الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَلْ [تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً] ؟ أَيْنَ مَنْ تَعْرِفُونَ مِنْ آبَائِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ، قَدِ انْتَهَتْ بِهِمْ آجَالُهُمْ، فَوَرَدُوا عَلَى مَا قدَّموا فحلُّوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا للشَّقوة أَوِ السَّعادة بَعْدَ الْمَوْتِ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ لَا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ سَبَبٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْرًا، وَلَا يَصْرِفُ بِهِ عَنْهُ سُوءًا، إِلَّا
بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَاعْلَمُوا أنَّكم عَبِيدٌ مَدِينُونَ، وأنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يدرك إلا بطاعته أما آن لأحدكم أن تحسر عنه النَّار ولا تبعد عنه الجنَّة؟.
فصل في تنفيذ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
الَّذِينَ كَانُوا قَدْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَسِيرِ إِلَى تُخُومِ الْبَلْقَاءِ مِنَ الشَّام، حَيْثُ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٌ وَابْنُ رَوَاحَةَ: فيغتزوا عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي، فَخَرَجُوا إِلَى الجُّرف فخيَّموا به، وكان بينهم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَيُقَالُ: وَأَبُو بَكْرٍ الصِّديق فاستثناه رسول الله مِنْهُمْ للصَّلاة، فلمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَامُوا هُنَالِكَ، فلمَّا مَاتَ عَظُمَ الْخُطَبُ واشتدَّ الْحَالُ وَنَجَمَ النِّفاق بِالْمَدِينَةِ، وارتدَّ مَنِ ارتدَّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكاة إِلَى الصِّديق، ولم يبق للجمعة مقام فِي بَلَدٍ سِوَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ جُوَاثَا مِنَ الْبَحْرَيْنِ أوَّل قَرْيَةٍ أَقَامَتِ الْجُمُعَةَ بَعْدَ رُجُوعِ النَّاس إِلَى الحقِّ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ كَانَتْ ثَقِيفٌ بالطَّائف ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، لَمْ يفرُّوا وَلَا ارتدُّوا، وَالْمَقْصُودُ أنَّه لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ أَشَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاس عَلَى الصِّديق أَنْ لَا يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ لِاحْتِيَاجِهِ إليه فيما هو أهمّ، لأنَّ ما جهِّز بِسَبَبِهِ فِي حَالِ السَّلامة، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَشَارَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَامْتَنَعَ الصِّديق مِنْ ذَلِكَ، وَأَبَى أشدَّ الْإِبَاءِ، إِلَّا أَنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ أنَّ الطَّير تخطَّفنا، والسَّباع مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ وَلَوْ أنَّ الْكِلَابَ جَرَّتْ بِأَرْجُلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لأجهزنَّ جَيْشَ أُسَامَةَ وَأَمَرَ الْحَرَسَ يَكُونُونَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَكَانَ خُرُوجُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَالِحِ وَالْحَالَةُ تِلْكَ، فَسَارُوا لَا يمرُّون بحيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا أُرْعِبُوا مِنْهُمْ، وَقَالُوا: مَا خَرَجَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمٍ إِلَّا وَبِهِمْ مَنَعَةٌ شَدِيدَةٌ، فقاموا أربعين يوماً ويقال سبعين يوماً، ثمَّ أتوا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، ثمَّ رَجَعُوا فجهَّزهم حِينَئِذٍ مَعَ الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدَّة، وما نعي الزَّكاة عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي افْتَرَقُوا فِيهِ، قَالَ، لِيَتِمَّ بَعْثُ أُسَامَةَ وَقَدِ ارتدَّت الْعَرَبُ إمَّا عامَّة وإمَّا خاصَّة، فِي كُلِّ
قَبِيلَةٍ، وَنَجَمَ النِّفاق واشرأبَّت الْيَهُودِيَّةُ والنَّصرانية، وَالْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، وقلَّتهم وَكَثْرَةِ عدوِّهم، فَقَالَ لَهُ النَّاس: إنَّ هَؤُلَاءِ جلَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبُ عَلَى ما ترى قد انتقصت بِكَ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تفرِّق عَنْكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ لَوْ ظَنَنْتُ أنَّ السِّباع تخطَّفني لَأَنْفَذْتُ بَعْثَ أُسَامَةَ كَمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ في
الْقُرَى غَيْرِي لَأَنْفَذْتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ، لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة (1) وأشرأبَّت النِّفاق، والله لقد نزل بي مَا لَوْ نَزَلَ بالجِّبال الرَّاسيات لَهَاضَهَا، وَصَارَ أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه سلم كأنَّهم معزى مطيَّرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة، فو الله مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بخطلها وعنانها وفصلها، ثمَّ ذَكَرَتْ عُمَرَ فَقَالَتْ: مَنْ رَأَى عُمَرَ عَلِمَ أنَّه خُلِقَ غِنًى لِلْإِسْلَامِ، كَانَ وَاللَّهِ أحوذيا نَسِيجَ وَحْدِهِ قَدْ أعدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا * وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنَّا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمُونِيُّ، ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، ثَنَا عبَّاد بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْلَا أنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتُخْلِفَ مَا عُبِدَ اللَّهُ، ثمَّ قَالَ الثَّانية، ثمَّ قَالَ الثَّالثة، فَقِيلَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجَّه أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ إِلَى الشَّام، فلمَّا نَزَلَ بِذِي خَشَبٍ قُبض رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وارتدَّت الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ ردَّ هَؤُلَاءِ، توجَّه هَؤُلَاءِ إِلَى الرُّومِ وَقَدِ ارتدَّت الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَوْ جَرَّتِ الْكِلَابُ بِأَرْجُلِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رددت جيشاً وجَّهه رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا حللت لواء عقده رسول الله.
فوجَّه أُسَامَةَ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَبِيلٍ يُرِيدُونَ الِارْتِدَادَ إِلَّا قَالُوا: لَوْلَا أنَّ لِهَؤُلَاءِ قُوَّةً مَا خَرَجَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَلَكِنْ نَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا الرُّوم، فَلَقُوا الرُّوم فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، وَرَجَعُوا سَالِمِينَ، فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ - عبَّاد بن كثير هذا أظنه البرمكي - لِرِوَايَةِ الْفِرْيَابِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْحَدِيثِ، فأمَّا الْبَصْرِيُّ الثَّقفيّ فَمَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ
وَأَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أنَّ أَبَا بَكْرٍ لمَّا صمَّم عَلَى تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ لِعُمَرَ: قُلْ لَهُ فليؤمِّر عَلَيْنَا غَيْرَ أُسَامَةَ، فَذَكَرَ لَهُ عُمَرُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: أنَّه أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أمَّك يا ابن الخطَّاب، أؤمِّر غَيْرَ أَمِيرِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثمَّ نَهَضَ بِنَفْسِهِ إِلَى الجُّرف فَاسْتَعْرَضَ جَيْشَ أُسَامَةَ وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ، وَسَارَ مَعَهُمْ مَاشِيًا، وَأُسَامَةُ رَاكِبًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُودُ بِرَاحِلَةِ الصِّديق، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وإمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ: وَاللَّهَ لَسْتَ بِنَازِلٍ وَلَسْتُ بِرَاكِبٍ، ثمَّ اسْتَطْلَقَ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسَامَةَ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب - وَكَانَ مُكْتَتَبًا فِي جَيْشِهِ - فَأَطْلَقَهُ لَهُ، فَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ لَا يَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا قال: السَّلام عليك أيها الامير.
(1) قاطبة: هنا للمبالغة في أعداد القبائل والناس الذين ارتدوا عن الإسلام وأعلنوا نفاقهم، وليس المقصود بها الكل، لان العرب لم ترتد قاطبة إلا إذا كان المقصود الاعراب والبدو.
قال في مآثر الاناقة: وكانت قبائل العرب خلا قريش وثقيف قد ارتدت عن الاسلام
…
وفي أيام أبي بكر تبع مسيلمة الكذاب خلق كثير، (1 / 84) .
وفي مروج الذهب: ارتدت العرب إلا أهل المسجدين، ومن بينهما وأناسا من العرب.
(*)