الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَارُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْكَرَكِ، فَأَكْرَمَهُمُ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُهَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَصَاهَرَهُمْ وَأَنْزَلَهُمْ بِالصَّلْتِ، فَأَخَذُوا مَعَهَا نَابُلُسَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ جَيْشًا مَعَ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ، فَكَسَرَهُمْ عَلَى الصَّلْتِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَحَاصَرَ النَّاصِرَ بِالْكَرَكِ، وَأَهَانَهُ غَايَةَ الْإِهَانَةِ، وَقَدِمَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَدَخَلَ دِمَشْقَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا، وَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَسَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ وَإِلَى بُصْرَى، وَإِلَى صَرْخَدَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ صَاحِبِهَا عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْمُعَظَّمِيِّ، وَعَوَّضَهُ عَنْهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَقَعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ جَيْشِ الْخَلِيفَةِ وَبَيْنَ التَّتَارِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، فَكَسَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَفَرَّقُوا شَمْلَهُمْ، وَهَرَبُوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ يَلْحَقُوهُمْ، وَلَمْ يَتْبَعُوهُمْ خَوْفًا مِنْ غَائِلَةِ مَكْرِهِمْ، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ بِبِلَادِ خُوزِسْتَانَ، عَلَى شِقِّ جَبَلٍ دَاخِلِهِ، مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْغَرِيبَةِ الْعَجِيبَةِ مَا يَحَارُ فِيهِ النَّاظِرُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بِنَاءِ الْجِنِّ، وَأَوْرَدَ صِفَتَهُ ابْنُ السَّاعِي فِي " تَارِيخِهِ ".
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ:
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الصَّلَاحِ، عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، الشَّيْخُ
الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، مُفْتِي الشَّامِ وَمُحَدِّثُهُ، تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ، الشَّهْرَزُورِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، سَمِعَ الْحَدِيثَ بِبِلَادِ الشَّرْقِ، وَتَفَقَّهَ هُنَالِكَ بِالْمَوْصِلِ وَحَلَبَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ أَبُوهُ مُدَرِّسًا بِالْأَسَدِيَّةِ الَّتِي بِحَلَبَ، وَوَاقِفُهَا أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ بْنُ شَاذِيٍّ، وَقَدِمَ الشَّامَ، وَهُوَ فِي عِدَادِ الْفُضَلَاءِ الْكِبَارِ، وَأَقَامَ بِالْقُدْسِ مُدَّةً، وَدَرَّسَ بِالصَّلَاحِيَّةِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَدَرَّسَ بِالرَّوَاحِيَّةِ ثُمَّ بِالشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، ثُمَّ بِدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَلِيَهَا مِنْ شُيُوخِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الَّذِي صَنَّفَ كِتَابَ وَقْفِهَا، وَقَدْ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً مُفِيدَةً فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَفِي الْفِقْهِ، وَتَعَالِيقَ حَسَنَةً عَلَى " الْوَسِيطِ " وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الَّتِي يَرْحَلُ إِلَيْهَا. وَكَانَ دَيِّنًا زَاهِدًا وَرِعًا نَاسِكًا، عَلَى طَرِيقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ مُتَأَخِّرِي أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، مَعَ الْفَضِيلَةِ التَّامَّةِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى طَرِيقَةٍ جَيِّدَةٍ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَنْزِلِهِ فِي دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الْخَامِسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَشَيَّعَهُ النَّاسُ إِلَى دَاخِلِ بَابِ الْفَرَجِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْبُرُوزُ لِظَاهِرِهِ لِحِصَارِ الْخُوَارَزْمِيَّةِ، وَمَا صَحِبَهُ إِلَى جَبَّانَةِ الصُّوفِيَّةِ إِلَّا نَحْوُ الْعَشَرَةِ، رحمه الله وَتَغَمَّدَهُ بِرَحْمَتِهِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ خَلِّكَانَ، وَكَانَ مِنْ شُيُوخِهِ. قَالَ السِّبْطُ: أَنْشَدَنِي الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ لَفْظِهِ، رحمه الله:
احْذَرْ مِنَ الْوَاوَاتِ أَرَ
…
بَعَةً فَهُنَّ مِنَ الْحُتُوفْ
وَاوَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَدِي
…
عَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوُقُوفْ
وَحَكَى ابْنُ خَلِّكَانَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أُلْهِمْتُ فِي الْمَنَامِ هَؤُلَاءِ الْكَلَمْاتِ; ادْفَعِ الْمَسْأَلَةَ مَا وَجَدْتَ التَّحَمُّلَ يُمْكِنُكَ، فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ رِزْقًا جَدِيدًا، وَالْإِلْحَاحُ فِي الطَّلَبِ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ، وَمَا أَقْرَبَ الصَّنِيعَ مِنَ الْمَلْهُوفِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الْغِيَرُ نَوْعًا مِنْ آدَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُظُوظُ مَرَاتِبُ فَلَا تَعْجَلْ عَلَى ثَمَرَةٍ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ، فَإِنَّكَ سَتَنَالُهَا فِي أَوَانِهَا، وَلَا تَعْجَلْ فِي حَوَائِجِكَ فَتَضِيقُ بِهَا ذَرْعًا، وَيَغْشَاكَ الْقُنُوطُ.
ابْنُ النَّجَّارِ الْحَافِظُ صَاحِبُ التَّارِيخِ
مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحَاسِنَ بْنِ النَّجَّارِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، الْحَافِظُ الْكَبِيرُ، سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ شَرْقًا وَغَرْبًا، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَشَرَعَ فِي كِتَابَةِ التَّارِيخِ وَعُمْرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَرَأَ الْأَدَبَ وَالنَّحْوَ وَالْقِرَاءَاتِ، وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَشَايِخِ كَثِيرًا، حَتَّى حَصَّلَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ شَيْخٍ، مِنْ ذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ امْرَأَةٍ، وَتَغَرَّبَ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ وَقَدْ جَمَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، مِنْ ذَلِكَ " الْقَمَرُ الْمُنِيرُ فِي الْمُسْنَدِ الْكَبِيرِ "، يَذْكُرُ لِكُلِّ صَحَابِيٍّ مَا رَوَى، وَ " كَنْزُ الْأَيَّامِ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْأَحْكَامِ "، وَ " الْمُخْتَلِفُ وَالْمُؤْتَلِفُ "، وَ " السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ "، وَ " الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ "، وَكِتَابُ " الْأَلْقَابِ "، وَ " نَهْجُ
الْإِصَابَةِ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ "، وَ " الْكَمَالُ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُتِمَّ أَكْثَرُهُ. وَلَهُ كِتَابُ " الذَّيْلِ عَلَى تَارِيخِ مَدِينَةِ السَّلَامِ "، فِي سِتَّةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا كَامِلًا، وَلَهُ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَ " غُرَرُ الْفَوَائِدِ " فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، سَرَدَهَا ابْنُ السَّاعِي فِي تَرْجَمَتِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا عَادَ إِلَى بَغْدَادَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ فِي الْمَدَارِسِ، فَقَالَ: مَعِي مَا أَسْتَغْنِي بِهِ. فَاشْتَرَى جَارِيَةً، وَأَوْلَدَهَا وَلَدًا، وَأَقَامَ بُرْهَةً يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كَسْبِهِ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى أَنْ نَزَلَ مُحَدِّثًا فِي جَمَاعَةِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْمَدْرَسَةِ الْمُسْتَنْصِرِيَّةِ حِينَ وُضِعَتْ، ثُمَّ مَرِضَ شَهْرَيْنِ، وَأَوْصَى إِلَى ابْنِ السَّاعِي فِي أَمْرِ تَرِكَتِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ، وَشَهِدَ جَنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ يُنَادَى حَوْلَ جَنَازَتِهِ: هَذَا حَافَظُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الَّذِي يَنْفِي الْكَذِبَ عَنْهُ. وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا، وَكَانَتْ تَرِكَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَثِيَابَ بَدَنِهِ، وَأَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَا، وَوَقَفَ خِزَانَتَيْنِ مِنَ الْكُتُبِ بِالنِّظَامِيَّةِ تُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَمْضَى ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَعْصِمُ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَرَثَوْهُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ، سَرَدَهَا ابْنُ السَّاعِي فِي آخِرِ تَرْجَمَتِهِ.
الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ، صَاحِبُ " الْأَحْكَامِ "، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيُّ، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَتَبَ
كَثِيرًا، وَرَحَلَ وَطَافَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَأَلَّفَ كُتُبًا مُفِيدَةً حَسَنَةً كَثِيرَةَ الْفَوَائِدِ، مِنْ ذَلِكَ كِتَابُ " الْأَحْكَامِ " وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَكِتَابُ " الْمُخْتَارَةِ " وَفِيهِ عُلُومٌ حَسَنَةٌ حَدِيثِيَّةٌ، وَهِيَ أَجْوَدُ مِنْ " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ " لَوْ كَمَلَ، وَلَهُ " فَضَائِلُ الْأَعْمَالِ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ الْحَسَنَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حِفْظِهِ وَاطِّلَاعِهِ وَتَضَلُّعِهِ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًا. وَكَانَ رحمه الله فِي غَايَةِ الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْخَيْرِ، وَقَدْ وَقَفَ كُتُبًا كَثِيرَةً عَظِيمَةً بِخَطِّهِ لِخِزَانَةِ الْمَدْرَسَةِ الضِّيَائِيَّةِ الَّتِي وَقَفَهَا عَلَى أَصْحَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ، وَقَدْ وُقِفَتْ عَلَيْهَا أَوْقَافٌ أُخَرُ كَثِيرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبَدَ الْأَحَدِ بْنِ عَبْدِ الْغَالِبِ الْهَمْدَانِيُّ الْمِصْرِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، شَيْخُ الْقُرَّاءِ بِدِمَشْقَ، خَتَمَ عَلَيْهِ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ عَلَى الشَّاطِبِيِّ، وَشَرَحَ قَصِيدَتَهُ، وَلَهُ " شَرْحُ الْمُفَصَّلِ "، وَلَهُ تَفَاسِيرُ وَتَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ، وَمَدَائِحُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ الْإِقْرَاءِ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ، وَبِهَا كَانَ مَسْكَنُهُ، وَبِهِ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَذَكَرَ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ:
قَالُوا غَدًا نَأْتِي دِيَارَ الْحِمَى
…
وَيَنْزِلُ الرَّكْبُ بِمَغْنَاهُمُ
وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُطِيعًا لَهُمْ
…
أَصْبَحَ مَسْرُورًا بِلُقْيَاهُمُ
قُلْتُ فَلِي ذَنْبٌ فَمَا حِيلَتِي
بِأَيِّ وَجْهٍ أَتَلَقَّاهُمُ
…
قَالُوا أَلَيْسَ الْعَفْوُ مِنْ شَأْنِهِمْ
لَاسِيَّمَا عَمَّنْ تَرَجَّاهُمُ
رَبِيعَةُ خَاتُونَ
وَاقِفَةُ الصَّاحِبَةِ بِقَاسِيُونَ: رَبِيعَةُ خَاتُونَ بِنْتُ أَيُّوبَ أُخْتُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، زَوَّجَهَا أَخُوهَا أَوَّلًا بِالْأَمِيرِ سَعْدِ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ مُعِينِ الدِّينِ أَنُرَ، وَتَزَوَّجَ هُوَ بِأُخْتِهِ عِصْمَةَ الدِّينِ خَاتُونَ، الَّتِي كَانَتْ زَوْجَةَ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ، وَاقِفَةَ الْخَاتُونِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ وَالْخَانْقَاهْ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ الْأَمِيرُ سَعْدُ الدِّينِ زَوَّجَهَا مِنَ الْمَلِكِ مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ، فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ بِإِرْبِلَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ قَدِمَتْ دِمَشْقَ، فَسَكَنَتْ فِي دَارِ الْعَقِيقِيِّ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ جَاوَزَتِ الثَّمَانِينَ، وَدُفِنَتْ بِقَاسِيُونَ، وَكَانَتْ فِي خِدْمَتِهَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ الْعَالِمَةُ أَمَةُ اللَّطِيفِ بِنْتُ النَّاصِحِ الْحَنْبَلِيِّ، وَكَانَتْ فَاضِلَةً، وَلَهَا تَصَانِيفُ، وَهِيَ الَّتِي أَرْشَدَتْهَا إِلَى وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ الصَّاحِبَةِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ عَلَى الْحَنَابِلَةِ، وَأَوْقَفَتْ أَمَةُ اللَّطِيفِ عَلَى الْحَنَابِلَةِ مَدْرَسَةً أُخْرَى، وَهِيَ الْآنَ شَرْقِيَّ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَتِ الْخَاتُونُ وَقَعَتِ الْعَالِمَةُ فِي الْمُصَادَرَاتِ، وَحُبِسَتْ مُدَّةً ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهَا، وَتَزَوَّجَهَا الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حِمْصَ، وَسَافَرَتْ مَعَهُ إِلَى الرَّحْبَةِ، وَتَلِّ بَاشِرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ، وَوُجِدَ لَهَا بِدِمَشْقَ ذَخَائِرُ كَثِيرَةٌ وَجَوَاهِرُ ثَمِينَةٌ، تُقَارِبُ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، غَيْرَ الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ.
مُعِينُ الدِّينِ الْحَسَنُ بْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ
وَزِيرُ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ،
أَرْسَلَهُ إِلَى دِمَشْقَ، فَحَاصَرَهَا مَعَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَقَامَ بِهَا نَائِبًا مِنْ جِهَةِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، ثُمَّ تَمَالَأَ الْخُوَارَزْمِيَّةُ مَعَ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ، فَحَصَرُوهُ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ بِدِمَشْقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ إِلَى جَانِبِ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ وَاقِفِ الْقِلِيجِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بْنُ قِلِيجَ وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي بِمَدْرَسَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، الَّتِي كَانَتْ سَكَنَهُ بِدَارِ فُلُوسٍ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ.
وَخَطِيبُ الْجَبَلِ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالسَّيْفُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الْإِمَامِ مُوَفَّقِ الدِّينِ بْنِ قُدَامَةَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ إِمَامُ الْكَلَّاسَةِ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، مُسْنِدُ وَقْتِهِ، وَشَيْخُ الْحَدِيثِ فِي زَمَانِهِ رِوَايَةً وَصَلَاحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
وَالْمُحَدِّثَانِ الْكَبِيرَانِ الْحَافِظَانِ الْمُفِيدَانِ شَرَفُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْجَوْهَرِيِّ، وَتَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْجَلِيلِ الْأَبْهَرِيُّ.