المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذم التعصب في دين الله]: - شم العوارض في ذم الروافض

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌الملا علي القاري:

- ‌اسم الرسالة وتوثيقها:

- ‌موضوع الرسالة:

- ‌وصف المخطوط:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌شَمُّ العَوارِضِ في ذمِّ الرُّوَافِضِ

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌قذف عائشة رضي الله عنها:

- ‌مسألة من اعتقد أن سب الصحابة مباح فهو كافر:

- ‌لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث:

- ‌تارك الصلاة يقتل خلافاً للشافعي:

- ‌وأما الحديث فليس على ظاهره:

- ‌إثبات كفر من سب الصحابة عموماً أو الشيخين خصوصاً:

- ‌[حكم سب الصحابة عند الحنفية:]

- ‌حديث: من سب أصحابي فعليه لعنة الله:

- ‌المراد بالكفر كفران النعمة:

- ‌سباب المسلم:

- ‌[ذم التعصب في دين الله]:

- ‌[أصل الفساد بسبب ترك السنة وفعل البدعة:]

- ‌سب الصحابة الكرام من أكبر الكبائر:

- ‌إجماع المفسرين:

- ‌[خراسان ليست بدار حرب]

- ‌مسألة سلطان الزمان:

- ‌مسألة: هل معك دليل ظني على كفر الرفضة

- ‌تفسير قوله أشداء:

- ‌[منع الفيء عن من سب الصحابة:]

- ‌[الدليل من السنة على كفرهم:]

- ‌[التفضيل] فيما عدا العشرة المبشرين بالجنة:

- ‌ما عال من اقتصد:

- ‌[مشابهة علي لعيسى بن مريم:]

- ‌من كمل من العلماء ابتلي بأربع:

- ‌مسألة من اعتقد الحرام حلالا إنما يكفر إذا كانت الحرمة ثابتة بدليل مقطوع:

- ‌[الترغيب بالعزلة عند فساد الزمان:]

- ‌[لا تقبل شهادة مظهر سب السلف:]

- ‌في قول كمال باشا زادة إن الفقهاء سبع طباق:

- ‌المجتهدين في المسائل:

- ‌أصحاب التخريج من المقلدين:

- ‌طبقة أصحاب التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف:

- ‌المقلدون الذين لا يقدرون على ما ذكر:

- ‌العالم [هو] العالم بأقوال الفقهاء:

- ‌ينبغي للقاضي أن يعرف الناسخ والمنسوخ:

- ‌المفتي بالخيار:

- ‌سئل مالك عن أربعين مسألة:

- ‌مسألة: إذا أجاب المفتي ينبغي أن يكتب عقب جوابه:

- ‌قائمةبمصادر ومراجع التحقيق

- ‌أولاً: مصادر أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانياً: المصادر الحديثة:

- ‌ثالثاً: مصادر الشيعة الإمامية:

الفصل: ‌[ذم التعصب في دين الله]:

فَهِذا الحَديثِ صَريح في أنَّ سَبَّ المُسْلِمِ فسق غاية أنَّ الفسق لَهُ المراتب، كَمَا أن المُسلمينَ (1) لهم تفَاوُت باختِلافِ المناقِبِ، كَمَا رَوى ابن عسَاكر [5/ب] عن البَراء موَقوفاً:((لا تسبّوا أصحَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوَالذِي نفسِي بيدِهِ لمقامُ أحَدهم مَع رَسُولِ اللهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضَل مِنْ عَمل أحَدكم عُمره)) (2) فكأنه أشارَ إلى قوله تعَالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاّ ًوَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].

[ذم التعصب في دين الله]:

ثُمَّ اعلم أنَّ التعَصب في دِينِ اللهِ [تعَالَى](3) على وَجه التشدد وَالتصَلب ممنوع وَمَحظور؛ لأنه يترتب عَلَيه أمُور في كلِّ مِنها ضَرر ومحذور، قَالَ الله تَعَالَى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ} [النساء: 171]، و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]، وقالَ عز وجل: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَاّ

(1) في (د): (للمسلمين).

(2)

ابن عساكر، تاريخ دمشق: 18/ 398؛ وأخرجه أيضاً ابن عدي، الكامل: 7/ 190.

(3)

زيادة من (د).

ص: 40

الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

وَقالَ سُبحانه: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وَاستدَل بهذِهِ الآية شيخِنَا المبرور (1) المغفُور محمد بن أبي الحسَن البكري (2)، في منع معرف كان بمكةَ في مقام الحنفي، ويقولُ بالصوتِ الَجلي:((لعَن الله الرافضَة من الأوبَاشِ وَطائفَة القزلباش (3)))، وقالَ هَذا يكون تسبيباً سَبهم (4) طائفة أهل السّنة وَالجماعة، كَمَا عَلَيْه أهل العِناد في الصناعةِ.

وَلقد صَدقَ الصديقي (5) في مَقامِه الحقيقي، وَوَافق كلام أستاذي المرحُوم في

(1) في (م): (المبرد).

(2)

هو قطب الدين محمد بن الشيخ أبي الحسن محمد بن محمد الشافعي الأشعري المصري الصديقي البكري، يعود نسبه إلى أبي بكر الصديق، برع في الكلام والتفسير والأصول، وفاته سنة 993هـ. النور السافر: ص 369؛ شذرات الذهب: 4/ 431.

(3)

القزلباش: من أشد القبائل في إيران وأصلهم تركي يتكون من تسع قبائل، وقد كان أفراد كثيرون قد أسرهم تيمور لنك بعد انتصاره العثمانيين ثم توسط (خواجة علي سياهمبوش) في فك أسرهم، ومنذ ذلك الوقت التفوا حول الأسرة الصفوية وقدموا لها فروض الطاعة، وكانوا من أشد المناصرين لها، وكان دعمهم العسكري من أبرز وسائل القوة التي مكنت الصفويين من السيطرة على إيران. الدولة الصفوية: ص 41.

(4)

في (د): (بسبهم).

(5)

يعني به شيخه محمد بن أبي الحسن البكري الذي مر ذكره قبل قليل.

ص: 41

عِلم القراءة، مَولانا معين الدين بن الحافظ زين (1) الدين (2) من أهل زيارتكاه، وهوَ أول مِنْ استشهد أيام الرافضَة في سَبيلِ الله، وَذلك أنه لما ظهَر سُلطانهم المسَمى بشاه إسمِاعيل (3)، وَفتحَ مَلك العِراق بَعدَ القالَ والقيل (4)، وَفشوّا القِتال وَالقتِيل، أرسَلَ إلى خراسان مكتوباً فيه إظهار غلبَته في هَذا الشأن، وكَتبَ [6/أ] في آخِرهِ ِسَبّ بَعض الصحَابة مِنْ الأكابر والأعيان.

وكانَ الحِافظ المذكور خَطيباً في جامع بَلد هراة المشهُور، فأمرَ بقراءتهِ فوَقَ المنبر بالاملاء عندَ حضُور العلماء والمشَائخ وَالأمَراء، ومِنْ جُملِتهم العَلامَة الوَلي شيخ الإسلام الهروي (5) سبط المحقق الرباني مَولانا سعد الدين التفتازاني، فلما وَصَل الخطيب إلى مَحِل السَبِّ انتقل مِنه (6) عَلى طَريق الأدب، فتعصّب كلَاب (7)

(1) في (م): (بن).

(2)

هو معين الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسني الأيجي الشافعي الصفوي، مفسر له أكثر من مؤلف، وفاته سنة 905هـ. الضوء اللامع: 8/ 37؛ كشف الظنون: 1/ 610؛ الموسوعة الميسرة: ص 2148.

(3)

هو إسماعيل بن حيدر بن جنيد الصفوي، يعيد الشيعة نسبه إلى موسى الكاظم، ولم يكن أهله من الملوك وإنما كانوا من مشائخ الصوفية، ولكن عندما تغلب على الأمور في تبريز وقوي أمره أظهر عقيدة الإمامية في إيران، وتعصب لذلك وقتل كل من يعترض أمر عقيدته، فقتل العلماء والعامة على السواء، قال الشوكاني:((كاد أن يدعي الربوبية وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره)) مات في سنة 931هـ/ 1620م. البدر الطالع: 1/ 271؛ أعيان الشيعة: 3/ 321.

(4)

في (د): (القيل والقال).

(5)

هو سيف الدين أحمد بن محمد بن سعد الدين مسعود التفتازاني الحنفي، يعرف بحفيد التفتازاني، رئيس العلماء بهراة، قتل سنة 916هـ. هدية العارفين: 1/ 138.

(6)

في (د): (عنه).

(7)

في (د): (كلام).

ص: 42

الأرفاض لهَذَا السبب، وقالوا: تركت المقصُود الأعظم وَالمطلوب الأفخم، فأعد الكلام لتكُون على وجه التمَام، وَتوقف الَخطيبُ في ذلك المقام، فأشارَ شيخ الإسلام إليه أن يقرأ ما هو المسطور لَدَيه، لأن عَندَ الإكراه (1) لا جناحَ عَليه، فأبى عَن السبِّ وصمم عَلى اختيار العزيمة على الرخصة (2) الذميمة، فنزلوُه وقتلوه وحَرقوه.

ثُمَّ لمَا جاءَ السلطَان إلى خراسَان، وطلبَ شيخ الإسلام وسائر أكابر الزمان، وأمرَ الشيخَ بالسبِّ في ذلك المكان، أمتنعَ عَنه رضاء للرحمةِ، فاعترضَ عَليه بأنَّك أمرتَ بِهِ الخطيب سَابقاً، فكيَفَ تخالف الأمر لاحقاً، فقالَ:((ذاكَ فتوى، وَهَذا كَمَا ترى تقوى، وَأيضاً ذلكَ الوُقت كانَ أيامَ الفتنة التامة، وَهجُوم الخلائق وَالعَامة، وَرأيت اليَوم في تَخت السّلطنة التي تجبُ عليك فيه العَدَالة، وَسماعَ مَا يتعَلق بِهَذِهِ المقَالَة، وَتَصحِيح مَا يكُون العَمل بِهِ أولى في هَذِهِ الحَالَة)).

فسَألَهُ عَن كيفِيته وَتحقِيق مَاهِيته وكميته؟.

فقالَ له: ((أفعلْ أحَد [هذين] (3) الشيئين مِنْ الأمرَين الحسنين:

أولهما: أني اثبت لك أنَّ مذهب أهل السنة وَالجماعَة هو الحق وغيره هُوَ البَاطِل المطلق، وذلك بأني أظهر لكَ تصَانيفَ آبائكَ وَأجدَادكَ مِنْ المَشائخ الذين سَلَفوا في بلادكَ بخطُوطهم، وَتعمل بما في سُطوُرهم وفق مَا في صدوُرهم، وإنْ كانُوا الآن في قبورهم.

وَثانِيهما: أنَّكَ تنادي عُلماء مذهَبك [6/ب] وفضلاء مشربك فتبَاحثت في مَجلسكَ، فمَنْ غَلب في الحجة نَقلاً وَعقلاً، فَيُتِبع فرعاً وأصلاً)).

(1) في (م): (الإكرام).

(2)

في (د): (الرفضة).

(3)

زيادة من (د).

ص: 43

فشاور وزرائه وأمرَائه وعلمائه وفقهائه (1)، فقالُوا لهُ:((هَذَا عَالمٌ كبَيرٌ وفضله كثير لا يغلبه أحَدٌ منا في الكلَامِ، وآبائكَ وَأجدَادكَ صَنفوا (2) في زمَان السنة، وَكانَ يجبُ عَليهم التقيَّة في هَذِهِ القضِية)) فتبعهم وَصَارَ مِنْ أهل الطغيان وَالكفران، كفرعَونَ حَيثُ شاورَ هَامَانَ، فقتله شهيداً وجَعلهُ سَعِيداً.

والحاصل: أن ولدَ الخطيب (3) الذي هوَ أستاذي الأديب، كانَ يقولُ: إنَّ زيادة التعَصب وَالعناد في

هَذِهِ الطائفة اللعِينة، إنما وقعَت مِنْ تعَصبَاتِ (4) الطبقة الأزبكية (5)، حَيثُ إذَا رَأوا شخصاً يبتدئ في غسل الأيدِي مِنْ مَرقٍ أو مسَحَ عَلى رجلهِ (6)، أو وَضعَ حَجراً في مَسجدِهِ قتلوُه، فعَارضَهم بأن مَنْ غسَل رجله أو مسَحَ رقبتِهِ وَأذنِهِ قَتلوُه، وكلُّ مَنْ صَلى مُرسِلاً يدَيه قتلهُ هؤلاء، فعارضُوهم بأن مَنْ صلى وَاضِعاً يَديه قتَلوُه، إلى (7) أن زدَادَ التعَصب بَينَ الطائفتين.

فَمَنْ سَبَّ الصحَابة وَلو مَكرهاً قتلوهُ، فَزادُوا عَلَيهم في القبَاحَةِ وَالوقاحَةِ،

(1) في كلا النسختين: (وزرائه وأمرائه وعلمائه وفقهائه).

(2)

في (م): (صنعوا).

(3)

هو علاء الدين أبو الحسن علي بن جلال الدين محمد البكري الصديقي الشافعي، كان بارعاً في الفقه والتفسير والتصوف، وفاته سنة 952هـ. النور السافر: ص 369؛ شذرات الذهب: 8/ 292.

(4)

في (م): (التعصبات).

(5)

نسبة إلى أزبك خان، وهي قبائل وفدت إلى إيران من هضاب آسيا، وكان هؤلاء على مذهب أهل السنة والجماعة، ودخلوا في صراع عنيف مع الصفويين، ولكن الإمكانيات المتواضعة للأزبك جعلت كفة الصفويين هي الراجحة في معظم المعارك. الدولة الصفوية: ص 55.

(6)

في (د): (رجليه).

(7)

في (م): (إلا).

ص: 44