الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحَنَانًا عَلَى الْحِجَازِ وَمِصْرَ
…
وَسَلَامًا عَلَى بِلَادِ الشَّامِ
رَبِّ سَلِّمْ وَصُنْ وَعَافِ بَقَايَا الْ
…
مُدُنِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَلَتْ عِمَارَةُ الْمَدْرَسَةِ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ، وَحَضَرَ فِيهَا الدَّرْسَ وَاقِفُهَا الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غِيَاثِ الدِّينِ غَازِيِّ بْنِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَادِي فَاتِحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَدَرَّسَ فِيهَا قَاضِي الْبَلَدِ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ وَالْعُلَمَاءُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِدِمَشْقَ.
وَفِيهَا أُمِرَ بِعِمَارَةِ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ:
الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ النَّحَّاسِ
تَرَكَ الْخَدَمَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الزَّهَادَةِ وَالتِّلَاوَةِ، وَالْعِبَادَةِ وَالصِّيَامِ الْمُتَتَابَعِ، وَالِانْقِطَاعِ بِمَسْجِدِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ عِنْدَ مَسْجِدِهِ بِتُرْبَةٍ مَشْهُورَةٍ بِهِ، وَحَمَّامٍ يَنْسُبُ إِلَيْهِ فِي مَسَارِيقِ الصَّالِحِيَّةِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ السِّبْطُ، وَأَرَّخُوا وَفَاتَهُ كَمَا ذَكَرْنَا.
يُوسُفُ بْنُ الْأَمِيرِ حُسَامِ الدِّينِ قِزُغْلِي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَتِيقِ الْوَزِيرِ عَوْنِ الدِّينِ يَحْيَى بْنِ هُبَيْرَةَ الْحَنْبَلِيُّ
الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ، أَبُو الْمُظَفَّرِ الْحَنَفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، أُمُّهُ رَابِعَةُ بِنْتُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ الْوَاعِظِ، وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ، طَيِّبَ الصَّوْتِ، حَسَنَ الْوَعْظِ، كَثِيرَ الْفَضَائِلِ وَالْمُصَنَّفَاتِ، وَلَهُ " مِرْآةُ الزَّمَانِ " فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا مِنْ أَحْسَنِ التَّوَارِيخِ، انْتَظَمَ فِيهِ " الْمُنْتَظَمَ " لِجَدِّهِ، وَزَادَ عَلَيْهِ، وَذَيَّلَ إِلَى زَمَانِهِ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّوَارِيخِ وَأَبْهَجِهَا، قَدِمَ دِمَشْقَ فِي حُدُودِ السِّتِّمِائَةِ، وَحَظِيَ عِنْدَ مُلُوكِ بَنِي أَيُّوبَ، وَقَدَّمُوهُ وَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسُ وَعْظٍ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ بُكْرَةَ النَّهَارِ عِنْدَ السَّارِيَةِ الَّتِي يَقُومُ عِنْدَهَا الْوُعَّاظُ الْيَوْمَ عِنْدَ بَابِ مَشْهِدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَبِيتُونَ لَيْلَةَ السَّبْتِ بِالْجَامِعِ، وَيَتْرُكُونَ الْبَسَاتِينَ فِي الصَّيْفِ حَتَّى يَسْمَعُوا مِيعَادَهُ، ثُمَّ يُسْرِعُونَ إِلَى بَسَاتِينِهِمْ، فَيَتَذَاكَرُونَ مَا قَالَهُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْكَلَامِ الْحَسَنِ، عَلَى طَرِيقَةِ جَدِّهِ.
وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْكِنْدِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَشَايِخِ يَحْضُرُونَ عِنْدَهُ تَحْتَ قُبَّةِ يَزِيدَ، الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَشْهَدِ، وَيَسْتَحْسِنُونَ مَا يَقُولُ، وَدَرَّسَ بِالْعِزِّيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ الَّتِي بَنَاهَا الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ الْمُعَظَّمِيُّ، أُسْتَاذُ دَارِ الْمُعَظَّمِ، وَهُوَ وَاقِفُ الْعِزِّيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ الَّتِي بِالْكُشْكِ أَيْضًا، وَكَانَتْ قَدِيمًا تُعْرَفُ بِدُورِ ابْنِ مُنْقِذٍ، وَدَرَّسَ السِّبْطُ أَيْضًا بِالشِّبْلِيَّةِ الَّتِي بِالْجَبَلِ عِنْدَ جِسْرِ كُحَيْلٍ، وَفُوِّضَ إِلَيْهِ الْبَدْرِيَّةُ
الَّتِي قُبَالَتَهَا، فَكَانَتْ سَكَنَهُ، وَبِهَا تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ سُلْطَانُ الْبَلَدِ النَّاصِرُ بْنُ الْعَزِيزِ فَمَنْ دُونَهُ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي عُلُومِهِ وَفَضَائِلِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَحُسْنِ وَعْظِهِ وَطِيبِ صَوْتِهِ وَنَضَارَةِ وَجْهِهِ، وَتَوَاضُعِهِ وَزُهْدِهِ وَتَوَدُّدِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ كُنْتُ مَرِيضًا لَيْلَةَ وَفَاتِهِ، فَرَأَيْتُ وَفَاتَهُ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ الْيَقَظَةِ، وَرَأَيْتُهُ فِي حَالَةٍ مُنْكَرَةٍ، وَرَآهُ غَيْرِي أَيْضًا كَذَلِكَ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَلَمْ أَقَدِرْ عَلَى حُضُورِ جِنَازَتِهِ وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً حَضَرَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، السُّلْطَانُ فَمَنْ دُونَهُ، وَدُفِنَ هُنَاكَ، وَقَدْ كَانَ فَاضِلًا عَالِمًا ظَرِيفًا، مُنْقَطِعًا مُنْكِرًا عَلَى أَرْبَابِ الدُّوَلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ كَانَ مُقْتَصِدًا فِي لِبَاسِهِ مُوَاظِبًا عَلَى الْمُطَالَعَةِ وَالِاشْتِغَالِ وَالْجَمْعِ وَالتَّصْنِيفِ، مُنْصِفًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، مُبَايِنًا لِأَهْلِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْجَهْلِ وَتَأْتِي الْمُلُوكُ وَأَرْبَابُ الدُّوَلِ إِلَيْهِ زَائِرِينَ وَقَاصِدِينَ، وَرُبِّيَ فِي طُولِ زَمَانِهِ فِي جَاهٍ عَرِيضٍ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْعَوَامِّ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ مَجْلِسُ وَعْظِهِ مُطْرِبًا، وَصَوْتُهُ فِيمَا يُورِدُهُ حَسَنًا طَيِّبًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ مِمَّنْ يُنْشَدُ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَازِلْتَ تَدْأَبُ فِي التَّارِيخِ مُجْتَهِدًا
…
حَتَّى رَأَيْتُكَ فِي التَّارِيخِ مَكْتُوبَا
وَقَدْ سُئِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ زَمَنَ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَاحِبِ حَلَبَ أَنْ يَذْكُرَ لِلنَّاسِ شَيْئًا مِنْ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ طَوِيلًا لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ وَضَعَ الْمِنْدِيلَ عَلَى
وَجْهِهِ، وَبَكَى ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: وَهُوَ يَبْكِي شَدِيدًا:
وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعَاؤُهُ خُصَمَاؤُهُ
…
وَالصُّورُ فِي نَشْرِ الْخَلَائِقِ يُنْفَخُ
لَا بُدَّ أَنْ تَرِدَ الْقِيَامَةَ فَاطِمٌ
…
وَقَمِيصُهَا بِدَمِ الْحُسَيْنِ مُلَطَّخُ
ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَبْكِي، وَصَعِدَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ وَهُوَ يَبْكِي كَذَلِكَ، رحمه الله.
وَاقِفُ مارَسْتَانِ الصَّالِحِيَّةِ: الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ يُوسُفُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ بْنِ مُوسَكَ الْقَيْمَرِيُّ الْكُرْدِيُّ
أَكْبَرُ أُمَرَاءِ الْقَيْمَرِيَّةِ، كَانُوا يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا تُعَامَلُ الْمُلُوكُ، وَمِنْ أَكْبَرِ حَسَنَاتِهِ وَقْفُهُ الْمَارَسْتَانَ الَّذِي بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ وَدَفْنُهُ بِالسَّفْحِ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي تُجَاهَ الْمَارَسْتَانِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَثَرْوَةٍ، رحمه الله.
مُجِيرُ الدِّينِ يَعْقُوبُ بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ
دُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ بِتُرْبَةِ الْعَادِلِيَّةِ.
الْأَمِيرُ مُظَفَّرُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَاحِبِ صَرْخَدَ عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ أُسْتَاذِ دَارِ الْمُعَظَّمِ وَاقِفِ الْعِزِّيَّتَيْنِ; الْبَرَّانِيَّةِ وَالْجَوَّانِيَّةِ
عَلَى الْحَنَفِيَّةِ، وَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدِهِ بِالتُّرْبَةِ تَحْتَ الْقُبَّةِ عِنْدَ الْوَرَّاقَةِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نُوحٍ الْمَقْدِسِيُّ
الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ مُدَرِّسُ الرَّوَاحِيَّةِ بَعْدَ شَيْخِهِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ حَافِلَةٌ، رحمه الله.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَكَثُرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَوْتُ الْفَجْأَةِ، فَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا: زَكِيُّ بْنُ الْفُوَيْرَةِ، أَحَدُ الْمُعَدِّلِينَ بِدِمَشْقَ، وَبَدْرُ الدِّينِ بْنُ التِّبْنِينِيِّ أَحَدُ رُؤَسَائِهَا، وَعِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ التَّغَلِبِيُّ ابْنُ الْحَنَوِيِّ، وَهُوَ سِبْطُ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.