الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا»
وقال صلة عن عمار: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
1807/ 1808 - حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» .
(1808)
- حدثنا عبد الله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ» .
(1809)
- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» وخنس الإبهام في الثالثة. [ر 1801]
1810 -
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» .
1811 -
حدثنا أبو عاصم عن ابن جريح عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن عكرمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من
نسائه شهرًا فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا أو راح فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهرًا؟ فقال: «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا» . [4906]
1812 -
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آليت شهرًا؟ فقال: «إن الشهر يكون تسعًا وعشرين» . [ر 371]
الشرح:
عقد المؤلف هذا الباب لبيان متى يكون الصيام؟! ثم علَّق قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم الهلال فصوموا ....» ثم أسنده بعد ذلك.
ثم قال: قال صلة عن عمار: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ، وهذا التعليق عن عمار مجزوم به، والحديث هذا أخرجه أهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وهو صحيح.
قوله: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» نقول: الشهور عند المسلمين يثبت دخولها بأحد أمرين:
1 -
إما بإتمام الشهر الذي قبله ثلاثين يومًا.
2 -
أو برؤية الهلال ليلة الثلاثين، فهذه شهور أهل الإسلام تثبت بهذين الأمرين.
قوله: «صوموا لرؤيته» اللام هنا تعليلية: أي لأجل رؤيته، ويحتمل أنها مثل قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي للتوقيت يعني: صوموا عند رؤية الهلال فيكون هو مؤوَّل يعني في الغد.
ثم صدر المؤلف الحديث الأول بقوله: «فإن عمَّ عليكم فاقدروا له» ثم أتى بالروايات المبينة لمعنى «أقدروا له» ففي الحديث الثاني قال: «فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» وقال في الحديث الآخر: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» . فالمراد بقوله: «فاقدروا له» أي: أكملوا عدة الشهر ثلاثين.
وقد تأول بعض أهل العلم هذا الحديث وهو قوله: «فاقدروا له» وقال: معنى ذلك أي: ضيقوه وقالوا: الشهر عند أهل الإسلام إما أن يكون ثلاثين أو تسعًا وعشرين، فقالوا: فإن غمَّ الهلال فلابد أن نضيق هذا الشهر فيكون تسعة وعشرين يومًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الشهر هكذا .....» كما في الحديث الذي أخرجه مسلم، واختصره البخاري هنا يعني مثل الشهر بيديه صلى الله عليه وسلم فقال مرة «ثلاثين» وأشار بيديه - ثلاث مرات - وقال مرة:«تسعة وعشرين» وأشار بيده ثلاث مرات غير أنه خنس بإبهامه في الثالثة.
وقال الحنابلة رحمهم الله وغيرهم: «معنى اقدروا له» أي اجعلوه تسعًا وعشرين فإذا كانت ليلة الثلاثين فيها قتر أو غيم وما أشبه ذلك؛ فأننا نجعل الشهر تسعًا وعشرين ونصوم اليوم الذي بعده لرمضان وقالوا: هو مثل قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
…
} أي ضيّق عليه، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذا الحديث يفسر بالأحاديث الأخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن غمَّ عليكم
فأكملوا العدة ثلاثين» والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أيضًا ما علقه المؤلف من حديث عمار قال:«من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ومعلوم أن الهلال إذا لم ير في ليلة الثلاثين لغيم أو قتر فهو يوم شكٍّ لا ندري هل هذا اليوم هو تمام شهر شعبان أو أول يوم من أيام رمضان؟! فجاءت السُّنة أنه لا يجوز صيامه؛ لأن عمارًا قال: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فهذان دليلان على أن معنى: «اقدروا له» أي أتموا شعبان ثلاثين يومًا، وأيضًا كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قوله:«لا تقدَّموا رمضان بصوم يوم أو يومين» فهذه جملة الأدلة على أن الثلاثين إذا لم يرَ الهلال لغيم أو قتر؛ فإننا نكمل شعبان ثلاثين يومًا والحكمة في إتمام شهر شعبان ثلاثين يومًا هو حتى يتحقق الفصل بين الفرض والنفل وحتى لا يدخل في الفرض ما ليس فيه، وكما أنه يكون في أول الشهر يكون في آخر الشهر ولهذا نُهي عن صيام يوم عيد الفطر؛ لأنه فاصل في نهاية شهر رمضان بين الحل والإفطار وأيام الصوم والإمساك ففصل الفرض في البداية والنهاية حتى تكون الشريعة واضحة فلا يدخل فيها ما ليس منها.
وقال بعض أهل العلم: معنى «فاقدروا له» أي العمل بالحساب، وهو قول بعض أهل العلم مثل أبي العباس بن سريج وعمل به بعض المتأخرين، وقد قال شيخ الإسلام عن هذا القول:«هذا القول محدّثٌ في الإسلام» وهو قول مبتدع وهذا هو الصحيح؛ لأن هذه الأمة أمية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام وسيأتي بإذن الله.
مسألة: العمل بالحساب ومنازل القمر لا بالرؤية؟
انقسم أهل العلم فيها إلى ثلاثة أقسام:
1 -
قيل: يعمل به مطلقًا وهذا قول الأقلين من العلماء.
2 -
وقيل: لا يعمل به مطلقًا، وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم.
3 -
قيل: يعمل به إذا تعذرت الرؤيا.
والصحيح عدم العمل به مطلقًا لا في دخول الشهر ولا في خروجه والعمل بالحساب من الأقوال المحدثة في الإسلام، وقد اشتهر في الآونة الأخيرة الدعوة إلى العمل بالحساب ولكن هذه الدعوة دعوة شر وليست دعوة خير.
مسألة مهمة: إذا رؤي الهلال في بلد وثبت ثبوتًا شرعيًا هل يلزم الناس كلهم أن يصوموا في جميع الأمصار؟
الجواب: قيل: إذا رؤي في بلد فإنه يلزم أهل الأرض كلهم، وقيل: يلزم الصوم والفطر من رآه فقط فأهل البلد الذين رأوه هم الذين يلزمهم دون غيرهم.
وقال شيخ الإسلام قولاً وسطًا: وهو إذا اختلفت المطالع يعني: إذا رآه أهل البلد وثبت عندهم فينظر المطالع التي تتفق مع هذا البلد؛ فإنه يلزمهم حكم هذه الرؤيا، وأما المطالع إذا اختلفت عن مطلع هذا البلد فإنه لا يلزمهم حكم الرؤيا.
وهذا هو الصحيح وأقربها للنص والقياس، أما النص لقوله صلى الله عليه وسلم: «من
شهد منكم الشهر فليصمه شهد منكم الشهر فليصمه» ومعلوم أنه إذا اختلفت المطالع لا يقال للمخالف: إنه شهد الشهر حتى نلزمه بالصوم، وأما القياس فإن الله علق الإمساك بالتبين من طلوع الفجر وعلق الفطر بغروب الشمس، ومعلوم أن أهل البلد الواحد يشتركون في هذا حيث إنهم يشتركون في التبين وهو تبين الفجر وفي غروب الشمس فكان حكمًا واحدًا، فكذلك يقال في مسألة أهل المطلع الواحد: إذا كانوا يشتركون مع بلد آخر يسامته فهو مثله؛ لأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات كما أنها لا تجمع بين المختلفات. فالمتماثلات حكمها واحد، والمختلفات أحاكمها مختلفة، وفي الباب حديث أم الفضل في قصة إرسالها كريبًا إلى معاوية ثم رجع وأخبر ابن عباس أن معاوية صام فلم يصم ابن عباس ولم يعتد برؤية أهل الشام، وهذا حجة لشيخ الإسلام في هذه المسألة، وهذا الحديث - قصة كريب مع ابن عباس - احتج بها القائلون أنه إذا رأى أهل بلد أنه يلزم الجميع واحتج به أيضًا من قال: إنه إذا رآه أهل بلد فإنه يلزمهم دون غيرهم، ولكن أكثر علماء عصرنا وبالذات أهل المجمع الفقهي يرون - أو يحبذون - أنه إذا رؤي في بلد فإنه يلزم الأمة جميعًا من باب جمع الأمة الإسلامية وعدم التفريق ومن باب الأخذ بقول بعض أهل العلم، والصحيح ما ذكره شيخ الإسلام.
معنى المطالع: هي منازل القمر التي يتفق فيها أهل البلد، فأهل خراسان ليس حكمهم حكم أهل المغرب في المطلع وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة.
مسألة: الرؤية بالمرصد الفلكي الصحيح فيها أنه يعد من النظر بالعين، وهو قول ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله فكما أن المرصد يقرب القمر؛
فإن النظارة تكبر الحرف فهو مباح، وبعضهم يرى أن الرؤية بالمرصد من التنطع في الدين يقولون: نحن نراه بعيوننا كما كان السلف فإذا رأيناه وإلا أتممنا عدة الشهر ثلاثين.
فنقول الرد عليهم: أن العمل بالمراصد فيه مصلحة للناس؛ لأنه أحيانًا يتكاسل الناس عن الرؤية ويتجافون فإذا وجد هناك أناس يراقبون في المرصد فلا بأس وذلك طيبٌ وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
فائدة: لو جاء شخص وقال: رأيته بالعين المجردة ولم يُر بالمرصد فنقول: هذا خطأ من الشخص حيث لم يُر بالمرصد فلا نقبل قوله.