الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتخلخل والحاجة إلى الغذاء لا زمان لكل واحد من الأعضاء وأما الجوع فليس بلازم لكل واحد منها فإن الجوع إحساس ما، والحس ليس يمكن أن يعم الأعضاء. فإن بعض الأعضاء تمنع عليه الحس، لأن الحس إنما يكون مع اعتدال المزاج أو القريب من الاعتدال وليس يمكن أن تكون الأعضاء جميعها كذلك فلذلك لا يمكن أن يكون عضو جوع يخرجه إلى طلب الرزق فلا بدمن عضو يتكفل للأعضاء جميعها بشدة طلب الغذاء وإنما يمكن ذلك بأن يكون الجوع يحدث له ألماً شديداً يحوجه إلى شدة طلب الغذاء ويحوج صاحبه إلى شدة السعي في تحصيله وذلك العضو هو المعدة وهذا الألم الذي يحدث لها عند الجوع، إنما يكون لأمر يحدث لها حينئذٍ إذ لو كان دائماً لكان ما يحدثه من الجوع دائماً، وهذا الحادث لا بد من أن يكون إيلامه للمعدة مقوياً له إذ لولا ذلك لكانت تضعف جداً بكثرة حدوث ذلك الألم لها وإنما يمكن ذلك أن يكون إحداثه لذلك ليس بإحداث سوء مزاج يحدث للمعدة وإلا كان كثرة حدوث ذلك موحياً لفساد مزاج المعدة، وذلك محدث لضعفها فلا بد من أن يكون ذلك الألم بإحداث تفرق اتصال ويكون ذلك التفرق من شأنه أن يفارق ويرتد الاتصال بسهولة وبطبيعة المعدة من غير احتياج إلى شيء آخر يرد ليرد ذلك الاتصال وإنما يمكن إذا كان ذلك التفرق يسيراً جداً فإن التفرق الكثير الشديد تعسر إزالته بنفس الطبيعة والتفرق اليسير لا يكون ألمه ظاهراً شديداً ما لم يكثر عدده كثيراً جداً حتى يكون كل واحد من أفراده مع أنه غير محسوس فإن الحمل يحس ويؤلم ألماً ظاهراً. وهذا التفرق الذي هو كذلك هو التفرق الحادث عن الشيء اللاذع فإن اللذاع يحدث في العضو تفريقات كثيرة ليس يحس واحد منها لكن يحس بجملتها وتكون جملتها هي المؤلمة وهذا كما يحدث في الفم عند المضمضة بالخل مع الخردل المسحوق فلا بد من أن يكون في المعدة عند خلوها وخلو الأعضاء من الغذاء والاحتياج إلى ورود الغذاء يرد إليها ما له لذع يؤلم المعدة ويحوج إلى تكلف تحصيل الغذاء وهذا اللاذع لا يمكن أن يكون لذعه بحرارته كما في الصفراء وإلا كان منفرداً عن الغذاء لا محرضاً على تناوله ولا بد من أن يكون لذعه غير ذلك ولا بد من أن يكون هذا الشيء من الرطوبات كما بيناه في تشريح المرارة وليس في رطوبات البدن ما يلذع بغير المرارة إلا ما طعمه حامض ولا بد من أن تكون فيه هذه الحموضة مع قبض يشد المعدة ويقويها وليس في الرطوبات ما يجمع هذين الطعمين إلا السوداء وذلك بعد غليانها المحدث لنضجها إذن بدون ذلك تكون السوداء الطبيعية طعمها بين حلاوة وعفوصة فلا بد إذن من أن تكون السوداء التي قد نضجت بالغليان وحمض طعمها ينصب إلى المعدة عند الحاجة إلى الغذاء ليحرض على تناوله ولا يمكن أن تكون السوداء ترد إلى المعدة من موضع بعيد كما قلناه في الصفراء المندفعة إلى الأمعاء ولا بد من أن تكون هذه السوداء ترد مخزونة في عضو بقرب المعدة، وذلك العضو هو الطحال فلا بد من أن يكون هذا الطحال من شأنه جذب السوداء وإصلاحها بعد ذلك وإنضاجها ثم دفع ما فضل عنه إلى المعدة عند الحاجة إلى تناول الغذاء ولا بد من أن يكون بالقرب منها ليسهل اندفاع السوداء منه إليها وإذا ضعف الطحال كثرت السوداء في الدم الواصل إلى البدن فلزم ذلك حدوث الأمراض السوداوية سواء ضعف عن جذب السوداء أو عن دفعها إلى المعدة.
أما إذا ضعف عن جذبها فلأنها حينئذٍ تبقى مخالطة للدم.
وإذا ضعف عن دفعها إلى المعدة فلأنها حينئذٍ تكثر فيه وتملاً أو عيته فلا يتمكن من جذب شيء آخر فتكثر السوداء في الدم كما قلناه عند ضعف الجذب فلذلك لا شيء أنفع من الأمراض السوداوية من تقوية الطحال فإن ذلك يلزمه نقصان السوداء في الدم.
قوله: والطحال مستطيل لساني. السبب في خلقه مستطيلاً أن يكون ممتداً في بعض طول المعدة حتى يسهل اندفاع ما يندفع منه من السوداء إليها ولم يخلق مستديراً لئلا يكثر جرمه. فإن تقليل جرمه أولى. ولذلك إذا سمن تضرر البدن ونحف. وإنما لم يخلق مشتملاً على المعدة كما في الكبد لئلا تكثر ملاقاته لها فيفسد هضمها برداءة مزاجه. والله ولي التوفيق.
فصل
تشريح الأمعاء الستة
وكلامنا في هذا يشتمل على خمسة مباحث:
البحث الأول
منفعة الأمعاء
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه
إن الخالق تعالى بسابق عنايته
…
إلى قوله: من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى.
الشرح قد علمت أن المعدة لا بد منها في هضم الغذاء وتهيئته في للإنهضام في الكبد ليتكون منه الدم وغيره من الأخلاط التي لا بد منها في التغذية التي لا بد منها في بقاء الإنسان ونحوه من الأجسام المغتذية وقد عرفت أن هضم المعدة يتم بأمرين: أحدهما: فعل صورتها في الغذاء لتحيله إلى مشابهة جوهرها.
وثانيهما: فعل الحرارة الطابخة للغذاء حتى تتشابه أجزاؤه وتصلح لفعل الكبد فيه فإذا تم انهضام الغذاء فيها لهذين الأمرين وجب أن يندفع منها ولا يلزم فيها بعد ذلك زماناً له قدر يعتد به لأنه لو بقي فيها بعد ذلك زماناً كثيراً لزم ذلك أمران: أحدهما تعذر نفوذ غذاء آخر إليها فتهضمه كما هضمت الأول إذ لا يكون لهذا الثاني مكان ويلزم ذلك تضرر البدن بانقطاع الغذاء الثاني عنه إلى أن يندفع الأول.
وثانيها: إن الغذاء إذا بقي في المعدة بعد تمام انهضامه فسد لأن الحرارة لا بد وأن يستمر عملها فيه. ويلزم ذلك أن يتدخن أو يحترق وبالجملة أن يصير بحال لا يصلح لفعل الكبد فيه فلذلك وجب أن يندفع الغذاء من المعدة إذا تم انهضامه فيها واندفاعه حينئذٍ لا يمكن أن يكون إلى الكبد فإن عروق الكبد لأجل ضيقها لا يمكن نفوذ الغذاء فيها دفعه وفي زمان قصير جداً ولو اندفع إلى فوق فخرج بالقيء مثلاً لغابت منفعته فلا بد من أن يكون اندفاعه حينئذٍ إلى داخل البدن وأن يكون ذلك في تجويف يمكن نفوذه فيه دفعة، وهذا التجويف لا يمكن أن يكون بحيث يخرج هذا الغذاء منه دفعة أيضاً بل لا بد وأن يقيم فيه الغذاء مدة في مثلها يتمكن الكبد من أخذ الصالح منه الصافي فلذلك لا بد من أن يكون هذا التجويف بقرب الكبد ولا بد من أن يكون مع قبوله لجملة الغذاء دفعة يتعذر مع ذلك خروجه منه دفعة، وإنما يمكن ذلك بأن يكون لهذا التجويف امتداد كبير حتى يكون بعضه مستسفلاً على الاستقامة حتى يقبل نفوذ الغذاء فيه من المعدة دفعة ويكون بعضه مع ذلك ملتوياً متعرجاً حتى يعسر نفوذ هذا الغذاء منه إلى خارج دفعة فيفوت الكبد أخذ الصالح منه ولا بد من أن يكون مع تعاريجه والتواءه يصعد بعضه إلى فوق حتى يعسر نفوذ الغذاء في ذلك الصاعد إلا بفعل الطبيعة وذلك عند الحاجة إلى دفعه وذلك عند فراغ الكبد من جذب ما من شأنها جذبه منه.
ولا بد من أن يكون مع ذلك يسهل نفوذ الصالح منه إلى الكبد وهذا إنما يمكن بأحد أمرين: إما أن يكون فيه مجار ينفذ منها إلى داخل الكبد والكبد يجذب ذلك الصالح من تلك المجاري كما هو مذهبهم، وإما أن يكون جرم هذا التجويف واسع المنافذ والمسام حتى يسهل رشح ذلك الصالح من باطن التجويف إلى خارجه فيأخذ الكبد يجذبها له بعضها بنفسها وبعضه بانتشاف العروق التي هي كالأصول للعرق النافذ في مقعر الكبد الذي هو الباب وذلك كما هو مذهبنا. ولكن اتصال المجاري بهذا التجويف قد بينا أنه باطل لأمرين: أحدهما: الوجود كما بيناه فيما سلف مراراً.
وثانيهما: أن هذا التجويف لما كان الغذاء يحصل فيه وهو بعد كثير الرطوبة مستعد لأن تتولد منه الرياح والأبخرة والكبد والمرارة مجاورتان له فهما بحرارتهما يحدثان فيه ذلك وإذا حصلت هذه الرياح ولأبخرة في هذا التجويف فهي لا محالة تمدده وتغير وضع بعض أجزائه عن بعض فلو كان له عروق تتصل به وبالكبد لكانت تلك العروق تعرض لها كثيراً أن تتمدد تمدداً كثيراً ويلزم ذلك تقطعها وكان يلزم ذلك تعذر نفوذ الغذاء وخروج الرطوبات التي في الكبد من ذلك المنقطع من تلك العروق وكان يلزم ذلك فساد البدن، فلذلك نفوذ الغذاء من هذا التجويف إلى الكبد لا يمكن أن يكون بعروق تتصل به وبالكبد كما قالوه. فلا بد من أن يكون على الوجه الذي ذكرناه وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا التجويف ذا مسام كثيرة واسعة وإنما يمكن ذلك بأن يكون جرم هذا التجويف له ثقب حتى يمكن نفوذ الغذاء من خلله، وهذا التجويف هو العضو المسمى بالمعاء.
قوله: خلق أمعاؤه التي هي آلات دفع الفضل اليابس كثيرة العدد والتلافيف.
قد ذكر ها هنا لكثرة عدد الأمعاء وكثرة تلافيفها منفعتين: