المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فإنَّه لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 6

-

- ‌باب آثَارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب

- ‌ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ سيفه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نعله التي كان يمشي فيها

- ‌المكحلة التي كان عليه السلام يَكْتَحِلُ مِنْهَا

- ‌الْبُرْدَةُ

- ‌أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فصل وهذا أوان مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّمَائِلِ

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي حسنه الباهر

- ‌صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ:

- ‌ذِكْرُ شَعره عليه السلام

- ‌مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قوامه عليه السلام وَطِيبِ رَائِحَتِهِ

- ‌صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أحاديث مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهرة صلى الله عليه وسلم

- ‌كرمه عليه السلام

- ‌مزاحه عليه السلام

- ‌باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدَّار

- ‌فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك

- ‌فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عليه السلام فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ

- ‌كتاب دلائل النبوة

- ‌فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ

- ‌فصلومن الدَّلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطَّاهرة، وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ

- ‌باب دلائل النبوة الحسية

- ‌ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ

- ‌بَابُ تكثيره عليه السلام الأطعمة تَكْثِيرُهُ اللَّبن فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا

- ‌ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ

- ‌بَابُ انْقِيَادِ الشَّجر لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب حنين الجذع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً مِنْ فِرَاقِهِ

- ‌بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بالحيوانات من دلائل النبوة قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّاد وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ

- ‌فصل

- ‌بَابُ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بما يطابق الحقّ الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بشَّرت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌بَابُ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده

- ‌فصل وأمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالة عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب فكان كما أخبر

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَسِيَادَةِ وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تركه الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ البحر إلى قبرص

- ‌ بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّوم

- ‌الْإِخْبَارُ عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرك كَمَا سنبينه إن شاء الله

- ‌الإخبار عن بيت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ

- ‌ما روي في إخباره عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ

- ‌إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته

- ‌الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الحرَّة

- ‌فصل

- ‌الإشارة النَّبوية إلى دولة عمر بن عبد الْعَزِيزِ

- ‌الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره

- ‌الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّديد وَإِنْ صحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يزيد

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً من جملة

- ‌باب البينة عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لم يكن لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عليهم السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وَمَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌قصَّة حَبْسِ الشَّمس عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونِ

- ‌ الْقَوْلُ فِيمَا أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام

- ‌القول فيما أوتي عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام

- ‌كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ

- ‌خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

- ‌فصل في تنفيذ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ

- ‌مقتل الأسود العنسي، المتنبِّي الكذَّاب

- ‌صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ

- ‌خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي تصدِّي الصِّديق لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكاة

- ‌خُرُوجِهِ إِلَى ذِي القصَّة حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الأمراء الأحد عشر

- ‌فَصْلٌ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي القصَّة

- ‌قصَّة الْفُجَاءَةِ

- ‌قصَّة سَجَاحِ وَبَنِي تَمِيمٍ

- ‌فَصْلٌ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّميمي

- ‌مقتل مسيلمة الكذَّاب لعنه الله

- ‌ذَكْرُ ردَّة أَهْلِ الْبَحْرِينِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ

- ‌ذكر ردَّة أهل عمان ومهرة اليمن

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ

- ‌ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ

- ‌[وقعة المذار أو الثني]

- ‌[وقعة أليس]

- ‌فصل

- ‌فتح خالد للأنبار

- ‌وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمر

- ‌وَقْعَةُ الفِراض

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنة

- ‌فَصْلٌ فِيمَنْ توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

الفصل: فإنَّه لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ

فإنَّه لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبا وَلَا تَمْشُوا بِبَرِئٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، أَوْ قَالَ: لَا تفرُّوا مِنَ الزَّحف - شُعْبَةُ الشَّاك - وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ يهود عليكم خاصة أو لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، قَالَ: فقبَّلا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أنَّك نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي؟ قَالَا: إنَّ دَاوُدَ عليه السلام دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وإنَّا نَخْشَى إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ (1) .

وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ * قُلْتُ: وَفِي رِجَالِهِ مَنْ تُكلِّم فِيهِ، وكأنَّه اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوي التِّسع الْآيَاتِ بِالْعَشَرِ الْكَلِمَاتِ، وَذَلِكَ أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلَّمه بها ليلة القدر بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَشَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَوْلَ الطُّور حُضُورٌ، وَهَارُونُ وَمِنْ مَعَهُ وُقُوفٌ عَلَى الطُّور أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ كلَّم اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً آمِرًا لَهُ بِهَذِهِ

الْعَشْرِ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ فُسِّرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا التِّسع الْآيَاتِ فَتِلْكَ دَلَائِلُ وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ أيَّد بِهَا مُوسَى عليه السلام، وَأَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ والطُّوفان وَالْجَرَادُ وَالْقَمْلُ وَالضَّفَادِعُ والدَّم والجدب ونقص الثَّمرات، وقد بسطت الْقَوْلَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ الكفاية.

والله أعلم.

‌فصل

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ * (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) * [البقرة: 94 - 95] ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله: * (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) * [الْجُمُعَةِ: 6 - 7] وَذَكَرَنَا أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ الصَّواب أنَّه دعاهم إلى المباهلة وأن يَدْعُوَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ أَوِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَكَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ، وأنَّ الدَّعوة تَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ، وَيَعُودُ وَبَالُهَا إِلَيْهِمْ، وَهَكَذَا دَعَا النَّصارى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ حِينَ حاجُّوه فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ * (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) * [آل عمران: 61] وَهَكَذَا دَعَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ * (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً) * [مريم: 75] وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الحمد والمنة.

(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 4 / 239 - 240 - 339، 5 / 313 والترمذي في الاستئذان حديث 2733 وأخرجه ابن ماجه في الادب عن أبي بكر بن أبي شيبة ونقله البيهقي في الدلائل 6 / 268.

(*)

ص: 194

حَدِيثٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْيَهُودِ بأنَّه رَسُولُ الله ويتضمن تحاكمهم وَلَكِنْ بِقَصْدٍ مِنْهُمْ مَذْمُومٍ

وَذَلِكَ إنَّهم ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أنَّه إِنْ حَكَمَ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ اتبعوه، وَإِلَّا فَاحْذَرُوا ذَلِكَ، وَقَدْ ذمَّهم اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ * قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ وَهُوَ يُوَقِّرُهُ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ - وَقَدْ زَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبيّ فإنَّه نَبِيٌّ بُعِثَ بالتَّخفيف، فَإِنْ أَفْتَانَا حَدًّا دُونَ الرَّجم فَعَلْنَاهُ وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللَّهِ حِينَ نَلْقَاهُ بِتَصْدِيقِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، قَالَ مُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإِنْ أَمَرَنَا بالرَّجم عَصَيْنَاهُ فَقَدْ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيمَا كَتَبَ عَلَيْنَا مِنَ الرَّجم فِي التَّوراة، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ منَّا زَنَا بَعْدَ مَا أُحَصِنَ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَامَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَتَوْا بَيْتَ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَوَجَدُوهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوراة، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوراة عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ زَنَا إِذَا أُحْصِنَ؟ قَالُوا: نُجَبِّيهِ، وَالتَّجْبِيَةُ أَنْ يَحْمِلُوا اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ فَيُوَلُّوا ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: وسكت حبرههم وَهُوَ فَتًى شَابٌّ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ حَبْرُهُمْ: أمَّا إِذْ نَشَدْتَهُمْ فإنَّا نَجِدَ فِي التَّوراة الرَّجم عَلَى مَنْ أُحْصِنَ، قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: فَمَا أوَّل مَا تَرَخَّصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل؟ فقال: زنا رَجُلٌ منَّا ذُو قُرَابَةٍ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا، فأخَّر عَنْهُ الرَّجم، فَزَنَا بَعْدَهُ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاس فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجُمُهُ حَتَّى يَرْجُمَ فُلَانًا ابْنَ عَمِّهِ، فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أَحْكُمُ بما حكم فِي التَّوراة، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا فَرُجِمَا (1) * قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ * (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) * [المائدة: 44] وَلَهُ شَاهِدٌ في الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى * (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا

سمَّاعون لِلْكَذِبِ سمَّاعون لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يأتوك يحرِّفون الكَلِم عن مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) * [المائدة: 41] يعني الجلد والتَّحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم، يعين إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، * (وإن لم تؤتوه فاحذروا) *، يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِذَلِكَ فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً

(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 269 - 270.

(*)

ص: 195

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) * [المائدة: 43] إِلَى أَنْ قَالَ * (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) * فذمَّهم الله تعالى على سوء ظنِّهم وقصدهم بالنِّسبة إِلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي كِتَابِهِمْ، وإنَّ فِيهِ حُكْمَ اللَّهِ بالرَّجم، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْلَمُونَ صحَّته، ثمَّ يَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى مَا ابْتَدَعُوهُ من التَّحميم والتَّجبية.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يحدِّث سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثهم فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ صُورِيَا: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وأذكِّرك أَيَّامَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ بالرَّجم فِي التَّوراة؟ فَقَالَ: اللَّهم نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أنَّك نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ولكنَّهم يَحْسُدُونَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِمَا فرجما عند باب مسجده في بني تميم عند مَالِكِ بْنِ النَّجار، قَالَ: ثمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ * (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) * الْآيَاتِ (1) * وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُورِيَا الْأَعْوَرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي التَّفْسِيرِ.

حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوراة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا يَهُودِيُّ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوراة عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي التَّوراة نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ:

لَا، فَقَالَ الْفَتَى: بَلَى والله يا رسول الله، إنَّا نجد فِي التَّوراة نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، فقال النَّبيّ لأصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أَخَاكُمْ (2) .

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفظ.

حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَفَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الجنَّة، فَدَخَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كنيسة وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوراة، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ أَمْسَكَ، قَالَ: وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوراة وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لوا أخاكم (3) .

(1) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائل عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ 6 / 270 - 271.

(2)

رواه البيهقي في الدَّلائل 6 / 272 من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد.

(3)

رواه البيهقي في الدلائل 6 / 272 - 273.

(*)

ص: 196