الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث وجدته)) (1)، وربما استعار المؤلف هذا المعنى كي يجعله عنواناً لرسالته، فجمع ما بين الشبهة المعترضة في القلب، وما بين الإبل التي تشم الكلأ قبل أن تأكله، والله تعالى اعلم.
موضوع الرسالة:
لا شك أن موضوع الرد على أهل الأهواء والضلال من الأمور التي شغلت العلماء من أهل السنة والجماعة على اختلاف مذاهبهم، وقد اتخذت هذه الردود أشكالاً متنوعة تبعاً لظروف كتابتها أو مكانة مؤلفها، والرسالة التي نحن بصددها الآن لا يمكن أن نفصلها عن الظروف السياسية لعصر المؤلف، خاصة ظهور الدولة الصفوية في أرض إيران بعقيدتها الإمامية الغالية، وإذا ما علمنا أن هذه الديار كانت حتى القرن العاشر الهجري ذات أغلبية سنية عظيمة، تبين لنا عظم المصيبة التي ألمت بالمسلمين في إيران بظهور دولة الرافض فيها، إذ بدأت أعمال وحشية تبناها رجال هذه الدولة ضد سكان إيران من أهل السنة لتحويلهم قسراً إلى مذهب الشيعة الإمامية، وكان من أشد هؤلاء الشاه إسماعيل الصفوي الذي مارس ضد أهل السنة والجماعة أبشع أنواع القتل والتنكيل، فقد نقل المؤرخون أنه قتل في مجزرة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص، ولم يفرق فيها بين رجل أو امرأة وشيخ أو صبي (2).
وكان الملا علي القاري شاهد عيان على هذه الحقبة، حيث كان يعيش في تلك الأثناء في مدينة هراة، وينقل لنا في رسالته هذه كيف دخلت جيوش إسماعيل
(1) المصدر نفسه: 7/ 175.
(2)
الدولة الصفوية: ص 51 - 52.
الصفوي إلى هذه المدينة، وأعلنوا سب الصحابة على المنابر، فامتنع علماء أهل السنة عن ذلك فقتلوا الشيخ معين الدين الأيجي خطيب الجامع الكبير في هراة، ثم قتلوا بعد ذلك حفيد التفتازاني عند دخول الشاه إسماعيل الصفوي إلى هراة، وكلا الشيخين الشهيدين كانا من مشائخ القاري (1).
وهنا دار جدال بين العلماء من أهل السنة في حكم هذه الفرقة التي جاهرت بسب الصحابة على المنابر، وعده من أفضل القربات والطاعات، وهذه الرسالة تبين الحكم الشرعي في هذا الموضوع وفق ما يراه مؤلفها، وقد كان متأثراً بطبيعة الحال بنشأته العلمية وخلفيته المذهبية، إذ سار في طريق العرض والاستدلال في هذه المسألة وفق طريقة الحنفية في التفريق بين الدليل القطعي والظني عند النظر في الأحكام الشرعية، ولم يتطرق إلى أقوال الأئمة الآخرين إلا في النادر، وربما أن يكون السبب في تأليف هذه الرسالة - وقد تقدم ذكره - قد انعكس على أسلوبها ومنهجها.
كما يمكن أن نلاحظ أن الرسالة - على قيمتها العلمية - عرجت إلى مواضيع أخرى بعيدة عن المضمون مثل تناولها لمسألة الاجتهاد وشروط والمفتي وغيرها من المواضيع، كما يمكن أن نلاحظ أن المؤلف أكثر النقل من كتب الفقه الحنفي، في حين كان يمكن له الاستعانة بأقوال الأئمة الواردة في كتب العقيدة.
بقي أن نشير إلى أن الرسالة تفتقر أيضاً إلى النقل عن كتب الشيعة الإمامية التي ورد فيها سب الصحابة منسوباً إلى بعض أئمتهم، وهذا الأمر ليس بمستغرب خاصة إذا ما علمنا أن الشيعة الإمامية يخفون هذه المؤلفات عن أعين الناس لما فيها من فضائح، ولذا افتقرت ردود أهل السنة المبكرة عليهم من النقل من مؤلفاتهم،
(1) شم العوارض: 6/أ.