الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَا بَين مبيض وأصفر فَاقِع
…
سَالَ اللجين بِهِ خلال نضار)
(يَحْكِي حدائق نرجس فِي شَاهِق
…
تنساب فِيهِ أراقم الْأَنْهَار)
(تحدو قَوَائِم كالجذوع وفوقها
…
جبل أَشمّ بنوره متواري)
(وسمت بجيد مثل جذع مائل
…
سهل التعطف لين خوار)
(تستشرف الجدرات مِنْهُ ترائبا
…
فَكَأَنَّمَا هُوَ قَائِم بمنار)
(تاهت بكلكلها وأتلع جيدها
…
وَمَشى بهَا الْإِعْجَاب مشي وقار)
(خَرجُوا لَهَا الجم الْغَفِير وَكلهمْ
…
متعجب من لطف صنع الْبَارِي)
(كل يَقُول لصحبه قومُوا انْظُرُوا
…
كَيفَ الْجبَال تقاد بالأسيار)
(أَلْقَت ببابك رَحلهَا ولطالما
…
ألْقى الْغَرِيب بِهِ عَصا التسيار)
(علمت مُلُوك الأَرْض أَنَّك فخرها
…
فتسابقت لرضاك فِي مضمار)
(يتبوؤون بِهِ وَإِن بعد المدى
…
من جاهك الْأَعْلَى أعز جوَار)
(فارفع لِوَاء الْفَخر غير مدافع
…
واسحب ذيول الْعَسْكَر الجرار)
(واهنأ بأعياد الْفتُوح مخولا
…
مَا شِئْت من نصر وَمن أنصار)
(وإليكها من روض فكري نفحة
…
شف الثَّنَاء بهَا على الأزهار)
(فِي فصل منطقها ورائق رسمها
…
مستمتع الأسماع والأبصار)
(وتميل من أصغى لَهَا فكأنني
…
عاطيته مِنْهَا كؤوس عقار)
مقتل السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم رحمه الله قد غلب على هَوَاهُ الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق وَألقى زِمَام الدولة بِيَدِهِ فنقم خَاصَّة السُّلْطَان وحاشيته ذَلِك عَلَيْهِ وسخطوا الدولة من أَجله ومرضت قُلُوب أهل الْحل وَالْعقد من تقدمه فتربصوا بالدولة الدَّوَائِر إِلَى أَن كَانَت أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فتحول السُّلْطَان أَبُو سَالم عَن دَار الْملك من فاس الْجَدِيد إِلَى القصبة من فاس الْقَدِيم واختط بهَا إيوانا فخما لجلوسه فَلَمَّا استولى عمر بن عبد الله ابْن عَليّ بن سعيد الفودودي أحد كبراء الدولة ووزرائها على دَار الْملك إِذْ كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم قد خَلفه أَمينا عَلَيْهَا حدثته نَفسه بالتوثب وَسَهل
ذَلِك عَلَيْهِ مَا كَانَ قد عرفه من مرض الْقُلُوب على السُّلْطَان لمَكَان ابْن مَرْزُوق فداخل قَائِد جند النَّصَارَى غرسية بن أنطول واتعدوا لذَلِك لَيْلَة الثُّلَاثَاء السَّابِع عشر من ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فعمدوا إِلَى تاشفين الموسوس ابْن أبي الْحسن فخلعوا عَلَيْهِ وألبسوه شارة الْملك وقربوا لَهُ مركبا وأجلسوه مجْلِس السُّلْطَان وأكرهوا شيخ الحامية والناشبة مُحَمَّد بن الزَّرْقَاء على الْبيعَة وجاهروا بالخلعان وقرعوا الطبول ودخلوا إِلَى بَيت المَال ففرضوا الْعَطاء من غير تَقْدِير وَلَا حِسَاب وماج الْجند بفاس الْجَدِيد بَعضهم فِي بعض واختطفوا مَا وصلوا إِلَيْهِ من الْعَطاء ثمَّ انتهبوا مَا كَانَ بالمخازن الخارجية من السِّلَاح وَالْعدة وأضرموا النيرَان فِي بيوتها سترا على مَا ضَاعَ مِنْهَا وَأصْبح السُّلْطَان أَبُو سَالم بمكانه من قَصَبَة فاس الْقَدِيم وَكَانَ قد تحول إِلَيْهَا فِرَارًا من قَاطع فلكي خَوفه إِيَّاه بعض منجميه فَكَانَ الْبلَاء فِيهِ موكلا بالْمَنْطق فَلَمَّا علم بالكائنة ركب وَاجْتمعَ إِلَيْهِ من حضر من أوليائه وَغدا على فاس الْجَدِيد وَطَاف بهَا يروم اقتحامها فامتنعت عَلَيْهِ ثمَّ اضْطربَ مُعَسْكَره بكدية العرائس لحصارها ونادى فِي النَّاس بالاجتماع إِلَيْهِ وَلما كَانَ وَقت الهاجرة دخل فسطاطة للقيلولة فتسايل النَّاس عَنهُ إِلَى فاس الْجَدِيد فوجا بعد فَوْج بمرأى مِنْهُ إِلَى أَن انفض عَنهُ خاصته وَأَهله مَجْلِسه فَطلب النَّجَاء بِنَفسِهِ وَركب فِي لمة من الفرسان وَفِيهِمْ وزيراه سُلَيْمَان بن دَاوُد ومسعود بن عبد الرَّحْمَن بن ماساي ومقدم الموَالِي والجند بِبَابِهِ سُلَيْمَان بن ونصار وَأذن لِابْنِ مَرْزُوق فِي الدُّخُول إِلَى دَاره وَمضى هُوَ على وَجهه فِيمَن مَعَه وَلما غشيهم اللَّيْل انْفَضُّوا عَنهُ حَتَّى بَقِي وَحده وَرجع الوزيران إِلَى دَار الْملك فتقبض عَلَيْهِمَا رَئِيس الثورة عمر بن عبد الله الفودودي ومشاركه فِيهَا غرسية بن أنطول النَّصْرَانِي واعتقلاهما مُتَفَرّقين وَبعث عمر بن عبد الله الطّلب فِي أثر السُّلْطَان أبي سَالم فعثروا عَلَيْهِ نَائِما من الْغَد فِي بعض المجاشر بوادي ورغة وَقد غير لِبَاسه اختفاء بشخصه وتواريا عَن الْعُيُون بمكانه فتقبضوا عَلَيْهِ وَحَمَلُوهُ على بغل وطيروا بالْخبر إِلَى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شُعَيْب بن مَيْمُون بن دَاوُد وَفتح الله بن عَامر بن فتح الله
السدراتي وَأَمرهمَا بقتْله وإنفاذ رَأسه فلقياه بخندق الْقصب إزاء كدية العرائس فأمرا بعض جند النَّصَارَى أَن يتَوَلَّى ذبحه فَفعل وحملوا رَأسه فِي مخلاة ووضعوه بَين يَدي الْوَزير الثائر ومشيخته وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن بالقلة خَارج بَاب الجيسة بِأَعْلَى جبل الْعرض الْمَعْرُوف بجبل الزَّعْفَرَان
قَالَ ابْن الْخَطِيب فِي الْإِحَاطَة كَانَ السُّلْطَان أَبُو سَالم رحمه الله بَقِيَّة الْبَيْت وَآخر الْقَوْم دماثه وحياء وبعدا عَن الشرور وركونا للعافية قَالَ وأنشدت على قَبره الَّذِي ووريت بِهِ جثته قصيدة أدّيت فِيهَا بعض حَقه
(بنى الدُّنْيَا بني لمع السراب
…
لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب)
وَمن أَعْيَان وزرائه أَبُو عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَرْزُوق العجيسي الْخَطِيب الْمَشْهُور الَّذِي مر ذكره آنِفا
وَمن قُضَاة عسكره أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن يحيى الأندلسي الْبُرْجِي
وَمن أَعْيَان كِتَابه الرئيس أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون صَاحب التَّارِيخ
وَأَبُو الْقَاسِم عبد الله بن يُوسُف بن رضوَان النجاري من أهل مالقة صَاحب كتاب السياسة وَغَيره وَمِمَّا نظمه هَذَا الْفَاضِل عَن إِذن السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله ليكتب فِي طرة قبَّة رياض الغزلان من حَضرته قَوْله
(هَذَا مَحل المنى بالأمن مغمور
…
من حلّه فَهُوَ بالأمان محبور)
(مأوى النَّعيم بِهِ مَا شِئْت من ترف
…
تهوى محاسنه الْولدَان والحور)
(ويطلع الرَّوْض مِنْهُ مصنعا عجبا
…
يضاحك النُّور من لألائه النُّور)
(ويسطع الزهر من أرجائه أرجا
…
ينافح الندى نشر مِنْهُ منشور)
(مغنى السرُور سقَاهُ الله مَا حملت
…
غر الْغَمَام وحلته الأزاهير)
(انْظُر إِلَى الرَّوْض تنظر كل معجبة
…
مِمَّا ارْتَضَاهُ لرأي الْعين تحبير)
(مر النسيم بِهِ يَبْغِي القرا فقرا
…
دَرَاهِم النُّور تبديد وتنثير)
(وهامت الشَّمْس فِي حسن الظلال بِهِ
…
ففرقت فَوْقه مِنْهَا دَنَانِير)
(كَأَنَّمَا الطير فِي أفنائها صدحت
…
بشكر مَالِكهَا وَالْفضل مشكور)
(والدوح ناعمة تهتز من طرب
…
همسا وَصَوت غناء الطير مجهور)
(وَالنّهر شقّ بِسَاط الأَرْض تحسبه
…
سَيْفا وَلكنه فِي السّلم مَشْهُور)
(ينساب للجنة الخضراء أزرقه
…
كالأيم جد انسياب وَهُوَ مذعور)
(هذي مصانع مَوْلَانَا الَّتِي جمعت
…
شَمل السرُور وَأمر السعد مَأْمُور)
(وَهَذِه الْقبَّة الغراء مَا نظرت
…
لشكلها الْعين إِلَّا عز تنظير)
(وَلَا يصورها فِي الْفَهم ذُو فكر
…
إِلَّا وَمِنْه لكل الْحسن تَصْوِير)
(وَلَا يرام بحصر وصف مَا جمعت
…
من المحاسن إِلَّا صد تَقْصِير)
(فِيهَا المقاصير تحميها مهابته
…
لله مَا جمعت تِلْكَ المقاصير)
(كَأَنَّهَا الْأُفق تبدو النيرات بِهِ
…
ويستقيم بهَا فِي السعد تسيير)
(وينشأ المزن فِي أرجائه وَله
…
من عنبر الشحر إنْشَاء وتسخير)
(وينهمي الْقطر مِنْهُ وَهُوَ منسكب
…
مَاء من الْورْد يذكو مِنْهُ تعطير)
(وتخفق الرّيح مِنْهُ وَهِي ناسمة
…
مِمَّا أهب بِهِ مسك وكافور)
(ويشرق الصُّبْح مِنْهُ وَهُوَ من غرر
…
غر تلألأ مِنْهُنَّ الأسارير)
(وتطلع الشَّمْس فِيهِ من سنا ملك
…
تَبَسم الدَّهْر مِنْهُ وَهُوَ مسرور)
وَمضى فِي مدح السُّلْطَان وَالله تَعَالَى يتغمد الْجَمِيع برحمته بمنه وَكَرمه