المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 6

-

- ‌باب آثَارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب

- ‌ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ سيفه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نعله التي كان يمشي فيها

- ‌المكحلة التي كان عليه السلام يَكْتَحِلُ مِنْهَا

- ‌الْبُرْدَةُ

- ‌أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فصل وهذا أوان مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّمَائِلِ

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي حسنه الباهر

- ‌صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ:

- ‌ذِكْرُ شَعره عليه السلام

- ‌مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قوامه عليه السلام وَطِيبِ رَائِحَتِهِ

- ‌صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أحاديث مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهرة صلى الله عليه وسلم

- ‌كرمه عليه السلام

- ‌مزاحه عليه السلام

- ‌باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدَّار

- ‌فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك

- ‌فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عليه السلام فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ

- ‌كتاب دلائل النبوة

- ‌فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ

- ‌فصلومن الدَّلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطَّاهرة، وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ

- ‌باب دلائل النبوة الحسية

- ‌ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ

- ‌بَابُ تكثيره عليه السلام الأطعمة تَكْثِيرُهُ اللَّبن فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا

- ‌ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ

- ‌بَابُ انْقِيَادِ الشَّجر لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب حنين الجذع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً مِنْ فِرَاقِهِ

- ‌بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بالحيوانات من دلائل النبوة قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّاد وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ

- ‌فصل

- ‌بَابُ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بما يطابق الحقّ الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بشَّرت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌بَابُ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده

- ‌فصل وأمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالة عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب فكان كما أخبر

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَسِيَادَةِ وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تركه الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ البحر إلى قبرص

- ‌ بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّوم

- ‌الْإِخْبَارُ عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرك كَمَا سنبينه إن شاء الله

- ‌الإخبار عن بيت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ

- ‌ما روي في إخباره عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ

- ‌إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته

- ‌الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الحرَّة

- ‌فصل

- ‌الإشارة النَّبوية إلى دولة عمر بن عبد الْعَزِيزِ

- ‌الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره

- ‌الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّديد وَإِنْ صحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يزيد

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً من جملة

- ‌باب البينة عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لم يكن لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عليهم السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وَمَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌قصَّة حَبْسِ الشَّمس عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونِ

- ‌ الْقَوْلُ فِيمَا أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام

- ‌القول فيما أوتي عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام

- ‌كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ

- ‌خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

- ‌فصل في تنفيذ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ

- ‌مقتل الأسود العنسي، المتنبِّي الكذَّاب

- ‌صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ

- ‌خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي تصدِّي الصِّديق لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكاة

- ‌خُرُوجِهِ إِلَى ذِي القصَّة حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الأمراء الأحد عشر

- ‌فَصْلٌ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي القصَّة

- ‌قصَّة الْفُجَاءَةِ

- ‌قصَّة سَجَاحِ وَبَنِي تَمِيمٍ

- ‌فَصْلٌ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّميمي

- ‌مقتل مسيلمة الكذَّاب لعنه الله

- ‌ذَكْرُ ردَّة أَهْلِ الْبَحْرِينِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ

- ‌ذكر ردَّة أهل عمان ومهرة اليمن

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ

- ‌ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ

- ‌[وقعة المذار أو الثني]

- ‌[وقعة أليس]

- ‌فصل

- ‌فتح خالد للأنبار

- ‌وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمر

- ‌وَقْعَةُ الفِراض

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنة

- ‌فَصْلٌ فِيمَنْ توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

الفصل: ‌خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

وخُصِّص بالحوضِ العَظيمِ وباللِّوا * وَيشفَعُ للعاصينَ والنَّارُ تَلفَحُ وبالمقعدِ الأعْلى المقرَّبِ عِنْدَهُ * عطاءٌ بِبُشْراهُ أقرُّ وأَفرحُ وبالرِّتبةِ العُليَا الأَسيلةِ دُونهَا (1) * مَراتبُ أربابِ المواهِبِ تَلْمَحُ وفي جنَّة الفِردوسِ أو داخلٍ * لهُ سائرُ الأبوابِ بالخَارِ تُفْتَحُ (2) وَهَذَا آخِرُ مَا يسَّر اللَّهُ جَمْعَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ إِلَى زَمَانِنَا ممَّا يَدْخُلُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ الْهَادِي، وَإِذَا فَرَغْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ إِيرَادِ الْحَادِثَاتِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ عليه السلام إِلَى

زَمَانِنَا، نُتْبِعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ الْوَاقِعَةِ فِي آخِرِ الزَّمان ثمَّ نَسُوقُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْرَاطَ السَّاعة ثمَّ نَذْكُرُ الْبَعْثَ والنُّشور، ثمَّ مَا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَنَذْكُرُ الْحَوْضَ وَالْمِيزَانَ والصِّراط ثمَّ نذكر صفة النَّار ثمَّ صفة الجنَّة.

‌كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ

الأوَّل مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ في الزَّمان، ووفيَّات المشاهير والأعيان سنة إحدى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ تقدَّم مَا كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وذلك لثاني عَشَرَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ في ذلك بما فيه كفاية وبالله التَّوفيق.

‌خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَذَلِكَ ضُحًى فاشتغل النَّاس ببيعة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ثمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْبَيْعَةُ الْعَامَّةُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَصَبِيحَةَ الثُّلاثاء كَمَا تقدَّم ذَلِكَ بِطُولِهِ ثمَّ أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكْفِينِهِ والصَّلاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا بَقِيَّةَ يَوْمِ الثُّلاثاء وَدَفَنُوهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُبَرْهَنًا فِي مَوْضِعِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ وَكَانَ الغد جلس أبو بكر فَقَامَ عُمَرُ فتكلَّم قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهِ وأثنى عليه لما هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ وما وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَهُ إليَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولكنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سيدبِّر أَمْرَنَا، يَقُولُ: يَكُونُ آخِرَنَا، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْقَى فيكم الَّذِي بِهِ هَدَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمُ اللَّهُ لما كان هداه اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، فَقُومُوا فبايعوه، فبايع النَّاس أبا بكر بعد بيعة

(1) الاسيلة: الناعمة الرقيقة.

(2)

الخار: الغلبة الخيرة.

(*)

ص: 332

السَّقِيفَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، والضَّعيف فيكم عندي حتى أرجِّع (1) عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف [عندي](2) حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلا خذلهم اللَّهُ بالذُّل، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عمَّهم اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ * وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَدِ اتَّفق الصَّحابة رضي الله عنهم عَلَى بَيْعَةِ الصِّديق فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ والزُّبير بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما، والدَّليل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَا: ثنا بندار بن يسار، ثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا داود بن أبي هند، ثنا أبو نصرة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاجْتَمَعَ النَّاس فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ: فَقَامَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أتعلمون أنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَحْنُ أَنْصَارُ خَلِيفَتِهِ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَهُ، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم فأخد بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار، وقال: فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ القوم فلم ير الزبير، قال: فدعا الزُّبير فَجَاءَ قَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَامَ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب قال: قُلْتُ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ عَلَى ابْنَتِهِ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَبَايَعَهُ، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَتَبْتُهُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يُسَاوِي بَدَنَةً، فَقُلْتُ: يَسْوَى بَدَنَةً، بَلْ هَذَا يَسْوَى بَدْرَةً * وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الثِّقة عَنْ وُهَيْبٍ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ

طَرِيقِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ مُطَوَّلًا كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ * وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْمَحَامِلِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ علي بن عاصم، عن الحريري عن أبي نصرة، عن أبي سعيد فذكره مِثْلَهُ فِي مُبَايَعَةِ عَلَيٍّ والزُّبير رضي الله عنهما يَوْمَئِذٍ * وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاس وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً، وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ، فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ والزبير ما تأخرنا إلا

(1) في ابن هشام: حتى أريح.

(2)

من سيرة ابن هشام.

(*)

ص: 333

لأنَّنا أُخرنا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا.

إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ، وَإِنَّا لَنَعَرِفُ شَرَفَهُ وَخَيْرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالصَّلاة بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ، وَهَذَا اللَّائِقُ بعلي رضي الله عنه والذي يدل عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلوات، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إِلَى ذِي القصَّة بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا سَنُورِدُهُ، وَبَذْلِهِ لَهُ النَّصيحة وَالْمَشُورَةَ، بَيْنَ يَدَيْهِ، وأمَّا مَا يَأْتِي مِنْ مُبَايَعَتِهِ إيَّاه بَعْدَ مَوْتِ فاطمة، وقد ماتت بعد أبيها عليه السلام بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا بَيْعَةٌ ثَانِيَةٌ أَزَالَتْ مَا كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ وَحْشَةٍ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْمِيرَاثِ وَمَنْعِهِ إيَّاهم ذَلِكَ بالنَّص عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيرَادُ أَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ * وَقَدْ كَتَبْنَا هَذِهِ الطُّرُقَ مُسْتَقْصَاةً فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي سِيرَةِ الصِّديق رضي الله عنه وَمَا أَسْنَدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا رُوي عَنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مبوَّبة عَلَى أَبْوَابِ الْعِلْمِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ نَادَى مُنَادِي أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْغَدِ مِنْ متوفَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليتمَّم بَعْثُ أُسَامَةَ: أَلَا لَا يَبْقَيَنَّ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ من جيش أُسَامَةَ إِلَّا خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْجُرْفِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أيُّها النَّاس إنَّما أَنَا مِثْلُكُمْ وإنِّي لعلَّكم تكلِّفونني مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى محمَّداً

عَلَى الْعَالَمِينَ، وَعَصَمَهُ مِنَ الْآفَاتِ، وإنَّما أَنَا متَّبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فبايعوني، وَإِنْ زِغْتُ فقوِّموني، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمَّة يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ ضَرْبَةِ سَوْطٍ فَمَا دُونَهَا، وإنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي فَإِذَا أَتَانِي فاجتذوني لَا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ، وإنَّكم تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّب عَنْكُمْ عِلْمُهُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا يَمْضِيَ إِلَّا وَأَنْتُمْ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ فَافْعَلُوا، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَسَابِقُوا فِي مَهْلِ آجَالِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تسلِّمكم آجَالُكُمْ إِلَى انْقِطَاعِ الْأَعْمَالِ، فإنَّ قوماً نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم بعدهم، فإيَّاكم أن تكونوا أمثالهم، الجدَّ الجدَّ، النَّجاة النَّجاة، الْوَحَا الْوَحَا فإنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا، وَأَجَلًا أمره سَرِيعٌ، احْذَرُوا الْمَوْتَ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ، ولا تطيعوا الأحياء إلا بما تطيعوا بِهِ الْأَمْوَاتَ، قَالَ: وَقَامَ أَيْضًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا أُرِيدَ به وجهه، فأريدوا الله بأعمالكم، فإنَّما أخلصتم لِحِينِ فَقْرِكُمْ وَحَاجَتِكُمْ، اعْتَبَرُوا عِبَادَ اللَّهِ بِمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ، وتفكَّروا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَيْنَ كَانُوا أَمْسِ، وَأَيْنَ هُمُ الْيَوْمَ، أَيْنَ الجبَّارون الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ ذِكْرُ الْقِتَالِ وَالْغَلَبَةِ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ، قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهر، وَصَارُوا رميماً، قد تولَّت عليهم العالات، الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثَيْنِ، وَالْخِبِّيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ أَثَارُوا الْأَرْضَ وعمَّروها؟ قَدْ بَعُدُوا وَنُسِيَ ذِكْرُهُمْ، وصاروا كلا شئ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَبْقَى عَلَيْهِمُ التَّبعات، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الشَّهوات، وَمَضَوْا وَالْأَعْمَالُ أعمالهم، والدُّنيا دنيا غيرهم، وبعثنا خَلَفًا بَعْدَهُمْ، فَإِنْ نَحْنُ اعْتَبَرْنَا بِهِمْ نَجَوْنَا، وإن انحدرنا كنَّا مثلهم، أين الوضاءة الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ، الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ صَارُوا تُرَابًا، وَصَارَ مَا فرَّطوا فِيهِ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، أَيْنَ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَدَائِنَ وحصَّنوها بِالْحَوَائِطِ، وَجَعَلُوا فِيهَا الْأَعَاجِيبَ؟ قَدْ تَرَكُوهَا لِمَنْ خَلْفَهُمْ، فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ خَاوِيَةً وَهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ،

ص: 334