الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَوْقَافُهُمَا تَحْتَ الْحَوْطَةِ إِلَى الْآنِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ خَامِسِ ذِي الْحِجَّةِ دَخَلَ السُّلْطَانُ السَّعِيدُ إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ زُيِّنَتْ لَهُ، وَعُمِلَتْ لَهُ قِبَابٌ ظَاهِرَةٌ، وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِتَلَقِّيهِ وَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا عَظِيمًا لِمَحَبَّتِهِمْ وَالِدَهُ، وَصَلَّى عِيدَ النَّحْرِ بِالْمَيْدَانِ، وَعَمِلَ الْعِيدَ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَاسْتَوْزَرَ بِدِمَشْقَ الصَّاحِبَ فَتْحَ الدِّينِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْقَيْسَرَانِيِّ، وَبِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الْحِنَّا الصَّاحِبَ بُرْهَانَ الدِّينِ بْنَ الْخَضِرِ بْنِ الْحَسَنِ السِّنْجَارِيَّ، وَفِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ جَهَّزَ السُّلْطَانُ الْعَسَاكِرَ إِلَى بِلَادِ سِيسَ صُحْبَةَ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيِّ، وَأَقَامَ السُّلْطَانُ بِدِمَشْقَ فِي طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْخَاصِّكِيَّةِ وَالْخَوَاصِّ، وَجَعَلَ يُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إِلَى الزَّنْبَقِيَّةِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ جَلَسَ السُّلْطَانُ بِدَارِ الْعَدْلِ دَاخِلَ بَابِ النَّصْرِ، وَأَسْقَطَ مَا كَانَ حَدَّدَهُ وَالِدُهُ عَلَى بَسَاتِينِ أَهْلِ دِمَشْقَ فَتَضَاعَفَتْ لَهُ مِنْهُمُ الْأَدْعِيَةُ، وَأَحَبُّوهُ لِذَلِكَ حُبًّا شَدِيدًا، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَجْحَفَ بِكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ، وَوَدَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَوْ تَخَلَّصَ مِنْ مُلْكِهِ جُمْلَةً بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ.
وَفِيهَا طَلَبَ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ خَمْسُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، ضُرِبَتْ أُجْرَةً عَلَى أَمْلَاكِهِمْ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، وَجُبِيَتْ مِنْهُمْ عَلَى الْقَهْرِ وَالْعَسْفِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
آقُوشُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ جَمَالُ الدِّينِ النَّجِيبِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الصَّالِحِيُّ
أَعْتَقَهُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ بْنُ الْكَامِلِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ، وَوَلَّاهُ أُسْتَاذَدَارِيَّتِهِ، وَكَانَ يَثِقُ إِلَيْهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَوَلَّاهُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ أَيْضًا أُسْتَاذَدَارِيَّتِهِ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ بِالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فَاتَّخَذَ فِيهَا الْمَدْرَسَةَ النَّجِيبِيَّةَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا دَارَّةً وَاسِعَةً، لَكِنْ لَمْ يُقَرِّرْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ قَدْرًا يُنَاسِبُ مَا وَقَفَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَزَلَهُ السُّلْطَانُ وَاسْتَدْعَاهُ لِمِصْرَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً بَطَّالًا، ثُمَّ مَرِضَ بِالْفَالِجِ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقَدْ عَادَهُ فِي بَعْضِهَا الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ خَامِسَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِالْقَاهِرَةِ بِدَارِهِ بِدَرْبِ مُلُوخِيَّا، وَدُفِنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى، وَقَدْ كَانَ بَنَى لِنَفْسِهِ تُرْبَةً بِالنَّجِيبِيَّةِ وَفَتَحَ لَهَا شُبَّاكَيْنِ إِلَى الطَّرِيقِ، فَلَمْ يُقَدَّرْ دَفْنُهُ بِهَا. وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، مُحِبًّا لِلْعُلَمَاءِ، مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، مُتَغَالِيًا فِي السُّنَّةِ، وَمَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبُغْضِ الرَّوَافِضِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَوْقَافِهِ الْحِسَانِ الْبُسْتَانُ وَالْأَرَاضِي الَّتِي أَوْقَفَهَا عَلَى الْجُسُورَةِ الَّتِي قِبْلِيَّ جَامِعِ كَرِيمِ الدِّينِ الْيَوْمَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَوْقَافٌ كَثِيرَةٌ، وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي أَوْقَافِهِ لِابْنِ خَلِّكَانَ.
أَيْدِكِينُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الشِّهَابِيُّ
وَاقِفُ الْخَانْقَاهِ الشِّهَابِيَّةِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، كَانَ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ وَلَّاهُ الظَّاهِرُ بِحَلَبَ مُدَّةً، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَشُجْعَانِهِمْ، وَلَهُ حُسْنُ ظَنٍّ بِالْفُقَرَاءِ
وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ الشَّيْخِ عُثْمَانَ الرُّومِيِّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، فِي خَامِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الْخَمْسِينَ، وَخَانَقَاتُهُ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، وَكَانَ لَهَا شُبَّاكٌ إِلَى الطَّرِيقِ. وَالشِّهَابِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى الطَّوَاشِيِّ شِهَابِ الدِّينِ رَشِيدٍ الْكَبِيرِ الصَّالِحِيِّ.
قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ وُهَيْبٍ أَبُو الرَّبِيعِ الْحَنَفِيُّ
شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَعَالِمُهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُفْتِي وَيُدَرِّسُ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يُدَرِّسُ بِالصَّالِحِيَّةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَرَّسَ بِالظَّاهِرِيَّةِ وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَجْدِ الدِّينِ بْنِ الْعَدِيمِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ سَادِسَ شَعْبَانَ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِدَارِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ فِي مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ جَارِيَةً لِلْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ:
يَا صَاحِبَيَّ قِفَا لِي وَانْظُرَا عَجَبًا
…
أَتَى بِهِ الدَّهْرُ فِينَا مِنْ عَجَائِبِهِ
الْبَدْرُ أَصْبَحَ فَوْقَ الشَّمْسِ مَنْزِلَةً
…
وَمَا الْعُلُوُّ عَلَيْهَا مِنْ مَرَاتِبِهِ
أَضْحَى يُمَاثِلُهَا حُسْنًا وَصَارَ لَهَا
…
كُفُوًا وَسَارَ إِلَيْهَا فِي مَوَاكِبِهِ
فَأَشْكَلَ الْفَرْقُ لَوْلَا وَشْيُ نَمْنَمَةٍ
…
بِصُدْغِهِ وَاخْضِرَارٌ فَوْقَ شَارِبِهِ
طَهَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ كَمَالُ الدِّينِ الْهَذْبَانِيُّ الْإِرْبِلِيُّ
كَانَ أَدِيبًا
فَاضِلًا شَاعِرًا، لَهُ قُدْرَةٌ فِي تَصْنِيفِ دُوبَيْتٍ، وَقَدْ أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ مَرَّةً بِالْمَلِكِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ النُّجُومِ، فَأَنْشَدَهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
دَعِ النُّجُومَ لِطُرْقِيٍّ يَعِيشُ بِهَا
…
وَبِالْعَزِيمَةِ فَانْهَضْ أَيُّهَا الْمَلِكُ
إِنَّ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ نَهَوْا
…
عَنِ النُّجُومِ وَقَدْ أَبْصَرْتَ مَا مَلَكُوا
وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ اسْمُهُ شَمْسُ الدِّينِ يَسْتَزِيرُهُ بَعْدَ رَمَدٍ أَصَابَهُ فَبَرَأَ مِنْهُ:
يَقُولُ لِيَ الْكَحَّالُ عَيْنُكَ قَدْ هُدَتْ
…
فَلَا تَشْغَلَنْ قَلْبًا عَلَيْهَا وَطِبْ نَفْسَا
وِلِي مُدَّةٌ يَا شَمْسُ لَمْ أَرَكُمْ بِهَا
…
وَآيَةُ بُرْءِ الْعَيْنِ أَنْ تُبْصِرَ الشَّمْسَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ الْبَاذَرَائِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ
دَرَّسَ بِمَدْرَسَةِ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى حِينَ وَفَاتِهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ رَجَبٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَكَانَ رَئِيسًا حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، جَاوَزَ خَمْسِينَ سَنَةً.
قَاضِي الْقُضَاةِ مَجْدُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَمَالِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ الْعَدِيمِ الْحَلَبِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الْحَنَفِيُّ
وَلِيَ قَضَاءَ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ ابْنِ عَطَاءٍ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ رَئِيسًا ابْنَ رَئِيسٍ، لَهُ إِحْسَانٌ وَكَرَمُ أَخْلَاقٍ، وَقَدْ وَلِيَ الْخَطَابَةَ بِجَامِعِ الْقَاهِرَةِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَنَفِيٍّ وَلِيَهُ، تُوُفِّيَ بِجَوْسَقِهِ بِدِمَشْقَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِالتُّرْبَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا عِنْدَ زَاوِيَةِ الْحَرِيرِيِّ عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ غَرْبِيَّ الزَّيْتُونِ.
الْوَزِيرُ ابْنُ الْحِنَّا: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّاحِبُ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْحِنَّا الْوَزِيرُ الْمِصْرِيُّ
وَزِيرُ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ وَوَلَدِهِ السَّعِيدِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَهُوَ جَدُّ جَدٍّ، وَكَانَ ذَا رَأْيٍ وَعَزْمٍ وَتَدْبِيرٍ، ذَا تَمَكُّنٍ فِي الدَّوْلَةِ الظَّاهِرِيَّةِ لَا تَمْضِي الْأُمُورُ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَأَمْرِهِ، وَلَهُ مَكَارِمُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدِ امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ، وَكَانَ ابْنُهُ تَاجُ الدِّينِ وَزِيرَ الصُّحْبَةِ، وَقَدْ صُودِرَ فِي الدَّوْلَةِ السَّعِيدِيَّةِ.
الشَّيْخُ مُحَمَّدُ ابْنُ الظَّهِيرِ اللُّغَوِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شَاكِرٍ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْإِرْبِلِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الظَّهِيرِ
وُلِدَ بِإِرْبِلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ بِدِمَشْقَ وَدَرَّسَ بِالْقَيْمَازِيَّةِ، وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَ بَارِعًا فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي النَّظْمِ، وَلَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ وَشِعْرٌ
رَائِقٌ، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
كُلُّ حَيٍّ إِلَى الْمَمَاتِ مَآبُهُ
…
وَمَدَى عُمْرِهِ سَرِيعٌ ذَهَابُهْ
ثُمَّ مِنْ قَبْرِهِ سَيُحْشَرُ فَرْدًا
…
وَاقِفًا وَحْدَهُ يُوَفَّى حِسَابَهْ
مَعَهُ سَائِقٌ لَهُ وَشَهِيدٌ
…
وَعَلَى الْحِرْصِ وَيْحَهُ إِكْبَابُهْ
يُخْرِبُ الدَّارَ وَهْيَ دَارُ بَقَاءٍ
…
ثُمَّ يَبْنِي مَا عَمَّا قَرِيبٍ خَرَابُهْ
عَجَبًا وَهْوَ فِي التُّرَابِ غَرِيقٌ
…
كَيْفَ يُلْهِيهِ طِيبُهُ وَعِلَابُهْ
كُلُّ يَوْمٍ يَزِيدُ نَقْصًا وَإِنْ عُمِّ
…
رَ حَلَّتْ أَوْصَالَهُ أَوْصَابُهْ
وَالْوَرَى فِي مَرَاحِلِ الدَّهْرِ رَكْبٌ
…
دَائِمُ السَّيْرِ لَا يُرْجَى إِيَابُهْ
فَتَزَوَّدْ إِنَّ التُّقَى خَيْرُ زَادٍ
…
وَنَصِيبُ اللَّبِيبِ مِنْهُ لُبَابُهْ
وَأَخُو الْعَقْلِ مَنْ يَقْضِي بِصِدْقٍ
…
شَيْبَهُ فِي صَلَاحِهِ وَشَبَابَهْ
وَأَخُو الْجَهْلِ يَسْتَلِذُّ هَوَى النَّفْ
…
سِ فَيَغْدُو شَهْدًا لَدَيْهِ مُصَابُهْ
وَهِيَ طَوِيلَةٌ جِدًّا قَرِيبَةٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَيْتًا، وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ شِعْرِهِ الْحَسَنِ الْفَائِقِ الرَّائِقِ.
ابْنُ إِسْرَائِيلَ الْحَرِيرِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارِ بْنِ إِسْرَائِيلَ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ إِسْرَائِيلَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي الشَّيْبَانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ
وُلِدَ فِي يَوْمِ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ
وَسِتِّمِائَةٍ، وَصَحِبَ الشَّيْخَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ الْبُسْرِيَّ الْحَرِيرِيَّ، فِي سَنَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ، وَكَانَ قَدْ لَبِسَ الْخِرْقَةَ قَبْلَهُ مِنَ الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَجْلَسَهُ فِي ثَلَاثِ خَلَوَاتٍ، وَكَانَ ابْنُ إِسْرَائِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَهُ قَدِمُوا الشَّامَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَاسْتَوْطَنُوا دِمَشْقَ، وَكَانَ أَدِيبًا فَاضِلًا فِي صِنَاعَةِ الشِّعْرِ بَارِعًا فِي النَّظْمِ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِهِ وَنَظْمِهِ مَا يُشِيرُ بِهِ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ الْفَارِضِ وَشَيْخِهِ الْحَرِيرِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَحَقِيقَةِ أَمْرِهِ. تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ الشَّيْخِ رِسْلَانَ مَعَهُ دَاخِلَ الْقُبَّةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ رِسْلَانُ شَيْخَ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمُغَرْبِلِ الَّذِي تَخَرَّجَ عَلَى يَدَيْهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ شَيْخُ ابْنِ إِسْرَائِيلَ، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لَقَدْ عَادَنِي مِنْ لَاعِجِ الشَّوْقِ عَائِدُ
…
فَهَلْ عَهْدُ ذَاتِ الْخَالِ بِالسَّفْحِ عَائِدُ
وَهَلْ نَارُهَا بِالْأَجْرَعِ الْفَرْدِ تَعْتَلِي
…
لِمُنْفَرِدٍ شَابَ الدُّجَى وَهْوَ شَاهِدُ
نَدِيمَيَّ مِنْ سُعْدَى أَدِيرَا حَدِيثَهَا
…
فَذِكْرَى هَوَاهَا وَالْمُدَامَةُ وَاحِدُ
مُنَعَّمَةُ الْأَطْرَافِ رَقَّتْ مَحَاسِنًا
…
كَمَا جَلَّ فِي حُبِّي لَهَا مَا أُكَابِدُ
فَلِلْبَدْرِ مَا لَاثَتْ عَلَيْهِ خِمَارُهَا
…
وَلِلشَّمْسِ مَا جَالَتْ عَلَيْهِ الْقَلَائِدُ
وَلَهُ:
أَيُّهَا الْمُعْتَاضُ بِالنَّوْمِ السَّهَرْ
…
ذَاهِلًا يَسْبَحُ فِي بَحْرِ الْفِكَرْ
سَلِّمِ الْأَمْرَ إِلَى مَالِكِهِ
…
وَاصْطَبِرْ فَالصَّبْرُ عُقْبَاهُ الظَّفَرْ
لَا تَكُونَنْ آيِسًا مِنْ فَرَجْ
…
إِنَّمَا الْأَيَّامُ تَأْتِي بِالْغِيَرْ
كَدَرٌ يَحْدُثُ فِي وَقْتِ الصَّفَا
…
وَصَفًا يَحْدُثُ فِي وَقْتِ الْكَدَرْ
وَإِذَا مَا سَاءَ دَهْرٌ مَرَّةً
…
سَرَّ أَهْلِيهِ وَمَهْمَا سَاءَ سَرْ
فَارْضَ عَنْ رَبِّكَ فِي أَقْدَارِهِ
…
إِنَّمَا أَنْتَ أَسِيرٌ لِلْقَدَرْ
وَلَهُ قَصِيدَةٌ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَوِيلَةٌ حَسَنَةٌ سَمِعَهَا الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الزَّمْلَكَانِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الشَّيْخِ أَحْمَدَ الْأَعْفَفِ عَنْهُ، وَأَوْرَدَ لَهُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ أَشْعَارًا كَثِيرَةً، فَمِنْهَا قَصِيدَتُهُ الدَّالِيَّةُ الْمُطَوَّلَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا:
وَفَى لِيَ مَنْ أَهْوَاهُ جَهْرًا لِمَوْعِدِي
…
وَأَرْغَمَ عُذَّالِي عَلَيْهِ وَحُسَّدِي
وَزَارَ عَلَى شَحْطِ الْمَزَارِ مُطَوَّلًا
…
عَلَى مُغْرَمٍ بِالْوَصْلِ لَمْ يَتَعَوَّدِ
فَيَا حُسْنَ مَا أَبْدَى لِعَيْنِي جَمَالُهُ
…
وَيَا بَرْدَ مَا أَهْدَى إِلَى قَلْبِيَ الصَّدِي
وَيَا صِدْقَ أَحْلَامِي بِبُشْرَى وِصَالِهِ
…
وَيَا نَيْلَ آمَالِي وَيَا نُجْحَ مَقْصِدِي
تَجَلَّى وُجُودِي إِذْ تَجَلَّى لِبَاطِنِي
…
بِجَدٍ سَعِيدٍ أَوْ بِسَعْدٍ مُجَدَّدِ
لَقَدْ حُقَّ لِي عِشْقُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ
…
وَقَدْ عَلِقَتْ كَفَّايَ جَمْعًا بِمُوجِدِي
ثُمَّ تَغَزَّلَ فَأَطَالَ إِلَى أَنْ قَالَ:
فَلَمَّا تَجَلَّى لِي عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ
…
وَسَامَرَنِي بِالرَّمْزِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
تَجَنَّبْتُ تَقْيِيدَ الْجَمَالِ تَرَفُّعًا
…
وَطَالَعْتُ أَسْرَارَ الْجَمَالِ الْمُبَدَّدِ
وَصَارَ سَمَاعِي مُطْلَقًا مِنْهُ بَدْؤُهُ
…
وَحَاشَى لِمِثْلِي مِنْ سَمَاعٍ مُقَيَّدِ
فِفِي كُلِّ مَشْهُودٍ لِقَلْبِيَ شَاهِدٌ
…
وَفِي كُلِّ مَسْمُوعٍ لَهُ لَحْنُ مَعْبَدِ
أَرَاهُ بِأَوْصَافِ الْجَمَالِ جَمِيعِهَا
…
بِغَيْرِ اعْتِقَادٍ لِلْحُلُولِ الْمُبَعَّدِ
فَفِي كُلِّ هَيْفَاءِ الْمَعَاطِفِ غَادَةٍ
…
وَفِي كُلِّ مَصْقُولِ السَّوَالِفِ أَغْيَدِ
وَفِي كُلِّ بَدْرٍ لَاحَ فِي لَيْلِ شِعْرِهِ
…
عَلَى كُلِّ غُصْنٍ مَائِسِ الْعِطْفِ أَمْلَدِ
وَعِنْدَ اعْتِنَاقِي كُلَّ قَدٍّ مُهَفْهَفٍ
…
وَرَشْفِي رِضَابًا كَالرَّحِيقِ الْمُبَرَّدِ
وَفِي الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالطِّيبِ وَالْحُلَى
…
عَلَى كُلِّ سَاجِي الطَّرْفِ لَدْنِ الْمُقَلَّدِ
وَفِي حُلَلِ الْأَثْوَابِ رَاقَتْ لِنَاظِرِي
…
بِزَبْرَجِهَا مِنْ مُذْهَبٍ وَمُوَرَّدِ
وَفِي الرَّاحِ وَالرَّيْحَانِ وَالسَّمْعِ وَالْغِنَا
…
وَفِي سَجْعِ تَرْجِيعِ الْحَمَامِ الْمُغَرِّدِ
وَفِي الدَّوْحِ وَالْأَنْهَارِ وَالزَّهْرِ وَالنَّدَى
…
وِفِي كُلِّ بُسْتَانٍ وَقَصْرٍ مُشَيَّدِ
وَفِي الرَّوْضَةِ الْفَيْحَاءِ تَحْتَ سَمَائِهَا
…
يُضَاحِكُ نُورَ الشَّمْسِ نُوَّارُهَا النَّدِي
وَفِي صَفْوِ رَقْرَاقِ الْغَدِيرِ إِذَا حَكَى
…
وَقَدْ جَعَلَتْهُ الرِّيحُ صَفْحَةَ مَبْرَدِ
وَفِي اللَّهْوِ وَالْأَفْرَاحِ وَالْغَفْلَةِ الَّتِي
…
تُمَكِّنُ أَهْلَ الْفَرْقِ مِنْ كُلِّ مَقْصِدِ
وَعِنْدَ انْتِشَاءِ الشُّرْبِ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ
…
بَهِيجٍ بِأَنْوَاعِ الثِّمَارِ الْمُنَضَّدِ
وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ
…
وَعِيدٍ وَإِظْهَارِ الرِّيَاشِ الْمُجَدَّدِ
وَفِي لَمَعَانِ الْمَشْرَفِيَّاتِ بِالْوَغَى
…
وَفِي مَيْلِ أَعْطَافِ الْقَنَا الْمُتَأَوِّدِ
وِفِي الْأَعْوَجِيَّاتِ الْعِتَاقِ إِذَا انْبَرَتْ
…
تُسَابِقُ وَفْدَ الرِّيحِ فِي كُلِّ مَطْرَدِ
وَفِي الشَّمْسِ تُجْلَى وَهْيَ فِي بُرْجِ نُورِهَا
…
لَدَى الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ مِرْآةَ عَسْجَدِ
وَفِي الْبَدْرِ بَدْرِ الْأُفْقِ لَيْلَةَ تِمِّهِ
…
جَلَتْهُ سَمَاءٌ مِثْلُ صَرْحٍ مُمَرَّدِ
وَفِي أَنْجُمٍ زَانَتْ دُجَاهَا كَأَنَّهَا
…
نِثَارُ لَآلٍ فِي بِسَاطِ زَبَرْجَدِ
وَفِي الْغَيْثِ رَوَّى الْأَرْضَ بَعْدَ هُمُودِهَا
…
قُبَالَ نَدَاهُ مُتْهِمٌ بَعْدَ مُنْجِدِ
وَفِي الْبَرْقِ يَغْدُو مُوهِنًا فِي سَحَابِهِ
…
كَبَاسِمِ ثَغْرٍ أَوْ حُسَامٍ مُجَرَّدِ
وَفِي حُسْنِ تَنْمِيقِ الْخِطَابِ وَسُرْعَةِ الْجَ
…
وَابِ وَفِي الْخَطِّ الْأَنِيقِ الْمُجَوَّدِ
وَفِي رِقَّةِ الْأَشْعَارِ رَاقَتْ لِسَامِعٍ
…
بَدَائِعُهَا مِنْ مُقْصَرٍ وَمُقَصَّدِ
وَفِي عَوْدِ عِيدِ الْوَصْلِ مِنْ بَعْدِ جَفْوَةٍ
…
وَفِي أَمْنِ أَحْشَاءِ الطَّرِيدِ الْمُشَرَّدِ
وَفِي رَحْمَةِ الْمَعْشُوقِ شَكْوَى مُحِبِّهِ
…
وَفِي رِقَّةِ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ التَّوَدُّدِ
وَفِي أَرْيَحِيَّاتِ الْكَرِيمِ إِلَى النَّدَى
…
وَفِي عَاطِفَاتِ الْعَفْوِ مِنْ كُلِّ سَيِّدِ
وَحَالَةِ بَسْطِ الْعَارِفِينَ وَأُنْسِهِمْ
…
وَتَحْرِيكِهِمْ عِنْدَ السَّمَاعِ الْمُقَيَّدِ
وَفِي لُطْفِ آيَاتِ الْكِتَابِ الَّتِي بِهَا
…
تَنَسَّمُ رُوحُ الْوَعْدِ بَعْدَ التَّوَعُّدِ
كَذَلِكَ أَوْصَافُ الْجَلَالِ مَظَاهِرٌ
…
أُشَاهِدُهُ فِيهَا بِغَيْرِ تَرَدُّدِ
فَفِي صَوْلَةِ الْقَاضِي الْجَلِيلِ وَسَمْتِهِ
…
وَفِي سَطْوَةِ الْمَلِكِ الشَّدِيدِ التَّمَرُّدِ
وَفِي حِدَّةِ الْغَضْبَانِ حَالَةَ طَيْشِهِ
…
وَفِي نَخْوَةِ الْقَرْمِ الْمَهِيبِ الْمُسَوَّدِ
وَفِي صَوْلَةِ الصَّهْبَاءِ حَارَ مُدِيرُهَا
…
وَفِي بُؤْسِ أَخْلَاقِ النَّدِيمِ الْمُعَرْبِدِ
وَفِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ اللَّذَيْنِ تَقَسَّمَا
…
الزَّمَانَ وَفِي إِيلَامِ كُلِّ مُجَسِّدِ
وَفِي سِرِّ تَسْلِيطِ النُّفُوسِ بِشَرِّهَا
…
عَلَيَّ وَتَحْسِينِ التَّعَدِّي لِمُعْتَدِي
وَفِي عَسَرِ الْعَادَاتِ يَسْتَعْرِفُ الْقَضَا
…
وَتَكْحُلُ عَيْنُ الشَّمْسِ مِنْهُ بِإِثْمِدِ
وَعِنْدَ اصْطِدَامِ الْخَيْلِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ
…
يُعَثَّرُ فِيهِ بِالْوَشِيجِ الْمُنَضَّدِ
وَفِي شَدَّةِ اللَّيْثِ الصَّئُولِ وَبَأْسِهِ
…
وَشِدَّةِ عَيْشٍ بِالسِّقَامِ مُنَكَّدِ
وَفِي جَفْوَةِ الْمَحْبُوبِ بَعْدَ وِصَالِهِ
…
وَفِي غَدْرِهِ مِنْ بَعْدِ عَهْدٍ مُؤَكَّدِ
وَفِي رَوْعَةِ الْبَيْنِ الْمُسِيءِ وَمَوْقِفِ الْ
…
وَدَاعِ لِحَرَّانِ الْجَوَانِحِ مُكْمَدِ
وَفِي فُرْقَةِ الْأُلَّافِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ
…
وَفِي كُلِّ تَشْتِيتٍ وَشَمْلٍ مُبَدَّدِ
وَفِي كُلِّ دَارٍ أَقْفَرَتْ بَعْدَ أُنْسِهَا
…
وَفِي طَلَلٍ بَالٍ دَرَاسٍ مُعَهَّدِ
وَفِي هَوْلِ أَمْوَاجِ الْبِحَارِ وَوَحْشَةِ الْ
…
قِفَارِ وَسَيْلٍ بِالْمَزَايِيبِ مُزْبَدِ
وَعِنْدَ قِيَامِي بِالْفَرَائِضِ كُلِّهَا
…
وَحَالَةِ تَسْلِيمٍ لِسِرِّ التَّعَبُّدِ
وَعِنْدَ خُشُوعِي فِي الصَّلَاةِ لِعِزَّةِ الْ
…
مُنَاجَى وَفِي الْإِطْرَاقِ عِنْدَ التَّهَجُّدِ
وَحَالَةِ إِهْلَالِ الْحَجِيجِ بِحَجِّهِمِ
…
وَإِعْمَالِهِمْ لِلْعِيسِ فِي كُلِّ فَدْفَدِ
وَفِي عُسْرِ تَخْلِيصِ الْحَلَالِ وَفَتْرَةِ الْ
…
مَلَالِ لِقَلْبِ النَّاسِكِ الْمُتَعَبِّدِ
وَفِي ذِكْرِ آيَاتِ الْعَذَابِ وَظُلْمَةِ الْ
…
حِجَابِ وَقَبْضِ النَّاسِكِ الْمُتَزَهِّدِ
وَيَبْدُو بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ فَلَا أَرَى
…
بِرُؤْيَتِهِ شَيْئًا قَبِيحًا وَلَا رَدِي
فَكُلُّ مُسِيءٍ لِي إِلَيَّ كَمُحْسِنٍ
…
وَكُلُّ مُضِلٍّ لِي إِلَيَّ كَمُرْشِدِ
فَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ أُنْسٍ وَوَحْشَةٍ
…
وَنُورٍ وَإِظْلَامٍ وَمُدْنٍ وَمُبْعِدِ
وَسِيَّانَ إِفْطَارِي وَصَوْمِي وَفَتْرَتِي
…
وَجُهْدِي وَنَوْمِي وَادِّعَاءُ تَهَجُّدِي
أُرَى تَارَةً فِي حَانَةِ الْخَمْرِ خَالِعًا
…
عِذَارِي وَطَوْرًا فِي حَنِيَّةِ مَعْبَدِ
تَجَلَّى لِسِرِّي بِالْحَقِيقَةِ مَشْرَبٌ
…
فَوَقْتِيَ مَمْزُوجٌ بِكَشْفٍ مُسَرْمَدِ
تَعَمَّرِتِ الْأَوْطَانُ بِي وَتَحَقَّقَتْ
…
مَظَاهِرُهَا عِنْدِي بِعَيْنِي وَمَشْهَدِي
وَقَلْبِي عَلَى الْأَشْيَاءِ أَجَمَعَ قُلَّبٌ
…
وَسِرِّيَ مَقْسُومٌ عَلَى كُلِّ مَوْرِدِ
فَهَيْكَلُ أَوْثَانٍ وَدَيْرٌ لِرَاهِبٍ
…
وَبَيْتٌ لِنِيرَانٍ وَقِبْلَةُ مَسْجِدِ
وَمَرْجٌ لِغَزْلَانٍ وَحَانَةُ قَهْوَةٍ
…
وَرَوْضَةُ أَزْهَارٍ وَمَطْلَعُ أَسْعَدِ
وَأَسْرَارُ عِرْفَانٍ وَمِفْتَاحُ حِكْمَةٍ
…
وَأَنْفَاسُ وِجْدَانٍ وَفَيْضِ تَبَلُّدِ
وَجَيْشٌ لِضِرْغَامٍ وَخِدْرٌ لِكَاعِبٍ
…
وَظُلْمَةُ حَيْرَانٍ وَنُورٌ لِمُهْتَدِي
تَقَابَلَتِ الْأَضْدَادُ عِنْدِي جَمِيعُهَا
…
كَمِحْنَةِ مَجْهُودٍ وَمِنْحَةِ مُجْتَدِي
وَأَحْكَمْتُ تَقْرِيرَ الْمَرَاتِبِ صُورَةً
…
وَمَعْنًى وَمِنْ عَيْنِ التَّفَرُّدِ مَوْرِدِي
فَمَا مَوْطِنٌ إِلَّا وَلِي فِيهِ مَوْقِفٌ
…
عَلَى قَدَمٍ قَامَتْ بِحَقِّ التَّفَرُّدِ
فَلَا غَرْوَ إِنْ فُتُّ الْأَنَامَ بِهَا وَقَدْ
…
عَلِقَتْ بِحَبْلٍ مِنْ حِبَالِ مُحَمَّدِ
عَلَيْهِ صَلَاةُ اللَّهِ تَشْفَعُ دَائِمًا
…
بِرُوحِ تَحِيَّاتِ السَّلَامِ الْمُرَدَّدِ
ابْنُ الْعُودِ الرَّافِضِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعُودِ نَجِيبُ الدِّينِ الْأَسَدِيُّ الْحِلِّيُّ
شَيْخُ الشِّيعَةِ وَإِمَامُهُمْ وَعَالِمُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ وَمُشَارَكَةٌ فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ حَسَنَ الْمُحَاضَرَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ لَطِيفَ النَّادِرَةِ، وَكَانَ كَثِيرَ التَّعَبُّدِ بِاللَّيْلِ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ. وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ عِبَادِهِ وَسَرَائِرِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ.