الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
//
اسيتلاء البرتغال على مَدِينَة سبتة أَعَادَهَا الله
كَانَ جنس البرتغال وَهُوَ البردقيز فِي هَذِه السنين قد كثر بعد الْقلَّة واعتز بعد الذلة وَظهر بعد الخمول وانتعش بعد الذبول فانتشر فِي الأقطار وسما إِلَى تملك الْأَمْصَار فَانْتهى إِلَى أَطْرَاف السودَان بل وأطراف الصين على مَا قيل وألح على سواحل الْمغرب الْأَقْصَى فاستولى فِي سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة على مَدِينَة سبتة أَعَادَهَا الله بعد محاصرته لَهَا حصارا طَويلا وسلطان الْمغرب يَوْمئِذٍ أَبُو سعيد بن أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة وسلطان البرتغال يَوْمئِذٍ خوان الأول
وَذكر منويل فِي تَارِيخه أَن سُلْطَان الْمغرب يَوْمئِذٍ عبد الله بن أَحْمد أَخُو أبي سعيد الْمَذْكُور وَسَيَأْتِي كَلَامه بِتَمَامِهِ
وَذكر صَاحب نشر المثاني فِي كَيْفيَّة اسْتِيلَاء البرتغال على سبتة قصَّة تشبه قصَّة قصير مَعَ الزباء قَالَ رَأَيْت بِخَط من يظنّ بِهِ التثبت والصدق أَن النَّصَارَى جاؤوا بصناديق مقفلة يوهمون أَن بهَا سلعا وأنزلوها بالمرسى كعادة المعاهدين وَذَلِكَ صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة من بعض شهور سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَت تِلْكَ الصناديق مَمْلُوءَة رجَالًا عَددهمْ أَرْبَعَة آلَاف من الشَّبَاب الْمُقَاتلَة فَخَرجُوا على حِين غَفلَة من الْمُسلمين واستولوا على الْبَلَد وَجَاء أَهله إِلَى سُلْطَان فاس مستصرخين لَهُ وَعَلَيْهِم المسوح وَالشعر والوبر وَالنعال السود رجَالًا وَنسَاء وولدانا فأنزلهم بملاح الْمُسلمين ثمَّ ردهم إِلَى الفحص قرب بِلَادهمْ لعَجزه عَن نصرتهم حَتَّى تفَرقُوا فِي الْبِلَاد وَالْأَمر لله وَحده قَالَ وَسمعت من بَعضهم أَن الَّذِي جرأ النَّصَارَى على ارْتِكَاب تِلْكَ المكيدة هُوَ أَنهم كَانُوا قد قاطعوا أَمِير سبتة على أَن يُفَوض إِلَيْهِم التَّصَرُّف فِي المرسى والاستبداد بغلتها ويبذلوا لَهُ خراجا مَعْلُوما فِي كل سنة فَكَانَ حكم المرسى حِينَئِذٍ لَهُم دون الْمُسلمين وَلَو كَانَ الْمُسلمُونَ هم الَّذين يلون حكم المرسى مَا تركوهم ينزلون ذَلِك الْعدَد من الصناديق مقفلة لَا يعلمُونَ مَا فِيهَا وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر
وَلما استولى البرتغال على سبتة اعتنى بهَا وحصنها واستمرت فِي ملكتهم مُدَّة تزيد على مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة ثمَّ ملكهَا مِنْهُم طاغية الإصبنيول فِي سَبِيل مهادنة وشروط انْعَقَدت بَينهم بمدنية أشبونة فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَألف وأخبار السُّلْطَان أبي سعيد كَثِيرَة وَقد أرخ دولته وَسيرَته الْكَاتِب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن أَحْمد التاورتي رحمه الله وَتُوفِّي السُّلْطَان الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَولي الْأَمر من بعده ابْنه عبد الْحق الْأَخير كَذَا ذكره فِي جذوة الاقتباس وَقد ذكر منويل فِي أَمر أبي سعيد ووفاته مَا يُخَالف هَذَا قَالَ لما كَانَت دولة السُّلْطَان أبي سعيد المريني كَانَ الْمُسلمُونَ أهل جبل طَارق قد سئموا ملكة ابْن الْأَحْمَر صَاحب غرناطة وتحققوا بِأَن المريني أقوى مِنْهُ شَوْكَة وأقدر على تخليصهم مِمَّا عَسى أَن ينالهم بِهِ الإصبنيول من حِصَار وَنَحْوه فبعثوه إِلَيْهِ يخطبون ولَايَته ويعرضون عَلَيْهِ الدُّخُول فِي طَاعَته إِن هُوَ أمدهم بِمَا يدْفَعُونَ بِهِ فِي نحر ابْن الْأَحْمَر فأعجب أَبَا سعيد ذَلِك وللحين بعث إِلَيْهِم أَخَاهُ عبد الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بسيدي عبو وَمَعَهُ طَائِفَة من الْجَيْش إمدادا لَهُم وَكَانَ قصد أبي سعيد ببعث أَخِيه عبد الله الْحُصُول على إِحْدَى الفائدتين أما فتح جبل طَارق إِن كَانَ الظُّهُور لَهُ أَو الاسْتِرَاحَة مِنْهُ إِن كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يشوش عَلَيْهِ فجَاء الْأَخ الْمَذْكُور حَتَّى نزل بِإِزَاءِ جبل طَارق فَفتح أهل الْبَلَد الْبَاب وأدخلوه وأدخلوا جنده وتحصن قَائِد الغرناطي وَعَسْكَره بقلعة الْجَبَل وطير الْأَعْلَام بذلك إِلَى صَاحبه فَبعث إِلَيْهِ جَيْشًا قويت بِهِ نَفسه فَنزل من القلعة وانضم إِلَيْهِ مدده وقاتلوا جَيش المريني فهزموه وقبضوا على عبد الله بِالْيَدِ وعَلى جمَاعَة من أَصْحَابه وبعثوا بهم أسرى إِلَى صَاحب غرناطة فَعمد صَاحب غرناطة إِلَى عبد الله وأنزله فِي مَحل مُعْتَبر وَأحسن إِلَيْهِ فَتخلف ظن السُّلْطَان أبي سعيد فِيمَا كَانَ يحب لِأَخِيهِ من التّلف وغاظه فعل ابْن الْأَحْمَر مَعَه من الْإِحْسَان والإبقاء عَلَيْهِ ثمَّ أَن أَبَا سعيد دبر حِيلَة بِأَن بعث من قبله رجلا إِلَى أَخِيه ليسقيه السم ويستريح
مِنْهُ مَعَ أَن غوغاء أهل الْمغرب وقبائله المنحرفة عَن السُّلْطَان كَانُوا قد تشوقوا لقدومه عَلَيْهِم وقيامهم مَعَه فبطلت حِيلَة أبي سعيد فِي السم وَلم يحصل على طائل ثمَّ إِن ابْن الْأَحْمَر اتّفق مَعَ عبد الله على أَن يمده بالعسكر وَالْمَال ويسرحه إِلَى الْمغرب ليستولي على ملكه وَيَأْخُذ لَهُ بالثأر من أَخِيه فَقبل عبد الله ذَلِك وأمده ابْن الْأَحْمَر وسرحه إِلَى الْمغرب فَلَمَّا احتل بِهِ تبعه عدد وافر من قبائله الَّذين كَانُوا مستثقلين لوطأة أبي سعيد فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَبُو سعيد فَكَانَت الكرة عَلَيْهِ وَرجع مفلولا فِي يسير من الْجند إِلَى فاس فتقبض عَلَيْهِ أَهلهَا وسجنوه وأعلنوا بنصر أَخِيه عبد الله وفتحوا الْبَاب فَدخل الحضرة وَاسْتولى عَلَيْهَا وَتمّ أمره وسجن أَخَاهُ أَبَا سعيد إِلَى أَن مَاتَ قَالَ وَلما اسْتَقل عبد الله بِأَمْر الْمغرب كُله هدأت الرّعية واستقامت الْأَحْوَال إِلَّا أَنه تكدر عيشه بذهاب سبتة الَّتِي استولى عَلَيْهَا طاغية البرتغال خوان الأول بعد مَا حاصرها أَشد الْحصار وَكَانَ ذَلِك على السُّلْطَان من أعظم النحوس وتكدر الْمُسلمُونَ غَايَة لفَوَات هَذِه الْمَدِينَة الْعَظِيمَة مِنْهُم ثمَّ ثَارُوا على السُّلْطَان عبد الله واعتورته رماحهم حَتَّى فاظ وَلما قتل تنَازع الْملك بعده اثْنَان من اخوته وَبعد قتال شَدِيد وَلم ينتصف أحد مِنْهُمَا من صَاحبه اتّفق أهل الْحل وَالْعقد على أَن يولوا عبد الْحق بن أبي سعيد اه كَلَام منويل وَهَذَا السُّلْطَان عبد الله الَّذِي زَاده منويل بَين أبي سعيد وَعبد الْحق لم يذكرهُ صَاحب جذوة الاقتباس وَيبعد أَن يكون هَذَا الْخَبَر الَّذِي سَاقه منويل لَا أصل لَهُ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر
وَمن جملَة حجاب السُّلْطَان أبي سعيد الرئيس أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أَحْمد الملياني قَالَ فِي الجذوة أَصله من زرهون وَتَوَلَّى حجابة السُّلْطَان الْمَذْكُور قَالَ فغدر مَوْلَاهُ ومخدومه وهتك ستره وَخرب دَاره وعبث بحريمه وَقتل أَوْلَاده وإخوانه وَرفع الأذناب وَحط الرؤساء وَكَانَ فَسَاد الْمغرب على يَده وَقد ذكره التاورتي فَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ فِي الجذوة