الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقتل السُّلْطَان عبد الْحق بن أبي سعيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك
ثمَّ إِن الْيَهُودِيّ عمد إِلَى امْرَأَة شريفة من أهل حومة البليدة فَقبض عَلَيْهَا والبليدة حومة بفاس قَالُوا وَكَانَت بدار الكومى قرب درب جنيارة فأنحى عَلَيْهَا بِالضَّرْبِ وَلما ألهبتها السِّيَاط جعلت تتوسل برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فحمى الْيَهُودِيّ وَكَاد يتَمَيَّز غيظا من سَماع ذكر الرَّسُول وَأمره بالإبلاغ فِي عقابها وَسمع النَّاس ذَلِك فأعظموه وتمشت رجالات فاس بَعضهم إِلَى بعض فَاجْتمعُوا عِنْد خطيب الْقرَوِيين الْفَقِيه أبي فَارس عبد الْعَزِيز بن مُوسَى الورياكلي وَكَانَت لَهُ صلابة فِي الْحق وجلادة عَلَيْهِ بِحَيْثُ يلقِي نَفسه فِي العظائم وَلَا يُبَالِي وَقَالُوا لَهُ أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ من الذلة وَالصغَار وتحكم الْيَهُود فِي الْمُسلمين والعبث بهم حَتَّى بلغ حَالهم إِلَى مَا سَمِعت فنجع كَلَامهم فِيهِ وللحين أغراهم بِالْفَتْكِ باليهود وخلع طَاعَة السُّلْطَان عبد الْحق وبيعة الشريف أبي عبد الله الْحَفِيد فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك واستدعوا الشريف الْمَذْكُور فَبَايعُوهُ والتفت عَلَيْهِ خاصتهم وعامتهم وَتَوَلَّى كبر ذَلِك أهل حومة القلقليين مِنْهُم ثمَّ تقدم الورياكلي بهم إِلَى فاس الْجَدِيد فصمدوا إِلَى حارة الْيَهُود فَقَتَلُوهُمْ واستلبوهم واصطلموا نعمتهم واقتسموا أَمْوَالهم وَكَانَ السُّلْطَان عبد الْحق يَوْمئِذٍ غَائِبا فِي حَرَكَة لَهُ بِبَعْض النواحي قَالَ فِي نشر المثاني خرج السُّلْطَان عبد الْحق بجيشه إِلَى جِهَة الْقَبَائِل الهبطية وَترك الْيَهُودِيّ يقبض من أهل فاس المغارم فَشد عَلَيْهِم حَتَّى قبض على امْرَأَة شريفة وأوجعها ضربا وَحكى مَا تقدم فاتصل ببعد الْحق الْخَبَر وانفض مسرعا إِلَى فاس واضطرب عَلَيْهِ أَمر الْجند ففسدت نياتهم وتنكرت وُجُوههم وَصَارَ فِي كل منزلَة تنفض عَنهُ طَائِفَة مِنْهُم فأيقن عبد الْحق بالنكبة وعاين أَسبَاب الْمنية وَلما قرب من فاس اسْتَشَارَ هَارُون الْيَهُودِيّ فِيمَا نزل بِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيّ لَهُ لَا تقدم على فاس لغليان قدر الْفِتْنَة بهَا وَإِنَّمَا يكون قدومنا على مكناسة الزَّيْتُون لِأَنَّهَا بلدنا
وَبهَا قوادنا وشيعتنا وَحِينَئِذٍ يظْهر لنا مَا يكون فَمَا استتم الْيَهُودِيّ كَلَامه حَتَّى انتظمه بِالرُّمْحِ رجل من بني مرين يُقَال لَهُ تيان وَعبد الْحق ينظر وَقَالَ وَمَا زلنا فِي تحكم الْيَهُود وَاتِّبَاع رَأْيهمْ وَالْعَمَل بإشارتهم ثمَّ تعاورته الرماح من كل جَانب وخر صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ والفم ثمَّ قَالُوا للسُّلْطَان عبد الْحق تقدم أمامنا إِلَى فاس فَلَيْسَ لَك الْيَوْم اخْتِيَار فِي نَفسك فَأسلم نَفسه وانتهبت محلته وفيئت أَمْوَاله وحلت بِهِ الإهانة وَجَاءُوا بِهِ إِلَى أَن بلغُوا عين القوادس خَارج فاس الْجَدِيد فاتصل الْخَبَر بِأَهْل فاس وسلطانهم الْحَفِيد فَخرج إِلَى عبد الْحق وأركبه على بغل بالبردعة وانتزع مِنْهُ خَاتم الْملك وَأدْخلهُ الْبَلَد فِي يَوْم مشهود حَضَره جمع كَبِير من أهل الْمغرب وَأَجْمعُوا على ذمه وشكروا الله على أَخذه ثمَّ جنب إِلَى مصرعه فَضربت عُنُقه صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بِبَعْض مَسَاجِد الْبَلَد الْجَدِيد ثمَّ أخرج بعد سنة وَنقل إِلَى الْقلَّة فَدفن بهَا وانقرضت بمهلكه دولة بني عبد الْحق من الْمغرب والبقاء لله وَحده
وَنقل الثِّقَات أَن الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد زَرُّوق رحمه الله كَانَ قد ترك الصَّلَاة خلف الْفَقِيه أبي فَارس الورياكلي لما صدر مِنْهُ فِي حق السُّلْطَان عبد الْحق وَكَانَ يَقُول لَا آمن الغندور على صَلَاتي يعِيبهُ بذلك والغندور فِي لِسَان المغاربة ذُو النخوة والإباية وَمَا أشبه ذَلِك وَالله يتغمدنا وَالْمُسْلِمين برحمته آمين
ولنذكر مَا كَانَ فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث فَنَقُول
فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة توفّي الشَّيْخ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن صَالح المكودي عَالم فاس وأديبها ونحويها صَاحب الْمَقْصُورَة وَشرح
الْخُلَاصَة وَغير ذَلِك من التآليف قيل هُوَ آخر من درس كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي النَّحْو بفاس
وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة توفّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر ابْن الْفتُوح التلمساني ثمَّ المكناسي يُقَال إِن سَبَب انْتِقَاله من تلمسان أَنه كَانَ شَابًّا حسن الصُّورَة جميل الشارة فمرت بِهِ امْرَأَة جميلَة فَجعل ينظر إِلَيْهَا من طرف خَفِي فَقَالَت اتَّقِ الله يَا ابْن الْفتُوح يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور فتأثر لقولها واتعظ وَتَابَ إِلَى الله تَعَالَى وَجعل من تَمام تَوْبَته أَن يُهَاجر من الأَرْض الَّتِي قارف الذَّنب فِيهَا فارتحل إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وانتفع النَّاس بِهِ ثمَّ انْتقل بعْدهَا إِلَى مكناسة فَتوفي بهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة قَالُوا وَهُوَ أول من أَدخل مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل مَدِينَة فاس وَالْمغْرب
وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة كَانَ الوباء الْعَظِيم بالمغرب هلك فِيهِ جمع من كبار الْعلمَاء والأعيان وَيُسمى هَذَا الوباء عِنْد أهل فاس بوباء عزونة
وَفِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله العبدوسي مفتي فاس وعالمها الْكَبِير ومحدثها الشهير وَكَانَ من أهل الصّلاح وَالْخَيْر والإيثار
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة مِنْهَا توفّي إِمَام الْجَمَاعَة بفاس الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم الأندلسي الأَصْل الْمَعْرُوف بالقوري وَدفن بِبَاب الْحَمْرَاء مِنْهَا
وَفِي سنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة فِي أَوَاخِر صفر مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه المحق أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد البرنسي الشهير بزروق وَكَانَت وَفَاته بمسراته من أَعمال طرابلس وَالله أعلم