الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: وأما ضيق فوهاتها فليكون بقدر ينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدية إلى القلب فإن فوهات شعب قصب الرئة تتصل بفوهات شعبة الشرايين والتي فيها ليتصل منها النسيم إلى القلب ولا ينفذ إليها دم، وعدم نفوذ الدم الذي ينبث في الرئة ليخالط الهواء، ويحدث من مجموعهما ما يستعد لأن يصير في القلب روحاً لأجل ضيق فوهات هذه الغضاريف المتفرقة في هذه الرئة فإن هذا الدم بغاية الرقة وهو لا ينفذ في فوهات هذه ومع ذلك ينفذ الدم الغليظ المنفصل من الرئة بسبب جراحة تحدث لها ونحو ذلك، ولذلك تنفذ فيها المدة والبلغم الغليظ الخارج بالنفث ولو كان الضيق هو المانع من نفوذ ذلك الدم فيها لكان امتناع نفوذ الدم الغليظ والمدة والبلغم بطريق الأولى بل السبب في نفوذ هذه وتعذر ذلك الدم هو أن الرئة من شأنها التمسك بذلك الدم الرقيق ليجعله مع الهواء الذي فيها مستعداً لأن يصير في القلب روحاً وهذا التمسك يمنع ذلك الدم من النفوذ في تلك الأفواه، وكذلك الدم الذي تغتذي به الرئة وأما الدم الغليظ الخارج من الجراحة ونحوها فإن الرئة تدفعه عنها ولا تمسكه لئلا تفسد المادة التي تعدها لأن تصير روحاً فلذلك يضطر إلى النفوذ في أفواه تلك الغضاريف إذا لا منفذ له في الرئة سوى تلك الأفواه إلا في الأوردة والشرايين ولو نفذ في هذه لكان اندفاعه يكون إلى القلب فيكون ضرر ذلك عظيماً جداً، وكذلك الحال في البلغم الغليظ والمدة ونحو ذلك فإن الرئة جعلت بالطبع تدفع فضولها إلى هذه الغضاريف ليخرج بالنفث فإنها إذا لم تندفع من هناك وجب نفوذها إلى القلب، وفي ذلك من شدة الضرر ما لا يخفى فلذلك جعلت عروق الرئة سهلة الإنصداع ولذلك يكثر بالناس حدوث نفث الدم مع أنه شديد الخطر ينتقل كثيراً إلى السل وما ذلك إلا ليكون الدم مهما كثر في الرئة وضربها دفعته إلى تلك الغضاريف وإنما يكون ذلك بانصداع أو عيته ولولا ذلك لكان ينفذ إلى القلب، فيشتد بذلك تضرر القلب والله ولي التوفيق.
البحث الثاني
تشريح الحنجرة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما الحنجرة فإنها آلة
…
إلى قوله: وقد ذكرنا تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها في كتابنا الأول.
الشرح أما غضاريف الحنجرة وعضلاتها وأغشيتها وكيفية اتساعها تارة وضيقها أخرى وانفتاحها تارة وانسدادها أخرى فكل ذلك قد فرغ منه عند الكلام في تشريح العضل.
قوله: وقد يقابله من الحنك جوهر مثل الزائدة التي ينسد بها رأس المزمار هذا الجوهر هو اللهاة، فإنها مدلاة فوق فم الحنجرة لتفيد في تقرير الصوت، وتعديده ولينه.
قوله: إذا هم المريء بالازدراد ومال إلى أسفل لجذب اللقمة انطبقت الحنجرة وارتفعت إلى فوق.
ولقائل أن يقول: أن كل جسمين أحدهما مشدود بالآخر فإنهما لا محالة بسبب ذلك الشد يتلازمان فمتى تسفل أحدهما، تسفل الآخر وكذلك متى ارتفع أحدهما ارتفع الآخر.
وكذلك إلى أي جهة مال إليها أحدهما فلا بد من ميل الآخر معه إلى تلك الجهة، وإذا كان كذلك فكيف إذا مال المريء إلى أسفل ترتفع الحنجرة إلى فوق مع أن شد أحدهما إلى الآخر شداً وثيقاً.
قلنا: هذا يمكن بأن يكون انسداد المجرى بالحنجرة ليس بأن يكون جرم أحدهما مربوطاً بما يحاذيه من جرم الآخر، فإنه لو كان كذلك لكان تسفل المريء يلزمه تسفل القصبة والحنجرة بل بأن يكون الليف الممتد في طول المريء أو عند أعلاه نافذاً من عند أعلى المريء وسالكاً إلى أسفل الحنجرة، وبعض القصبة ماراً في سلوكه على موضع أعلى فلذلك إذا تحرك المريء إلى أسفل لأجل بلع اللقمة انجذب ذلك الليف معه إلى أسفل من جهة أعلى المريء وأعلى الحنجرة وذلك عند قرب ظاهر الحلق من أسفل ويلزم ذلك انجذاب طرف ذلك الليف أعني الطرف الذي به يتصل بأسفل الحنجرة، وبأسفل القصبة وإنما يمكن هذا الانجذاب بأن يرتفع إلى جهة ظاهر الحلق، ويلزم ذلك انجذاب أسفل الحنجرة وأجزاء من القصبة إلى فوق فلذلك ترتفع الحنجرة والقصبة عند تسفل المريء لأجل الازدراد ويلزم هذا الانجذاب تمدد الحنجرة والقصبة في الطول، ويلزم ذلك ضيقها وانطباقها، ويلزم ذلك امتناع التنفس فلذلك الازدراد لا يجامع التنفس البتة.
وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة. والله ولي التوفيق.
البحث الثالث
تشريح الرئة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه
وأما الرئة فإنها مؤلفة من أجزاء
…
إلى قوله: وهو شديد التعلق به والالتحام.
الشرح أما حاجة الرئة إلى الوريد الشرياني فلأن ينقل إليها الدم الذي قد لطف وسخن في القلب ليختلط ما يترشح من ذلك الدم من مسام فروع هذا العرق في خلل الرئة بالهواء الذي في خللها ويمتزج به من الجملة ما يصلح لأن يكون روحاً إذا حصل ذلك المجموع في التجويف الأيسر من القلب وذلك باتصال الشريان الوريدي لذلك المجموع إلى هذا التجويف، وأما ما يبقى من ذلك الدم فيكون في داخل فروع هذا الوريد الشرياني وينفذ من فوهاتها إلى جرم الرئة فإن يكون أغلظ من ذلك الدم الذي يرشح وأكثر مائية فلذلك يصلح لغذاء الرئة فلذلك هذا الوريد الشرياني مع أنه يوصل إلى الرئة غذاءها يوصل إليها الدم الشديد الرقة الصالح لأن يصير منه ومن جرم الهواء مما يمد الروح الحيواني وأما حاجة الرئة إلى الشريان الوريدي فإنه ينفذ فيه هذا الهواء المخالط لذلك الدم ليوصله إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب فيصير ذلك المجموع روحاً، وأنه ينفذ فيه ما فضل في هذا التجويف من ذلك المجموع فلم يصلح لأن يتكون منه روح وما فضل فيه من الهواء الذي سخن وبطلت فائدته في تعديل الروح والقلب واحتيج إلى إخراجه ليتسع المكان لما يدخل بعده من الهواء إما وحده وإما مخالطاً للأجزاء الدموية الشديدة اللطافة وليوصل ذلك إلى الرئة فيخرجه عند ردها النفس وأما حاجة الرئة إلى جرم الرئة من الهواء المجذوب في القصبة ولأن يخرج ما يفضل في الرئة من ذلك الهواء وما يفضل فيها من الرطوبات والدم ونحو ذلك فيخرج بالسعال نفثاً. وأما حاجة الرئة إلى اللحم فلأن يملأ الخلل الواقع بين هذه الأعضاء ويكون من جملة ذلك عضو واحد واحتيج أن يكون لحماً ليكون قريباً من الاعتدال بخلاف الشحم والسمين ونحوهما، واحتيج أن يكون هذا اللحم رخواً لئلا يمانع عن سهولة انبساط الرئة وانقباضها الذين لا بد منهما في التنفس وإنما يكون اللحم رخواً إذا كان كثير الرطوبة وإنما يكون كذلك إذا كانت المائية فيه كثيرة. وإنما يكون كذلك إذا كان غذاء الرئة من دم مائي وكذلك فإن الدم الواصل إلى القلب لا بد وأن يكون كثير المائية واللطيف منه الهوائي يصير روحاً والقلب إنما يغتذي بالمتين الكثير الأرضية فلذلك تبقى المائية لغذاء الرئة فلذلك قول من قال: إن غذاء الرئة بدم صفراوي مما لا صحة له البتة وكذلك تحتاج الرئة أن يكون لحمها متخلخلاً وذلك ليكون كثير المسام واسعها والغرض بذلك أن تمتلئ الفرج التي في جرمها هواء فتعدل بذلك الهواء ويخرج مما يرشح إلى جرمها من الدم اللطيف الهوائي الذي لا يصلح لغذاء الرئة، ولكنه يصلح لأن يخالط ذلك الهواء يحدث من مجموعهما جرم يصلح لأن يستحيل في القلب دماً ولما كان بين جانبي الإنسان أكثر كثيراً مما بين خلفه وقدامه خاصة في صدره وجب أن تكون الرئة مقسومة بقسمين أحدهما يذهب يميناً والآخر يذهب شمالاً ليكون ملؤها للجانبين وانقسامهما فيهما على السواء فلذلك يجب أن يكون هذان القسمان لفضاء الصدر، وليس في اليمين هذا أيضاً لا يصح.
وذلك لأن ميل القلب إلى الشمل، إنما هو عند رأسه المستدق، وذلك يسير جداً، ومع ذلك فإن هذا الميل هو في أسافل الصدر، وانقسام الجانب الأيمن من الرئة، إلى الأقسام الثلاثة هو في أعالي الرئة فلا يكون القسم الخامس الذي يراد به الجانب الأيمن على اليسر واقعاً في الموضع الذي أخلاه القلب بانحرافه إلى الجانب الأيسر.
قوله: والصدر مقسوم إلى تجويفين بلا شك بأن الصدر يغشيه من داخل غشاء وهو في الحقيقة غشاءان أحدهما في يمين الصدر، والآخر في يساره وإذا التقى طرف كل واحد منهما بطرف الآخر من قدام ومن خلف افترقا بعد ذلك فيمر الأيمن في الجانب الأيمن ويلقى الوسط إلى أن يتصل بطرفه الآخر المقابل لذلك الطرف. وكذلك يمر الأيسر في الجانب الأيسر ويلقى الوسط، ونفوذ كل واحد منهما في جانبه ليس على الاستقامة فإنهما جميعاً ينتحيان عن موضع القلب وغلافه فلا يمر واحد منهما بجرم القلب وإلا كان يخرقه فلذلك يبقى القلب وغلافه بين هذين الغشاءين فينقسم الصدر بذلك بنصفين، والقاسم له غشاءان يفترقان عند موضع القلب ويتلاقيان في غير ذلك الموضع.