الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ الدماغ يقال على معان: أحدها: الرأس بجملته فيكون مرادفاً له إلا أن لفظ الرأس يستعمل في التعظيم والمدح.
والدماغ يستعمل في أضداد ذلك فيستعمل في التحقير والذم. ولذلك يقال للعظيم: وحق رأسك ولا يقال: وحق دماغك.
وثانيها: ما دون القحف. فتدخل فيه الحجب والشبكة ونحو ذلك مما في داخل القحف. وثالثها: نفس المخ، وهذا هو المعنى المشهور.
قوله: الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابي يريد بالدماغ ها هنا مادون القحف إذ لو أراد الرأس نفسه لدخل فيه الجلد والسمحاق والقحف.
ولو أراد المخ، لم يدخل فيه الحجب، ويريد ها هنا بانقسام الدماغ إلى الأشياء المذكور لا قسمة العام والخاص. وإلا كان لفظ الدماغ يصدق على كل واحد من هذه الأشياء فيقال للحجاب دماغ، وكذلك التجويف وليس كذلك بل يريد بهذا الانقسام انقسام الجزء إلى أجزائه وذلك لأن ما دون القحف منه ما هو عضو كالحجب، ومنه ما هو رطوبة كالمخ ومنه ما هو بعد كفضاء البطون.
وقيل المراد بالبطون التجاويف التي هي الأفضية التي في داخل القحف والتي في داخل الأم الجافية، أو التي في داخل المخ.
الظاهر من كلامه، ومن كلام غيره أنهم يريدون الأفضية التي يعتقدون أنها في داخل المخ، وذلك لأنهم يزعمون أن في داخل المخ تجاويف ثلاثة وأنها مملوءة من الأرواح النفسانية وأن تلك الأرواح هي التي تقوم بها القوى التي بها الحس، وهي التي يسمونها الحس المشترك.
والقوى التي يسمونها الخيال. والقوى التي يسمونها الوهم، والتي يسمونها تارة مفكرة وتارة متخيلة والقوى التي يسمونها حافظة وذاكرة: وأنا إلى الآن لم يتحقق لي شيء من ذلك على الوجه الذي أرتضيه وقولهم إنهم شرحوا وأبصروا الأمر على ما ذكروه مما لا يوقع عندي ظناً فضلاً عن جزم.
فكثيراً ما رأيت الأمر على خلاف ما ادعوا أنهم صادفوه بالتشريح الذي يدعون أنه تكرر لهم كثيراً.
قوله: وجميع الدماغ منصفاً في طوله تنصيفاً نافذاً في حجبه ومخه، وفي بطونه أما بنصف القحف في أعلاه فظاهر. وذلك لأنه في باطنه نتوء ذاهب في طوله تحت الدرز السهمي ولهذا النتوء فائدة غير التنصيف ويبقى أن يكون العظم عند اتصاله بالدرز السهمي غليظاً فيكون بذلك متداركاً لما يوجبه الانفصال من وهن الجرم.
وأما الحجاب الغليظ وهو الأم الجافية فلا يظهر فيها تنصيف البتة إلا بالشعب الذي ينفذ منها في الدرز السهمي، وينبث في السمحاق ليرتبط هذه الأم بسبب تلك الأجزاء بالقحف ارتباطاً محكماً فلا يقع على المخ بل تكون معلقة بينه وبين عظام القحف وأما المخ نفسه فإنه ينقسم في طوله بما ينفذ فيه في طوله من الأم الرقيقة.
وبذلك المنافذ يحدث أيضاً لهذه الأم تنصيف وفائدة هذا التنصيف أن يكون أحد النصفين قائماً بما يحتاج إليه إذا حدث للنصف الآخر آفة وليكون ما يعرض من الآفات لشيء من هذه الأجزاء أعني العظام والحجب والمخ لا يكثر عموم ذلك لباقي جوهرها لآفة عارضة له.
قوله: وإن كانت الزوجية في البطن المقدم وحده أظهر للحس.
أما ظهور ذلك في عظام القحف فلأجل زيادة غلظ النتوء الذي به تنصيف العظم في مقدم الدماغ وذلك لأجل اتساع ذلك الموضع، وكذلك زيادة ظهور ذلك في المخ، فإنه لأجل زيادة غلظ النازل منه في مقدمه لأجل كبر ذلك الموضع يظهر ذلك التنصيف أكثر. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني
مزاج الدماغ وقوامه
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وقد خلق جوهر الدماغ بارداً
…
إلى قوله: والجزء المؤخر أصلب.
الشرح إن الكلام في مزاج الدماغ قد وقع ها هنا بالعرض لأن من جملة ما ينبغي الكلام فيه من التشريح هو قوام الأعضاء فالسبب المحدث لقوام الدماغ هو مزاجه. فإن الدماغ يحتاج أن يكون كثير الرطوبة جداً. بل الأولى أن يعد في جملة الرطوبات لا في الأعضاء وزيادة الرطوبة يلزمها لين القوام لأن كثرة الرطوبة إنما تكون لزيادة المائية والمائية إذا لم تكن جامدة كانت سهلة القبول للتشكل والانفعال وذلك مما يحتاج إليه في القوام اللين بل لا يتم لين القوام إلا به.
ومراده ها هنا بالدماغ إنما هو المخ لا غير، لأن ما سواه مما يدخل في لفظ الدماغ بالمعاني الأخر، فإنه وإن كان بارداً فليس برطب.
قوله: وأما برده قليلاً يشغله كثرة ما يتأدى إليه من قوى حركات الأعضاء وانفعالات الحواس، وحركات الروح كل عضو خلق لفعل فإن مزاجه يجب أن يكون مما يعين على ذلك الفعل على ذلك الفعل مثال ذلك القلب فإنه لما كان فعله توليد الروح الحيواني وذلك إنما يمكن بأن يكون في الحرارة بحيث يبخر الدم الواصل إليه من الكبد حتى يصعد ذلك الدم إلى الرئة، ويخالط ما فيها من الهواء المثبوت في جرمها فيحصل من المجموع مادة تصلح لأن يتكون منها الروح إذا حصلت تلك المادة في التجويف الأيسر من تجويفي القلب لذلك احتيج أن يكون مزاج القلب شديد الحرارة، وكذلك العظم لما احتيج إليه ليكون للبدن كالأساس والدعامة والدماغ وجب أن يكون شديد الصلابة، وإنما يمكن ذلك إذا كانت الأرضية فيه كثيرة جداً ويلزم ذلك أن يكون مزاجه بارداً يابساً هذا إذا كان الفعل لذلك العضو.
أما إذا كان لغيره وتأثير ذلك الفعل يصل إلى عضو آخر كان ذلك العضو ليس يجب فيه أن يكون على مزاج يعين على ذلك الفعل بل قد يجب أن يكون على مزاج ينافيه فعل الدماغ، فإنه لما كان يتسخن بأفعال أعضاء وأرواح وكان إفراط ذلك التسخن يلزمه الإضرار به جداً، وجب أن يكون مزاجه مزاجاً ينافي الإفراط في ذلك التسخين. وإنما يكون ذلك بأن يكون مزاجه بارداً فإن البارد غير مستعد للتسخن الكثير، وإن كان فعله قوياً، ولذلك وجب أن يكونه مزاج الدماغ بارداً، وكذلك نقول في الرطوبة. وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك العضو لا يتضرر في أفعاله بذلك المزاج مثل الدماغ فإن فعله تعديل الروح الحيواني حتى يصير صالحاً لصدور الأفعال النفسانية عنه فإنما يتم ذلك بأن يكون مزاجه بارداً رطباً فإن الروح الحيوانية ذات حرارة، وقلة رطوبة ولا كذلك القلب فإنه وإن كان يتسخن بكثرة حركاته، وحركات الشرايين المتصلة به ونحو ذلك فإن مزاجه لا يمكن أن يجعل بارداً، وإلا كان ذلك مضراً له في فعله الذي هو توليد الروح، فلذلك خلق حار المزاج، وجعل له ما يمنع إفراط تسخنه، وذلك بأن يجعل الهواء يصل المبرد إليه في أزمان متقاربة جداً ليمنع إفراط تسخينه.
قوله: ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات هذا إنما يجب أن تكون معه الرطوبة إذا كان التشكل واقعاً في العضو نفسه. أما إذا كان في الروح المحوية فيه، فإن ذلك مما لا يلزم البتة والتشكل الواقع عند التخيل والإدراك ونحوهما إنما هو في الروح لا في جرم الدماغ، فلذلك لا يلزم بسبب ذلك أن يكون رطباً.
قوله: أما الدسومة فليكون ما ينبت منه من العصب علكاً.
قد بينا فيما سلف من كلامنا في الأمور الطبيعية أن العصب لا ينبت من الدماغ البتة، والعلك هو اللدن الذي مع لدونته لين.
قوله: وليكون الروح الذي يحويه الذي يفتقر إلى سرعة الحركة ممداً برطوبته الروح الذي يحويه الدماغ يحتاج إلى سرعة الحركة، وأما الروح المتحرك بالإرادة فليكون للإنسان متى أراد تحريك عضو تحرك ذلك الروح من الدماغ إلى العضل المحرك لذلك العضو في زمان لا تحس قدره.
وأما الروح المفكر، فليكون للإنسان متى أراد الفكر في أمر تحرك ذلك الروح إلى التفتيش في المخزون في الخيال وفي الحافظة ليقع بسرعة على الأمر الذي يتوصل به إلى المطلوب وسرعة حركة الروح يحتاج فيه إلى رقة قوام ذلك الروح، وقلة برودته. فإن غلظ القوام مانع من سرعة النفوذ، وكذلك زيادة البرد، فإن البرودة منحدرة مانعة من سرعة الحركة والحرارة معينة على ذلك، وإنما يكون الروح لطيف القوام إذا كان الغالب عليه الجوهر الهوائي. وذلك إنما يوجب الرطوبة التي هي بمعنى سرعة الانفعال لا الرطوبة البالة المائية، ورطوبة الدماغ إنما تكون بكثرة مائيته، فلذلك يكون ترطيبها للروح إنما يكون بمعنى الرطوبة البالية، وذلك مانع من سرعة الحركة فلذلك قوله إن رطوبة الدماغ مما يعين على سرعة حركة الروح مما لا يصح بوجه.