الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ صَاحِبُ حَلَبَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ غَازِيُّ بْنُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَسَدِّهِمْ سِيرَةً، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ عَسْفٌ وَيُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ سَرِيعًا شَدِيدًا، وَكَانَ يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، أَقَامَ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَحَضَرَ كَثِيرًا مِنَ الْغَزَوَاتِ مَعَ أَبِيهِ، وَكَانَ ذَكِيًّا، لَهُ رَأْيٌ جَيِّدٌ، وَعِبَارَةٌ سَادَّةٌ، وَفِطْنَةٌ حَسَنَةٌ، وَعُمِّرَ أَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ غِيَاثِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ، وَلَكِنَّهُ عَهِدَ إِلَى هَذَا مِنْ بَيْنِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بِنْتِ عَمِّهِ الْعَادِلِ، وَأَخْوَالُهُ الْأَشْرَفُ وَالْمُعَظَّمُ وَالْكَامِلُ وَجَدُّهُ الْعَادِلُ لَا يُنَازِعُونَهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً ; بَايَعَ لَهُ جَدُّهُ الْعَادِلُ وَخَالُهُ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَخِلَاطَ، وَهَمَّ الْمُعَظَّمُ بِنَقْضِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ الطَّوَاشِيُّ شِهَابُ الدِّينِ طُغْرِيلُ الرُّومِيُّ الْأَبْيَضُ، وَكَانَ دَيِّنًا عَاقِلًا عَادِلًا.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ:
الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عِصْمَةَ.
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، وَحِيدُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، تَاجُ الدِّينِ
أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَنَشَأَ بِهَا، وَاشْتَغَلَ وَحَصَّلَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِهَا، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي النَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَالسِّيرَةِ وَحُسْنِ الْعَقِيدَةِ وَالسَّرِيرَةِ. وَانْتَفَعَ بِهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَخَضَعُوا لَهُ. وَكَانَ حَنْبَلِيًّا، ثُمَّ صَارَ حَنَفِيًّا. وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْعَالِي عَلَى الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ، وَعُنِيَ بِذَلِكَ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ، وَاشْتَهَرَ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الشَّامِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَسَكَنَ بِدَرْبِ الْعَجَمِ مِنْهَا، وَحَظِيَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهُمْ، كَانَ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ - وَهُوَ صَاحِبُ دِمَشْقَ - يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَخُوهُ الْمُحَسِّنُ، وَكَذَلِكَ الْمُعَظَّمُ فِي أَيَّامِهِ عَلَى مُلْكِ دِمَشْقَ، يَنْزِلُ إِلَيْهِ إِلَى دَرْبِ الْعَجَمِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي " الْمُفَصَّلِ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ يُعْطِي لِمَنْ حَفِظَ " الْمُفَصَّلَ " ثَلَاثِينَ دِينَارًا جَائِزَةً، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ بِدَرْبِ الْعَجَمِ جَمِيعُ الْمُصَدَّرِينَ بِالْجَامِعِ، كَالشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مُعْطِي، وَالْوَجِيهِ الْبَوْنِيِّ، وَالْفَخْرِ التُّرْكِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يُثْنِي عَلَيْهِ كَثِيرًا.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ، وَقَدْ شَرَحْتُ عَلَيْهِ " كِتَابَهُ "، كَانَ اسْمَهُ عَمْرٌو، وَاسْمُ الشَّيْخِ أَبِي الْيُمْنِ زَيْدٌ، فَقُلْتُ فِي ذَلِكَ:
لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ عَمْرٍو مِثْلُهُ
…
وَكَذَا الْكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرٍ
فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا
…
بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّهَّانِ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ
…
نِعَمًا يُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَمَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحَقُّ الْعَالَمِينَ بِهِ
…
أَلَيْسَ بِاسْمِكَ فِيهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ
وَلِلسَّخَاوِيِّ فِيهِ قَصِيدَةٌ حَسَنَةٌ، وَكَذَلِكَ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْعَقِيدَةِ، ظَرِيفَ الْخُلُقِ طَرِيفًا، لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، وَلَهُ النَّوَادِرُ الْعَجِيبَةُ، وَالْخَطُّ الْمَلِيحُ، وَالشِّعْرُ الرَّائِقُ، وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَادِسَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَدُفِنَ بِهَا.
وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كُتُبًا نَفِيسَةً - وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ مُجَلَّدًا - عَلَى مُعْتَقِهِ نَجِيبِ الدِّينِ يَاقُوتٍ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجُعِلَتْ فِي خِزَانَةٍ كَبِيرَةٍ بِمَقْصُورَةِ ابْنِ سِنَانَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَشْهَدِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ تَفَرَّقَتْ، وَأُبِيعَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ بِالْخِزَانَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَهِيَ بِمَقْصُورَةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَتْ قَدِيمًا يُقَالُ لَهَا: مَقْصُورَةُ ابْنِ سِنَانَ. وَقَدْ تَرَكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ رحمه الله نِعْمَةً وَافِرَةً،
وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَمَمَالِيكَ مُتَعَدِّدَةً مِنَ التُّرْكِ، وَقَدْ كَانَ رَقِيقَ الْحَاشِيَةِ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، يُعَامِلُ الطَّلَبَةَ مُعَامَلَةً حَسَنَةً، فَلَمَّا كَبُرَ تَرَكَ الْقِيَامَ لَهُمْ، وَأَنْشَأَ اعْتِذَارًا:
تَرَكْتُ قِيَامِي لِلصَّدِيقِ يَزُورُنِي
…
وَلَا ذَنْبَ لِي إِلَّا الْإِطَالَةُ فِي عُمْرِي
فَإِنْ بَلَغُوا مِنْ عَشْرِ تِسْعِينَ نِصْفَهَا
…
تَبَيَّنَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ عُذْرِي
وَقَدْ أَسْلَفْنَا شَيْئًا مِنْ قِيلِهِ فِي قَتْلِ عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْجِنَاسِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ تَارِيخِهِ أَشْعَارًا حَسَنَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَمْدَحُ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ شَاهِنْشَاهْ:
وِصَالُ الْغَوَانِي كَانَ أَرْوَى وَأَرْوَجَا
…
وَعَصْرُ التَّدَانِي كَانَ أَبْهَى وَأَبْهَجَا
لَيَالِيَ كَانَ الْعُمْرُ أَحْسَنَ شَافِعٍ
…
تَوَلَّى وَكَانَ اللَّهْوُ أَوْضَحَ مَنْهَجَا
بَدَا الشَّيْبُ فَانْجَابَتْ طَمَاعِيَةُ الصِّبَا
…
وَقُبِّحَ لِي مَا كَانَ يَسْتَحْسِنُ الْحِجَا
بُلَهْنِيَةٌ وَلَّتْ كَأَنْ لَمْ أَكُنْ بِهَا
…
بِهَا أَجْتَلِي وَجْهَ النَّعِيمِ مُسَرَّجَا
وَلَا اخْتَلْتُ فِي بُرْدِ الشَّبَابِ مُجَرِّرًا
…
ذُيُولِيَ إِعْجَابًا بِهِ وَتَبَرُّجَا
أُغَازِلُ غَيْدَاءَ الْمَعَاطِفِ طَفْلَةً
…
وَأَغْيَدَ مَعْسُولَ الْمَرَاشِفِ أَدْعَجَا
تَقَضَّتْ لَيَالِيهَا بِطِيبٍ كَأَنَّهُ
…
لِتَقْصِيرِهِ مِنْهُنَّ يَخْتَطِفُ الدُّجَا
فَإِنْ أُمْسِ مَكْرُوبَ الْفُؤَادِ حَزِينَهُ
…
أُعَاقِرُ مِنْ دَنِّ الصَّبَابَةِ مَنْهَجَا
وَحِيدًا عَلَى أَنِّي بِفَضْلِي مُتَيَّمٌ
…
مَرُوعًا بِأَعْدَاءِ الْفَضَائِلِ مُزْعَجَا
فَيَا رُبَّ ذِي وُدٍّ سَرَرْتُ وَسَرَّنِي
…
وَأَبْهَجْتُهُ بِالصَّالِحَاتِ وَأَبْهَجَا
وَيَا رُبَّ نَادٍ قَدْ شَهِدْتُ وَمَاجِدٍ
…
شَدَهْتُ وَخَصْمٍ رُعْتُهُ فَتَلَجْلَجَا
صَدَعْتُ بِفَضْلِي نَقْصَهُ فَتَرَكْتُهُ
…
وَفِي قَلْبِهِ شَجْوٌ وَفِي حَلْقِهِ شَجَى
كَأَنَّ بَيَانِي فِي مَسَامِعِ حُسَّدِي
…
وَقَدْ ضَمَّ أَبْكَارَ الْمَعَانِي وَأَدْرَجَا
حُسَامُ تَقِيِّ الدِّينِ فِي كُلِّ مَارِقٍ
…
يَقُدُّ إِلَى الْأَرْضِ الْكَمِيَّ الْمُدَجَّجَا
وَقَالَ يَمْدَحُ أَخَاهُ عِزَّ الدِّينِ فَرُّخْشَاهْ بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ:
هَلْ أَنْتَ رَاحِمُ عَبْرَةٍ وَتَدَلُّهِ
…
وَمُجِيرُ صَبٍّ عِنْدَ مَا مِنْهُ دُهِي
هَيْهَاتَ يَرْحَمُ قَاتِلٌ مَقْتُولَهُ
…
وَسِنَانُهُ فِي الْقَلْبِ غَيْرُ مُنَهْنَهِ
مَنْ بَلَّ مِنْ دَاءِ الْغَرَامِ فَإِنَّنِي
…
مُذْ حَلَّ بِيِ مَرَضُ الْهَوَى لَمْ أَنْقَهِ
إِنِّي بُلِيتُ بِحُبِّ أَغْيَدَ سَاحِرٍ
…
بِلِحَاظِهِ رَخْصِ الْبَنَانِ بَرَهْرَهِ
أَبْغِي شِفَاءَ تَدَلُّهِي مِنْ دلِّهِ
…
وَمَتَى يَرِقُّ مُدَلَّلٌ لِمُدَلَّهِ
كَمْ آهَةٍ لِي فِي هَوَاهُ وَأَنَّةٍ
…
لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي عَلَيْهِ تَأَوُّهِي
وَمَآرِبٍ فِي وَصْلِهِ لَوْ أَنَّهَا
…
تُقْضَى لَكَانَتْ عِنْدَ مَبْسِمِهِ الشَّهِي
يَا مُفْرَدًا بِالْحُسْنِ إِنَّكَ مُنْتَهٍ
…
فِيهِ كَمَا أَنَا فِي الصَّبَابَةِ مُنْتَهِي
قَدْ لَامَ فِيكَ مَعَاشِرٌ أَفَأَنْتَهِي
…
بِاللَّوْمِ عَنْ حُبِّ الْحَيَاةِ وَأَنْتَ هِيَ
أَبْكِي لَدَيْهِ فَإِنْ أَحَسَّ بِلَوْعَةٍ
…
وَتَشَهُّقٍ أَوْمَا بِطَرْفِ مُقَهْقِهِ
أَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَحَالِي عِنْدَهُ
…
حَيْرَانُ بَيْنَ تَفَكُّرٍ وَتَفَكُّهِ
ضِدَّانِ قَدْ جُمِعَا بَلَفْظٍ وَاحِدٍ
…
لِي فِي هَوَاهُ بِمَعْنَيَيْنِ مُوَجَّهِ
أَوَ لَسْتُ رَبَّ فَضَائِلٍ لَوْ حَازَ أَدْ
…
نَاهَا وَمَا أَزْهَى بِهَا غَيْرِي زُهِي
وَالَّذِي أَنْشَدَهُ تَاجُ الدِّينِ الْكِنْدِيُّ فِي قَتْلِ عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ، حِينَ كَانَ مَالَأَ الْكَفَرَةَ وَالْمُلْحِدِينَ عَلَى قَتْلِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَعَوْدِ دَوْلَةِ الْفَاطِمِيِّينَ، فَظَهَرَ عَلَى أَمْرِهِ، فَصُلِبَ مَعَ مَنْ صُلِبَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ:
عُمُارَةُ فِي الْإِسْلَامِ أَبْدَى خِيَانَةً
…
وَحَالَفَ فِيهَا بَيْعَةً وَصَلِيبَا
وَأَمْسَى شَرِيكَ الشِّرْكِ فِي بُغْضِ أَحْمَدَ
…
وَأَصْبَحَ فِي حُبِّ الصَّلِيبِ صَلِيبَا
وَكَانَ خَبِيثَ الْمُلْتَقَى إِنْ عَجَمْتَهُ
…
تَجِدْ مِنْهُ عُودًا فِي النِّفَاقِ صَلِيبَا
سَيَلْقَى غَدًا مَا كَانَ يَسْعَى لِأَجْلِهِ
…
وَيُسْقَى صَدِيدًا فِي لَظًى وَصَلِيبَا
وَلَهُ أَيْضًا:
صَحِبْنَا الدَّهْرَ أَيَّامًا حِسَانًا
…
نَعُومُ بِهِنَّ فِي اللَّذَّاتِ عَوْمَا
وَكَانَتْ بَعْدَ مَا وَلَّتْ كَأَنِّي
…
لَدَى نُقْصَانِهَا حُلْمًا وَنَوْمَا
أَنَاخَ بِيَ الْمَشِيبُ فَلَا بَرَاحٌ
…
وَإِنْ أَوْسَعْتُهُ عَتْبًا وَلَوْمَا
نَزِيلٌ لَا يَزَالُ عَلَى التَّنَائِي
…
يَسُوقُ إِلَى الرَّدَى يَوْمًا فَيَوْمَا
وَكُنْتُ أَعُدُّ لِي عَامًا فَعَامَا
…
فَصِرْتُ أَعُدُّ لِي يَوْمًا فَيَوْمَا
الْعِزُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيِّ
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَأَسْمَعَهُ وَالِدُهُ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ بِنَفْسِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَقَرَأَ بِهَا مُسْنَدَ أَحْمَدَ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُعَظَّمِ، وَكَانَ صَالِحًا دَيِّنًا وَرِعًا حَافِظًا، رحمه الله وَرَحِمَ أَبَاهُ.
أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ الْجَلَاجِلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ
سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ فِي الرَّسْلِيَّةِ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ الْأَشْرَفِ بْنِ الْعَادِلِ، وَكَانَ عَاقِلًا دَيِّنًا ثِقَةً صَدُوقًا.
الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ، نَقِيبُ الطَّالِبِيِّينَ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ أَبِيهِ، كَانَ شَيْخًا أَدِيبًا فَاضِلًا عَالِمًا بِفُنُونٍ كَثِيرَةٍ، لَاسِيَّمَا بِالْأَنْسَابِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا،
يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْهَا، وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لِيَهْنِكَ سَمْعٌ لَا يُلَائِمُهُ الْعَذْلُ
…
وَقَلْبٌ قَرِيحٌ لَا يَمَلُّ وَلَا يَسْلُو
كَأَنَّ عَلَيَّ الْحُبَّ أَمْسَى فَرِيضَةً
…
فَلَيْسَ لِقَلْبِي غَيْرُهُ أَبَدًا شُغْلُ
وَإِنِّي لَأَهْوَى الْهَجْرَ مَا كَانَ أَصْلُهُ
…
دَلَالًا وَلَوْلَا الْهَجْرُ مَا عَذُبَ الْوَصْلُ
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الصُّدُودُ مَلَالَةً
…
فَأَيْسَرُ مَا هَمَّ الْحَبِيبُ بِهِ الْقَتْلُ
أَبُو عَلِيٍّ مَزِيدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَزِيدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَشْكَرِيِّ، الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَهْلِ النُّعْمَانِيَّةِ، جَمَعَ لِنَفْسِهِ دِيوَانًا، أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً مِنْ شِعْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
سَأَلْتُكِ يَوْمَ النَّوَى نَظْرَةً
…
فَلَمْ تَسْمَحِي خَفَرًا لَا سَلَمْ
وَأَعْجَبُ كَيْفَ تَقُولِينَ لَا
…
وَوَجْهُكِ قَدْ خُطَّ فِيهِ نَعَمْ
أَمَا النُّونُ يَا هَذِهِ حَاجِبٌ
…
أَمَا الْعَيْنُ عَيْنٌ أَمَا الْمِيمُ فَمْ
أَبُو الْفَضْلِ رَشْوَانُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ رَشْوَانَ الْكُرْدِيُّ
الْمَعْرُوفُ بِالنَّقْفِ، وُلِدَ بِإِرْبِلَ، وَخَدَمَ جُنْدِيًّا، وَكَانَ أَدِيبًا شَاعِرًا خَدَمَ مَعَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
سَلِي عَنِّي الصَّوَارِمَ وَالرِّمَاحَا
…
وَخَيْلًا تَسْبِقُ الْهُوجَ الرِّيَاحَا
وَأُسْدًا جَيْشُهَا سُمْرُ الْعَوَالِي
…
إِذَا مَا الْأُسْدُ حَاوَلَتِ الْكِفَاحَا
فَإِنِّي ثَابِتٌ عَقْلًا وَلُبًّا
…
إِذَا مَا صَائِحٍ فِي الْحَرْبِ صَاحَا
وَأُورِدُ مُهْجَتِي لُجَجَ الْمَنَايَا
…
إِذَا مَاجَتْ وَلَمْ أَخَفِ الْجِرَاحَا
وَكَمْ لَيْلٍ سَهِرْتُ وَبِتُّ فِيهِ
…
أُرَاعِي النَّجْمَ أَرْتَقِبُ الصَّبَاحَا
وَكَمْ فِي فَدْفَدٍ فَرَسِي وَنِضْوِي
…
بِقَائِلَةِ الْهَجِيرِ غَدَا وَرَاحَا
لِعَيْنِكِ فِي الْعَجَاجَةِ مَا أُلَاقِي
…
وَأَثْبُتُ فِي الْكَرِيهَةِ لَا بَرَاحَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ أَبُو نَصْرٍ النَّحَّاسُ الْوَاسِطِيُّ
كَتَبَ إِلَى السِّبْطِ مِنْ شِعْرِهِ:
وَقَائِلَةٍ لَمَّا عَمَرْتُ وَصَارَ لِي
…
ثَمَانُونَ عَامًا عِشْ كَذَا وَابْقَ وَاسْلَمِ
وَدُمْ وَانْتَشِقْ رُوحَ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ
…
لَأَطْيَبُ مِنْ بَيْتٍ بِصَعْدَةَ مُظْلِمِ
فَقُلْتُ لَهَا عُذْرِي لَدَيْكِ مُمَهَّدٌ
…
بِبَيْتِ زُهَيْرٍ فَاعْمَلِي وَتَعَلَّمِي
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
…
ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا مَحَالَةَ يَسْأَمِ