الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما كان الإنسان بخلاف باقي الحيوانات منتصب القامة، وكان انتصابه على رجلين وأعالي بدنه ثقيل لم يكن له بد من أن يكون قدمه طويلاً ليشتمل على جزء كبير من الموطؤ فيكون يمكن القيام عليه أكثر، ويجب أن لا يكون طويلاً جداً، وإلا كان يثقل الرجل ويعاوق عن الحركة بل جعل طوله قريباً من سبع القامة ليجمع بين جودة الثبات والخفة، ولا بد وأن يكون هذا القدم إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل البدن بثقله إذ مقدم البدن أثقل من مؤخره لأن الأعضاء الثقيلة كالرأس وما دونه مائلة إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل وخصوصاً عند الهرم، وخلق له الأخمص لفوائد: إحداها: أن يخف فلا يثقل على الرجل.
وثانيتها: ليجود الوطىء على المحدبات.
وثالثتها: أن المشي إنما يتم برفع إحدى الرجلين حيث يراد الانتقال ولا بد من ثبات الرجل الأخرى ليمكن بقاء البدن منتصباً وعند رفع إحدى الرجلين لا بد وأن يميل البدن إلى ضد جهتها كما إذا رفعنا أحد جانبي جسم ثقيل فإنا نجد ذلك الجسم يميل لا محالة إلى ضد جهة ذلك الجانب وتقعير الأخمص يوجب ميل البدن حينئذٍ إلى جهته وهي جهة الرجل المرفوعة فيقاوم الميلان لا محالة ويبقى البدن على انتصابه، ولذلك من يفقد له هذا الأخمص فإن بدنه يميل في حال مشيه عند رفع كل رجل إلى ضد جهتها.
ولقائل أن يقول: إنما يلزم الميل إلى ضد جهة المشيل إذا كان ذلك المشيل بحيث لا تكون حركته بانفراده كطرف الخشبة مثلاً.
وأما إذا لم يكن كذلك بل كان المشيل له انفصال عن الباقي حتى تمكن حركته بانفراده، كما في الرجل فإنه إنما يلزم من رفعه ميل الباقي إلى تلك الجهة بعينها كما لو أزلنا إحدى الدعامتين، فإن الجسم المدعوم إنما: يميل حينئذٍ إلى جهة المزيلة. ولكن في حال إزالتها إنما يكون الميل إلى ضد تلك الجهة لأن هذه الإزالة إنما تكون بعد رفع جزء من الباقي حتى يزول الثقل عن الدعامة فيزول. ويلزم ذلك ميل الجسم إلى ضد جهتها وليس لكم أن تقولوا إن الدعامة قد يمكن إزالتها بدون ذلك بأن تجر مثلاً لأنا نقول: إن الحال في رفع الرجل عند المشي ليس كذلك، لأن الرجل إنما ترفع بتقلص العضل الرافعة لها تقلصاً إلى فوق ويلزم ذلك رفع بعض أجزاء البدن وذلك يلزمه كما قلنا ميله إلى ضد جهة تلك الرجل.
ورابعتها: أن الإنسان قد يحتاج إلى الانتصاب على رجل واحدة مدة ما، ولولا الأخمص لكان البدن حينئذٍ قد يميل إلى ضد تلك الجهة، وأما إذا مال إليها لم يجد هناك رجلا يضعها ليمنع السقوط فيسقط، ولا كذلك الحال مع وجود الأخمص فإن الميل حينئذٍ إنما يكون إلى جهته، لا أعني بذلك حال رفع الرجل بل بعد الفراغ من تلك الحركة، وبقاء البدن على الرجل الواحدة. وإذا كان كذلك فإن للإنسان حينئذٍ أن يضع الرجل المشيلة فتمنع السقوط فيكون في خلقه الأخمص تمكناً من وقوف الإنسان مدة على رجل واحدة من غير ضرر من السقوط. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني هيئة كل واحد من عظام القدم
ووصفه ومنفعته
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعظام القدم ستة وعشرون
…
إلى آخر الفصل.
الشرح إن أجزام القدم مقسومة إلى ستة أقسام وهي: الكعب، والعقب، والعظم الزورقي، وعظام الرسغ، وعظام المشط، وعظام الأصابع.
ونحن الآن نتكلم في كل واحد منها. فنقول: أما الكعب فالإنساني منه أشد تكعيباً، وأشد تهندماً مما في سائر الحيوان. وذلك لأن لرجليه قدماً، وأصابع تحتاج في تحريك قدمه انبساطاً وانقباضاً وذلك بحركة سهلة ليسهل عليه الوطىء على الأرض المائلة إلى الارتفاع أو الانخفاض وعلى المستوية. فلذلك تحتاج أن يكون مفصل ساقه مع قدمه مع قوته وإحكامه سلساً سهل الحركة، وهذا المفصل لا يمكن أن يكون بزائدة واحدة مستديرة تدخل في حفرة مستديرة وإلا كان يسهل دوران تلك الزائدة في حفرتها فكان يحدث للقدم كذلك أن يتحرك مقدمه إلى جهة جانبه بل إلى جهة مؤخره وكان يلزم ذلك فساد التركيب ومصاكة إحدى القدمين للأخرى. ولا بد وأن يكون بزائدتين حتى تكون كل واحدة منهما مانعة من حركة الأخرى على الاستدارة ولا يمكن أن تكون إحدى الزائدتين خلفاً. والأخرى قداماً لأن ذلك مما تعسر معه حركة الانبساط والانقباض اللتين بمقدم القدم. فلا بد وأن تكون هاتان الزائدتان إحداهما يميناً والأخرى شمالاً ولا بد وأن يكون بينهما تباعد له قدر يعتد به ليكون امتناع تحرك كل واحدة منهما على الاستدارة أكثر وأشد فلذلك فلا يمكن أن يكون مع ذلك قصبة واحدة. فلا بد من أن تكون مع قصبتين ولو كان بقدر مجموعهما عظم واحد لكان يجب أن يكون ذلك العظم ثخيناً جداً وكان يلزم ذلك ثقل الرأس الساق فلذلك لا بد وأن يكون اسفل الساق عند هذا المفصل قصبتين وأما أعلى الساق وذلك حيث مفصل الركبة فإنه يكتفي فيه بقصبة واحدة. فلذلك احتيج أن تكون إحدى قصبتي الساق منقطعة عند أعلى الساق. ويجب أن تكون الحفرتان في هاتين القصبتين والزائدتان في العظم الذي في القدم لأن هاتين القصبتين يراد منهما الخفة. وذلك ينافي أن تكون الزوائد فيهما لأن ذلك تلزمه زيادة الثقل والحفرة تلزمها زيادة الخفة فلذلك كان هذا المفصل بحفرتين في طرفي القصبتين وزائدتين في العظم الذي في القدم. وهذا العظم لا يمكن أن يكون هو العقب لأن العقب يحتاج فيه إلى شدة الثبات على الأرض وذلك ينافي أن يكون به هذا المفصل لأن هذا المفصل يحتاج أن يكون سلساً جداً لئلا يكون ارتفاع مقدم القدم وانخفاضه عسرين، وغير العقب من باقي عظام القدم بعيد أن يكون له هذا المفصل إلا الكعب فلذلك يجب أن يكون له هذا المفصل جاذباً من طرف القصبتين والعظم الذي هو الكعب وأن تكون النقرتان في طرفي القصبتين والزائدتين في الكعب ويجب أن يكون الكعب مشدوداً مشدوداً جداً بما يليه من عظام القدم حتى تكون حركته يلزمها حركة القدم فلذلك طرفاه يرتكزان في العقب في نقرتين يمنه ويسره وذلك من جهة خلفه، وأما من قدام فيرتبط بالعظم الزورقي، وأما من الجانبين فيرتبط بقصبتي الساق. وهاتان القصبتان محيطتان بطرفيهما من الجانبين. وذلك بالعظمين النابتين اللذين يسميان بالكعبين وقد ذكرناهما.
وأما العظم الزورقي فهو عظم يمتد من قدام الكعب ويرتبط به هناك ويمتد فوق القدم في الجانب الأنسي فوق الأخمص. وبذلك يرتفع ذلك الموضع فيكون هذا العظم كالدعامة للقصبة الكبرى التي هي بالحقيقة الساق. وإنما جعلت هذه الدعامة في الجانب الأنسي من القدم ليكون في منتصف ثقل البدن كله. ولهذا العظم فوائد: إحداها: أن يكون دعامة للساق مانعة من سهولة سقوط البدن بثقله إلى قدام.
وثانيتها: أن يتم به تحرك القدم إلى الالتواء والانبطاح ونحو الوحشي والأنسي. وذلك لأن هذا العظم هو نظير الزند الأعلى في الساعد إذ بذلك الزند تتم حركة للساعد حركة الالتواء والانبطاح وكذلك هذا العظم به تتم للقدم حركة الدوران نحو الجانبين. فإن الإنسان قد يحتاج إلى ذلك عند حاجته إلى الثبات قائماً على حرف قدمه. وذلك كما إذا كان عند أخمصه جراحة ونحو ذلك.