الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ بِيَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ خَلِيفَةٌ، وَمَلِكُ الْعِرَاقَيْنِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ السُّلْطَانُ هُولَاكُوقَانَ مَلِكُ التَّتَارِ ابْنُ تُولِي بْنِ جِنْكِزْخَانَ، وَسُلْطَانُ دِيَارِ مِصْرَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ سَيْفُ الدِّينِ قُطُزُ مَمْلُوكُ الْمُعِزِّ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيِّ، وَسُلْطَانُ دِمَشْقَ وَحَلَبَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ بْنُ الْعَزِيزِ بْنِ الظَّاهِرِ غَازِيِّ بْنِ النَّاصِرِ فَاتِحِ الْقُدْسِ، وَبِلَادِ الْكَرَكِ وًالشُّوبَكِ لِلْمَلِكِ الْمُغِيثِ بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، وَهُوَ حِزْبٌ مَعَ النَّاصِرِ صَاحِبِ دِمَشْقَ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ، وَمَعَهُمَا الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ، وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى قِتَالِ الْمِصْرِيِّينَ وَأَخْذِ الْبَلَدِ مِنْهُمْ.
[أَخْذُ التَّتَارِ حَلَبَ وَدِمَشْقَ]
وَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِقَصْدِ التَّتَارِ بِلَادَ الشَّامِ، إِذْ دَخَلَ جَيْشُ الْمَغُولِ صُحْبَةَ مَلِكِهِمْ هُولَاكُو، وَجَازُوا الْفُرَاتَ عَلَى جُسُورٍ عَمِلُوهَا، وَوَصَلُوا إِلَى حَلَبَ فِي ثَانِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَحَاصَرُوهَا سَبْعَةَ
أَيَّامٍ، ثُمَّ افْتَتَحُوهَا بِالْأَمَانِ، وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَسَبَوُا النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَجَرَى عَلَيْهِمْ قَرِيبٌ مِمَّا جَرَى عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ، فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمْ قَلْعَتُهَا شَهْرًا، ثُمَّ تَسَلَّمُوهَا بِالْأَمَانِ، وَخُرِّبَتْ أَسْوَارُ الْبَلَدِ وَأَسْوَارُ الْقَلْعَةِ، وَبَقِيَتْ حَلَبُ كَأَنَّهَا حِمَارٌ أَجْرَبُ، وَكَانَ نَائِبُهَا الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ تَوْرَانْشَاهُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَ عَاقِلًا حَازِمًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ الْجَيْشُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَلَكِنْ سَرِعُوا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا. وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ هُولَاكُو أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْبَلَدِ يَقُولُ لَهُمْ حِينَ قَدِمَ بِجَحَافِلِهِ: نَحْنُ إِنَّمَا جِئْنَا لِقِتَالِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ بِدِمَشْقَ، وَنَحْنُ نُرِيدُ مِنْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا بِالْقَلْعَةِ شِحْنَةً، فَإِنْ كَانَتِ النُّصْرَةُ لَنَا فَالْبِلَادُ كُلُّهَا فِي حُكْمِنَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْنَا فَإِنْ شِئْتُمْ قَبِلْتُمُ الشِّحْنَةَ وَإِنْ شِئْتُمْ أَطْلَقْتُمُوهُ. فَأَجَابُوهُ: مَالَكَ عِنْدَنَا إِلَّا السَّيْفُ. فَتَعَجَّبَ مِنْ ضَعْفِهِمْ وَجَوَابِهِمْ بِهَذَا، فَزَحَفَ حِينَئِذٍ إِلَيْهِمْ، وَأَحَاطَ بِالْبَلَدِ، وَكَانَ مَا كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلَمَّا فُتِحَتْ حَلَبُ أَرْسَلَ صَاحِبُ حَمَاةَ بِمَفَاتِيحِهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنَ الْعَجَمِ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يُقَالُ لَهُ: خُسْرُوشَاهْ. فَخَرَّبَ أَسْوَارَهَا كَمَا فُعِلَ بِمَدِينَةِ حَلَبَ.