الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحداهما: أن يتأخر خروج الثفل منها فلا يخرج كما يدخل فيلزم سرعة خروجه سرعة الحاجة إلى التغذي لأنه إذا خرج بسرعة خرج قل أخذ الكبد منه الغذاء الكافي فاحتيج إلى إدخال غذاء آخر ليأخذ منه القدر الكافي ويلزم ذلك أن يكون حال الإنسان في كثرة عدد اغتذائه كحال الدواب وتلك حال مستنكرة ولذلك فإن من يفعل ذلك من الناس ينسب إلى الشره، والغذاء الوارد بعمل ذلك يكون حاله كحال الأول فيخرج أيضاً بسرعة، ويلزم ذلك كثرة حاجة الإنسان إلى القيام للتبرز وذلك أيضاً مستنكر شاغل له عن المهام ونحوها.
وثانيتهما: أن كثرة عدد الأمعاء وتلافيفها يلزمه تغيير أو ضاع الغذاء الذي في تجويفها وذلك لأن ما كان منه في موضع في العمق يرجع في موضع آخر في المحيط أو ما يقرب منه فيسهل نفوذ ما ينفذ منه إلى الكبد.
أما عندهم فبسبب قربه من العروق الماصة عند حصوله من المحيط.
وأما عندنا فلأجل قربه حينئذٍ من مسام المعاء التي يخرج منها على سبيل الرشح.
ولقائل أن يقول: إن هاتين المنفعتين ليستا متوقفتين على كثرة عدد الأمعاء لأنها لو كانت واحدة ولكنها طويلة وكثيرة التلافيف لكانت هاتان المنفعتان متحققتين مع أن الأمعاء واحد؟ وجوابه: أن اختلاف الأمر في هذا ليس إلا في العبارة فقط، فإن قولنا أن عدد الأمعاء ستة ليس معناه، أن ستة أمعاء منفصل بعضها عن بعض كل واحد منها يقال له معاء بل جميع هذه متصلة. وإنما قلنا إنها كثير ة العدد بمعنى أن بعضها رقيق الجرم ضيق التجويف، وبعضها غليظ الجرم، واسع التجويف. وبعضها ذاهب في الاستقامة. وبعضها ملتو آخذ على الاستدارة وغير ذلك. والكل في الحقيقة شيء واحد متصل فلا فرق بين أن يقال: إنها معاء واحد مختلف الأجزاء فيما ذكرنا، وبين أن يقال إن كل جزء منها معاء برأسه إذ الجميع متصل كشيء واحد. والخلاف في العبارة فقط. والغرض بطول بقاء الغذاء في الأمعاء بالذات ليس تأخر خروجه أو تأخر طلب الغذاء بل الغرض الذاتي بذلك أن يكثر ما يصل إلى الكبد من الغذاء عند طول لبثه في الأمعاء لكثرة ما يجذبه إليها منه.
قوله: فيتمكن طائفة أخرى من العروق من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى إن أراد بهذا الطائفة من العروق بعض العروق الملاقية للأمعاء وهي التي في الثرب مثلاً فذلك صحيح وإن أراد بعض العروق التي نعتقد أنها نافذة في أجرام الأمعاء إلى تجاويفها فذلك مما أبطلناه فيما سلف. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني
تعديد الأمعاء
وتمييز بعضها عن بعض
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعدد الأمعاء ست.. إلى قوله: لزجة مخاطية تقوم مقام التشحيم.
الشرح
إن عدد الأمعاء يجب أن يكون ستة. وذلك لأن المعاء المتصل بقعر المعدة وهو المعروف بالإثني عشري لابد من أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه سريعاً. وسمي كذلك لأنه بقدر اثني عشر إصبعاً بأصابع صاحبه. إنما كان كذلك لأنه يحتاج مع تسفله أن لا يبعد كثيراً عن الكبد فيقرب ما يبعد منه عنها ما يحدث بسبب حرارتها وقوتها الهاضمة من زيادة انهضام الغذاء أعني بذلك الانهضام الذي بعد الغذاء هضم الكبد لا الانهضام الكيلوسي. فإن ذلك الهضم يتم في المعدة وإفادة المعدة له أولى من إفادة المعاء له فلذلك لم يجعل طوله كثيراً بل بقدر ما يتسع لما ينزل إليه من الغذاء فقط ولما كان هذا المعاء ينزل مستقيماً وابتداؤه من المنفذ الذي في أسفل المعدة. وذلك المنفذ في وسط عرض البدن لزم أن يكون نفوذ هذا المعاء قدام فقرات الصلب ولذلك قالوا إنه يرتبط بها ليبقى وضعه محفوظاً ولا ينحرف بما يحدث له من الرياح ونحوها، وهذا لا يصح فإن هذا الموضع قدام أسفل الحجاب، والحجاب يحول بينه وبين عظام الصلب فلذلك لا يمكن ارتباطه بتلك العظام البتة كما أن هذا المعاء يجب أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه كذلك المعاء الآخر وهو المسمى بالسرم وهو المتصل بالمخرج الذي هو الدبر يحتاج أيضاً أن يكون مستقيماً ليسهل خروج الثقل منه ولذلك يسمى هذا المعاء المستقيم وإنما يختص بهذا الاسم له مشاركة الأول في ذلك لأن الأول لقصره ليست تلزمه الاستقامة بخلاف هذا المعاء فإن هذا يأخذ في الانحدار من قرب المعدة إلى الدبر منحدراً على فقار الظهر لأنه يمتد من الدبر إلى الموضع المحاذي له من فوق والدبر في وسطه ثخانة البدن فلذلك يكون هذا المعاء ممتداً في وسط عرض البدن فلذلك يكون ممتداً على فقرات الظهر وقد وسع هذا المعاء وطول ليتمكن أن يتسع لقدر كثير من الثقل، وإنما يمكن لأن هذا الثقل قد يجف ولا يسهل خروجه ويحتبس أياماً فيحتاج هذا المعاء أن يكون تجويفه بحيث يتسع لما يجتمع في تلك الأيام من الثقل. وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا المعاء مع كثرة سعته كثير الطول وأما المعاء الذي بعد الإثني عشري فلا يمكن أن ينزل أيضاً مستقيماً فإن الغذاء ينحدر من المعاء الإثني عشري دفعة. وكان هذا الثاني يتعدى إلى الكبد بكثير وينحدر الغذاء منه سريعاً جداً فلا يتمكن الكبد ولا العروق التي حوله والتي في الثرب من أن يمتص منه غذاء كثيراً، ولا كانت قوة الكبد الهاضمة تقوى على هضم الغذاء الذي فيه فلذلك احتيج أن يكون هذا المعاء يأخذ أو لاً إلى جهة اليمين ليصل إلى الكبد ثم ينحرف عنها آخذاً إلى اليسار وإنما كان كذلك لأن ابتداء هذا المعاء هو من آخر المعاء الإثني عشري فلو نفذ على الاستقامة نازلاً لخرج الغذاء منه ومن الإثني عشري دفعة فلم يكن له منفعة ما في هضم الغذاء ولا في أخذ الكبد منها الصفاوة ولو نفذ أو لاً إلى اليسار لبعد أو لاً عن الكبد وقل جداً ما يأخذ الكبد منه من الغذاء فلذلك احتيج أن ينفذ أو لاً إلى اليمين، ولا يكفي وصوله إلى هناك وإلا كان قصيراً جداً فيقل لذلك منفعته، فلذلك جعل له طول يعتد به ونفذ من اليمين إلى اليسار، وتعدى بذلك موضع ابتدائه ليطول، وهو في أخذه إلى اليمين يأخذ مرتفعاً لئلا يخرج الغذاء من الإثني عشري بسرعة لان نفوذ الثفل إلى فوق عسر ثم إذا انعطف إلى اليسار آخذاً إلى أسفل لأنه لا يجد مسافة مستقيمة لأن سلوكه إلى اليسار تحت مسلكه إلى اليمين وهو في سلوكه إلى اليمين يسلك مرتفعاً فلذلك في سلوكه إلى اليسار لا بد وأن ينحدر ويلزم ذلك سرعة انحدار الغذاء من تجويفه فلذلك نفوذ الغذاء إلى هذا المعاء يطول ويعسر ونفوذه عنه يقصر فلذلك يبقى تجويفه خالياً أعني بذلك تجيفه من عند قرب الكبد إلى آخره وذلك عندما يأخذ في الانعطاف ويلزم ذلك أن يخلو آخر تجويفه الآخذ إلى اليمن عند قرب الكبد لأن الغذاء إذا انحدر من ابتداء انعطافه إلى اليسار جذب ما وراءه لئلا يخلو المكان فيلزم ذلك خلو أكثر تجويفه الآخذ إلى جهة الكبد ولذلك يسمى هذا المعاء بالصائم لأنه بحسب وضعه يخلو تجويفه بسرعة كخلو جوف الصائم ومع ذلك فإن المرارة موضوعة بحذائه فلذلك يكثر ما يترشح منها إليه من الصفراء. وذلك بلذعه يسرع خروج ما في تجويفه من الغذاء وكذلك العروق الماصة هي بقربه كثيرة.
فكثيراً ما تأخذ منه من الغذاء وذلك موجب لخلوه وكذلك الكبد لقربها منه يكثر ما يمتصه من الغذاء وجميع ذلك موجب لخلو تجويفه لذلك يسمى بالصائم. وإذا كان كذلك فالمعاء الذي بعد هذين لا بد من أن يكون كثير التلافيف لكثير مقام الغذاء فإن بقاءه في هذين المكانين قليل. ً ما تأخذ منه من الغذاء وذلك موجب لخلوه وكذلك الكبد لقربها منه يكثر ما يمتصه من الغذاء وجميع ذلك موجب لخلو تجويفه لذلك يسمى بالصائم. وإذا كان كذلك فالمعاء الذي بعد هذين لا بد من أن يكون كثير التلافيف لكثير مقام الغذاء فإن بقاءه في هذين المكانين قليل.
أما الأول فلأجل استقامته. وأما الثاني فلما قلناه.
وهذا المعاء الثالث يسمى بالدقيق. ولكن هذه الثلاثة جميعها دقاق لأن ما فيها من الغذاء يكون بعد رقيق القوام سيالاً، ومع ذلك فإن جرمها دقيق وذلك ليسهل ترشيح الغذاء من مسامها ولما اختص الأول منها باسم الاثني عشرى واختص الثاني باسم الصائم بقي هذا الثالث ليس له حالة يستحق لأجلها اسماً خاصاً فخصوه بالاسم العام للثلاثة وهو الدقيق.