الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِيلَاء البرتغال على سَاحل البريجه وبناؤهم مَدِينَة الجديدة صانها الله سبحانه وتعالى بمنه
قَالَ مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ قد وقفت لبَعض البرتغاليين واسْمه لويز مَارِيَة على تأليف فِي أَخْبَار الجديدة من لدن بنوها إِلَى أَن انتزعها الْمُسلمُونَ مِنْهُم فاقتطفت مِنْهُ مَا أثْبته فِي هَذِه التَّرْجَمَة قَالَ هَذَا الْمُؤلف لما كَانَت سنة ألف وَخَمْسمِائة واثنتين مسيحية قلت ويوافقها من تَارِيخ الْهِجْرَة سنة سبع وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا بعث سُلْطَان البرتغال واسْمه منويل من دَار ملكه أشبونة عمَارَة فِي الْبَحْر للاستيلاء على بعض ثغور الْمغرب فألجأهم هيجان الْبَحْر وموجه إِلَى سَاحل البريجة فِيمَا بَين آزمور وتيط وَكَانَت البريجة على مَا يفهم من كَلَامه بِنَاء متخذا هُنَالك للحراسة وَنَحْوهَا كَانَ يُسمى برج الشَّيْخ وَلَا زَالَ مُسَمّى بِهَذَا الِاسْم إِلَى الْآن فأرسى البرتغاليون على السَّاحِل الْمَذْكُور وَنزلت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى الْبر فتطوفوا بالبريجة وَمَا حولهَا وأعجبهم الْمَكَان فعزموا على الْمقَام بِهِ وَاتفقَ رَأْيهمْ أَن يتْركُوا جمَاعَة هُنَالك يحفظون الْمحل وَيرجع باقيهم إِلَى ملكهم يستأذنوه فِيمَا عزموا عَلَيْهِ فتركوا اثْنَي عشر رجلا بالبريجة بعد أَن حصنوها وشحنوها بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من عدَّة وقوت وَنَحْوهمَا وَرجع الْبَاقُونَ إِلَى الْملك فأخبروه بشأنهم فَأذن لَهُم وَبعث مَعَهم جمَاعَة من البنائين والعملة ليبنوا لَهُم مَا يتحصنون بِهِ فقدموا على إخْوَانهمْ وشرعوا فِي إدارة السُّور على قِطْعَة من الأَرْض فَنَذر بهم أهل تِلْكَ الْبِلَاد من الْمُسلمين وتسابقوا إِلَيْهِم على الصعب والذلول ففر النَّصَارَى إِلَى البريجة وتحصنوا بهَا وأفسد الْمُسلمُونَ كل مَا كَانُوا عملوه فِي تِلْكَ الْأَيَّام وأحجروهم بحصنهم وَوَضَعُوا عَلَيْهِم الرصد إِلَى أَن فتر عزمهم وَأَيِسُوا من نجاح سَعْيهمْ فَعَاد جلهم أَو كلهم إِلَى أشبونة وأعادوا الْكَلَام على ملكهم منويل فِي شَأْن البريجة ووصفوا لَهُ حسن الْبقْعَة وَصِحَّة هوائها ومنزلتها من الْبَحْر وَمن قبائل أهل الْمغرب من أهل تامسنا ودكالة وَغَيرهم وَأَنَّهَا عَسى أَن تكون سلما للاستيلاء
على غَيرهَا من بِلَاد الْمغرب لَا سِيمَا ودولة الْمُسلمين بِهِ يَوْمئِذٍ قد تلاشت وملكهم قد ضعف فوقر ذَلِك فِي نفس الْملك واستأنف الْعَزْم وَبعث مَعَهم حِصَّة من الْعَسْكَر تحصل بهَا الْكِفَايَة وتتأتى بهَا المدافعة والممانعة مَعَ جمَاعَة وافرة من البنائين والمهندسين وَحَملهمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من آلَة وَغَيرهَا فَانْتَهوا إِلَى الْموضع الْمَذْكُور بعد سبع سِنِين من مقدمهم الأول وتحينوا غَفلَة أهل الْبِلَاد وشرعوا فِي بِنَاء حصن مربع على كل ربع مِنْهُ برج وثيق ودأبوا فِي الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا فَلم تمض مُدَّة يسيرَة حَتَّى فرغوا مِنْهُ وامتنعوا على الْمُسلمين بِهِ وَكَانَ إنشاؤهم لهَذَا الْحصن على البريجة الْقَدِيمَة بِأَن جعلوها أحد أَرْبَاعه وأضافوا إِلَيْهَا ثَلَاثَة أَربَاع أخر وأداروا السُّور على الْجَمِيع وَاتَّخذُوا فِي دَاخل هَذَا الْحصن ماجلا عَظِيما لخزن المَاء وَهُوَ النطفية فِي لِسَان الجيل بنوه مربعًا بتربيع الْحصن مساحة كل ربع مِنْهُ مائَة وَثَلَاثُونَ شبْرًا وجوانبه وقبوه من حجر النّصْف العجيب النحت الْمُحكم الْوَضع والالتئام مَحْمُولا ذَلِك القبو على سِتَّة أقواس فِي كل ربع قَالَ هَذَا الْمُؤلف وامتلاء نَحْو بلكاظة من هَذَا الماجن يسع عشْرين بوطة من المَاء ثمَّ شيدوا على أحد أَربَاع هَذَا الْحصن طريا عَظِيما مرتفعا جدا لَيْسَ صَادِق التربيع وَلَا الاستدارة غير مهندس الشكل ثمَّ بنوا فِي أَعْلَاهُ على أحد جوانبه بِنَاء آخر لطيفا مستديرا صاعدا فِي الجويرقي إِلَيْهِ على مدارج لَطِيفَة وَجعلُوا فِي أَعْلَاهُ صاريا خَارِجا من جَوْفه وناقوسا للحراسة يشرف الحارس مِنْهُ على نَحْو خَمْسَة وَعشْرين ميلًا من سَائِر جهاته وَجَمِيع هَذِه البناءات الَّتِي ذكرهَا الْمُؤلف من الْحصن وَمَا مَعَه لَا زَالَت قَائِمَة الْعين والأثر إِلَى الْآن إِلَّا الطري فَإِنَّهُ قد اتخذ فِي هَذِه الْأَيَّام الَّتِي هِيَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف منارا لِلْمَسْجِدِ الْجَامِع وَذَلِكَ أَن عَامل الجديدة فِي هَذَا الْعَصْر وَهُوَ الرئيس الْفَاضِل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الجراري حفظه الله اسْتَأْذن الْخَلِيفَة وَهُوَ السُّلْطَان الْأَعْظَم الْمولى الشريف أَبُو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد الْعلوِي نَصره
الله فِي جعله منارا لكَون الْمنَار الْقَدِيم قَصِيرا لَا يسمع النَّاس الْأَذَان فَأذن أعزه الله فِي ذَلِك وَهَذَا الْعَامِل الْيَوْم جاد فِي إِصْلَاحه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَقد أشرف على التَّمام وَكَذَلِكَ اسْتَأْذن هَذَا الْعَامِل حَضْرَة السُّلْطَان الْمَذْكُور فِي إدارة جِدَار من دَاخل سور الْمَدِينَة يكون ستْرَة على منَازِل أَهلهَا وَبُيُوتهمْ لِأَن السُّور الْمَذْكُور كَانَ مرتفعا على الْبَلَد بِحَيْثُ يكون الصاعد عَلَيْهِ متكشفا على الْبيُوت واستأذنه فِي إصْلَاح الْقبَّة المشرفة على الْبَحْر الْمَعْرُوفَة بقبة الخياطين وَكَانَت قد تلاشت وباتخاذ سجن متسع مُحكم عَن يَمِين الدَّاخِل من بَاب الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة لِأَنَّهُ لم يكن بهَا سجن مُعْتَبر فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَة الْمَذْكُور إِلَى ذَلِك كُله أدام الله علاهُ وَقد تمّ جلّ ذَلِك وعادت الْقبَّة إِلَى أحسن حالاتها الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا أَيَّام البرتغال وَالله لَا يضيع أجر من أحسن عملا
ولنرجع إِلَى موضوعنا الَّذِي كُنَّا فِيهِ فَنَقُول ثمَّ شرع نَصَارَى البرتغال بعد الْفَرَاغ من الْحصن الْمَذْكُور فِي إدارة سور الْمَدِينَة على أوثق وَجه وأحكمه وَذَلِكَ أَنهم عَمدُوا إِلَى بقْعَة مربعة من الأَرْض مساحة كل ربع مِنْهَا ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسَبْعُونَ خطْوَة وَجعلُوا مركزها الْحصن الْمَذْكُور ثمَّ أداروا بهَا سورين عاديين ثخن الْخَارِج مِنْهُمَا نَحْو خَمْسَة عشر شبْرًا والداخل على نَحْو الثُّلثَيْنِ مِنْهُ وَبَينهمَا فضاء مردوم بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَة الصَّغِيرَة فَصَارَ السوران بذلك سورا وَاحِد سعته خَمْسُونَ شبْرًا وَهَذَا فِي غير الرّبع الموَالِي للبحر أما هُوَ فَلَيْسَ فِيهِ ردم وَإِنَّمَا هُوَ سور وَاحِد مصمت أضيق مِمَّا عداهُ يَسِيرا وارتفاع هَذِه الأسوار من دَاخل الْبَلَد نَحْو سِتِّينَ شبْرًا وَمن خَارجه نَحْو السّبْعين ثمَّ أداروا خَارج السُّور خَنْدَقًا فسيحا وَجعلُوا عمقه أَرْبَعَة عشر شبْرًا بِحَيْثُ بلغُوا بِهِ المَاء وَإِذا فاض الْبَحْر مَلأ مَا بَين جوانبه وَاتَّخذُوا للمدينة ثَلَاثَة أَبْوَاب أَحدهَا للبحر وَهُوَ بَاب المرسى وَقد سد بِالْبِنَاءِ فِي هَذِه السنين وَاثْنَانِ للبر وَجعلُوا أمامهما قنطرتين بِالْعَمَلِ الهندسي بِحَيْثُ ترفعان وتوضعان وَقت الْحَاجة إِلَى ذَلِك فَصَارَت الْمَدِينَة بِهَذَا كُله فِي غَايَة المناعة