربصوا بالدولة الدَّوَائِر إِلَى أَن كَانَت أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فتحول السُّلْطَان أَبُو سَالم عَن دَار الْملك من فاس الْجَدِيد إِلَى القصبة من فاس الْقَدِيم واختط بهَا إيوانا فخما لجلوسه فَلَمَّا استولى عمر بن عبد الله ابْن عَليّ بن سعيد الفودودي أحد كبراء الدولة ووزرائها على دَار الْملك إِذْ كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم قد خَلفه أَمينا عَلَيْهَا حدثته نَفسه بالتوثب وَسَهل

ص: 37

ذَلِك عَلَيْهِ مَا كَانَ قد عرفه من مرض الْقُلُوب على السُّلْطَان لمَكَان ابْن مَرْزُوق فداخل قَائِد جند النَّصَارَى غرسية بن أنطول واتعدوا لذَلِك لَيْلَة الثُّلَاثَاء السَّابِع عشر من ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فعمدوا إِلَى تاشفين الموسوس ابْن أبي الْحسن فخلعوا عَلَيْهِ وألبسوه شارة الْملك وقربوا لَهُ مركبا وأجلسوه مجْلِس السُّلْطَان وأكرهوا شيخ الحامية والناشبة مُحَمَّد بن الزَّرْقَاء على الْبيعَة وجاهروا بالخلعان وقرعوا الطبول ودخلوا إِلَى بَيت المَال ففرضوا الْعَطاء من غير تَقْدِير وَلَا حِسَاب وماج الْجند بفاس الْجَدِيد بَعضهم فِي بعض واختطفوا مَا وصلوا إِلَيْهِ من الْعَطاء ثمَّ انتهبوا مَا كَانَ بالمخازن الخارجية من السِّلَاح وَالْعدة وأضرموا النيرَان فِي بيوتها سترا على مَا ضَاعَ مِنْهَا وَأصْبح السُّلْطَان أَبُو سَالم بمكانه من قَصَبَة فاس الْقَدِيم وَكَانَ قد تحول إِلَيْهَا فِرَارًا من قَاطع فلكي خَوفه إِيَّاه بعض منجميه فَكَانَ الْبلَاء فِيهِ موكلا بالْمَنْطق فَلَمَّا علم بالكائنة ركب وَاجْتمعَ إِلَيْهِ من حضر من أوليائه وَغدا على فاس الْجَدِيد وَطَاف بهَا يروم اقتحامها فامتنعت عَلَيْهِ ثمَّ اضْطربَ مُعَسْكَره بكدية العرائس لحصارها ونادى فِي النَّاس بالاجتماع إِلَيْهِ وَلما كَانَ وَقت الهاجرة دخل فسطاطة للقيلولة فتسايل النَّاس عَنهُ إِلَى فاس الْجَدِيد فوجا بعد فَوْج بمرأى مِنْهُ إِلَى أَن انفض عَنهُ خاصته وَأَهله مَجْلِسه فَطلب النَّجَاء بِنَفسِهِ وَركب فِي لمة من الفرسان وَفِيهِمْ وزيراه سُلَيْمَان بن دَاوُد ومسعود بن عبد الرَّحْمَن بن ماساي ومقدم الموَالِي والجند بِبَابِهِ سُلَيْمَان بن ونصار وَأذن لِابْنِ مَرْزُوق فِي الدُّخُول إِلَى دَاره وَمضى هُوَ على وَجهه فِيمَن مَعَه وَلما غشيهم اللَّيْل انْفَضُّوا عَنهُ حَتَّى بَقِي وَحده وَرجع الوزيران إِلَى دَار الْملك فتقبض عَلَيْهِمَا رَئِيس الثورة عمر بن عبد الله الفودودي ومشاركه فِيهَا غرسية بن أنطول النَّصْرَانِي واعتقلاهما مُتَفَرّقين وَبعث عمر بن عبد الله الطّلب فِي أثر السُّلْطَان أبي سَالم فعثروا عَلَيْهِ نَائِما من الْغَد فِي بعض المجاشر بوادي ورغة وَقد غير لِبَاسه اختفاء بشخصه وتواريا عَن الْعُيُون بمكانه فتقبضوا عَلَيْهِ وَحَمَلُوهُ على بغل وطيروا بالْخبر إِلَى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شُعَيْب بن مَيْمُون بن دَاوُد وَفتح الله بن عَامر بن فتح الله

ص: 38

السدراتي وَأَمرهمَا بقتْله وإنفاذ رَأسه فلقياه بخندق الْقصب إزاء كدية العرائس فأمرا بعض جند النَّصَارَى أَن يتَوَلَّى ذبحه فَفعل وحملوا رَأسه فِي مخلاة ووضعوه بَين يَدي الْوَزير الثائر ومشيخته وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بالقلة خَارج بَاب الجيسة بِأَعْلَى جبل الْعرض الْمَعْرُوف بجبل الزَّعْفَرَان

قَالَ ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم رحمه الله بَقِيَّة الْبَيْت وَآخر الْقَوْم دماثه وحياء وبعدا عَن الشرور وركونا للعافية قَالَ وأنشدت على قَبره الَّذِي ووريت بِهِ جثته قصيدة أدّيت فِيهَا بعض حَقه

(بنى الدُّنْيَا بني لمع السراب

لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب)

وَمن أَعْيَان وزرائه أَبُو عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَرْزُوق العجيسي الْخَطِيب الْمَشْهُور الَّذِي مر ذكره آنِفا

وَمن قُضَاة عسكره أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن يحيى الأندلسي الْبُرْجِي

وَمن أَعْيَان كِتَابه الرئيس أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون صَاحب التَّارِيخ

وَأَبُو الْقَاسِم عبد الله بن يُوسُف بن رضوَان النجاري من أهل مالقة صَاحب كتاب السياسة وَغَيره وَمِمَّا نظمه هَذَا الْفَاضِل عَن إِذن السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله ليكتب فِي طرة قبَّة رياض الغزلان من حَضرته قَوْله

ص: 39

(هَذَا مَحل المنى بالأمن مغمور

من حلّه فَهُوَ بالأمان محبور)

(مأوى النَّعيم بِهِ مَا شِئْت من ترف

تهوى محاسنه الْولدَان والحور)

(ويطلع الرَّوْض مِنْهُ مصنعا عجبا

يضاحك النُّور من لألائه النُّور)

(ويسطع الزهر من أرجائه أرجا

ينافح الندى نشر مِنْهُ منشور)

(مغنى السرُور سقَاهُ الله مَا حملت

غر الْغَمَام وحلته الأزاهير)

(انْظُر إِلَى الرَّوْض تنظر كل معجبة

مِمَّا ارْتَضَاهُ لرأي الْعين تحبير)

(مر النسيم بِهِ يَبْغِي القرا فقرا

دَرَاهِم النُّور تبديد وتنثير)

(وهامت الشَّمْس فِي حسن الظلال بِهِ

ففرقت فَوْقه مِنْهَا دَنَانِير)

(كَأَنَّمَا الطير فِي أفنائها صدحت

بشكر مَالِكهَا وَالْفضل مشكور)

(والدوح ناعمة تهتز من طرب

همسا وَصَوت غناء الطير مجهور)

(وَالنّهر شقّ بِسَاط الأَرْض تحسبه

سَيْفا وَلكنه فِي السّلم مَشْهُور)

(ينساب للجنة الخضراء أزرقه

كالأيم جد انسياب وَهُوَ مذعور)

(هذي مصانع مَوْلَانَا الَّتِي جمعت

شَمل السرُور وَأمر السعد مَأْمُور)

(وَهَذِه الْقبَّة الغراء مَا نظرت

لشكلها الْعين إِلَّا عز تنظير)

(وَلَا يصورها فِي الْفَهم ذُو فكر

إِلَّا وَمِنْه لكل الْحسن تَصْوِير)

(وَلَا يرام بحصر وصف مَا جمعت

من المحاسن إِلَّا صد تَقْصِير)

(فِيهَا المقاصير تحميها مهابته

لله مَا جمعت تِلْكَ المقاصير)

(كَأَنَّهَا الْأُفق تبدو النيرات بِهِ

ويستقيم بهَا فِي السعد تسيير)

(وينشأ المزن فِي أرجائه وَله

من عنبر الشحر إنْشَاء وتسخير)

(وينهمي الْقطر مِنْهُ وَهُوَ منسكب

مَاء من الْورْد يذكو مِنْهُ تعطير)

(وتخفق الرّيح مِنْهُ وَهِي ناسمة

مِمَّا أهب بِهِ مسك وكافور)

(ويشرق الصُّبْح مِنْهُ وَهُوَ من غرر

غر تلألأ مِنْهُنَّ الأسارير)

(وتطلع الشَّمْس فِيهِ من سنا ملك

تَبَسم الدَّهْر مِنْهُ وَهُوَ مسرور)

وَمضى فِي مدح السُّلْطَان وَالله تَعَالَى يتغمد الْجَمِيع برحمته بمنه وَكَرمه

ص: 40