الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفائدة من تلاقي الأجزاء المتصعدة إلى قمة الرأس أعني تلاقي فوهات الصاعدة من اليمين لفوهات الصاعدة من اليسار أن يكون ما ينقص من الروح الحيواني لو زيد في فروع الصاعد من اليمين أو من اليسار يمكن أن يعدل بما في فروع الصاعدة من الجانب الآخر فلا تكون هذه الروح ناقصة في أحد الجانبين عن الآخر، وإنما كان نفوذ ما ينفذ إلى داخل الدماغ من هذه الشرايين ليس ينفذ من مقدم الدماغ بل إما من مؤخره أو من قرب مؤخره لأن الحق أن هذه الروح تكون عند مؤخر الدماغ على طبيعتها غير متغيرة تغيراً كثيراً، وتغيرها الكثير إنما يكون في مقدم الدماغ، والمشهور غير هذا وهيئة التشريح تصدق ما قلناه، وسنبرهن على ذلك كما ينبغي إذا نحن تكلمنا في تشريح الدماغ. إن شاء الله عز وجل. والله ولي التوفيق.
البحث الثالث هيئة الشبكة التي تحت الدماغ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه بل تنتسج عند الشبكة عروقاً في عروق طبقات من غضون على غضون
…
إلى آخر الفصل.
الشرح الغرض من هذه الشبكة تعديل الروح الصاعد إلى الدماغ، وهو الروح الحيواني معدلاً عن حرارة الزائدة حتى يقارب الاعتدال فيقرب بذلك من الاستعداد لأن تصدر عنه الأفعال النفسية، وإنما جعلت تحت الدماغ لا فوقه ولا إلى جانب لأن تبرد ما يوضع تحت الجسم المبرد أكثر كثيراً من برد ما يوضع فوقه أو إلى جانبه، لأن البارد وأجزاءه من شأنها التسفل لا غير، وإنما فرقت هذه العروق كالشبكة ليتفرق ما فيها من الروح إلى أجزاء صغيرة، فتكون أقبل للانفعال.
وإنما احتيج إلى ذلك مع أن الروح وإن كانت شديدة اللطافة فإنها شديدة الحرارة، وتبرد الحار عن البارد الضعيف البرد من غير مداخلة ومخالطة بطيء جداً وعسر، فلذلك احتيج إلى هذا التفرق، ولذلك خلقت هذه الشبكة من شرايين لا تخالطها أو ردة وذلك لئلا تخالط هذه الروح الدم فيغلظ قوامها، ويلزم ذلك قلة استعدادها بسرعة الانفعال، وجعلت هذه الشبكة بين العظام الموضوعة تحت الدماغ وبين الأم الجافية المحيطة بالدماغ من أسفل، وإنما فعل كذلك لأنها لو وضعت فوق الأم الجافية لكانت مع أنها أقرب إلى جوهر الدماغ، فإنها تجاوز الدم الذي يكون في البركة التي هي المعصرة، فإن هذه المعصرة، على ما نبينه بعد هي وهذه تحدث من أسفل موضع من الأم الجافية، وذلك الموضع المتسفل مملوء من الدم، فلو جعلت الشبكة فوقه تسخنت به فإن الحرارة من شأن حاملها التصعد كما أن البرودة من شأن حاملها التسفل. وكان أيضاً تكثير ما يخالطها من الأبخرة المتصعدة من ذلك الدم لأجل حرارته، فكانت الأرواح منها تغلظ، ويقل قبولها بسرعة الانفعال، فلذلك احتيج أن يكون وضع هذه الشبكة تحت الأم الجافية، ووضع المعصرة فوق تلك الأم، ثم إذا تعدلت هذه الروح واحتيج إلى تصعدها إلى الدماغ، وجب أن تجتمع عروقها وتصير كما كانت أو لاً زوجاً، وذلك لأن هذه العروق لما كانت موضوعة تحت الأم الجافية، فإنما يمكن نفوذها إلى الدماغ بأن يخرق أو لاً تلك الأم، ولو خرقتها وهي على حالها متفرقة لزم ذلك حدوث ثقوب كثيرة جداً في الأم الجافية ولزم ذلك وهن جرمها جداً، وإنما وجب أن تكون هذه العروق بعد تجمعها زوجاً ليكون كل فرد منه يصعد من جانب فتكون قسمة الروح على الجانبين عادلة، وإنما لم يجعل منها زوج آخر أحد فرديه قدام الدماغ، والآخر خلفه، لأن هذا الزوج يجب أن يكون تصعدها أو لاً إلى البطن المؤخر من الدماغ فلذلك يكون تصعدها من قرب جانبيه فقط.
الفصل الخامس
تشريح الشريان النازل من الأورطي
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما القسم الثاني
…
إلى آخر الفصل.
الشرح إن هذا الفصل مشتمل على مطلبين، أحدهما في هيئة الشريان النازل.
وثانيهما: في تعديد المواضع التي لا تصحب الشرايين فيها الأوردة فلذلك اشتمل كلامنا في هذا الفصل على بحثين.
البحث الأول تعريف هيئة الشريان النازل قد عرفت مما سلف أن الشريان العظيم المسمى أورطي ينقسم إلى قسمين: أصغرهما إلى أعالي البدن ويتفرق فيها، ويسمى الشريان الصاعد. وأعظمها ينزل إلى أسافل البدن، ويسمى الشريان النازل، وفائدة ذلك إيصال الروح الحيواني إلى جميع الأعضاء، لإفادتها الحياة والحياة الغريزية.
وينبغي أن يكون نزول هذا الشريان إلى أسفل من أقرب الطرق وأحرزها والطريق الأقرب هي المستقيمة، وأحرز الطرق أن تكون قدام عظام الصلب ملاقياً لها، وإنما كانت هذه الطريق أحرز، لأنه يكون فيها من خلف محروزاً بعظام الصلب. وأما من قدام، فإن أعلاه يكون محروزاً بعظام القص، وأسفله محروزاً بالأحشاء الموضوعة أمامه.
وأما من الجانبين فإن أعلاه يكون محروزاً بالأضلاع، وأسفله محروزاً بالأحشاء التي في جانبيه.
وإنما احتيج أن يكون المحرز له من خلف أكبر وأعظم وهو عظام الصلب لأنه من خلف غائب عن حراسة الحس، وإنما لم يجعل أسفله محروزاً بعظام من قدامه وجانبيه كما في أعلاه لأن ذلك غير ممكن إذ لو فعل في أسا فل تنور البدن، عظام من قدامه وجانبيه لتعذر مع ذلك انحناء البدن وانعطافه إلى جهة من الجهات، وكان ذلك مانعاً من الأعمال الإنسانية ونحوها.
فلذلك تعذر أن يكون أسفله محروزاً من قدامه، وجانبيه بعظام كما في أعلاه، وأما في أعلاه، فإن ذلك ممكن لأنه لا يعاوق عن الأعمال الإنسانية ونحوها. ولما كان القلب موضع مخرج هذا الشريان منه غير ملاق لعظام الصلب احتاج هذا الشريان في نفوذه إلى ملاقاة تلك العظام التي توجه إليها. وينبغي أن يكون ذلك على الاستقامة لئلا تطول المسافة التي هو فيها غير متكئ على عظام، وموضع انفصال هذا الشريان من الشريان الآخر الصاعد إلى محاذاة الفقرة الخامسة من فقار الظهر، فلذلك يجب أن يكون نفوذ هذا الشريان في توجهه إلى عظام الصلب، وهو إلى هذه الفقرة.
وعند نفوذه إليها يحتاج أن ينعطف لينزل إلى أسفل فلذلك يحدث له هناك زاوية، وملاقاة تلك الزاوية لعظام الصلب مضر لا محالة لهذا الشريان، فلذلك خلقت هناك غدّة تسمى التوتة. لتكون بهذا لشريان وطئاً، وهناك يرتبط لا محالة بعظام الصلب، ويمتد عليها إلى حيث يمكنه النفوذ إلى الرجلين على الاستقامة، وذلك عند فقرات العجز فلذلك هذا الشريان يمتد على عظام الصلب من الفقرة الخامسة من فقرات الظهر إلى فقرات العجز. ولما كان النخاع جزءاً من الدماغ وجب أن تكون حاجته إلى كثرة الأرواح الحيولية قريبة من حاجة الدماغ فلذلك احتيج أن ينفذ إليه شعب كثيرة من هذا لشريان إلى النخاع شعب من كل فقرة يمر عليها. ولذلك ترسل شعباً أخر إلى الأعضاء التي يمر على محاذاتها على ما هو مذكور في الكتاب.
قوله: ثم من بعد ذلك تنفصل منه ثلاثة شرايين: الصغير منها يختص الكلية اليسرى. السبب في اختصاص هذه الكلية بذلك أنها في الجانب الأيسر، وبقرب الطحال، فلو لم يختص بهذه الشعب تسخنها لكانت تبرد، فتخالف كثيراً لمزاج الكلية اليمنى.
قوله: والآخران يصيران إلى الكليتين لتجذب الكلية منهما مائية الدم فإنهما كثيراً ما يجتذبان من المعدة والأمعاء دماً غير نقي، لا شك أن هذين الشريانين، مع أنهما يفيدان الكليتين الحياة والحرارة، فإنهما ينتفع بهما في الكليتين لأنهما يجتذبان منهما مائية كثيرة فتنقى بسبب ذلك ما في الشرايين من الدم عن تلك المائية وأما سبب هذه المائية التي تحتاج إلى اجتذاب الكليتين لها فليس ما قاله. فإن الشرايين ليس من شأنها اجتذاب الدم المائي، بل سبب ذلك أن الدم الذي يصل إلى القلب لا بد من أن يكون كثير المائية. ولذلك سبب فاعلي، وسبب غائي.
أما السبب الفاعلي: فهو أن الدم الذي يأتي القلب إنما يأتيه من الوريد الصاعد. ودم هذا الوريد لا يخلو من مائية كثيرة خاصة عند قرب الكبد، وذلك لأن هذا الوريد يتصل به ما يصفي الدم من المائية كما في الوريد النازل على ما تعرفه بعد.
وأما السبب الغائي: فهو أن القلب يحتاج إلى أن يتصعد منه أجزاء كثيرة من الدم وينفذ إلى الرئة فيخالط الهواء، ويحدث من ذلك جرم مستعد لأن يصير في القلب روحاً وتصعد هذه الأجزاء يكون بالتبخر، وكثرة المائية في الدم مهيئة لذلك التبخير فإن الأجسام الأرضية يقل تصعدها بالحرارة ومخالطة المائية للأرضية تهيئها لذلك فلذلك احتيج أن يكون الدم الواصل إلى القلب كثير المائية، وجرم القلب كثير الأرضية فلا بد من أن يكون اغتذاؤه بما يناسبه من ذلك الدم، فلذلك تكثر المائية في الدم الذي يتصعد منه إلى الرئة لأجل انصراف الأرضية إلى غذاء القلب.