المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حجابة أبي العباس القبائلي ونكبته ومقتله والسبب في ذلك - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٤

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة المرينية

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي بكر بن أبي عنان بن أبي الْحسن المريني

- ‌ظُهُور أبي حمو مُوسَى بن يُوسُف الزياني واستيلاؤه على تلمسان ونهوض مَسْعُود بن عبد الرَّحْمَن إِلَيْهِ وطرده عَنْهَا

- ‌ظُهُور مَنْصُور بن سُلَيْمَان وبيعة مَسْعُود ابْن عبد الرَّحْمَن لَهُ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المستعين بِاللَّه أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني

- ‌قدوم الْغَنِيّ بِاللَّه ابْن الْأَحْمَر ووزيره ابْن الْخَطِيب مخلوعين على السُّلْطَان أبي سَالم وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌سفر ابْن الْخَطِيب إِلَى مراكش وأعمالها وزيارته لأوليائها ورجالها وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار ابْن الْخَطِيب بسلا حرسها الله

- ‌انْتِقَاض الْحسن بن عمر الفودودي وَخُرُوجه بتادلا ثمَّ مَقْتَله عقب ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي سَالم إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌وفادة السودَان من أهل مَالِي على السُّلْطَان أبي سَالم وإغرابهم فِي هديتهم بالزرافة الْحَيَوَان الْمَعْرُوف

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي سَالم رحمه الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عمر تاشفين الموسوس ابْن أبي الْحسن المريني

- ‌الفتك بغرسية بن أنطول قَائِد النَّصَارَى ومقتل جنده مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ظُهُور عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بن أبي سعيد ومحاصرته لفاس الْجَدِيد ثمَّ فراره عَنْهَا

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي زيان مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب بن أبي الْحسن المريني

- ‌وفادة ابْن الْخَطِيب من سلا على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌وفادة ابْن مُحَمَّد الهنتاتي على السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمهمَا الله

- ‌مقتل السُّلْطَان أبي زيان بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌انْتِقَاض أبي الْفضل بن أبي سَالم ثمَّ مَقْتَله بعد ذَلِك

- ‌انْتِقَاض عَامر بن مُحَمَّد الهنتاتي وحصار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِيَّاه وظفره بِهِ

- ‌ارتجاع الجزيرة الخضراء من يَد الإسبانيول

- ‌نهوض السُّلْطَان عبد الْعَزِيز إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار سلطانها أبي حمو بن يُوسُف عَنْهَا

- ‌نزوع الْوَزير ابْن الْخَطِيب عَن سُلْطَانه الْغَنِيّ بِاللَّه إِلَى السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بتلمسان

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان السعيد بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌محنة الْوَزير ابْن الْخَطِيب ومقتله رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير مراكش عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن رحمه الله

- ‌ذكر الشاوية وَبَيَان نسبهم وأوليتهم وَشرح لقبهم وتسميتهم

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس إِلَى تلمسان وَفتحهَا وتخريبها

- ‌خلع السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم وتغريبه إِلَى الأندلس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي فَارس مُوسَى ابْن أبي عنان بن أبي الْحسن

- ‌خُرُوج الْحسن بن النَّاصِر بغمارة ونهوض الْوَزير ابْن ماساي إِلَيْهِ

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُوسَى بن أبي عنان رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمُنْتَصر بِاللَّه السُّلْطَان أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الواثق بِاللَّه أبي زيان مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم بن أبي الْحسن

- ‌ظُهُور مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم بن أبي عَليّ بسجلماسة ثمَّ اضمحلاله بعد ذَلِك

- ‌نكبة الْكَاتِب ابْن أبي عَمْرو وحركات بن حسون ومقتلهما

- ‌أَخْبَار تلمسان واستيلاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس عَلَيْهَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب مصر السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق إِلَى السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بتازا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان عبد الْعَزِيز ووفاته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي عَامر عبد الله ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم

- ‌حجابة أبي الْعَبَّاس القبائلي ونكبته ومقتله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حجابة فارح بن مهْدي وأوليته وَسيرَته

- ‌حجابة أبي مُحَمَّد الطريفي وَسيرَته

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان أبي سعيد وَالسُّلْطَان أبي فَارس الحفصي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسيتلاء البرتغال على مَدِينَة سبتة أَعَادَهَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد ابْن أبي الْعَبَّاس بن أبي سَالم المريني رحمه الله

- ‌زحف البرتغال إِلَى طنجة ورجوعهم عَنْهَا بالخيبة

- ‌أَخْبَار الوزراء والحجاب وتصرفاتهم

- ‌وزارة يحيى بن يحيى الوطاسي ومقتله ومقتل الوطاسيين مَعَه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌رياسة الْيَهُودِيين هَارُون وشاويل وَمَا نَشأ عَن استبدادهما من المحنة والفتنة

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على طنجة

- ‌مقتل السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار بني الْأَحْمَر واستيلاء الْعَدو على غرناطة وَسَائِر الأندلس مِنْهَا وانقراض كلمة الْإِسْلَام مِنْهَا

- ‌أَخْبَار البرتغال بالمغرب الْأَقْصَى على الْجُمْلَة

- ‌الْخَبَر عَن دولة الشريف أبي عبد الله الْحَفِيد وأوليته

- ‌بيعَة السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌فتْنَة الشاوية ووصولهم إِلَى بِلَاد الغرب

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على مَدِينَة آنفي وآصيلا

- ‌خلع السُّلْطَان أبي عبد الله الْحَفِيد وانقراض أمره

- ‌الْخَبَر عَن دولة بني وطاس وَذكر نسبهم وأوليتهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ بن أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي رحمه الله

- ‌رياسة بني رَاشد من شرفاء الْعَالم بغمارة وبناؤهم مَدِينَة شفشاون وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ثورة عَمْرو بن سُلَيْمَان السياف بِبِلَاد السوس وَشَيْء من أخباره

- ‌بِنَاء مَدِينَة تطاوين

- ‌قدوم أبي عبد الله بن الْأَحْمَر مخلوعا على السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمهمَا الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سَاحل البريجه وبناؤهم مَدِينَة الجديدة صانها الله سبحانه وتعالى بمنه

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على سواحل السوس وبناؤهم حصن فونتي قرب أكادير وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي الْمَعْرُوف بالبرتغالي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آسفي حرسه الله

- ‌زحف السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى آصيلا

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر آزمور حرسه الله

- ‌اسْتِيلَاء البرتغال على ثغر المعمورة حرسه الله

- ‌أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي مَعَ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الغزواني رضي الله عنه

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله البرتغالي إِلَى مراكش ومحاصرته أَبَا الْعَبَّاس الْأَعْرَج السَّعْدِيّ بهَا

- ‌ذكر وزراء السُّلْطَان أبي عبد الله وَمَا قيل فيهم

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي عبد الله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الأولى للسُّلْطَان أبي حسون بن مُحَمَّد الشَّيْخ الوطاسي

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الوطاسي رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌وقْعَة آنماي بَين الوطاسيين والسعديين

- ‌عقد الصُّلْح بَين السلطانين أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَأبي الْعَبَّاس السَّعْدِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى

- ‌غَزْوَة الْحمر قرب آصيلا حرسها الله

- ‌وقْعَة أبي عقبَة بوادي العبيد وَمَا كَانَ فِيهَا بَين الوطاسيين والسعديين من الْقِتَال الشَّديد

- ‌بِنَاء السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي قنطرة الرصيف بفاس حرسها الله

- ‌وقْعَة وَادي درنة بتادلا وَأسر الْأَمِير أبي زَكَرِيَّاء الوطاسي ومهلكه رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ على فاس وَقَبضه على بني وطاس ومهلك سلطانهم أبي الْعَبَّاس رَحمَه الله تَعَالَى بفضله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الوطاسي وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للسُّلْطَان أبي حسون الوطاسي رحمه الله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا ومقتل السُّلْطَان أبي حسون رحمه الله

الفصل: ‌حجابة أبي العباس القبائلي ونكبته ومقتله والسبب في ذلك

‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم

هَذَا السُّلْطَان هُوَ ثَالِث الْإِخْوَة الأشقاء من بني أبي الْعَبَّاس الَّذين ولوا الْأَمر من بعد وَلَاء أمه الْجَوَاهِر أم أَخَوَيْهِ قبله بُويِعَ بعد صَلَاة الْعَصْر لَهُ من يَوْم الثُّلَاثَاء الموفي ثَلَاثِينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَانمِائَة وسنه يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة وَكَانَ النَّقْض والإبرام وَسَائِر التَّصَرُّفَات فِي دولته للوزراء والحجاب وَالسُّلْطَان متفرغ لِاسْتِيفَاء لذاته وَمن أكبر حجابه أَبُو الْعَبَّاس القبائلي الَّذِي نذْكر خَبره الْآن

‌حجابة أبي الْعَبَّاس القبائلي ونكبته ومقتله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

بَيت بني القبائلي بَيت مَشْهُور فِي الوزارة والحجابة وَالْكِتَابَة من لدن الدولة الموحدية بمراكش إِلَى هَذَا التَّارِيخ وَكَانَ الرئيس الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ القبائلي كَاتبا مَشْهُورا وحاجبا مَذْكُورا وَكَانَ قد بذ الأقران وتصدر الْأَعْيَان وَبلغ من الجاه ونفوذ الْكَلِمَة مبلغا عَظِيما وَكَانَ يحابي بالخطط السُّلْطَانِيَّة الْأَقَارِب والأرحام لَا يعدل بهَا عَمَّن سواهُم فاضطغنت عَلَيْهِ الْقُلُوب وَكَثُرت فِيهِ السعايات إِلَى أَن نفذ أَمر الله فأوقع بِهِ السُّلْطَان أَبُو سعيد وقْعَة شنعاء كَانَ من خَبَرهَا أَنه كَانَ للحاجب الْمَذْكُور ولد اسْمه عبد الرَّحْمَن وَكَانَ من فضلاء وقته وَكَانَ لعبد الرَّحْمَن هَذَا ولد اسْمه عَليّ وَكَانَ من نجباء الْأَبْنَاء فَكَانَ لجده أبي الْعَبَّاس لذَلِك ميل إِلَيْهِ ومحبة وافتتان بِهِ فاتفق أَن مرض هَذَا الحافد ذَات يَوْم فَنزل جده أَبُو الْعَبَّاس من الحضرة بفاس الْجَدِيد لعيادته بدار وَلَده عبد الرَّحْمَن من عدوة الْقرَوِيين من فاس الْقَدِيم

ص: 86

وَكَانَت الدَّار بزنقة الجيلة من الطالعة فَبَاتَ الشَّيْخ عِنْد حافده تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ مُنْذُ ولي خطة الحجابة لم يغب عَن دَار الْملك لَيْلَة وَاحِدَة بل كَانَ يَأْخُذ فِي ذَلِك بالحزم بِحَيْثُ يسد أَبْوَاب الحضرة ويفتحها ويباشر سَائِر الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة بِنَفسِهِ فَلَمَّا أَرَادَ الله إِنْفَاذ قدره غطى على عقله وبصره فتساهل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَبعث وَلَده أَبَا الْقَاسِم ليقوم مقَامه فِي غلق الْأَبْوَاب وَفتحهَا مَعَ صَاحب السقيف ومساهمه فِي الْقيام بالأمور السُّلْطَانِيَّة أبي مُحَمَّد عبد الله الطريفي الْآتِي ذكره فغلقا الْأَبْوَاب على الْعَادة وَلما كَانَ الصَّباح من الْغَد تقدم الْوَلَد أَبُو الْقَاسِم لأخذ المفاتيح من دَار الْخلَافَة فأخرجت إِلَيْهِ وَتَوَلَّى فتح الْأَبْوَاب وَحده دون أَن يحضر الطريفي المشارك لَهُ فِي ولَايَة السقيف فَلَمَّا جَاءَ أَبُو مُحَمَّد الْمَذْكُور وَرَأى الْأَبْوَاب مفتحة بِدُونِ حُضُوره أَخذه من ذَلِك مَا قدم وَمَا حدث وأسرها فِي نَفسه حَتَّى إِذا كَانَ الْمسَاء وَحضر الْوَقْت الْمَعْهُود لغلق الْأَبْوَاب طلع للحضرة ولد آخر من ولد الْحَاجِب القبائلي يعرف بِأبي سعيد فبادر أَبُو مُحَمَّد فسد الْأَبْوَاب فِي وَجهه قبل أَن يصل إِلَيْهِ وَأمْسك المفاتيح عِنْده واستبد بهَا فَطلب مِنْهُ أَبُو سعيد أَن يفتح لَهُ الْبَاب فتجهمه وَامْتنع وَكَأَنَّهُ أَمر دبر بلَيْل ثمَّ تقدم الْقَائِد أَبُو مُحَمَّد الْمَذْكُور إِلَى السُّلْطَان أبي سعيد فَأعلمهُ بِمَا اتّفق لَهُ مَعَ أَوْلَاد الْحَاجِب فأوعز إِلَيْهِ السُّلْطَان أَن لَا يفتح الْبَاب بعد غلقه إِلَّا وَقت فَتحه الْمُعْتَاد وَزَاد فِي الْوَصِيَّة بِأَن لَا يفتح وَلَا يغلق إِلَّا بِمحضر السعيد ابْن السُّلْطَان أبي عَامر رحمه الله وَلما رَجَعَ أَبُو سعيد إِلَى وَالِده بعدوة الْقرَوِيين من فاس أعلمهُ بِمَا اتّفق لَهُ مَعَ الْقَائِد الطريفي فَامْتَلَأَ غيظا وَقَامَت قِيَامَته وَكَانَت فِيهِ دَالَّة على السُّلْطَان فَتخلف عَن الْحُضُور وَلم يذكر مَا قالته الْحُكَمَاء إِذا عاديت من يملك فَلَا تلمه إِنَّه يهلكك ثمَّ استعطفه السُّلْطَان فَأبى أَن يعْطف ثمَّ بعث إِلَيْهِ بِبَرَاءَة بِخَطِّهِ ليزيل مَا بصدره من الموجدة فَكتب الْحَاجِب جوابها وَأقسم أَن لَا يطَأ بساطا فِيهِ فارح بن مهْدي العلج وَكَانَ فارح هَذَا بِعَين التجلة من السُّلْطَان فَلَمَّا وقف السُّلْطَان أَبُو سعيد على جَوَاب الْحَاجِب حمى أَنفه وأظلمت الدُّنْيَا فِي عَيْنَيْهِ وَأمر بالإيقاع بالحاجب فِي الْحِين فذبح هُوَ وَولده عبد الرَّحْمَن يَوْم الْخَمِيس الموفي ثَلَاثِينَ

ص: 87

من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ عبد الرَّحْمَن هَذَا فَاضلا شَاعِرًا فَمن شعره فِي الْغَزل قَوْله

(اتسمع فِي الْهوى قَول اللواحي

وَقد أَبْصرت خشف بني ريَاح)

(غزال خلف الصب المعني

من الوجد المبرح غير صَاح)

(وَقد قتلت وَلَا إِثْم عَلَيْهَا

مراض جفونه كل الصِّحَاح)

(يَقُول ولحظه بِالْعقلِ يزري

علام تطيل وصفي وامتداحي)

(فَقلت فنون سحر فِيك راقت

قَضَت للقلب بالعشق الصراح)

(جبينك والمقلد والثنايا

صباح فِي صباح فِي صباح)

وَبَقِي الحافد أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور مُرَتبا فِي جملَة الْكتاب وَكَانَ فَاضلا شَاعِرًا أَيْضا وَلما مرض السُّلْطَان أَبُو سعيد فِي شعْبَان سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَصَحَّ من مَرضه وهنأته الشُّعَرَاء بقصائد كَثِيرَة فَكَانَ من جُمْلَتهمْ أَبُو الْحسن الْمَذْكُور فَقَالَ

(هَنِيئًا لنا وَلكُل الْأَنَام

براحة فَخر الْمُلُوك الْهمام)

(إِمَام أَقَامَ رسوم الْعلَا

وَحل من الْمجد أَعلَى السنام)

(بِهِ قرت الْعين لما بدا

صَحِيحا وَمَا إِن بِهِ من سقام)

(وَهل هُوَ إِلَّا كبدر الدجا

يواري قَلِيلا وَرَاء الْغَمَام)

(وَيظْهر طورا فيجلو بِهِ

عَن النَّاس يَا صَاح ساجي الظلام)

(أَو اللَّيْث يعكف فِي غيله

فتحذر مِنْهُ السباح اهتجام)

(أمولاي عُثْمَان بَحر الندى

ومردي العداة ونجل الْكِرَام)

(لقد رفع الله مقداركم

فنفسي الْفِدَاء لكم من إِمَام)

(أمولاي عَبدك قد ضره

أفول رضاكم وَبعد المرام)

(وأضحى كئيبا لإبعادكم

مشوقا لتقبيل ذَاك الْمقَام)

(فَكُن راحما يَا إِمَام الورى

عطوفا بمملوكك المستهام)

(لَعَلَّ الَّذِي ناله يَنْقَضِي

وتشمل مِنْك هبات جسام)

(فأيدك الله بالنصر مَا

ترنم فَوق الغصون حمام)

ص: 88