الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَمَلَ بِنَاءُ الطَّارِمَةِ وَمَا عِنْدَهَا مِنَ الْآدُرِ وَالْقُبَّةِ الزَّرْقَاءِ، وَجَاءَتْ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ وَالِارْتِفَاعِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْأُولَى ذَكَرَ الدَّرْسَ بِالظَّاهِرِيَّةِ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأُرْمَوِيُّ، عِوَضًا عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ دَرَّسَ بِالدَّوْلَعِيَّةِ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ دَرَّسَ بِالنَّجِيبِيَّةِ الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الطُّوسِيُّ، بِمُقْتَضَى نُزُولِ الْفَارُوثِيُّ لَهُ عَنْهَا.
[فَتْحُ قَلْعَةِ الرُّومِ]
وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ تَوَجَّهَ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ بِالْعَسَاكِرِ نَحْوَ الشَّامِ، فَقَدِمَ دِمَشْقَ، وَمَعَهُ وَزِيرُهُ ابْنُ السَّلْعُوسِ، فَاسْتَعْرَضَ الْجُيُوشَ، وَأَنْفَقَ فِيهِمْ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ نَحْوَ بِلَادِ حَلَبَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى قَلْعَةِ الرُّومِ، فَافْتَتَحَهَا بِالسَّيْفِ قَهْرًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِي عَشَرَ رَجَبٍ، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَبَارَكَ اللَّهُ لِخَمِيسِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبْتِهِمْ، وَكَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَلْبًا عَلَى أَهْلِ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَكَانَ الْفَتْحُ بَعْدَ حِصَارٍ عَظِيمٍ جِدًّا، مُدَّةَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَكَانَتِ الْمَنْجَنِيقَاتُ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ مَنْجَنِيقًا،
وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْأُمَرَاءِ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيرِ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَكَ الشُّجَاعِيَّ بِقَلْعَةِ الرُّومِ يُعَمِّرُونَ مَا وَهَى مِنْ قَلْعَتِهَا; بِسَبَبِ رَمْيِ الْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَيْهَا وَقْتَ الْحِصَارِ، وَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى دِمَشْقَ بِكُرَةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ، فَاحْتَفَلَ النَّاسُ لِدُخُولِهِ وَدَعَوْا لَهُ وَأَحَبُّوهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا بُسِطَ لَهُ كَمَا يُبْسَطُ لَهُ إِذَا قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ ابْنِ السَّلْعُوسِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَسَطَ لَهُ، وَقَدْ كَسَرَ أَبُوهُ التَّتَرَ عَلَى حِمْصَ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ كَسَرَ التَّتَرَ وَالرُّومَ عَلَى الْبُلُسْتَيْنِ وَفِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَلَمْ يُبْسَطْ لَهُ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ شَنْعَاءُ قَدْ أَحْدَثَهَا هَذَا الْوَزِيرُ لِلْمُلُوكِ، وَفِيهَا إِسْرَافٌ وَضَيَاعُ مَالٍ وَأَشَرٌ وَبَطَرٌ وَرِيَاءٌ وَتَكْلِيفٌ لِلنَّاسِ، وَأَخْذُ أَمْوَالٍ وَوَضْعُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ سَائِلُهُ عَنْهَا، وَقَدْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا يَتَوَارَثُهَا الْمُلُوكُ وَالنَّاسُ عَنْهُ، وَقَدْ حَصَلَ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، فَلْيَتَّقِ الْعَبْدُ رَبَّهُ، وَلَا يُحْدِثْ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَوَاهُ وَمُرَادِ نَفْسِهِ مَا يَكُونُ سَبَبَ مَقْتِ اللَّهِ لَهُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَدُومُ لِأَحَدٍ، وَلَا يَدُومُ أَحَدٌ فِيهَا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ مَلِكُ قَلْعَةِ الرُّومِ مَعَ السُّلْطَانِ أَسِيرًا، وَكَذَلِكَ رُءُوسُ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ بِهِمْ دِمَشْقَ وَهُمْ يَحْمِلُونَ رُءُوسَ أَصْحَابِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ، وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ نَحْوَ جَبَلِ كَسْرَوَانَ وَالْجُرْدِ بِسَبَبِ مُمَالَأَتِهِمْ لِلْفِرِنْجِ قَدِيمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُقَدَّمُ الْعَسَاكِرِ بَيْدَرَا، وَفِي صُحْبَتِهِ سُنْقُرُ الْأَشْقَرُ وَقَرَاسُنْقُرُ
الْمَنْصُورِيُّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَلَبَ، فَعَزَلَهُ عَنْهَا السُّلْطَانُ وَوَلَّى مَكَانَهُ سَيْفَ الدِّينِ بَلَبَانَ الطَّبَّاخِيَّ الْمَنْصُورِيَّ - وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بِالْجَبَلِ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا دَمَارُ أَهْلِهِ حَمَلُوا فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْدَرَا حَمْلًا كَثِيرًا، فَفَتَرَ فِي قَضِيَّتِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِالْجُيُوشِ عَنْهُمْ، وَعَادُوا إِلَى السُّلْطَانِ، فَتَلَقَّاهُمُ السُّلْطَانُ، وَتَرَجَّلَ السُّلْطَانُ لِلْأَمِيرِ بَيْدَرَا، وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى مِصْرَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ السَّلْعُوسِ نَبَّهَ السُّلْطَانَ عَلَى فِعْلِ بَيْدَرَا، فَلَامَهُ وَعَنَّفَهُ، فَمَرِضَ مِنْ خَوْفِهِ مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا شَدِيدًا أَشَفَى بِهِ عَلَى الْمَوْتِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ. ثُمَّ عُوفِيَ فَعَمِلَ خَتْمَةً عَظِيمَةً بِجَامِعِ دِمَشْقَ حَضَرهَا الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَأَشْعَلَ الْجَامِعَ نَظِيرَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ أَهْلَ الْحُبُوسِ، وَتَرَكَ بَقِيَّةَ الضَّمَانِ عَنْ أَرْبَابِ الْجِهَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، وَنَزَلَ هُوَ عَنْ ضَمَانَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ قَدْ حَافَ فِيهَا عَلَى أَرْبَابِهَا.
وَقَدِ امْتَدَحَ الشِّهَابُ مَحْمُودٌ الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ خَلِيلًا عَلَى فَتْحِهِ قَلْعَةَ الرُّومِ بِقَصِيدَةٍ هَائِلَةٍ فَاضِلَةٍ، أَوَّلُهَا:
لَكَ الرَّايَةُ الصَّفْرَاءُ يَقْدُمُهَا النَّصْرُ
…
فَمَنْ كَيْقُباذُ إِنْ رَآهَا وَكَيْخُسْرُو
إِذَا خَفَقَتْ فِي الْأَرْضِ هَدَّتْ بُنُودُهَا
…
هَوَى الشِّرْكِ وَاسْتَعْلَى الْهُدَى وَانْجَلَى الثَّغْرُ
وَإِنْ نُشِرَتْ مِثْلَ الْأَصَائِلِ فِي وَغًى
…
جَلَا النَّقْعَ مِنْ لَألَاءِ طَلْعَتِهَا الْبَدْرُ
وَإِنَّ يَمَّمَتْ زُرْقَ الْعِدَى سَارَ تَحْتَهَا
…
كَتَائِبُ خُضْرٌ دَوْحُهَا الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
كَأَنَّ مَثَارَ النَّقْعِ لَيْلٌ وَخَفْقَهَا
…
بُرُوقٌ وَأَنْتَ الْبَدْرُ وَالْفَلَكُ الْجَثْرُ
وَفَتْحٌ أَتَى فِي إِثْرِ فَتْحٍ كَأَنَّمَا
…
سَمَاءٌ بَدَتْ تَتْرَى كَوَاكِبُهَا الزُّهْرُ
فَكَمْ قَطَمَتْ طَوْعًا وَكَرْهًا مَعَاقِلًا
…
مَضَى الدَّهْرُ عَنْهَا وَهْيَ عَانِسَةٌ بِكْرُ
بَذَلْتَ لَهَا عَزْمًا فَلَوْلَا مَهَابَةٌ
…
كَسَاهَا الْحَيَا جَاءَتْكَ تَسْعَى وَلَا مَهْرُ
قَصَدْتَ حِمًى مِنْ قَلْعَةِ الرُّومِ لَمْ يُبَحْ
…
لِغَيْرِكَ إِذْ غَرَّتْهُمُ الْمُغْلُ فَاغْتَرُّوا
وَوَالُوهُمْ سِرًّا لِيُخْفُوا أَذَاهُمُ
…
وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ اسْتَوَى السِّرُّ وَالْجَهْرُ
صَرَفْتَ إِلَيهِمْ هِمَّةً لَوْ صَرَفَتْهَا
…
إِلَى الْبَحْرَ لَاسْتَوْلَى عَلَى مَدِّهِ الْجَزْرُ
وَمَا قَلْعَةُ الرُّومِ الَّتِي حُزْتَ فَتْحَهَا
…
وَإِنْ عَظُمَتْ إِلَّا إِلَى غَيْرِهَا جِسْرُ
طَلِيعَةُ مَا يَأْتِي مِنَ الْفَتْحِ بَعْدَهَا
…
كَمَا لَاحَ قَبْلَ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ الْفَجْرُ
فَصَبَّحْتَهَا بِالْجَيْشِ كَالرَّوْضِ بَهْجَةً
…
صَوَارِمُهُ أَنْهَارُهُ وَالْقنَا الزُّهْرُ
وَأَبْعَدْتَ بَلْ كَالْبَحْرِ وَالْبَيْضُ مَوْجُهُ
…
وَجُرْدُ الْمَذَاكِي السُّفْنُ وَالْخُوَذُ الدُّرُ
وَأَغْرَبْتَ بَلْ كَاللَّيْلِ عُوجُ سُيُوفِهِ
…
أَهِلَّتُهُ وَالنَّبْلُ أَنْجُمُهُ الزَّهْرُ
وَأَخْطَأْتَ لَا بَلْ كَالنَّهَارِ شُمُوسُهُ
…
مُحَيَّاكَ وَالْآصَالُ رَايَاتُكَ الصُّفْرُ
لُيُوثٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ آجَامُهَا الْقَنَا
…
لَهَا كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَوِي ظُفُرٍ ظُفْرُ
فَلَا الرِّيحُ تَجْرِي بَيْنَهُمْ لِاشْتِبَاكِهَا
…
عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْهَلُّ مِنْ فَوْقِهِمْ قَطْرُ
عُيُونٌ إِذَا الْحَرْبُ الْعَوَانُ تَعَرَّضَتْ
…
لِخُطَّابِهَا بِالنَّفْسِ لَمْ يَغْلُهَا مَهْرُ
تَرَى الْمَوْتَ مَعْقُودًا بِهُدْبِ نِبَالِهِمْ
…
إِذَا مَا رَمَاهَا الْقَوْسُ وَالنَّظَرُ الشَّزْرُ
فَفِي كُلِّ سَرْجٍ غُصْنُ بَانٍ مُهَفْهَفٌ
…
وَفِي كُلِّ قَوْسٍ مَدَّهُ سَاعِدٌ بَدْرُ
إِذَا صَدَمُوا شُمَّ الْجِبَالِ تَزَلْزَلَتْ
…
وَأَصْبَحَ سَهْلًا تَحْتَ خَيْلِهِمُ الْوَعِرُ
وَلَوْ وَرَدَتْ مَاءَ الْفُرَاتِ خُيُولُهُمْ
…
لَقِيلَ هُنَا قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى نَهْرُ
أَدَارُوا بِهَا سُورًا فَأَضْحَتْ كَخِنْصَرٍ
…
لَدَى خَاتَمٍ أَوْ تَحْتَ مِنْطَقَةٍ خَصْرُ
وَأَرْخُوا إِلَيْهَا مِنْ بِحَارٍ أَكُفِّهِمْ
…
سَحَابَ رَدًى لَمْ يَخْلُ مِنْ قَطْرِهِ قُطْرُ
كَأَنَّ الْمَجَانِيقَ الَّتِي قُمْنَ حَوْلَهَا
…
رَوَاعِدُ سُخْطٍ وَبْلُهَا النَّارُ وَالصَّخْرُ
أَقَامَتْ صَلَاةَ الْحَرْبِ لَيْلًا صُخُورُهَا
…
فَأَكْثَرُهَا شَفْعٌ وَأَكْثَرُهَا وِتْرُ
وَدَارَتْ بِهَا تِلْكَ النُّقُوبُ فَأَشْرَفَتْ
…
وَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي الَّذيِ فَعَلَتْ حَجْرُ
فَأَضْحَتْ بِهَا كَالصَّبِّ يُخْفِي غَرَامَهُ
…
حَذَارِ أَعَادِيهِ وَفِي قَلْبِهِ جَمْرُ
وَشَبَّتْ بِهَا النِّيرَانُ حَتَّى تَمَزَّقَتْ
…
وَبَاحَتْ بِمَا أَخْفَتْهُ وَانْهَتَكَ السِّتْرُ
فَلَاذُوا بِذَيْلِ الْعَفْوِ مِنْكَ فَلَمْ يَخِبْ
…
رَجَاهُمْ وَلَوْ لَمْ يَشُبْ قَصْدَهُمْ مَكْرُ
وَمَا كَرِهَ الْمُغْلُ اشْتِغَالَكَ عَنْهُمُ
…
بِهَا عِنْدَمَا فَرُّوا وَلَكِنَّهُمُ سُرُّوا
فَأَحْرَزْتَهَا بِالسَّيْفِ قَسْرًا وَهَكَذَا
…
فُتُوحُكُ فِيمَا قَدْ مَضَى كُلُّهُ قَسْرُ
وَأَضْحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ ثَغْرًا مُمَنَّعًا
…
تَبِيدُ اللَّيَالِي وَالْعِدَى وَهو مُفْتَرُّ
فَيَا أَشْرَفَ الْأَمْلَاكِ فُزْتَ بِغَزْوَةٍ
…
تَحَصَّلَ مِنْهَا الْفَتْحُ وَالذِّكْرُ وَالْأَجْرُ
لِيَهْنِكَ عِنْدَ الْمُصْطَفَى أَنَّ دِينَهُ
…
تَوَالَى لَهُ فِي يُمْنِ دَوْلَتِكَ النَّصْرُ
وَبُشْرَاكَ أَرْضَيْتَ الْمَسِيحَ وَأَحْمَدًا
…
وَإِنَّ غَضِبَ النِّقْفُورُ مِنْ ذَاكَ وَالْكَفْرُ
فَسِرْ حَيْثُ مَا تَخْتَارُ فَالْأَرْضُ كُلُّهَا
…
بِحُكْمِكَ وَالْأَمْصَارُ أَجْمَعُهَا مِصْرُ
وَدُمْ وَابْقَ لِلدُّنْيَا لِيَحْيَى بِكَ الْهُدَى
…
وَيُزْهَى عَلَى مَاضِي الْعُصُورِ بِكَ الْعَصْرُ
حَذَفَتُ مِنْهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
وَفِيهَا تَوَلَّى خَطَابَةَ دِمَشْقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَحْمَدُ الْفَارُوثِيُّ الْوَاسِطِيُّ بَعْدَ وَفَاةِ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ الْمُرَحِّلِ، وَخَطْبَ وَاسْتَسْقَى بِالنَّاسِ فَلَمْ يُسْقَوْا، ثُمَّ خَطَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ عِنْدَ مَسْجِدِ الْقَدَمِ فَلَمْ يُسْقَوا، ثُمَّ ابْتَهَلَ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ دُعَائِهِ وَاسْتِسْقَائِهِ فَسُقُوا، ثُمَّ عُزِلَ الْفَارُوثِيُّ بَعْدَ أَيَّامٍ بِالْخَطِيبِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أَبِي الْمَعَالِي مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْمِهْرَانِيِّ الْحَمَوِيِّ، كَانَ خَطِيبُ حَمَاةَ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دِمَشْقَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَامَ وَخَطَبَ، وَتَأَلَّمَ الْفَارُوثِيُّ لِذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَزِيرَ عَزَلَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ شَعَرَ بِذَلِكَ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا عَزَلَهُ لِضَعْفِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي لَيْلَةَ النِّصْفِ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِمِائَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَاسْتَمَرُّوا بِالْحَمَوِيِّ. وَهَذِهِ دَنَاءَةٌ بَشِعَةٌ وَقِلَّةُ عَقْلٍ وَعَدَمُ إِخْلَاصٍ مِنَ الْفَارُوثِيِّ، وَأَصَابَ السُّلْطَانُ فِي عَزْلِهِ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قَبَضَ السُّلْطَانُ عَلَى الْأَمِيرِ سُنْقُرَ الْأَشْقَرِ وَغَيْرِهِ، فَهَرَبَ هُوَ
وَالْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ السِّلَحْدَارُ، فَنَادَتْ عَلَيْهِ الْمُنَادِيَةُ بِدِمَشْقَ: مَنْ أَحْضَرَهُ فَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَمَنْ أَخْفَاهُ شُنِقَ. وَرَكِبَ السُّلْطَانُ وَمَمَالِيكُهُ فِي طَلَبِهِ، وَصَلَّى الْخَطِيبُ بِالنَّاسِ فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَعَلَى النَّاسِ كَآبَةٌ بِسَبَبِ تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَاضْطِرَابِ الْجَيْشِ، وَاخْتَبَطَ النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَ سَادِسُ شَوَّالٍ أَمْسَكَتِ الْعَرَبُ سُنْقُرَ الْأَشْقَرَ، فَرَدُّوهُ عَلَى السُّلْطَانِ، فَأَرْسَلَهُ مُقَيَّدًا إِلَى مِصْرَ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَّى السُّلْطَانُ نِيَابَةَ دِمَشْقَ لِعِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْحَمَوِيِّ، عِوَضًا عَنِ الشُّجَاعِيِّ، وَقَدِمَ الشُّجَاعِيُّ مِنَ الرُّومِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ عَزْلِهِ فَتَلَقَّاهُ الْفَارُوثِيُّ وَقَالَ: قَدْ عُزِلْنَا مِنَ الْخَطَابَةِ. فَقَالَ: وَنَحْنُ مِنَ النِّيَابَةِ. فَقَالَ الْفَارُوثِيُّ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] فَلَمَّا بَلَغَ ابْنُ السَّلْعُوسِ تَغَضَّبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ الْقَيْمُرِيَّةَ فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَسَافَرَ السُّلْطَانُ عَاشِرَ شَوَّالٍ إِلَى مِصْرَ، فَدَخَلَهَا فِي أُبَّهَةِ الْمَلِكِ، وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ أَقْطَعَ قَرَاسُنْقُرَ مِائَةَ فَارِسٍ بِمِصْرَ عِوَضًا عَنْ نِيَابَةِ حَلَبَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَرَى الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَغَايُ الْأَشْرَفِيُّ قَيْسَارِيَّةَ الْقُطْنِ الْمَعْرُوفَةَ بِإِنْشَاءِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، بِمَرْسُومٍ مِنَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ حَظِيًا عِنْدَهُ، وَنَقَلَ سُوقَ الْحَرِيرِيِّينَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَفْرَجَ عَنْ عَلَمِ الدِّينِ الدَّوَادَارِيِّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قَلْعَةِ الرُّومِ، وَاسْتَحْضَرَهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَقْطَعُهُ مِائَةَ فَارِسٍ، وَوَلَّاهُ مُشِدَّ الدَّوَاوِينِ مُكْرَهًا.