المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 6

-

- ‌باب آثَارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب

- ‌ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ سيفه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نعله التي كان يمشي فيها

- ‌المكحلة التي كان عليه السلام يَكْتَحِلُ مِنْهَا

- ‌الْبُرْدَةُ

- ‌أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فصل وهذا أوان مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّمَائِلِ

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي حسنه الباهر

- ‌صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ:

- ‌ذِكْرُ شَعره عليه السلام

- ‌مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قوامه عليه السلام وَطِيبِ رَائِحَتِهِ

- ‌صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أحاديث مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهرة صلى الله عليه وسلم

- ‌كرمه عليه السلام

- ‌مزاحه عليه السلام

- ‌باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدَّار

- ‌فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك

- ‌فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عليه السلام فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ

- ‌كتاب دلائل النبوة

- ‌فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ

- ‌فصلومن الدَّلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطَّاهرة، وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ

- ‌باب دلائل النبوة الحسية

- ‌ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ

- ‌بَابُ تكثيره عليه السلام الأطعمة تَكْثِيرُهُ اللَّبن فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا

- ‌ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ

- ‌بَابُ انْقِيَادِ الشَّجر لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب حنين الجذع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً مِنْ فِرَاقِهِ

- ‌بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بالحيوانات من دلائل النبوة قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّاد وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ

- ‌فصل

- ‌بَابُ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بما يطابق الحقّ الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بشَّرت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌بَابُ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده

- ‌فصل وأمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالة عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب فكان كما أخبر

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَسِيَادَةِ وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تركه الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ البحر إلى قبرص

- ‌ بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّوم

- ‌الْإِخْبَارُ عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرك كَمَا سنبينه إن شاء الله

- ‌الإخبار عن بيت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ

- ‌ما روي في إخباره عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ

- ‌إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته

- ‌الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الحرَّة

- ‌فصل

- ‌الإشارة النَّبوية إلى دولة عمر بن عبد الْعَزِيزِ

- ‌الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره

- ‌الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّديد وَإِنْ صحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يزيد

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً من جملة

- ‌باب البينة عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لم يكن لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عليهم السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وَمَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌قصَّة حَبْسِ الشَّمس عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونِ

- ‌ الْقَوْلُ فِيمَا أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام

- ‌القول فيما أوتي عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام

- ‌كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ

- ‌خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

- ‌فصل في تنفيذ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ

- ‌مقتل الأسود العنسي، المتنبِّي الكذَّاب

- ‌صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ

- ‌خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي تصدِّي الصِّديق لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكاة

- ‌خُرُوجِهِ إِلَى ذِي القصَّة حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الأمراء الأحد عشر

- ‌فَصْلٌ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي القصَّة

- ‌قصَّة الْفُجَاءَةِ

- ‌قصَّة سَجَاحِ وَبَنِي تَمِيمٍ

- ‌فَصْلٌ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّميمي

- ‌مقتل مسيلمة الكذَّاب لعنه الله

- ‌ذَكْرُ ردَّة أَهْلِ الْبَحْرِينِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ

- ‌ذكر ردَّة أهل عمان ومهرة اليمن

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ

- ‌ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ

- ‌[وقعة المذار أو الثني]

- ‌[وقعة أليس]

- ‌فصل

- ‌فتح خالد للأنبار

- ‌وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمر

- ‌وَقْعَةُ الفِراض

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنة

- ‌فَصْلٌ فِيمَنْ توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

الفصل: ‌فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة

لَيْلَتِهِ، كَمَا قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّميميّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الشَّنويّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زيد (1) عن ابن عمر: أتى الخبر إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ السَّماء اللَّيلة الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْعَنْسِيُّ ليبشِّرنا، فَقَالَ: قُتِلَ الْعَنْسِيُّ الْبَارِحَةَ قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ، قِيلَ: وَمَنْ؟ قَالَ: فَيْرُوزُ فيرروز، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مدَّة مُلْكِهِ مُنْذُ ظَهَرَ إِلَى أَنْ قُتل ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَيُقَالُ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الضِّحَاكِ عَنْ فيروز: قال: قتلنا الأسود، وعاد أمرنا في صنعاء كَمَا كَانَ إِلَّا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَتَرَاضَيْنَا عَلَيْهِ، فَكَانَ يصلِّي بِنَا فِي صَنْعَاءَ، فَوَاللَّهِ مَا صلَّى بِنَا إِلَّا ثَلَاثَةَ أيَّام حَتَّى أَتَانَا الْخَبَرُ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْتَقَضَتِ الْأُمُورُ، وَأَنْكَرَنَا كَثِيرًا ممَّا كنَّا نَعْرِفُ، وَاضْطَرَبَتِ الْأَرْضُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ خَبَرَ الْعَنْسِيِّ جَاءَ إِلَى الصِّديق في أواخر ربيع الأول بعدما جهَّز جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقِيلَ: بَلْ جَاءَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ صَبِيحَةَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والأوَّل أَشْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْمَقْصُودُ أنَّه لَمْ يَجِئْهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِهِمْ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَتَأْلِيفِ مَا بَيْنَهُمْ والتَّمسك بِدِينِ الْإِسْلَامِ إِلَّا الصِّديق رضي الله عنه، وَسَيَأْتِي إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ مَنْ يمهِّد الْأُمُورَ الَّتِي اضْطَرَبَتْ فِي

بِلَادِهِمْ وَيُقَوِّي أَيْدِيَ الْمُسْلِمِينَ، ويثبِّت أَرْكَانَ دعائم الإسلام فيهم، رضي الله عنهم *

‌فَصْلٌ فِي تصدِّي الصِّديق لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكاة

قَدْ تقدَّم أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا توفِّي ارتدَّت أَحْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَنَجَمَ النِّفاق بِالْمَدِينَةِ وَانْحَازَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب بَنُو حَنِيفَةَ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ بِالْيَمَامَةِ، وَالْتَفَتَ عَلَى طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ بَنُو أسد وطئ، وَبَشَرٌ كَثِيرٌ أَيْضًا، وادَّعى النُّبُّوة أَيْضًا كَمَا ادَّعاها مُسَيْلِمَةُ الكذَّاب، وَعَظُمَ الْخَطْبُ واشتدَّت الْحَالُ، وَنَفَّذَ الصِّدِّيقُ جَيْشَ أُسَامَةَ، فقلَّ الْجُنْدُ عِنْدَ الصِّديق، فَطَمِعَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي الْمَدِينَةِ وَرَامُوا أَنْ يَهْجُمُوا عَلَيْهَا، فَجَعَلَ الصِّديق عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ حُرَّاسًا يَبِيتُونَ بِالْجُيُوشِ حَوْلَهَا، فَمِنْ أُمَرَاءِ الْحَرَسِ عليٌّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وطلحة بن عبد اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وقَّاص، وَعَبْدُ الرَّحمن بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعَلَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ تَقْدَمُ الْمَدِينَةَ.

يقرُّون بالصَّلاة وَيَمْتَنِعُونَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكاة، وَمِنْهُمْ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الصِّديق، وَذَكَرَ أنَّ مِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) * [التوبة: 103] قَالُوا: فَلَسْنَا نَدْفَعُ زَكَاتَنَا إِلَّا إِلَى مَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَنَا، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: أَطَعْنَا رَسولُ اللهِ إذْ كانَ بينَنَا * فَواعجَباً مَا بالُ مُلْكِ أَبي بَكْرِ وَقَدْ تكلَّم الصَّحابة مَعَ الصِّديق فِي أَنْ يَتْرُكَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الزَّكاة ويتألَّفهم حتى

(1) في الطبري: زياد.

(*)

ص: 342

يتمكَّن الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ: ثمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يزكُّون، فَامْتَنَعَ الصِّديق مِنْ ذَلِكَ وَأَبَاهُ * وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ سِوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: عَلَامَ تُقَاتِلُ النَّاس؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُمرت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا منِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي

عِنَاقًا، وَفِي رِوَايَةٍ: عِقَالًا كَانُوا يؤدُّونه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأقاتلنَّهم عَلَى مَنْعِهَا، إنَّ الزَّكاة حقَّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بَيْنَ الصَّلاة والزَّكاة، قَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّه الْحَقُّ (1) * قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) * [التوبة: 5] وثبت في الصَّحِيحَيْنِ: بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وحجُّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ * وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ من طريقين عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ: ثَنَا عِيسَى بْنُ يَزِيدَ الْمَدِينِيُّ، حدَّثني صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الرِّدَّة قَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَى فَكَفَى، وَأَعْطَى فَأَغْنَى، إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله، وَالْعِلْمُ شَرِيدٌ وَالْإِسْلَامُ غَرِيبٌ طَرِيدٌ، قَدْ رثَّ حَبْلُهُ، وَخَلُقَ عَهْدُهُ، وضلَّ أَهْلُهُ مِنْهُ، وَمَقَتَ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فَلَا يُعْطِيهِمْ خَيْرًا لِخَيْرٍ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ شَرًّا لشرِّ عِنْدَهُمْ، قَدْ غيَّروا كِتَابَهُمْ، وَأَلْحَقُوا فِيهِ مَا لَيْسَ منه، والعرب الآمنون يحسبون أنَّهم في منعة مِنَ اللَّهِ لَا يَعْبُدُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ، فَأَجْهَدَهُمْ عيشاً، وأضلَّهم دنيا، فِي ظَلَفٍ مِنَ الْأَرْضِ مَعَ مَا فِيهِ من السَّحاب فختمهم اللَّهُ بمحمَّد، وَجَعَلَهُمُ الأمَّة الْوُسْطَى، نَصَرَهُمْ بِمَنِ اتَّبعهم، وَنَصَرَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ نبيه صلى الله عليه وآله فَرَكِبَ مِنْهُمُ الشَّيطان مَرْكَبَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمْ، وَبَغَى هَلَكَتَهُمْ * (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً ويسجزى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) * [آل عمران: 144] إنَّ مَنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْعَرَبِ مَنَعُوا شَاتَهُمْ وَبَعِيرَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي دِينِهِمْ - وَإِنْ رَجَعُوا إِلَيْهِ - أَزْهَدَ مِنْهُمْ يَوْمَهُمْ هَذَا، وَلَمْ تَكُونُوا فِي دِينِكُمْ أَقْوَى مِنْكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا، عَلَى مَا قَدْ تقدَّم من بركة نبيكم صلى الله عليه وآله، وَقَدْ وكَّلكم إِلَى الْمَوْلَى الْكَافِي، الَّذِي وَجَدَهُ ضَالًّا فَهَدَاهُ، وَعَائِلًا فَأَغْنَاهُ * (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ منها) * الآية [آل عمران: 103] ، وَاللَّهِ لَا أَدْعُ أَنْ أُقَاتِلَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَيُوفِيَ لَنَا عَهْدَهُ، وَيُقْتَلَ مَنْ قُتِلَ منَّا شهيداً من أهل الجنة، وبقى من بقي منها خليفته وذريته فِي أَرْضِهِ، قَضَاءُ اللَّهِ الْحَقُّ، وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا خُلْفَ لَهُ

* (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) * الآية (النور: 55] ، ثمَّ نزل * وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عن دينه

(1) أخرجه أحمد في مسنده 1 / 11، 19، 35 - 2 / 377 - 4 / 8 ومسلم في الايمان ح (82 و 83) ص (1 / 52) والبخاري ح (1561) قال في الكنز: أخرجه الاربعة إلا ابن ماجه وابن حبان والبيهقي.

(*)

ص: 343

فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * الآية، قَالُوا: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ، فِي قتالهم المرتدين، وما نعي الزكاة * وقال محمد بن إسحاق: ارتدَّت الْعَرَبُ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله.

مَا خَلَا أَهْلُ الْمَسْجِدَيْنِ، مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وارتدَّت أَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَعَلَيْهِمْ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ الْكَاهِنُ، وارتدَّت كِنْدَةُ وَمَنْ يَلِيهَا، وَعَلَيْهِمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، وارتدَّت مَذْحِجٌ وَمَنْ يَلِيهَا، وَعَلَيْهِمُ الْأَسْوَدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيُّ الْكَاهِنُ، وارتدَّت رَبِيعَةُ مَعَ الْمَعْرُورِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وكانت حَنِيفَةَ مُقِيمَةً عَلَى أَمْرِهَا مَعَ مُسَيْلِمَةَ بْنِ حبيب الكذَّاب * وارتدَّت سليم مع الفجأة، واسمه أنس بن عبد يا ليل، وارتدَّت بَنُو تَمِيمٍ مَعَ سَجَاحِ الْكَاهِنَةِ * وَقَالَ القاسم بن محمَّد: اجتمعت أسد وغطفان وطئ عَلَى طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ، وَبَعَثُوا وُفُودًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلُوا عَلَى وُجُوهِ النَّاس فَأَنْزَلُوهُمْ إِلَّا العبَّاس، فَحَمَلُوا بِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، عَلَى أَنْ يُقِيمُوا الصَّلاة وَلَا يُؤْتُوا الزَّكاة، فَعَزَمَ اللَّهُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى الحقِّ وَقَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ (1) ، فردَّهم فَرَجَعُوا إِلَى عَشَائِرِهِمْ، فَأَخْبَرُوهُمْ بقلَّة أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وطمَّعوهم فِيهَا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الْحَرَسَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ، وَأَلْزَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: إنَّ الْأَرْضَ كَافِرَةٌ، وَقَدْ رَأَى وَفْدُهُمْ مِنْكُمْ قلَّة، وإنَّكم لَا تدرون ليلاً يأتون أَمْ نَهَارًا، وَأَدْنَاهُمْ مِنْكُمْ عَلَى بَرِيدٍ، وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ يُؤَمِّلُونَ أَنْ نَقْبَلَ مِنْهُمْ وَنُوَادِعَهُمْ وَقَدْ أَبَيْنَا عَلَيْهِمْ، فاستعدُّوا وأعدُّوا فَمَا لَبِثُوا إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى طَرَقُوا الْمَدِينَةَ غَارَةً، وخلَّفوا نِصْفَهُمْ بِذِي حُسًى (2) لِيَكُونُوا رِدْءًا لَهُمْ، وَأَرْسَلَ الْحَرَسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُخْبِرُونَهُ بِالْغَارَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ: أَنِ الْزَمُوا مَكَانَكُمْ.

وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانفشَّ الْعَدُوُّ واتَّبعهم الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبِلِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا ذَا حُسًى فَخَرَجَ عَلَيْهِمُ الرِّدْءُ فَالْتَقَوْا مَعَ

الجمع فكان الفتح وقد قال: أطَعْنَا رَسولَ اللهِ مَا كانَ وَسْطَنَا (3) * فَيالعِبادِ اللهِ ما لأبي بكر أَيُورِثُنَا بَكْراً إذا مَاتَ بعْدَهُ * وَتِلْكَ لَعمرُ اللهِ قَاصِمَةُ الظَّهرِ فَهَلا رَدَدْتمْ وَفْدَنا بِزَمانِه؟ * وَهَلا خَشِيتُمْ حسَّ راعيةَ البِكْرِ؟ وإنَّ التي سألوكُمو فَمَنَعتمُو * لكالتَّمرِ أَوْ أَحْلَى إليَّ منَ التَّمْرِ وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ رَكِبَ الصِّديق فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأُمَرَاءَ الْأَنْقَابِ، إِلَى مَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَيْهَا، فلمَّا تَوَاجَهَ هُوَ وَأَعْدَاؤُهُ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، وَبَنِي مرَّة، وَذُبْيَانَ، وَمَنْ نَاصَبَ مَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وأمدَّهم طُلَيْحَةَ بِابْنِهِ حِبَالٍ، فلمَّا تَوَاجَهَ الْقَوْمُ كَانُوا قَدْ صَنَعُوا مَكِيدَةً وَهِيَ أنَّهم عَمَدُوا إِلَى أنحاء فنفخوها ثمَّ أرسلوها من رؤوس الجبال، فلمَّا رأتها إبل أصحاب

(1) زاد الطبري: عليه وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة مع الصدقة.

(2)

ذو حسى: واد بأرض الشربة من ديار عبس وغطفان (معجم البلدان) .

(3)

في الطبري: ما كانَ بينَنَا.

(*)

ص: 344

الصِّديق نَفَرَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، فَلَمْ يَمْلِكُوا من أمرها شيئاً إلى اللَّيل، وحتى رَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْخُطَيْلُ بْنُ أَوْسٍ: فِدًى لِبني ذُبْيَانَ رَحلي وَنَاقَتي * عَشِيةَ يحدَى بالرِّماحِ أَبُو بَكرِ وَلَكنْ يُدَهْدَى بالرِّجالِ فَهَبْنَهُ * إِلَى قَدَرِ مَا إِنْ تقيمُ وَلا تَسرِي وللهِ أجنادٌ تذاقُ مَذاقَهُ * لِتُحْسَبَ فِيمَا عُدَّ مِنْ عَجَبِ الدَّهرِ أَطَعْنَا رَسُولَ اللهِ مَا كانَ بينَنَا * فَيالعِبادِ اللهِ مَا لِأَبِي بَكْرِ فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ ظنَّ الْقَوْمُ بِالْمُسْلِمِينَ الْوَهَنَ، وَبَعَثُوا إِلَى عَشَائِرِهِمْ مِنْ نَوَاحِي أَخَرَ، فَاجْتَمَعُوا، وَبَاتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قائما ليله يُعَبِّئُ النَّاس، ثمَّ خَرَجَ عَلَى تَعْبِئَةٍ مِنْ آخَرِ اللَّيل، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَعَلَى السَّاقة أَخُوهُمَا

سُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ، فَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ إِلَّا وَهُمْ وَالْعَدُوُّ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَمَا سَمِعُوا لِلْمُسْلِمِينَ حِسًّا وَلَا هَمْسًا، حَتَّى وَضَعُوا فِيهِمُ السُّيوف، فَمَا طَلَعَتِ الشَّمس حتَّى ولُّوهم الْأَدْبَارَ، وَغَلَبُوهُمْ عَلَى عَامَّةِ ظَهْرِهِمْ، وَقُتِلَ حِبَالٌ، وَاتَّبَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى نَزَلَ بِذِي القصَّة، وَكَانَ أوَّل الْفَتْحِ، وذلَّ بِهَا الْمُشْرِكُونَ، وعزَّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَوَثَبَ بَنُو ذُبْيَانَ وَعَبْسٌ عَلَى مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُمْ، وَفَعَلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ كَفِعْلِهِمْ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ ليقتلنَّ من كُلِّ قَبِيلَةٍ بِمَنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَزِيَادَةً، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ زِيَادُ بْنُ حَنْظَلَةَ التَّميميّ: غَداةَ سَعى أَبو بكرٍ إليهمُ * كمَا يَسعَى لموتَتِهِ حلالُ أَراحَ عَلَى نَواهِقِهَا عَلِيَّاً * ومَجَّ لهنَّ مُهْجَتَهُ حَبَالُ وَقَالَ أَيْضًا: أَقَمْنَا لهمْ عَرضَ الشَّمالِ فَكَبْكِبُوا * كَكَبْكَبَةِ الغُزَى أَنَاخُوا عَلى الوَفُرِ فَمَا صَبرُوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ قِيامِهَا * صَبيحَةَ يَسمُو بالرِّجالِ أَبُو بَكرِ طَرَقْنَا بَنِي عبسٍ بِأَدْنَى نِبَاجِها * وَذُبيانَ نَهْنَهْنَا بِقَاصِمَةِ الظَّهرِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى نَصْرِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَذَلِكَ أنَّه عزَّ الْمُسْلِمُونَ فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ، وذلَّ الكفَّار فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، سَالِمًا غَانِمًا، وَطَرَقَتِ الْمَدِينَةُ فِي اللَّيل صَدَقَاتُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (1) ، وَصَفْوَانَ والزَّبرقان، إِحْدَاهَا فِي أوَّل اللَّيل، والثَّانية فِي أَوْسَطِهِ والثَّالثة فِي آخِرِهِ، وَقَدِمَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ منهنَّ بَشِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَنْقَابِ، فَكَانَ الَّذِي بشَّر بِصَفْوَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وقَّاص، وَالَّذِي بشَّر بالزَّبرقان عَبْدُ الرَّحمن بْنُ عَوْفٍ، وَالَّذِي بشَّر بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَيُقَالُ: أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه * وذلك على رأس

(1) في ذلك قال الحارث بن مالك الطائي: وفينا وفاء لم ير الناس مثله * وسربلنا مجدا عدي بن حاتم (*)

ص: 345