الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَبْعمائة وَكَانَ الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن عِنْدَمَا أشرفوا على فتح فاس شَرط عَلَيْهِم ولَايَة مراكش عوضا عَن سجلماسة فعقدوا لَهُ على كره مَخَافَة أَن تفترق كلمتهم وَلَا يتم أَمرهم فَفَعَلُوا وطووا لَهُ على النكث فارتحل إِلَى مراكش وَاسْتولى عَلَيْهَا ثمَّ فَارقه وزيره مَسْعُود بن عبد الرَّحْمَن وَأَجَازَ الْبَحْر إِلَى الأندلس فاستقر بهَا فِي إيالة ابْن الْأَحْمَر
واستقل السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس بن أبي سَالم بِملك فاس وأعمالها واستوزر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الكاس وفوض إِلَيْهِ أُمُوره فغلب على هَوَاهُ وَجعل أَمر الشورى إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد فاستقل بهَا وَحَازَ رياسة المشيخة واستحكمت الْمَوَدَّة بَينه وَبَين ابْن الْأَحْمَر وَجعلُوا إِ ليه الْمرجع فِي نقضهم وإبرامهم فَصَارَ لَهُ بذلك تحكم فِي الدولة المرينية وَأصْبح الْمغرب كَأَنَّهُ من بعض أَعمال الأندلس وَذَلِكَ بِمَا كَانَ لِابْنِ الْأَحْمَر من إِعَانَة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس على ملك الْمغرب حَتَّى تمّ لَهُ وَبِمَا كَانَ تَحت يَده من أَبنَاء الْمُلُوك المرشحين لِلْأَمْرِ فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس وحاشيته يصانعونه لأجل ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم
محنة الْوَزير ابْن الْخَطِيب ومقتله رحمه الله
لما لَجأ ابْن الْخَطِيب إِلَى بني مرين وَأصَاب عِنْدهم دَارا وقرارا عز ذَلِك على ابْن الْأَحْمَر وسعى بطانته عِنْده فِي ابْن الْخَطِيب لعداوتهم لَهُ ثمَّ بلغه أَنه يغري السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بتملك أَرض الأندلس وَقطع دَعْوَة بني الْأَحْمَر مِنْهَا فَعظم عَلَيْهِ ذَلِك ودبر الْحِيلَة فِي قتل ابْن الْخَطِيب وتتبع أعداؤه كَلِمَات زَعَمُوا أَنَّهَا صدرت مِنْهُ فِي بعض تآليفه فأحصوها عَلَيْهِ ورفعوها إِلَى قَاضِي غرناطة أبي الْحسن النباهي فاسترعاها وسجل عَلَيْهِ بالزندقة وَبعث ابْن الْأَحْمَر برسم الشَّهَادَة مَعَ هَدِيَّة لم يسمع بِمِثْلِهَا إِلَى السُّلْطَان عبد الْعَزِيز وَطلب مِنْهُ إِقَامَة الْحَد على ابْن الْخَطِيب أَو إِ سَلَامه إِلَيْهِ فَصم السُّلْطَان عبد الْعَزِيز عَن ذَلِك وأنف لذمته أَن تخفر ولجواره أَن يُؤْذى وَقَالَ للوفد هلا
انتقمتم مِنْهُ وَهُوَ عنْدكُمْ وَأَنْتُم عالمون بِمَا كَانَ عَلَيْهِ وَأما أَنا فَلَا يخلص إِلَيْهِ بذلك أحد مَا كَانَ فِي جواري ثمَّ وفر الجراية والإقطاع لَهُ ولبنيه وَلمن جَاءَ من فرسَان الأندلس فِي جملَته
ثمَّ لما مَاتَ السُّلْطَان عبد الْعَزِيز رحمه الله وَولي ابْنه أَبُو زيان وَقَامَ بأَمْره الْوَزير أَبُو بكر ابْن غَازِي عاود ابْن الْأَحْمَر الْكَلَام فِي شَأْن ابْن الْخَطِيب وَبعث بهدية أُخْرَى إِلَى الْوَزير الْمَذْكُور وَطلب مِنْهُ إِسْلَامه إِلَيْهِ فَأبى الْوَزير وأساء الرَّد وعادت رسل ابْن الْأَحْمَر إِلَيْهِ مخفقين وَقد رهبوا سطوته فَعِنْدَ ذَلِك عمد ابْن الْأَحْمَر إِلَى الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن وَكَانَ عِنْده بالأندلس فأطمعه فِي ملك الْمغرب وأركبه الْبَحْر فقذف بِهِ بساحل بطوية من بِلَاد الرِّيف تشغيبا على الْوَزير أبي بكر بن غَازِي كَمَا مر ثمَّ ثاب لَهُ رَأْي آخر فأغرى مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الكاس وَهُوَ ابْن عَم أبي بكر بن غَازِي الْمَذْكُور وَكَانَ يَوْمئِذٍ بسبتة قَائِما على ثغرها فداخله فِي الْبيعَة لأبي الْعَبَّاس ابْن أبي سَالم وَكَانَ يَوْمئِذٍ بسبتة محتاطا عَلَيْهِ فِي جملَة من الْقَرَابَة وَالْتزم أَن يمده بِالْمَالِ وَالرِّجَال حَتَّى يتم أمره لَكِن بِشَرْط أَن ينزل لَهُ عَن جبل طَارق وَيبْعَث لَهُ بِالْقَرَابَةِ الَّذين هم بطنجة ليكونوا تَحت يَده وَيسلم إِلَيْهِ ابْن الْخَطِيب مَتى قدر عَلَيْهِ فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن السُّلْطَان أَبَا الْعَبَّاس لما استولى على الْأَمر نزل لِابْنِ الْأَحْمَر عَن جبل طَارق فمحا دَعْوَة بني مرين من وَرَاء الْبَحْر ثمَّ ملك بعد ذَلِك سبتة فاستولى عَلَيْهَا وَبعث إِلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ الْمَذْكُورين فأوسع لَهُم جنابه بغرناطة ثمَّ قبض السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس ووزيره مُحَمَّد بن عُثْمَان على ابْن الْخَطِيب وطيروا بالأعلام لِابْنِ الْأَحْمَر فَحِينَئِذٍ بعث وزيره أَبَا عبد الله بن زمرك وَكَانَ من تلاميذه ابْن الْخَطِيب وَبِه تخرج فَقدم على السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس وأحضروا ابْن الْخَطِيب بالمشور فِي مجْلِس الْخَاصَّة وَأهل الشورى من الْفُقَهَاء وعرضوا عَلَيْهِ بعض كَلِمَات وَقعت لَهُ فِي بعض كتبه فَعظم عَلَيْهِ النكير فِيهَا فوبخ وَنكل وامتحن بِالْعَذَابِ بمشهد ذَلِك
الْمَلأ ثمَّ ثل إِلَى محبسه وتفاوضوا فِي قَتله بِمُقْتَضى تِلْكَ المقالات المسجلة عَلَيْهِ فَأفْتى بعض الْفُقَهَاء بقتْله فَدس سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَيْهِ بعض الأوغاد حَاشِيَته من حَاشِيَته فطرقوا السجْن لَيْلًا وَمَعَهُمْ زعانفة من أهل الأندلس جاؤوا فِي لفيف ذَلِك الْوَفْد فَقَتَلُوهُ خنقا فِي محبسه وأخرجوا شلوه من الْغَد فَدفن فِي مَقْبرَة بَاب المحروق ثمَّ أصبح من الْغَد طريحا على شافة قَبره وَقد جمعُوا لَهُ أعوادا فأضرموها عَلَيْهِ نَارا فَاحْتَرَقَ شعره واسود بشره وأعيد إِلَى حفرته وَكَانَ فِي ذَلِك انْتِهَاء محنته وَعجب النَّاس من هَذِه السفاهة الَّتِي جَاءَ بهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد واعتدوها من هنتاته وَعظم النكير فِيهَا عَلَيْهِ وعَلى قومه وَأهل دولته
وَكَانَ ابْن الْخَطِيب رحمه الله أَيَّام مقَامه بالسجن يتَوَقَّع مُصِيبَة الْمَوْت فتجيش هواتفه بالشعر يبكي نَفسه فمما قَالَ فِي ذَلِك
(بَعدنَا وَإِن جاورتنا الْبيُوت
…
وَجِئْنَا بوعظ وَنحن صموت)
(وأنفسنا سكنت دفْعَة
…
كجهر الصَّلَاة تلاه الْقُنُوت)
(وَكُنَّا عظاما فصرنا عظاما
…
وَكُنَّا نقوت فها نَحن قوت)
(وَكُنَّا شموس سَمَاء الْعلَا
…
غربنا فناحت عَلَيْهَا السموت)
(فكم جدلت ذَا الحسام الظبي
…
وَذُو البخت كم جدلته البخوت)
(وَكم سيق للقبر فِي خرقَة
…
فَتى ملئت من كَسَاه التخوت)
(فَقل للعدا ذهب ابْن الْخَطِيب
…
وَفَاتَ وَمن ذَا الَّذِي لَا يفوت)
(فَمن كَانَ يفرح مِنْكُم لَهُ
…
فَقل يفرح الْيَوْم من لَا يَمُوت)
وَكَانَت نكبته رحمه الله أَوَائِل سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَعند الله تَجْتَمِع الْخُصُوم