الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحديث فليس على ظاهره:
وَأمَّا قوله عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ ترك الصَّلاةَ متعَمداً فقد كفر)) (1) فليسَ على ظَاهرِهِ عِندَ أهِل السَّنة مِمن اعتبر، بَل هو (2) مؤول بأن مَعناهُ قرب الكفر، فإن المَعَاصي (3) بريد (4) الكفر، أو جَره إلى كفره في عَاقبةِ أمرِهِ إنْ لم يتدَاركهُ الله بلطفهِ، أو شابه كفر الكافرِ في تركهِ (5)، أو محَمُول على مستحلِهِ فيَدخلُ في حَدِّ المرتد وَنَحوه.
وَأمَّا تفسِير الشافعي للِحَدِيثِ بأنه أستحق عقوبةَ الكفرِ، فلَيْسَ ظاهِراً في المدعى؛ لأنهُ يحتمل استحقَاقَ (6) عُقوبته في الدنيا والآخرة، مع أنه لا يتأول [3/ب] بكفره في العُقبَى ولَا يقتلهُ بناءً عَلى كفرِهِ في الدنيَا.
وَأمَّا مَا ذكر بَعضهم من أنْ المراد بالمرتد في الحَدِيثِ الأول: ((مَنْ بدل دينه)) (7)،
(1) رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن أنس: 3/ 343؛ وهو ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير: 2/ 148؛ والألباني في ضعيف الجامع: رقم 5521.
(2)
(بل هو) سقطت من (د).
(3)
(فإن المعاصي) سقطت من (د).
(4)
في (د): (يريد).
(5)
في (د) جاءت العبارة هكذا: (شابه الكفر في تركه).
(6)
في (د): (استخفاف).
(7)
الحديث أخرجه البخاري عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: ((لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه)). الصحيح، كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد: 6/ 2537، رقم 6524؛ وأخرجه الترمذي أيضاً في سننه، كتاب الحدود، باب المرتد: 4/ 59، رقم 1458؛ النسائي، السنن، كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد: 7/ 104، رقم 4059؛ أبو داود، السنن، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد: 4/ 126، رقم 4351؛ ابن ماجة، السنن، كتاب الحدود، باب المرتد عن دينه: 2/ 848، رقم 2535؛ الإمام أحمد، المسند: 1/ 217، رقم 1874.
وَبالمفارق مَنْ غيّر بَعض دينه فَيدخل (1) في الحَدِيث أهل البَغي وَالخَوارج وَالرَوافِض، فيَجبُ المعَاملَة مَعهُم حَتى يَرجعوا إلى الحَقِّ، فِفيه مِنْ المُعَارضَة وَالمقابلَة أن الكلام في القتل لا في المعَاملة، أمَا ترى أن الإجماع عَلى عَدَم جواز قتِل بَاغٍ بانفِراده خَارجي أو رَافضي وَحِده مِنْ غير ظهُور كفر منهُ غَير بدعتِهِ.
وكذَا مَانعُو الزكاةِ يقاتلون، بِخلاف مَنْ تركهَا بغَير قِتالٍ فَإنه لا يقتل (2)، فكَذَا تارك الصَّلاة لا يقتل بَل يحبس وَيُعَزر، وإذَا كَانَ أهل قريَةٍ تركوُهَا، بَل تركُوا الأذان الذي هُوَ سُنة مِنْ شِعَارها (3) لَقوتلُوا، كما صَرحَ بهِ الإمَامُ محمد (4) مِنْ أئمتِنا، فحَصَلت المَوافقة وَالُمطابقة مِنْ هذا الحَدِيث الشريف.
وحديث: ((أُمرتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشهَدُوا: أنْ لَا إلَه إلَاّ الله، وأنْ محمداً رَسُول الله، ويقيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتوا الزكَاةَ، فِإذَا فعَلوُا ذلك عَصَمُوا مِنّي دمَائهم وَأموَالهم إلَاّ بِحَقِّ الإسلَامِ وَحِسَابهم على الله)) رَوَاهُ أصحاب الكتب الستة عَن أبي هُرِيَرة (5).
(1) في (د): (فدخل).
(2)
احتج الفقهاء هنا بفعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما قاتل من منع الزكاة فإنه يقاتل إن رفع السيف وإلا أخذت منه الزكاة عنوةً من قبل الإمام. ينظر تفاصيل هذه المسألة عند ابن قدامة، المغني: 2/ 228؛ الكاساني، بدائع الصنائع: 2/ 31؛ الخطيب الشربيني، مغني المحتاج: 1/ 381؛ شرح الزرقاني على الموطأ: 2/ 170.
(3)
في (د): (شعائرها).
(4)
محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني، الفقيه تلميذ أبي حنيفة، وفاته سنة 189هـ. تاريخ بغداد: 2/ 172؛ وفيات الأعيان: 4/ 184؛ سير أعلام النبلاء: 9/ 134. .
(5)
صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة): 1/ 17 رقم 25؛ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا: 1/ 52، رقم 21؛ سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: 5/ 2، رقم 2606؛ سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب على ما يقاتل المشركون: 3/ 44، رقم 2640؛ سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد: 7/ 77، رقم 3971؛ سنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب الكف عمن قال لا إله إلا الله: 2/ 1295؛ رقم 3927.
وَروَاهُ ابن جرير (1) وَالطبَراني في (الأوسَط) عَن أنَس، وَلفظه:((أمرتُ أنْ أقاتِل الناس حَتى يشهدوا أنْ لَا إلَه إلَاّ الله، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنّي دِمَائهم وَأموَالهم إلَاّ بحقها، قيلَ: وَمَا حَقها؟ قالَ: زَنا بَعْدَ إحصَان أو كفرٌ بَعدَ إسلام أو قتلُ نفسٍ فتقتلُ بِها)) (2).
وَأخرجَهُ مُسْلم عَن أنس، وَلَفظهُ (3): ((أُمرتُ أنْ أقاتِلَ المشركِين حَتى يَشهَدُوا أنْ لَا إلَه إلَاّ اللهَ، وأنْ محمداً عبدُهُ ورَسُوله، وأنْ يَسِتقبلُوا قِبلتنَا، وأنْ يَأكلوا ذَبيحتنَا وَأن يُصَلوا صَلاتنا، فإذَا فعَلُوا ذلكَ حرمت عَلْينَا دمَائهم وَأموَالهم
(1) هو محمد بن جرير الطبري، الإمام صاحب التفسير والتاريخ وغيرها من المؤلفات، وفاته سنة 310هـ. تاريخ بغداد: 2/ 169؛ سير أعلم النبلاء: 14/ 266.
(2)
تفسير الطبري: 15/ 80؛ الطبراني، المعجم الأوسط: 3/ 300، رقم 3221. وكلاهما أخرجاه من طريق عمرو بن هاشم البيروتي عن سليمان بن حيان عن حميد الطويل عن أنس، وعمرو البيروتي اختلف فيه، قال ابن وراة: كتبت عنه وكان قليل الحديث ليس بذاك، وقال ابن عدي: ليس به بأس (تهذيب التهذيب: 8/ 99)، قال الذهبي: وثق (المغني: 2/ 491)، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق يخطئ (تقريب التهذيب: ص 428)؛ قال الهيثمي: والأكثر على توثيقه (مجمع الزوائد: 1/ 26).
(3)
في (د): (بلفظ).