الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه العضلة تكون أو لاً عضلتين دقيقتين مستطيلتين تبتدئان من خلف الأذنين ومن دونهما فإذا بلغتا أعلى مقدم العنق اتحدتا وصارتا عضلة واحدة. ثم يخرج لتلك العضلة وتر فإذا قرب من طرف اللحى عند الذقن انتفش كرة أخرى وصارت منه عضلة والتحمت هناك باللحى وإنما خلقت كذلك لأن جذبها لا بد وأن يكون إما إلى جهة المؤخر ويلزم ذلك أن يتسفل اللحى وإما إلى أسفل وإنما يمكن ذلك أن يكون جذبها إلى أسفل إذا كان ليفها متصلاً بعظام القص لأن مقدم العنق من غضاريف لا تقوى لحركة هذه العضلة، ولو خلقت كذلك لكان ليفها إذا جذب اللحى يلزمه رفع ما فوقه من الجلد مقداراً كبيراً ولا شك أن ذلك موحش للخلقة فلا بد إذاً وأن يكون جذبها إلى خلف. وحينئذ لا بد وأن يكون ليفها متصلاً بما يحاذي طرف هذا الفك من العظام التي خلفه وذلك هو الموضع المذكور. ولا يمكن أن يكون ابتداء ذلك الليف من جانب واحد وإلا كان الفك يميل عند الفغر إلى ذلك الجانب فلا بد وأن يكون من الجانبين فيكون من ذلك عضلتان لأن هذا الليف لا بد وأن يحتشي لحماً وإلا كان يبرد ويضعف ويتغير وضعه وحينئذٍ يصير عضلاً ويجب أن تكون كل واحدة منهما دقيقة لأن المقصود منهما ليس الانتشار والانبساط عرضاً، بل أن يمران إلى الموضع الذي يتحدان فيه فينبغي أن تكون الألياف على خطوط مستقيمة أو قريبة من المستقيمة ويلزم ذلك أن تكونا دقيقتين ويجب أن يتحدا عند الحد المشترك بين العنق الأسفل وإلا كان الوتر الخارج من كل واحدة منها يرفع بعض الجلد إذا تقلص ثم بعد اتحادهما يحتاج أن يخرج الوتر من ذلك المتحد إلى الطرف السافل من هذا الفك. وهو عند الذقن ليكون جذبه إلى أسفل غير مائل إلى جانب وينبغي أن ينتفش عند اتصاله به ليكون اتصاله به في مواضع كثيرة، ويلزم ذلك الانتفاش أن يحتشي المنتفش لحماً فيصير عضلة وكلام جالينوس يشير إلى أن هذه العضلة مع العضلة المتخذة من العضلتين أعني التي في أعلى مقدم العنق كلاهما عضلة واحدة، وطرفاهما لحمي ووسطها وتري ولا مشاحة في العبارة.
قوله: ويتخلص وتراً ليزداد وثاقة ثم ينتفش كرة أخرى.
لا شك أن تكرر الانتفاش تلزمه زيادة في القوة. ولكن الغرض به ها هنا زيادة القوة وإلا كان فعل ذلك في العضلة المطبقة للفم أولى، لأن المصعد للثقيل يحتاج إلى قوة أقوى من المحرك له أسفل وخصوصاً، وتلك العضلة لينة فكانت حاجتها إلى القوة أكثر بل الغرض ما ذكرناه. وهو أن يكون الجذب على حالة لا يلزمها رفع الجلد الذي فوق الوتر عن وضعه. والله ولي التوفيق.
البحث الرابع عضل المضغ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما عضل المضغ فهما عضلتان
…
إلى آخر الفصل.
الشرح هذا الذي ذكره الشيخ هو أحد الآراء المنقولة في هذا الفصل.
وقيل إن في كل جانب عضلتين. وقيل إن في كل جانب ثلاث عضلات.
قال جالينوس: إن عضلتي المضغ تلبسان من خارج على الفك الأسفل في طوله، وتمران معه وتتصلان برأسيهما وترتقيان إلى الوجنة وإلى العظم الذي يقال له الزوج. وهما في الحقيقة من كل واحد من الجانبين اثنتان لا واحدة والواحدة تميل الفك إلى قدام، والأخرى إلى خلف. وهاتان العضلتان تتصلان أيضاً بعضلتي الصدغ من دون العظم الذي يقال له الزوج داخل الزائدة التي تشبه المنقار. والله ولي التوفيق.
الفصل التاسع
تشريح عضل الرأس
والكلام في هذا الفصل يشتمل على ستة مباحث: البحث الأول تعديد حركات الرأس قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن للرأس حركات
…
إلى قوله: أما العضل المنكسة للرأس خاصة.
الشرح
لما كانت الحاسة المخلوقة لحراسة البدن. وهي العينان موضوعة في الرأس. فينبغي أن يكون للرأس أن تتحرك إلى جميع الجهات حركة تتمكن بها الحاسة من الإشراف على جميع الأعضاء لكن ما سوى الحية من الحيوانات، فإن رؤوسها لا يمكن أن تتحرك إلى خلف حركة تكون بها العينان مشرفة على جميع الأعضاء الخلفية. لأن ذلك لا يمكن أن يكون بأن تتحرك الرأس بالاستدارة حتى تصير العينان من خلف البدن إذ كان يلزمه انقطاع النخاع، وفساد تركيب العنق، ولا يمكن أيضاً تحركة الرأس منقلباً إلى خلف لأن ذلك يلزمه أن تكون العينان نظرهما إلى فوق لا إلى جهة الأعضاء فلذلك أكثر الأعضاء الخلفية لا يمكن أن تكون محروسة بالعينين فيما سوى الحية.
وأما الحية فلو لم تكن هذه الحركة ممكنة فيها لم يكن لعينها إشراف على شيء من أعضائها لأن وضع العين في الحية هو إلى قدام جميع أعضائها. فلذلك احتيج أن يكون وضع عينيها بحيث إذا تحرك رأسها هذه الحركة يكون لأعينها إشراف على مؤخر بدنها ثم إن حركة الرأس قد تكون له بذاته، وقد تكون بمشاركة أعضاء أخرى كخرزات العنق ولا يمكن الاكتفاء بإحدى هاتين إذ لو اقتصرت على حركته بالمشاركة، لكان إذا عرضت لتلك الأعضاء آفة تمنع حركتها بطلت حركة الرأس وفائدتها، ولو اقتصر على حركته بانفراده لم تف بالمقصود. إذ حركته بانفراده لا يمكن أن تكون كبيرة تامة وإلا كان مفصله مع العنق رخواً سلساً جداً. ويلزم ذلك أن يكون التركيب واهياً، فلا بد، وأن يكون له مع هذه الحركة حركة بشركة خرزات العنق حتى تتمكن بتلك الحركة من حركات تامة إلى أكثر الجهات. فتكون للعينين اطلاع على أكثر الأعضاء وإذا كان كذلك فلا بد من عضلات لحركاته الخاصة، وعضلات لحركاته التي بالمشاركة.
فلنتكلم في كل واحد من هذه الأصناف في بحث يخصه. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني العضل المنكسة للرأس خاصة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس خاصة
…
إلى قوله: وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة معاً إلى قدام.
الشرح لما كان التنكيس يتم بالتحريك إلى قدام وإلى أسفل جعل العضل المنكس للرأس وحده يتصل ليفه بما يلزم تقلصه التحريك إلى الجهتين جميعاً فخلق هذا العضل متصلاً بما خلف الأذنين، ومن أسفل بالقص والترقوة. وإنما جعل ذلك لأن هذا العضو لكبره يحتاج أن يكون محركه قوياً، وذلك يحوج إلى معاضدة أحد الجزئين بالآخر، وإنما لم يخلق لكل تحريك عضلة واحدة على حدة لأن التنكيس الثقيل لا يحتاج إلى آلة شديدة القوة. ولما كان هذا العضل متصلاً بهذين الموضعين فلا بد وأن يكون من كل جانب ماراً بالعنق إلى قدام على تأريب، ولا بد وأن يكون العضل من الجانبين حتى إذا أريد تنكيس الرأس من أحد جانبيه حركه العضل الذي في ذلك الجانب. وإن أريد تنكيسه بجملته حرك العضل معاً وكفى من كل عضلة واحدة في كل جانب، ولأن التنكيس كلما قلنا أسهل ولما كان طرفا هاتين العضلتين، ومن أسفل، في موضع ضيق لم يتصل ذلك الموضع بأن يكون طرف كل واحد منهما منفصلاً عن طرف الأخرى، فاحتيج أن يتحد الطرفان هناك، وهذا الاتحاد يبتدئ من العنق ويكون أكثره عند القص لأن هذا الموضع يضيق بتدريج، وإنما يوسع هذا المكان بأن يجعل أكثر ليفها الذي من أسفل البدن متصلاً بعظم الترقوة لأن ذلك يلزمه جذب كثير للترقوة في أو قات التخلص، وهو موهن لاتصالها بعظم القص وإحدى هاتين العضلتين لحمية، والأخرى تبتدئ من خلف الأذنين رباطية.
وآخرها عند القص من جوهر الوتر وهذه يصير لها رأسان أحدهما عند القص ولكن جوهره عصبي والآخر عند الترقوة وأكثر جوهره لحمي، ولأجل هذين الرأسين يظن أنها ليست عضلة واحدة وإنها عضلتان: إحداهما فوق الأخرى، ولذلك قيل أن العضل المنكسة للرأس وحده ثلاث عضلات. والحق أنه عضلتان فقط. إذ لم يوجد للتي لها رأسان مبدآن وهاتان العضلتان عظيمتان لكبر العضو المتحرك بهما، وهما في ميلان الذين يكثرون حركة رؤوسهم أو يقوونها أعظم، وذلك كالمصارعين ونحوهم. والله ولي التوفيق.
البحث الثالث العضل المنكسة للرأس مع الرقبة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة
…
إلى قوله: وأما العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف.
الشرح
هذا العضل لا يمكن أن يكون متصلاً بعظام القص لأنه يحتاج أن يمتد إلى أسفل، فلو اتصل بعظام القص لكان ليفه ينعطف عند الترقوة إلى جهة عظام الرقبة فلا يكون ذاهباً على الاستقامة، ولذلك جعل متصلاً بعظام الصلب، ويمتد من أسفل إلى الفقرة الخامسة من فقار الصدر، فلذلك هو كبير الطول، ويمتد على جميع فقار الرقبة من قدام وهو تحت المريء أي تحته إذا كان الإنسان مستلقياً وإنما خلق ذلك عظيماً لأن تنكيس الرأس مع الرقبة إنما يتم بقوة قوية لأن مفاصل الفقرات ليست شديدة السلاسة.
وهذا العضل ينتهي من فوق إلى أسافل الرأس، ويحوي الموضع الذي بين مفصل الرأس، والطرف الأسفل من الدرز اللامي وهو عضلتان كل عضلة من جانب وهما لحميتان لئلا يتأذى المريء بمماسة جرمه إلى الصلابة. وإذا تحركتا بجميع أجزائهما مال الرأس والرقبة معاً إلى قدام وتنكسا وإذا تحرك أعلاهما فقط وهو المتصل بأسافل الرأس إلى الفقرة الأولى والثانية من فقرات العنق مال الرأس وحده إلى قدام وتنكس إلى أسفل، وإنما لم يحتج في هاتين العضلتين إلى انبثاق شيء من ليفهما إلى خلف كما في المنكسة للرأس وحده لأن تلك أجزاؤها السفلية مائلة كثيراً إلى قدام، ولا كذلك هذه. فإن جميع أجزائها كأنها إلى خلف لأن مقدم العنق تسامت أكثر من منتصف الرأس ما بين قدام وخلف وعبارة الكتاب غير فصيحة لأنها توهم أن هذا الزوج ينتهي أسفله إلى الفقرة الأولى من فقار العنق، وأنه إذا تشنج بسطحه الذي يلي المريء، وهو السطح الظاهر نكس الرأس وحده. وإذا تشنج سطحه الباطن، وهو الذي يلي الفقرتين نكس الرقبة وهذا مما لا يصح البتة، فإن المتصل بالفقرة الأولى والثانية إذا لم يتصل بها دون ذلك من العظام لم يمكن البتة أن ينكس الرقبة إذ المنكس لا بد وأن يجتذب إلى أسفل والحق في هذا هو ما قلناه. والله ولي التوفيق.
البحث الرابع العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضلة المقلبة للرأس وحده إلى خلف
…
إلى قوله: وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة.
الشرح قال المشرحون إن هذه العضلات ثمان من كل جانب منها أربع: فالزوج الأول منها ينشأ من فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل، وذلك هو آخر عظم مؤخر الرأس، وليس منشؤه من وسط ذلك الموضع أعني ليس في وسط ما بين جانبي مؤخر الرأس بل أحد فرديه مائل. إلى الجانب الأيمن من الرأس والآخر إلى الجانب الأيسر، وينزل كل فرد منها مؤرباً حتى يلتقي عصبهما عند سنسنة الفقرة الثانية من فقار العنق بأن يضيق ما بينهما قليلاً قليلاً إلى هناك.
والزوج الثاني ينشأ من طرف عظم مؤخر الرأس أيضاً، ولكن يكون ما بينهما من وسط ذلك الموضع أي وسط ما بين جنبيه فيكون ابتداء منشأ هذا وابتداء منشأ الزوج الأولى على خط مستقيم فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل، وهذان الزوجان يماسان ذلك المفصل.
وهذا الزوج ينزل أيضاً مؤرباً، ولكن إلى الجهة الوحشية فلا يزال يتسع ما بين فرديه، حتى يبلغ منتهاه، وذلك عند الزائدتين اللتين عند جنبي الفقرة الأولى، وهما اللتان سماهما جالينوس في تشريح العظام أجنحة لهذه الفقرة، فيكون شكل هذا الزوج مع الأول هكذا: والزوج الثالث ينشأ من هاتين الزائدتين اللتين في جنبي الفقرة الأولى كل فرد منه من زائدة فيكون مؤرباً إلى الأنسي حتى ينتهي عند سنسنة الفقرة الثانية فيكون هذا الزوج واصلاً بين طرفي الزوجين الأولين.
والزوج الرابع صغير تحت الثالث. ينشأ من عظم مؤخر الرأس، وينتهي عند الفقرة الأولى، وهو على ما في الكتاب ينزل مؤرباً وينتهي عند جناحي الفقرة الأولى أعني الزائدتين اللتين على جنبيها، وذلك عند مبدأ منشأ الزوج الثالث، فيكون شكل هذه الأزواج الأربعة هكذا:
قوله: فأربعة أزواج مدسوسة تحت الأزواج التي ذكرناها ينبغي أن يقول: تحت الأزواج التي نذكرها. وذلك لأن الأزواج التي هي مدسوسة تحتها هي الأزواج التي تقلب الرأس والعنق إلى خلف وهي المذكورة بعد هذه الأزواج وسنذكر حكمة اندساس هذه تحت تلك قوله: ومنبت هذه الأزواج هو فوق المفصل يعني مفصل الرأس مع الرقبة وذلك هو الحد المشترك بينه وبين الفقرة الأولى من فقار العنق يعني يكون ذلك فوقه لا أنه كذلك إذا كان الإنسان مستلقياً على بطنه أو ظهره بل إذا كان قاعداً أو منتصباً وينبغي أن يقول: ومنبت أكثر هذه الأزواج هو هناك وذلك لأن الزوج الثالث منها منبته ليس من ها هنا بل من زائدتي الفقرة الأولى اللتين عند جنبيها.
قوله: زوج يأتي جناحي الفقرة الأولى فوق زوج يأتي سنسنة الثانية يريد ها هنا بالفوق ما يكون فوقاً إذا كان الإنسان مستلقياً على بطنه وإنما خلق هذا الزوج فوق تلك ليسد السافل بعض الجهة التي عند مفصل الرأس، وذلك عند قرب وسط ما بين جانبيها، فلا يكون هذا الزوج الآتي فوقه إلى جناحي الفقرة الأولى آتياً إلى هناك مع انعطاف في وسطه إلى أسفل وإنما لم يعكس ذلك فيجعل الآتي إلى سنسنة الفقرة الثانية من فوق وذلك لأن هذا الزوج ينشأ من جانبي أسفل مؤخر عظم الرأس فيكون طريقه إلى سنسنة الفقرة الثانية متدرجة في التسافل فلا يلزمه انعطاف في وسطه إلى أسفل ولا كذلك الزوج الآتي إلى جناحي الفقرة الأولى فإنه في ابتداء طريقه انخسافاً كثيراً فيحتاج إلى شد ذلك الإنخساف لئلا يلزم انعطافه إلى أسفل، وحينئذٍ كان يلزم تشنجة لجذب الرأس أن يرتفع الجلد هناك.
قوله: وخاصيته أن يقيم ميل الرأس عند الانقلاب إلى الحال الطبيعية الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الزوج لا مدخل له في تحريك الرأس البتة. بل ولا في تحريك غيره، وذلك لأن هذا الزوج لا يتصل بالرأس. وقد بينا أن الفقرة الأولى والثانية ليس لو احدة منهما حركة بدون الأخرى وهذا الزوج لا اتصال له بغير هاتين الفقرتين، بل فائدته والله أعلم. أنه يقاوم ما يوجبه الرأس عند انقلابه من حفظ الفقرة الأولى إلى داخل ويلزم ذلك تزعزع مفصلها مع الثانية وإضرار السن الناشبة من الثانية بالنخاع لأن الفقرة الأولى لو مالت إلى داخل مال النخاع معها لا محالة. ولا يلزم ذلك ميل السن لأن يكون ثابتاً بثبات الثانية، ويلزم ذلك انشداخ النخاع به فخلق هذا الزوج من العضل ليقاوم ضغط الرأس حين انقلابه للفقرة الأولى بثقله وتمييله لها إلى داخل بأن يجذبها حينئذٍ إلى خارج معتمداً على ظهر الفقرة الثانية فيبطل تأثير ضغط الرأس إذا ثبت هذا يلزم أن تكون العضلات المحركة للرأس وحده إلى خلف ثلاثة أزواج فقط. قوله: وينفذ تحت الثالث.
لقائل أن يقول: إن هذا الزوج الرابع لا يتعدى موضع ابتداء الزوج الثالث فكيف يكون تحته؟ وجوابه: أن مراده ها هنا يكون تحت ذلك لأن السطح الذي هذا فيه لو فرضنا موافاته إلى آخر العنق مثلاً كان حينئذٍ تحت السطح الذي فيه ذلك الزوج أعني تحته إذا كان الإنسان على بطنه، وإنما خلق كذلك، لأن ظاهر الفقرة الأولى أسفل حينئذٍ من ظاهر الفقرة الثانية، وذلك لصغر الأولى ورقتها ومنشأ الزوج الثالث هو من قريب مفصلها مع الرأس فلا يبلغ ارتفاعها إلى سطح ظاهر الفقرة الثانية البتة.
قوله: والرابع يقلب إلى خلف مع تأريب ظاهر، الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الزوج لا يخالف الزوج الثاني، وأن كل واحد منهما إنما يلزم حركته توريب إذا كان المحرك هو أحد فرديه، وأما إذا تحرك الفردان معاً فإن انقلاب الرأس يكون مستوياً.
قوله: والثالث والرابع أيهما مال وحده ميل الرأس إلى جهته وإذا تشنجاً جميعاً تحرك الرأس إلى خلف منقلباً من غير ميل الزوج.
والثالث فقد بينا أنه لا مدخل له في التحريك.
وأما الرابع فقد بينا أن ميل الرأس به إلى جانب إنما يكون إذا كان المحرك أحد فرديه.
بقي ها هنا مسألة وهي: أن لم خلقت هذه الأزواج مؤربة مع أن ذلك يلزمه تطويل مسافتها لا لفائدة إذ أعصابها تنشأ من النخاع فتكون مستغنية عن استفادة الصلابة بطول المسافة؟ والجواب: أنها لولا تأربها لكان يلزمها انعطاف في أو ساطها ويلزم ذلك أن تكون عند تشنجها رافعة لجلدة الفقار رفعاً مؤلماً فيكون ميلها للرأس إلى خلف مؤلماً.
ولا كذلك إذا جعلت على هذه الهيئة. والله ولي التوفيق.
البحث الخامس العضل المقلبة للرأس والرقبة معاً إلى خلف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة
…
إلى قوله: وأما العضل المملية للرأس إلى الجانبين فهي زوجان.
الشرح هذه العضلات المقلبة للرأس مع الرقبة إلى خلف موضوعة فوق تلك العضلات المقلبة له وحده أعني أنها فوقها إذا كان الإنسان على بطنه. وإنما كان كذلك لأن هذه العضلات تحتاج أن تكون ممتدة من الرأس إلى فقرات الظهر، فلو لم يكن تحتها تلك العضلات لكانت هذه يلزمها أن تنعطف إلى أسفل في المواضع التي تملؤها تلك العضلات فكانت إذا تشنجت لقلب الرأس يلزمها رفع الجلد الذي فوقها، وذلك مؤلم موحش للصورة فاحتيج أن تكون تلك العضلات تحتها لتسند المواضع الغائرة التي في طريقها وما كان من هذه العضلات أعظم وجب أن يكون وضعه فوق ما هو أصغر منه للعلة المذكورة، فلذلك كان أعظم هذه هو الزوج المجلل.
قوله: فثلاثة أزواج غائرة، معنى أن هذه غائرة، أنها موضوعة في غور، وهو ما يبقى بعد شد العضلات المقلبة للرأس وحده وذلك لأن هذا الغور كبير فلا تفي تلك العضلات بملئه وإنما خلقت هناك مواضع غائرة، لأن كل واحدة من فقرات العنق فإنها يجب أن تكون أصغر مما تحتها ضرورة أن المحمول ينبغي أن يكون أصغر من الحامل فلذلك تكون الفقرة التي عند الرأس أصغر فقار العنق ولا بد وأن يكون عظم الرأس خارجاً عنها إلى خلف كثيراً ليكون له من خلف ثقل يقاوم ثقله من قدام أو يقرب منه، فلا يكون الرأس شديد الميل بطبعه إلا قدام فلذلك يكون عظم الرأس هناك شديد النتوء وما دون ذلك من الفقار له نتوء وتدرج فيبقى عند الفقرة الأولى غور كثير لا محالة، ولا يزال هذا الغور يقل كلما بعد عن الرأس بقدر كير الفقرات.
قوله: كل فرد منه مثلث قاعدته عظم مؤخر الرأس هذه القاعدة هي قاعدة جملة الزوج لا قاعدة كل فرد منه، وذلك لأن هذا الزوج بجملته مثلث حاد الزوايا وفيه ضلعان متساويان وهما اللذان يصل بطرف كل واحد منهما طرف من هذه القاعدة فتكون الزاويتان اللتان تواترانهما متساويتين وهما اللتان على هذه القاعدة والزاوية التي يحيط بها الضلعان أصغر من كل واحدة من هاتين الزاويتين إذ كل واحد من هذين الضلعين يجب أن يكون أطول من القاعدة، وذلك لأن هذا المثلث يجب أن يكون هو والأزواج الثلاثة الأخر، الكل متصلاً بفقرات الظهر حتى يلزم من تشنج هذه العضلات انقلاب الرقبة مع الرأس. ولولا ذلك لكان المنقلب حينئذٍ هو الرأس وحده، وإذا كان كذلك لزم أن يكون ضلعاً كل واحد منهما أطول من القاعدة لأن ما بين الرأس، وفقار الظهر أطول مما بين جانبي مؤخر الرأس هذا إذا كان ما بين الرأس وفقار الظهر كالعمود على هذه القاعدة فكيف ضلع المثلث الذي على هذه الصورة؟ فلذلك يكون كل واحدة من الزاويتين اللتين على القاعدة أكثر من ثلثي القائمة، والزاوية التي يحيط بها الضلعان أقل من ثلثي قائمة. وهذا المثلث ينقسم إلى مثلثين متساويين هما فردا هذا الزوج ويفصل أحدهما عن الآخر خط مستقيم آخذ من منتصف هذه القاعدة إلى ملتقى الضلعين فيكون لا محالة عموداً على هذه القاعدة. فيكون في كل واحد من هذين المثلثين زاوية قائمة وهي التي يوترها أحد الضلعين اللذين في جهة ذلك المثلث والزاوية الأخرى التي عند طرف القاعدة أكبر من ثلثي قائمة والتي عند الطرف الآخر من الضلع توترها الذي يوتر القائمة أقل من ثلث قائمة، وتكون قاعدة كل واحد من هذين المثلثين هو النصف الأيمن أو الأيسر من قاعدة المثلث المجتمع من المثلثين وهي عظم مؤخر الرأس.
قال جالينوس: وهذه العضلات عراض بعضها فوق بعض فإذا شيلت المجللة عنها يظهر للرؤية في بعض المرار ثلاثة أزواج وفي أكثرها زوجان فقط، أحد الزوجين عضلة عريضة إلى تأريب يسير يبتدئ من خلف الرأس ويبلغ جنبي عظم الصلب وظاهر أنه يريد بذلك ما دون فقار العنق.