الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان لنا جار توفيت زوجته عن طفل رضيع. ولم يكن له جدة يتخذها مرضعة. فتولد اللبن في ثديه. وكان إذا عصر ثديه خرج منه لبن كثير. وكان لبعض كبراء أهل دمشق أتان توفيت بعد أن وضعت جحشاً، وعنده بغلة. فدر لتلك البغلة لبن كثير يجري من ثدي تلك البغلة. فكان إذا ركب تلك البغلة، وأخذ الجحش خلفها يستحي من الناس، وإذا ترك الجحش في الاصطبل صار اللبن يجري من ثدي تلك البغلة وهي تمشي تحته، وهو مستح من الناس. فلم يكن له إلا أن ترك ركوب تلك البغلة إلى أن فطمت الجحش. ومن خواص الإنسان أن ثدييه في صدره، وثديا الفيل يقربان من صدره. وثديا غيره يقرب من الرحم، وسبب ذلك أن قرب الثدي من الرحم أولى ليكون وصول المادة إليه من الرحم في حال الحمل أسهل. وطفل غير الإنسان يتمكن من الارتضاع من ثدي أمه وهو بقرب الرحم فلذلك وجب أن يخلق الثدي هناك في غير الإنسان من الماشية وغير ذلك. وأما الإنسان فإن ذلك تعذر فيه لأن طفل الإنسان لا يقوى على القعود ولا على القيام عقيب الولادة بل إنما يقوى على ذلك بعد مدة يعتد بها، وفي تلك المدة لا يتمكن من الارتضاع من الثدي إذا كان كما في الماشية. لأنه في تلك المدة يكون مستلقياً، فإنما يسهل ارتضاعه بأن يكون الثدي مرتفعاً عن وركي المرأة في حال قعودها بقدر يعتد به. وذلك بأن يكون في الصدر فإنه حينئذٍ يسهل دخول الحلمة في فم الطفل إذا كان مستلقياً على وركي أمه. وتختلف الحيوانات في عدد أثدائها لاختلافها في عدد الأولاد فيكون عدد الثدي في كل حيوان بعدد أكبر ما يولد لها في العادة. وأكثر ما للإنسان في العادة ولدان، فلذلك يكون له ثديان فقط. وأما الكلاب فأكثر عدد يولد لها عادة هو ثمانية، ولذلك لها ثمانية أثداء. قوله: لحم غددي لا حس له، أبيض اللون ولبياضه إذا تشبه به الدم أبيض.
هذا الكلام لا يصح. وذلك لأن اللحم الغددي وإن كان أبيض غير شديد بل يميل إلى الحمرة قليلاً والدم إذا شبه بهذا اللحم فإن كان التشبه به تاماً صار لو نه أبيض إلى حمرة لبياض ذلك اللحم، وإن كان ذلك التشبه أقل، كانت الحمرة أغلب لأن لو ن الدم يكون بطلانه حينئذٍ أق، واللبن كذلك فإن بياضه شديد جداً بل العلة في بياض اللبن هو ما يحدث له من الزبدية بسبب ما يعرض له من الغليان في الثدي، والزبدية يلزمها البياض على ما عرف في العلوم الأصلية. والله ولي التوفيق.
فصل
تشريح المريء والمعدة
إن الحيوان يخالف النبات في أمر الغذاء من وجوه المحتاج إلى ذكره ها هنا وجهان: أحدهما: أن الحيوان ليس يتناول الغذاء دائماً، فإنه يشتغل عنه بالنوم وبتحصيل مادة الغذاء ونحو ذلك. وثانيهما: أنه يتناول الغذاء بالإرادة وبالشهوة، ولا يقتصر على ما هو في نفس الأمر النافع بل على ما تدعو إليه الشهوة. ولا كذلك في النبات فإنه دائماً يجتذب الغذاء من الأرض، وإن كان هذا الجذب قد يضعف في بعض الأزمان كما في الشتاء. فإن النبات في الشتاء يقل جذبه للغذاء إنما هو بالطبع، وبالجذب الطبيعي، وأما دوام التحلل فهو مشترك بين الحيوان والنبات. ولما كان التحلل في الحيوان دائماً وورود الغذاء ليس دائماً فلا بد من أن يكون في أبدان الحيوان مادة معدة لتغذيته أو لاً فأولا حتى لا تجف أعضاؤه إلا أن يرد الغذاء إليه من خارج، وهذه المادة لا بد أن تكون صالحة لتغذية أعضاء الحيوان، وإنما يكون كذلك إذا كانت مركبة فإن الأجسام البسيطة لا يمكن أن تغذوا لأعضاء، ولا أن يتكون منها عضو أو جزء عضو لذلك لا بد من أن تكون هذه المادة جسماً مركباً، ولا بد من أن يكون مع ذلك ذا رطوبة يسهل انفعالها واستحالتها إلى جواهر الأعضاء. ولا بد من أن يكون مع ذلك سيالة حتى يتمكن من التحرك إلى كل واحد من الأعضاء الملاقية، فيتمكن ذلك العضو من إحالتها إلى طبيعته، وهذه المادة هي الأخلاط، فإذاً لا بد من أن يكون في أبدان الحيوان أخلاط. لكن هذه الأخلاط تقل في بعض الحيوان كما في السمك ويكثر في بعضها كما في الإنسان والفرس ونحو ذلك. والأخلاط لا يمكن أن تكون حاصلة في بدن الحيوان من أو ل زمان الخلقة إلى أن يفسد من غير أن تكون مستمدة من أجسام أخر يرد إليها من خارج فإن بدن الحيوان عند أو ل الخلقة لا يمكنه أن يتسع لما يكفي في تغذيته زماناً فيه تتم خلقته، فإن بدنه حينئذٍ يكون لا محالة أصغر من ذلك بكثير فكيف تكون فيه ما يكفي لهذه التغذية مدة عمر الحيوان، فلذلك لا بد من أن تكون هذه الأخلاط تستمد من أجسام أخر ترد إليها من خارج وتستحيل طبيعته إلى طبيعة تلك الأخلاط فإن من المستحيل أن يوجد في خارج البدن أخلاط حاصلة بالفعل حتى يمكن ورودها إلى أبدان الحيوانات، ويكون منها أخلاط بدون أن تستحيل على حالها التي هي عليها وهي في خارج البدن، فلا بد من أجسام أخر ترد إلى أبدان الحيوانات وتستحيل فيها إلى مشابهة المادة المعدة لتغذيتها، وتلك الأجسام تسمى أيضاً أغذية. وهي مثل الخبز واللحم والطعام للإنسان ولا بد أن تكون لهذه الأجسام التي تسمى أغذية في بدن الإنسان ونحوه عضو يحيلها إلى طبائع الأخلاط وذلك العضو هو الذي نسميه الكبد، وسندل على ذلك إذا بلغنا إلى تشريح الكبد. وهذه الكبد سنبين أن جذبها للغذاء لا بد أن يكون طبيعياً والجذب الطبيعي إنما يكون لما هو نافع موافق للغرض الطبيعي، وأخذ الحيوان الأجسام التي تسمى أغذية كما قلناه هو بالإرادة وبالشهوة وذلك ما لا يشترط فيه أن يكون في نفس الأمر موافقاً، فلذلك إذا أخذت الكبد منه النافع الموافق فلا بد أن يبقى منه ما ليس بموافق ولا نافع غير منجذب إلى الكبد. وهذا الشيء إن بقي في البدن دائماً فسد وأفسد الأخلاط وغيرها. فلا بد من أندفاعه وخروجه من البدن، وإنما يمكن ذلك بعد تمييزه عن الطبيعي والنافع. وإنما يمكن ذلك بعد أن يفعل فيه عضو آخر فيحيله إلى حالة يتمكن الكبد من جذب النافع منه دون غيره، وذلك العضو هو المعدة فإذا لا بد في اغتذاء الإنسان ونحوه من أن يكون له معدة يهضم الأجسام التي تسمى أغذية فتحيلها إلى حالة يتمكن الكبد بسببها من تخليص موافقها من غيره فتجتذب ذلك الموافق وتخطي من غيره فيحتاج إلى دفعه، وهذه المعدة لا يمكن أن تكون موضوعة عند الفم حتى يمكن أن ترد إليها الأجسام الغذائية من الفم من غير توسط يقبلها من الفم ويؤديها إلى المعدة. وذلك لأن المعدة لو كانت موضوعة هناك لكانت الكبد إذا أخذت النافع من تلك الأجسام احتاجت المعدة إلى دفع ما يبقى من الفضلات إلى أسفل لتخرج من مخارج الفضول التي بينا مراراً أنها لا بد من أن تكون في جهة مقابلة لجهة مورد الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون في أسفل البدن فكانت تلك الفضول في اندفاعها لا بد من أن تمر على القلب إذ قد بينا أنه لا بد من أن يكون موضوعاً في الصدر، وكان يلزم ذلك