الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دِمَشْقَ، ثُمَّ قَدِمَ الْكَامِلُ مِنْ مِصْرَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ وَنَابُلُسَ وَالْقُدْسِ، فَحَاصَرُوا دِمَشْقَ حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَدْ حَصَّنَهَا الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَقُطِعَتِ الْمِيَاهُ، وَرَدَّ الْكَامِلُ مَاءَ بَرَدَى إِلَى ثَوْرَا، وَأُحْرَقَتِ الْعُقَيْبَةُ وَقَصْرُ حَجَّاجٍ، فَافْتَقَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاحْتَرَقَ آخَرُونَ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ آلَ الْحَالُ فِي آخِرِ جُمَادَى الْأُولَى إِلَى أَنْ سَلَّمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَسَكَنَ الْأَمْرُ، وَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى يَدَيِ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ بِدِمَشْقَ قَدْ قَدِمَ فِي رَسْلِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى دِمَشْقَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا. وَدَخَلَ الْكَامِلُ دِمَشْقَ، وَأَطْلَقَ الْفَلَكَ بْنَ الْمَسِيرِيِّ مِنْ سِجْنِ الْحَيَّاتِ بِالْقَلْعَةِ الَّذِي كَانَ أَوْدَعَهُ فِيهِ الْأَشْرَفُ، وَنُقِلَ الْأَشْرَفُ إِلَى تُرْبَتِهِ، وَأَمَرَ الْكَامِلُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ أَئِمَّةَ الْجَامِعِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَغْرِبَ سِوَى الْإِمَامِ الْكَبِيرِ; لِمَا كَانَ يَقَعُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَالِاخْتِلَافِ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَنِعْمَ مَا فَعَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ فُعِلَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ فِي الْمِحْرَابِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَبْقَ بِهِ إِمَامٌ حِينَئِذٍ سِوَى الَّذِي بِالْحَلَبَيَّةِ عِنْدَ مَشْهَدِ عَلَيٍّ، وَلَوْ تُرِكَ لَكَانَ حَسَنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ]
تَمَلَّكَ الْكَامِلُ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ أَمْرَاضٌ مُخْتَلِفَةٌ، مِنْ ذَلِكَ
سُعَالٌ وَإِسْهَالٌ وَنَزْلَةٌ فِي حَلْقِهِ، وَنِقْرِسٌ فِي رِجْلَيْهِ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ مِنْ دَارِ الْقَصَبَةِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَمُّهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْكَامِلِ أَحَدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ شِدَّةِ هَيْبَتِهِ، بَلْ دَخَلُوا فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِ الْعَادِلِ بَعْدَ مَوْدُودٍ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى الْعَادِلُ لِعِلْمِهِ بِثَبَاتِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ، وَوُفُورِ مَعْرِفَتِهِ. وَقَدْ كَانَ جَيِّدَ الْفَهْمِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، وَيَسْأَلُهُمْ أَسْئِلَةً مُشْكِلَةً، وَلَهُ كَلَامٌ جَيِّدٌ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ ذَكِيًّا، مَهِيبًا، ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ، عَادِلًا مُنْصِفًا، لَهُ حُرْمَةٌ وَافِرَةٌ، وَسَطْوَةٌ قَوِيَّةٌ، مَلَكَ مِصْرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً كَامِلَةً، وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ فِي زَمَانِهِ آمِنَةً، وَالرَّعَايَا مُتَنَاصِفَةً، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا، شَنَقَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَجْنَادِ أَخَذُوا شَعِيرًا لِبَعْضِ الْفَلَّاحِينَ بِأَرْضِ آمِدَ، وَاشْتَكَى إِلَيْهِ بَعْضُ الرَّكْبَدَارِيَةِ أَنَّ أُسْتَاذَهُ اسْتَعْمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِلَا أُجْرَةٍ، فَأَحْضَرَ الْجُنْدِيَّ وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ الرَّكْبَدَارِيَةِ، وَأَلْبَسَ الرَّكْبَدَارَ ثِيَابَ الْجُنْدِيِّ، وَأَمَرَ الْجُنْدِيَّ أَنْ يَخْدُمَ الرَّكْبَدَارَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَيَحْضُرَ الرَّكْبَدَارُ الْمَوْكِبَ وَالْخِدْمَةَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، فَتَأَدَّبَ النَّاسُ بِذَلِكَ غَايَةَ الْأَدَبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ فِي رَدِّ ثَغْرِ دِمْيَاطَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - فَرَابَطَهُمْ أَرْبَعَ سِنِينَ، حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَوْمُ أَخْذِهِ لَهُ وَاسْتِرْجَاعِهِ إِيَّاهُ يَوْمًا مَشْهُودًا، كَمَا ذَكَرْنَا مُفَصَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِالْقَلْعَةِ حَتَّى كَمَلَتْ تُرْبَتُهُ الَّتِي بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْجَامِعِ ذَاتُ الشُّبَّاكِ