الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَظْهَرُ أَمْرُهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ، فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَكُلُّ من سأل مِنَ الْيَهُودِ والنَّصارى وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ: هَذَا الدِّين وذاك، وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ،، وَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ * قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ.
فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَخْبَرْتُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
وإقرائه مِنْهُ السَّلام، فردَّ عليه السلام وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الجنَّة يَسْحَبُ ذُيُولًا.
كتاب دلائل النبوة
وَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ:
فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ
إِنْزَالُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَبْهَرُ الْآيَاتِ، وَأَبْيَنُ الْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّرْكِيبِ الْمُعْجِزِ الَّذِي تحدَّى بِهِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، مَعَ تَوَافُرِ دَوَاعِي أَعْدَائِهِ عَلَى مُعَارَضَتِهِ.
وَفَصَاحَتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ، ثمَّ تحدَّاهم بعشر سور منه فَعَجَزُوا، ثمَّ تَنَازَلَ إِلَى التَّحدي بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَعَجَزُوا عَنْهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ عَجْزَهُمْ وَتَقْصِيرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) * [الإسراء: 88] وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّور وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: * (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) * [الطور: 33] أي إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنَّكم مثله.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ - معيداً للتحديّ -: * (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لم تفعلوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ للكافرين) * [الْبَقَرَةِ: 23 - 24] وَقَالَ تَعَالَى: * (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مسلمون) * [هُودٍ: 13 - 14] وقال تعالى: * (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ من رب العالمين * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين) * [يُونُسَ: 37 - 39] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، بَلْ عَنْ عَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ، بَلْ عَنْ سُورَةٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ أَبَدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) * أَيْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فِي الْمَاضِي وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا تحدٍّ ثَانٍ وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ وَاثِقٍ بِأَنَّ ما جاء به لا يمكن للبشر مُعَارَضَتُهُ وَلَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ متقوَّل مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَخَافَ أَنْ يُعَارَضَ، فَيَفْتَضِحَ وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَقِيضُ مَا قَصَدَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ النَّاس لَهُ، وَمَعْلُومٌ لكلِّ ذِي لُبٍّ أنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَعْقَلِ خَلْقِ اللَّهِ بَلْ أَعْقَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمَا كَانَ لِيُقْدِمَ على هذا الأمر إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بأنَّه لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ،
وهكذا وقع، فإنَّه مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى زماننا هذا لم يستطيع أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِنَظِيرِهِ وَلَا نَظِيرِ سُورَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ أَبَدًا، فإنَّه كلام ربّ العالمين الذي لا يشبهه شئ مِنْ خَلْقِهِ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَأَنَّى يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامَ الْخَالِقِ؟ وَقَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِي حكاه تعالى عنهم في قوله: * (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أساطير الاولين) * [الانفال: 31] كذب منهم دعوى بَاطِلَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ، وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ لَأَتَوْا بِمَا يُعَارِضُهُ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ * (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) * [الفرقان: 5] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) * [الفرقان: 6] أَيْ أنزله عالم الخفيَّات، رب الأرض والسَّموات، الَّذِي يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، فإنَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، الَّذِي كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَدْرِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَوَائِلِ وَأَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَ الحق والباطل الذي اختلف فِي إِيرَادِهِ جُمْلَةُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) * وَقَالَ تَعَالَى: * (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) * [طه: 99 - 100] وقال تعالى: * (وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عليه) * [المائدة: 48] الآية وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنَ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) * [العنكبوت: 47 - 52] * فبين تعالى أن نفس إنزال هذا الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون وحكم ما هو كائن بين الناس عليَّ مثل هذا النَّبيّ الأمي وحده، كان من الدَّلالة على صدقه، وقال تعالى: * (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ المجرمون) * [يُونُسَ: 15 - 17] يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُطِيقُ تَبْدِيلَ هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَإِنَّمَا اللَّهُ عز وجل هُوَ الَّذِي يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَأَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، لِأَنِّي نَشَأْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ نَسَبِي وَصِدْقِي وَأَمَانَتِي،
وَأَنِّي لَمْ أكذِّب عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهر، فَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عز وجل، مَالِكِ الضُّرِّ والنَّفع، الَّذِي هو على كل شئ قدير، وبكل شئ عَلِيمٌ؟ وَأَيُّ ذَنْبٍ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) * أَيْ لَوْ كذَّب عَلَيْنَا لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أن يحجزنا عنه ويمنعنا مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شئ، وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) * [الأنعام: 93] وقال تعالى: * (قُلْ أي شئ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) * [الأنعام: 19] وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الله شهيد على كل شئ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الشُّهداء، وَهُوَ مطَّلع عليَّ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَنْهُ، وَتَتَضَمَّنُ قُوَّةُ الْكَلَامِ قَسَمًا بِهِ أنَّه قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الْخَلْقِ لِأُنْذِرَهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) * [هود: 17] فَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادقة عَنِ الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسَّموات وَالْأَرْضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فيهنَّ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ مُبَرْهَنَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ الصَّحيح، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) * [الإسراء: 89] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) * [العنكبوت: 43] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لعلهم يتقون) * [الزمر: 27] وفي القرآن العظيم الإخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما في كتب أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذلك شاهداً له، مع كونه نزل على رجل أمي، لا يعرف الكتابة، ولم يعان يوماً من الدَّهر شيئاً من علوم الأوائل، ولا أخبار الماضين، فلم يفجأ النَّاس إلا بوحي إليه عما كان من الأخبار النَّافعة، التي ينبغي أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الأمم مع الأنبياء، وما كان منهم من أمورهم معهم، وكيف نجَّى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتي بمثلها أبد الآبدين، ودهر الدَّاهرين، ففي مكان تقص القصة موجزة في غاية البيان والفصاحة، وتارة تبسط، فلا أحلى ولا أجلى ولا أعلى من ذلك السِّياق حتى كأن التالي أو السَّامع مشاهد لما كان، حاضر له، معاين للخبر بنفسه كما قال تعالى: * (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) * [آل عمران: 44] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إذا يَخْتَصِمُونَ) * [آل عمران: 44] وَقَالَ تَعَالَى: فِي سُورَةِ يُوسُفَ، * (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذكر للعالمين) * [يُوسُفَ: 102] إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهَا * (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتفصيل كل شئ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) * [يوسف: 111] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ من ربه أو لم تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى) * [طه: 133] وَقَالَ تَعَالَى: * (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أو لم يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كل شئ شهيد) * [فصلت: 52 - 53] وعد تعالى أنَّه سيظهر الآيات: القرآن وصدقه وصدق من جاء به بما يخلقه في الآفاق من الآيات الدَّالة على صدق هذا الكتاب، وفي نفس المنكرين له المكذبين ما فيه حجة عليهم وبرهان قاطع لشبههم، حتى يستيقنوا أنه منزل من عند الله على لسان الصَّادق، ثمَّ أرشد إلى دليل مستقل بقوله: * (أو لم يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كل شئ شَهِيدٌ) * [فصلت: 53] أَيْ فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ يطلع على هذ الْأَمْرِ كِفَايَةٌ فِي صِدْقِ هَذَا الْمُخْبِرِ عَنْهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَيْهِ لَعَاجَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ كَمَا تقدَّم بَيَانُ ذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ إِخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ طِبْقَ مَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ حَسَبَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ، وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) * (المزمل: 20] وَهَذِهِ السُّورة مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ: * (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) * [الْقَمَرِ: 45] وَقَعَ مِصْدَاقُ هَذِهِ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ * إِلَى أَمْثَالِ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ، وَسَيَأْتِي فَصْلٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ من الأمور التي وقعت بعده عليه السلام طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ * وَفِي الْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ الْعَادِلَةُ أَمْرًا وَنَهْيًا، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الَّتِي إِذَا تَأَمَّلَهَا ذُو
الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ الصَّحيح قَطَعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا أَنْزَلَهَا الْعَالِمُ بالخيرات، الرَّحيم بِعِبَادِهِ، الَّذِي يُعَامِلُهُمْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَإِحْسَانِهِ، قَالَ تَعَالَى * (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا) * [الأنعام: 115] أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَالَ تَعَالَى * (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) * [هود: 1] أَيْ أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وفصِّلت مَعَانِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى * (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) * [الفتح: 28] أَيِ الْعِلْمِ النَّافع وَالْعَمَلِ الصَّالح * وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أنَّه قَالَ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ * وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ) فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وتراكيبه، وأساليبه، وما تضمنه من الأخبار الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ المحكمة الجلية، والتَّحدي بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحيحة الْكَامِلَةِ - وَهِيَ أَعْظَمُ فِي التَّحدي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ - يَعُمُّ جَمِيعَ [أَهْلِ
الأرض] من الملتين، أهل الكتاب وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الأقطار والأمصار.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ معارضته مع إنكار ذلك، أو هو سلب قدرتهم عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ ومخلوق، وقولهم: هذا كفر وباطل وليس مطابقاً لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تكلَّم بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وتقدَّس وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وتناصروا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسل الَّذِينَ هم أفصح الخلق وأعظم الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا الْقُرْآنُ [الَّذِي] يُبَلِّغُهُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن الله، أسلوب كلامه لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأساليب كلامه عليه السلام الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بالسَّند الصَّحيح إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحابة وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ
بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فِيمَا يرويه من المعاني بألفاظه الشَّريفة، بل وأسلوب كلام الصَّحابة أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابعين، وهلمَّ جَرًّا إلى زماننا.
[و] علماء السَّلف أفصح وأعلم، وأقلّ تكلفاً، فيما يرونه مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاس كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابت فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا:[حدَّثنا] حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حدَّثني سَعِيدُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ.
وَمَعْنَى هذا أنَّ الأنبياء عليهم السلام كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْحُجَجِ والدَّلائل عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ سَوَاءٌ آمَنُوا بِهِ فَفَازُوا بِثَوَابِ إِيمَانِهِمْ أَوْ جَحَدُوا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، أَيْ جلَّه وَأَعْظَمُهُ، الْوَحْيُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، الحجَّة الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائمة الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فإنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حجَّة قَائِمَةٌ كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامع مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عليه السلام وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الحجَّة الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامغة، فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا.
(1) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث 4981.
وأعاده في الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله.
وأخرجه مسلم في الإيمان (71) باب.
حديث 239 ص 1 / 134 عن قتيبة بن سعيد.
والامام أحمد في مسنده ج 2 / 341، 451.
(*)