المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عما اختص به من المعجزات العظيمة التي لم يكن لأحد قبله منهم عليهم السلام - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 6

-

- ‌باب آثَارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب

- ‌ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ سيفه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نعله التي كان يمشي فيها

- ‌المكحلة التي كان عليه السلام يَكْتَحِلُ مِنْهَا

- ‌الْبُرْدَةُ

- ‌أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فصل وهذا أوان مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّمَائِلِ

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي حسنه الباهر

- ‌صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ:

- ‌ذِكْرُ شَعره عليه السلام

- ‌مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قوامه عليه السلام وَطِيبِ رَائِحَتِهِ

- ‌صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أحاديث مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهرة صلى الله عليه وسلم

- ‌كرمه عليه السلام

- ‌مزاحه عليه السلام

- ‌باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدَّار

- ‌فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك

- ‌فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عليه السلام فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ

- ‌كتاب دلائل النبوة

- ‌فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ

- ‌فصلومن الدَّلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطَّاهرة، وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ

- ‌باب دلائل النبوة الحسية

- ‌ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ

- ‌بَابُ تكثيره عليه السلام الأطعمة تَكْثِيرُهُ اللَّبن فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا

- ‌ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ

- ‌بَابُ انْقِيَادِ الشَّجر لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب حنين الجذع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً مِنْ فِرَاقِهِ

- ‌بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بالحيوانات من دلائل النبوة قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّاد وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ

- ‌فصل

- ‌بَابُ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بما يطابق الحقّ الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بشَّرت بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌بَابُ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده

- ‌فصل وأمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالة عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ

- ‌فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب فكان كما أخبر

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَسِيَادَةِ وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تركه الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية

- ‌إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ البحر إلى قبرص

- ‌ بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّوم

- ‌الْإِخْبَارُ عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرك كَمَا سنبينه إن شاء الله

- ‌الإخبار عن بيت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ

- ‌ما روي في إخباره عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ

- ‌إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته

- ‌الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الحرَّة

- ‌فصل

- ‌الإشارة النَّبوية إلى دولة عمر بن عبد الْعَزِيزِ

- ‌الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره

- ‌الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّديد وَإِنْ صحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يزيد

- ‌ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً من جملة

- ‌باب البينة عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لم يكن لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عليهم السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وَمَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ

- ‌قصَّة حَبْسِ الشَّمس عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونِ

- ‌ الْقَوْلُ فِيمَا أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام

- ‌الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام

- ‌القول فيما أوتي عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام

- ‌كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ

- ‌خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه وما فيها من الحوادث

- ‌فصل في تنفيذ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ

- ‌مقتل الأسود العنسي، المتنبِّي الكذَّاب

- ‌صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ

- ‌خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي تصدِّي الصِّديق لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكاة

- ‌خُرُوجِهِ إِلَى ذِي القصَّة حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الأمراء الأحد عشر

- ‌فَصْلٌ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي القصَّة

- ‌قصَّة الْفُجَاءَةِ

- ‌قصَّة سَجَاحِ وَبَنِي تَمِيمٍ

- ‌فَصْلٌ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّميمي

- ‌مقتل مسيلمة الكذَّاب لعنه الله

- ‌ذَكْرُ ردَّة أَهْلِ الْبَحْرِينِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ

- ‌ذكر ردَّة أهل عمان ومهرة اليمن

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ

- ‌ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ

- ‌[وقعة المذار أو الثني]

- ‌[وقعة أليس]

- ‌فصل

- ‌فتح خالد للأنبار

- ‌وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمر

- ‌وَقْعَةُ الفِراض

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنة

- ‌فَصْلٌ فِيمَنْ توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

الفصل: ‌باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عما اختص به من المعجزات العظيمة التي لم يكن لأحد قبله منهم عليهم السلام

أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ أَقَالِيمِ الْإِسْلَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَا سِيَّمَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ حَمَاهَا اللَّهُ وَصَانَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ مَعْقِلَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنِ النَّواس بْنِ سَمْعَانَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ عن عيسى بن مَرْيَمَ أنَّه يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ولعلَّ أَصْلَ لَفْظِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرقية بِدِمَشْقَ وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّه كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَى الْآنَ وَاللَّهُ الْمُيَسِّرُ، وَقَدْ جدِّدت هَذِهِ الْمَنَارَةُ الْبَيْضَاءُ الشَّرقية بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ ما أحرقها النَّصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها مِنْ أَمْوَالِ النَّصارى مقاصَّة عَلَى مَا فَعَلُوا مِنَ الْعُدْوَانِ وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى هَذِهِ

الْمَبْنِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عيسى بن مَرْيَمَ نَبِيُّ اللَّهِ فيكذِّبهم فِيمَا افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ وَيَكْسِرَ الصَّليب وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ أَيْ يَتْرُكُهَا وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ، يَعْنِي أَوْ يَقْتُلُهُ وَقَدْ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقرَّره عَلَيْهِ وسوَّغه لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّين وَعَلَى آله وصحبه أجمعين والتَّابعين لهم بإحسان.

‌باب البينة عَلَى ذِكْرِ مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها، خارجة عَمَّا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لم يكن لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عليهم السلام

.

فَمِنْ ذَلِكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فإنَّه مُعْجِزَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْآبَادِ، ولا يخفى برهانها، ولا يتفحص مثلها، وَقَدْ تحدَّى بِهِ الثِّقلين مِنَ الجنِّ وَالْإِنْسِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا تقدَّم تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي أوَّل كِتَابِ الْمُعْجِزَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ المتَّفق عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ * وَالْمَعْنَى أنَّ كل نبيّ أوتي من خوارق المعجزات مَا يَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ أُولِي الْبَصَائِرِ والنُّهى، لَا مِنْ أَهْلِ الْعِنَادِ والشَّقاء، وإنَّما كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ، أَيْ جلَّه وأعظمه وأبهره، القرآن الذي أوحاه الله إلي، فإنَّه لَا يَبِيدُ وَلَا يَذْهَبُ كَمَا ذَهَبَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ أيَّامهم، فَلَا تُشَاهَدُ، بل يخبر عنها بالتَّواتر والآحاد، بخلاف القرآن العظيم الذي أوحاه الله إليه فإنَّه مُعْجِزَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ، مُسْتَمِرَّةٌ دَائِمَةُ الْبَقَاءِ بَعْدَهُ، مَسْمُوعَةٌ لكلِّ مَنْ أَلْقَى السَّمع وَهُوَ شَهِيدٌ * وَقَدْ تقدَّم فِي الْخَصَائِصِ ذِكْرُ مَا اخْتُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَقِيَّةِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يعطهنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، نُصِرْتُ بالرُّعب مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما رَجُلٍ مِنْ أمَّتي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاة فليصلِّ، وأحلَّت

لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفاعة، وَكَانَ النَّبيّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وبعثت إلى الناس

ص: 288

عَامَّةً * وَقَدْ تكلَّمنا عَلَى ذَلِكَ وَمَا شَاكَلَهُ فِيمَا سَلَفَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أنَّ كُلَّ مُعْجِزَةٍ [لِنَبِيٍّ] مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ مُعْجِزَةٌ لِخَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أنَّ كُلًّا مِنْهُمْ بشَّر بِمَبْعَثِهِ، وَأَمَرَ بِمُتَابَعَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) * [آلِ عِمْرَانَ: 81] وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّه قال: ما بعث الله نبي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ ليؤمننَّ بِهِ وليتبعنَّه ولينصرنَّه *

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ مُعْجِزَاتٌ لِلْأَنْبِيَاءِ، لأنَّ الْوَلِيَّ إنَّما نَالَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ لِنَبِيِّهِ، وَثَوَابِ إِيمَانِهِ * وَالْمَقْصُودُ أنَّه كَانَ الْبَاعِثَ لِي عَلَى عَقْدِ هَذَا الْبَابِ أَنِّي وَقَفْتُ عَلَى مُوَلَّدٍ اخْتَصَرَهُ مِنْ سِيرَةِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يسار وغيرهما شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَالُ الدِّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ السِّمَاكِيُّ، نسبة إلى أبي دجانة الأنصاري سماك بن حرب بن حرشة الْأَوْسِيِّ، رضي الله عنه، شَيْخُ الشَّافعية فِي زمانه بلا مدافعة، المعروف بابن الزَّملكانيّ عليه رحمه الله، وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَاخِرِهِ شَيْئًا مِنْ فَضَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَقَدَ فَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ فَأَوْرَدَ فِيهِ أَشْيَاءَ حسنة، ونبَّه على فوائد جمَّة، وفوائد مهمَّة، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ أُخْرَى حَسَنَةً، ذَكَرَهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ المتقدِّمين، وَلَمْ أَرَهُ اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِهِ، فأمَّا أنَّه قَدْ سَقَطَ مِنْ خَطِّهِ، أَوْ أنَّه لَمْ يُكْمِلْ تَصْنِيفَهُ، فَسَأَلَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ تَتَأَكَّدُ إِجَابَتُهُ، وتكرر ذلك منه، في تكميله وتبويبه وَتَرْتِيبِهِ، وَتَهْذِيبِهِ، والزِّيادة عَلَيْهِ وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ حِينًا مِنَ الدَّهر، ثمَّ نَشِطْتُ لِذَلِكَ ابْتِغَاءَ الثَّواب وَالْأَجْرِ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ مِنْ شيخنا الإمام العلامة الْحَافِظِ، أَبِي الحجَّاج المزِّي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، أنَّ أوَّل مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافعي رضي الله عنه، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ

الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبوة، عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، أنَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازيّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ عَمْرُو بن سواد (1) : قال الشَّافعي: مثل مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، فَقَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جنبه حين بني لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ، فهذا أكبر من ذلك (2) ، هَذَا لَفْظُهُ رضي الله عنه * وَالْمُرَادُ مِنْ إيراد ما نذكره في هذا الباب، البينة على مَا أَعْطَى اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ عليهم السلام مِنَ الْآيَاتِ البيِّنات، وَالْخَوَارِقِ الْقَاطِعَاتِ، وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وأنَّ الله جَمَعَ لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ سيِّد الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمِهِمْ مِنْ جميع أنواع المحاسن والآيات،

(1) من دلائل البيهقي، وفي الاصل عمر بن سوار تحريف.

وهو ابن الأسود بن عمرو العامري، أبو محمد البصري، ثقة من الحادية عشرة مات سنة خمس وأربعين (تقريب 2 / 72) .

(2)

دلائل البيهقي 6 / 68.

(*)

ص: 289