الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى مَغَارَةِ أَفْقَهَ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ مِنْ نَاحِيَةِ السَّاحِلِ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ عَدْلَيْنِ مِنْ بَعْلَبَكَّ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ بِبَيْعِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَمِينِ الدَّوْلَةِ، فَذَكَرَا أَنَّهُمَا شَاهَدَاهُ، وَعَلَيْهِ تَخْفِيفَةٌ وَقَنْدُورَةٌ، وَأَنَّهُ اسْتَطْعَمَهُمَا شَيْئًا مِنِ الزَّادِ، وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا، فَأَطْعَمَاهُ مِنْ زُوَّادَتِهِمَا، وَشَهِدَا عَلَيْهِ وَانْصَرَفَا، ثُمَّ جَاءَهُ دَاوُدُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ لَهُ: قُمْ، فَقَدْ أُمِرْنَا بِحَمْلِكَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَأَيْقَنَ بِالْهَلَاكِ حِينَئِذٍ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ: قُمْ. فَقَامَ فَصَلَّى، فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، فَرَفَسَهُ النَّصْرَانِيُّ، فَأَلْقَاهُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِ الْوَادِي الَّذِي هُنَاكَ، فَمَا وَصَلَ حَتَّى تَقَطَّعَ، وَحُكِيَ أَنَّهُ تَعَلَّقَ ذَيْلُهُ بِسِنِّ الْجَبَلِ، فَمَا زَالَ دَاوُدُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَلْقَاهُ إِلَى أَسْفَلِ الْوَادِي، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّقِيفِ الْمُطِلِّ عَلَى نَهْرِ إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ السِّبْطُ: وَقَدْ كَانَ فَاسِدَ الْعَقِيدَةِ، دَهْرِيًّا مُسْتَهْزِئًا بِأُمُورِ الشَّرْعِ، يَخْرُجُ إِلَى الْمَجْلِسِ سَكْرَانَ، وَيَحْضُرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ دَارُهُ كَالْحَانَاتِ. فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. قَالَ: وَأَخَذَ الْمُوَفَّقُ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ أُمَنَائِهِ - وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْبَلَايَا - أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَعُوقِبَ عُقُوبَةً عَظِيمَةً حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَدْ كُسِرَتْ سَاقَاهُ، وَمَاتَ تَحْتَ الضَّرْبِ، فَأُلْقِيَ فِي مَقَابِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَكَلَتْهُ الْكِلَابُ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْفَتُوحِ، عُمَرُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ الْمُنَجِّي التَّنُوخِيُّ
الْمَعَرِّيُّ الْحَنْبَلِيُّ، قَاضِي حَرَّانَ قَدِيمًا، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَدَرَّسَ بِالْمِسْمَارِيَّةِ، وَتَوَلَّى خِدَمًا فِي الدَّوْلَةِ الْمُعَظَّمِيَّةِ، وَكَانَتْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ صَابِرٍ وَالْقَاضِيَيْنِ الشَّهْرَزُورِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتُوُفِّيَ أَخُوهُ الْعِزُّ بَعْدَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَدُفِنَ بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي بِالْجَبَلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّيْخُ الْحَافِظُ الصَّالِحُ، تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ الصَّرِيفِينِيُّ، كَانَ يَدْرِي الْحَدِيثَ، وَلَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ، أَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو شَامَةَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، رحمه الله.
وَاقِفُ الْكَرَوَّسِيَّةِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ كَرَوَّسَ، جَمَالُ الدِّينِ مُحْتَسِبُ دِمَشْقَ، كَانَ كَيِّسًا مُتَوَاضِعًا، تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ فِي شَوَّالٍ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ الَّتِي جَعَلَهَا مَدْرَسَةً، وَلَهُ دَارُ حَدِيثٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ.
الْمَلِكُ الْجَوَادُ يُونُسُ بْنُ مَمْدُودِ، بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ الْمَلِكُ الْجَوَادُ، وَكَانَ أَبُوهُ أَكْبَرَ أَوْلَادِ الْعَادِلِ، تَقَلَّبَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ، وَمَلَكَ دِمَشْقَ بَعْدَ عَمِّهِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ، وَكَانَ فِي نَفْسِهِ جَيِّدًا مُحِبًّا لِلصَّالِحِينَ، وَلَكِنْ
كَانَ فِي بَابِهِ مَنْ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيُنْسَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَبْغَضَتْهُ الْعَامَّةُ، وَسَبُّوهُ، وَأَلْجَئُوهُ إِلَى أَنْ قَايَضَ بِدِمَشْقَ الْمَلِكَ الصَّالِحَ أَيُّوبَ بْنَ الْكَامِلِ إِلَى سِنْجَارَ وَحِصْنِ كَيْفَا، ثُمَّ لَمْ يَحْفَظْهُمَا بَلْ خَرَجَتَا عَنْ يَدِهِ، ثُمَّ آلَ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ سَجَنَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بِحِصْنِ عَزَّتَا، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَنُقِلَ فِي شَوَّالٍ إِلَى تُرْبَةِ الْمُعَظَّمِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ يَغْمُورٍ مُعْتَقَلًا، فَحَوَّلَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ إِلَى قَلْعَةِ دِمَشْقَ، فَلَمَّا مَلَكَهَا الصَّالِحُ أَيُّوبُ نَقَلَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَشَنَقَهُ مَعَ الْأَمِينِ غَزَّالٍ وَزِيرِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، عَلَى قَلْعَةِ الْقَاهِرَةِ، جَزَاءً عَلَى صُنْعِهِمَا فِي حَقِّ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى; أَمَّا ابْنُ يَغْمُورٍ فَإِنَّهُ عَمِلَ عَلَيْهِ حَتَّى حَوَّلَ مُلْكَ دِمَشْقَ إِلَى الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَمَّا أَمِينُ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الصَّالِحَ مِنْ تَسْلِيمِ وَلَدِهِ عُمْرَ إِلَيْهِ، فَانْتَقَمَ مِنْهُمَا بِهَذَا، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ.
مَسْعُودُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودِ، بْنِ مَازَهِ الْبُخَارِيُّ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْفُضَلَاءِ، وَلَهُ عِلْمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَعِلْمِ الْحَدِيثِ، وَلَدَيْهِ فَضْلٌ غَزِيرٌ، قَدِمَ بَغْدَادَ صُحْبَةَ رَسُولِ التَّتَارِ لِلْحَجِّ، فَحُبِسَ عِنْدَهُ سِنِينَ، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ، فَحَجَّ ثُمَّ عَادَ، فَمَاتَ بِبَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ، بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِطْرِيقِ بْنِ نَصْرِ بْنِ حَمْدُونَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَسَدِيُّ الْحِلِّيُّ، ثُمَّ الْوَاسِطِيُّ، ثُمَّ
الْبَغْدَادِيُّ، الْكَاتِبُ الشَّاعِرُ الشِّيعِيُّ، فَقِيهُ الشِّيعَةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً، وَامْتَدَحَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ، مِنْهُمُ الْكَامِلُ صَاحِبُ مِصْرَ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، فَكَانَ يَشْغَلُ الشِّيعَةَ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَكَانَ فَاضِلًا ذَكِيًّا، جَيِّدَ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَلَكِنَّهُ مَخْذُولٌ مَحْجُوبٌ عَنِ الْحَقِّ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً جَيِّدَةً مِنْ أَشْعَارِهِ فِي الْكَامِلِ وَغَيْرِهِ.