الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التفضيل] فيما عدا العشرة المبشرين بالجنة:
وَأغربُ مِنْ هَذَا كله قول طائفة - مِنهم ابن عَبد البَر المالكي (1) -: ((إنَّ مَنْ توفي مِنْ الصحَابة حَال حَيَاته أفضَل مِمن بقي بعدهما)) (2)، وَلعَله محمُول على مَا عَدا العَشرة المبشرة، وَممن كَمل في صِفَاتِهِ وَأمنَ الفتنة في وَقتَ وَفاتِهِ.
وَقالَ بَعض المَشائخِ: إن عَلياً في آخِر أمره وَانتهاء عمره، صَارَ أفضَل مِن أبي بَكر الصدّيق وّغَيره؛ لِزيادةِ المَكاسِبِ العِلِميَّة وَالمراتب العَملية (3).
فهَذا الاختلافُ بَيْنَ هَذِهِ الطَوَائفِ الإسلامية دَليلٌ صَريحٌ عَلى أن مَسْألة التفضِيل لَيْسَت مِنْ الأمَور القطعِية؛ لأن الأحَادِيث المَروية - مَع كَونها ظنية - مُعترضة مَانعَة مِنْ كَونها مِن الأمُور اليقينِيّة، عَلى أنه لَيْسَ فِيهَا تَصريح بأن الأفضَلِية من أي (4) الحَيثية، ليعلم أنه بِمَعْنَى الأكثَر ثواباً عِندَ اللهِ في العُقبَى، أو بِمَعْنَى الأعِلَميَّة باباً عِندَ الخلقِ في الدنيا، فترك الفَوز (5) في هذه المبَحث هُوَ الأولى؛ لأن المدُار عَلى طَاعَة المَولى؛ وَلقوله تَعَالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا
(1) يوسف بن عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري، أبو عمر، كان فقهياً حافظاً عالماً بالقراءات وبعلوم الحديث والرجال، وفاته سنة 463هـ. وفيات الأعيان: 7/ 66؛ سير أعلام النبلاء: 18/ 100.
(2)
ذكر ذلك في مقدمة الاستيعاب: 1/ 18. وينظر بحثنا المنشور في مجلة الحكمة (العدد 24): جهود الحافظ ابن عبد البر في دراسة الصحابة: ص 251.
(3)
نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع العلماء - بما فيهم الأئمة الأربعة - على تفضيل أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة، ثم قال: ((فأئمة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا ثم من بعدهم
…
)). منهاج السنة النبوية: 7/ 287.
(4)
(أي) سقطت من (د).
(5)
في (د): (الفتور).
كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] أي بَل تُسْأَلونَ عَن تَحسِين أعمالكم وَتزيين أحَوالكم (1).
وَلقولِهِ الصَّلاة وَالسَّلام: ((إنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) (2).
فَقد حُكي أن بَعض الصَّوفية لمَّا سمع الحديث قال: كفاني.
وَهَو نظير صحَابي قرأ عَلَيه صلى الله عليه وسلم قوله تعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8][فقال: حَسبي](3).
وَقد ورَد عَنه الصَّلاة والسَّلام أنه قَالَ: ((إني أعلَم آيةً لو عمل (4) بها جَمِيع الخلّق لكفتهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
(1) ينظر تفسير هذه الآية عند القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 2/ 139؛ ابن كثير، التفسير: 1/ 187.
(2)
الحديث أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، السنن، كتاب الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس: 4/ 558، رقم 2317؛ ابن ماجة، السنن ن كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة: 2/ 1315، رقم 3976.
(3)
سقطت من (د). والحديث عن صعصعة بن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه هذه الآية فقال: ((حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها)). المسند: 5/ 59، رقم 20070؛ الحاكم، المستدرك: 3/ 711، رقم 6571 وصححه؛ النسائي، السنن الكبرى: 6/ 520، رقم 11695؛ الطبراني، المعجم الكبير: 8/ 76، رقم 7411؛ ابن سعد، الطبقات: 7/ 39. قال الهيثمي: ((ورجال أحمد والطبراني رجال الصحيح)). مجمع الزوائد: 7/ 141.
(4)
في (م): (علم).
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 2 - 3])) (1)، وذلك لأن مَن اتقى (2) الله عَلمُه الله مَا يَأمرهُ وَنهاه، كَمَا يُشِير إلَيه قوله تعَالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
وَقد وَردَ: ((مَنْ عَمل بما عَلم وَرثه الله عِلم مَا لم يعلم)) (3).
وروي [11/ب]: ((مَا أتخذ اللهُ وَلياً جَاهِلاً وَلو اتخذَه لعَلمَهُ)) (4) أي بالعِلم الكَسِبي، أو العِمل اللدُني الوُهِبي، كَمَا يشير إليَه قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17].
وَعَن زفر (5) أن الإمام سُئل عَن عَلي وَمَعاوية وَقتلى صفين، فقال: ((إذا
(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، المسند: 5/ 178، رقم 21591؛ ابن ماجة، السنن، كتاب الزهد، باب الورع والزهد: 2/ 1411، رقم 4220؛ الحاكم، المستدرك: 2/ 534، رقم 3891؛ الدارمي، السنن: 2/ 392، رقم 2725؛ النسائي، السنن الكبرى: 6/ 494، رقم 11603؛ البيهقي، شعب الإيمان: 2/ 113، رقم 1330. والحديث (ضعيف) كما ذهب إلى ذلك الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: رقم 6372.
(2)
في (د): (اتقَ).
(3)
هذه الرواية مروية عن أحمد بن حنبل عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم عليه السلام، قال أبو نعيم: وقد وهم بعض الرواة فرواها بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم. حلية الأولياء: 10/ 15؛ ابن كثير، التفسير: 4/ 529.وقد وهم السيوطي في (الدر المنثور: 1/ 372) فنسبها للنبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
قال عنه المؤلف في كتاب آخر له: (موضوع). المصنوع: ص 156.
(5)
زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي، من أصحاب أبي حنيفة، قال ابن حبان: كان متقناً حافظاً قليل الخطأ لم يسلك مسلك صاحبه في قلة التيقظ في الروايات وكان أقيس أصحابه، وفاته سنة 158هـ. الثقات: 6/ 339؛ سير أعلام النبلاء: 8/ 38.
قدمت عَلى الله يَسألني عَما كلفني وَلَا يَسألني عَن أمورهم)).
وروي أنه قالَ: ((تلكَ دماء طهّرَ اللهُ مِنْها سناتنا (1) أفلَا نطهر مِنها لسَاننا؟!)) (2) وَفي روَاية قرأ تلك الآية (3).
وَإنما بنيت هَذِهِ المسألة المعضِلة (4) لمَا فيها مِن العَوارض المشكِلة المحتَاجَة إلى الأقِوالِ المفصَّلةِ، وَمما يَدُل عَلى عَدَم قطع الأفضَلِية مَا صَدرَ عَن عُمر في الشورَى، حَيثُ جَعَلَ الأمر لأحَدٍ مِنْ الستة، فإنه لو كَانَ أفضَلية عثُمان أو عَلي قطعيَّاً، لَكانَ تعين للخَلافةِ بالأولوية، مَع أنه يجوز صِحة الخلَافة بشرائطها الشرعيّة في المفضول إجماعاً، خِلافاً لِطَائفةِ الشيعَة في أكاذيبهم الشنِيعَة.
وَمنها مَا [روي](5) عَن عَلي أيضاً قال: قال رَسِول الله صَلَّى اللَّهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يا علي ألا أدلك عَلى عَمل إذَا فعلته كَنت مِن أهل الجنةِ - وَإنكَ مِن أهل الجنة - إنهُ سَيَكون بَعدِي أقوَامٌ يقال لهم الرافضَة، فإن أدركتهم فاقتلهُم فإنهم مُشركون وَقالَ عَلي: سَيَكونُ بَعْدَنا أقوامٌ ينتحلونَ مُودتنا تكونُونَ عَلينَا بارقة، وَآية ذلَك أنهم يَسبُّونَ أبَا بكر وعمر رضي الله عنهما)(6) رَواهُ خثيمة بن سُليَمَان الطرابلسِي (7) في (فَضائل الصحَابة)
(1) في (د): (سيئاتنا).
(2)
هذه الرواية مشهورة عن عمر بن عبد العزيز كما في حلية الأولياء: 9/ 114؛ التدوين في أخبار قزوين: 1/ 192. ولم أجدها منسوبة لأبي حنيفة.
(3)
في (د): (تلك أمة).
(4)
في (د): (المفصلة).
(5)
زيادة من (د).
(6)
الطبري، الرياض النظرة: 1/ 363؛ الهندي، كنز العمال: 11/ 324.
(7)
أبو الحسن خثيمة بن سليمان بن حديرة القرشي الشافعي، أحد الثقات، جمع كتاباً في فضائل الصحابة، وفاته سنة 343هـ. تذكرة الحفاظ: 3/ 858؛ طبقات الحفاظ: ص 355.
وَاللالكائي (1) في (السنة).
وَفي روَاية لَهُ [عنه](2) أيضاً: ((يكون في آخِر الزّمَانِ قومٌ لهم نبز يسمّونَ الرافضِة يَرفضُونَ الإسلام،
فاقتلُوهم (3) فإنهم مُشركُونَ)) (4) أي كالمشركينَ في الخروج عَن كمالِ دِينِ المُسلِمينَ، أو أطلق وَيُرَاد بِهِ للِزّجر وّالمبَالغَة في التهدِيد وَالوعيد، وكَذَا قوله (5):((يَرفضُونَ الإسلام)) أي بَعض مَا يَجبُ عَلَيهم مِنْ الأحكام.
وَمنها عَن عَلي كَرّم اللهُ وَجهَه أن النبي صَلَّى اللَّهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لهُ: ((إن سَرك (6) أنْ تكُون مِن أهلِ الجَنَّةِ، فإن قوماً ينتحلُونَ حَبكَ يَقرؤونَ [12/أ] القرآنَ لَا يَجُاَوز تراقيهم، لهم نبزٌ يقال لهم الرافضَة، فإن أدرَكتهم فَجاهِدهُم فإنهم
(1) في كلا النسختين (الالكائي).هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الشافعي، الحافظ الفقيه، قال عنه الذهبي: محدث بغداد، وفاته سنة 418هـ. تذكرة الحفاظ: 3/ 1083؛ طبقات الحفاظ: ص 412.
(2)
زيادة من (د).
(3)
في (د): (قاتلوهم).
(4)
الحديث أخرجه الطبراني، المعجم الكبير: 12/ 242، رقم 12997؛ ابن أبي عاصم، السنة: 2/ 275؛ الإمام أحمد، فضائل الصحابة: 1/ 417؛ عبد الله بن حنبل، السنة: 2/ 546؛ البزار، المسند: 2/ 139، رقم 499؛ أبو نعيم، حلية الأولياء: 4/ 95؛ ابن عدي، الكامل: 7/ 207؛ الطبري، الرياض النضرة: 1/ 364. والحديث (ضعيف) كما ذكر ذلك ابن الجوزي في العلل المتناهية: 1/ 163؛ الذهبي، ميزان الاعتدال 5/ 288؛ والألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم.
(5)
في (د): (وقوله).
(6)
في (د): (أبشرك).
مُشركونَ)) (1). رواه ابن بشران (2) وَالحاكم (3) في (الكنى).
فَهَذِهِ الأحَادِيث وَإن كَانت أسَانيدهَا ضَعيفة، لِكن يتقوى بَعضها بَبعضٍ، فتَرتقي إلى دَرجَةِ الحِسَنِ، الذِي يَصِح الاستدلال بِهِ في الأمُورِ الظنيّة الفقهيّة، فيَقتل السّابُ للِصحَابة مِنْ الطائفة الخَارِجَة وَالرّافضَة، وَإنما قلنا بِطريقِ السَياسَة العُرفيَّة الفرعيّة (4)، لَا بِطَريقِ الأصَالةِ مِنْ الأمَور الشرعية؛ لِئلَا يُخَالف القواعِدِ الكليَّة الثابتة مِن الكِتاب وَالسنة النبوية، أنه لا يقتل أمرؤٌ مُسلم إلَاّ بِإحدى ثلاث: قتل النفس بِالنفس، وَزنا بإحصان وَارتدَاد.
وَالسيَاسَة وَاردَة في الأخبَار وَمشاهِير الآثار، وَمِن جُملتها تَغرِيب العَام للزاني وَقطع يَدِّ النبَاش وَأمثالهما، وَمنها قتل تارك الصَّلاة في مذهب الشافِعية، فانَدفعَ اعترَاضهم عَلى الحنَفِية في قتل الرّفضَة، حَيثُ وَهمُوا أنهم لَيْسَ لَهُم دَليل في ذلَكَ، وَلم يحقق مَا قدمنا هنالكَ.
وَيُؤخذ مِنْ هَذِهِ الأحَادِيثِ أيضاً جَواز مقاتلة الأرفَاضِ، وَيؤيدهُ مُقاتلة عَلي للخَوارج في حَالِ الاعتراض (5)، إلَاّ أنه يُعَامل مَعَهم مُعَاملة عَلي مَع أمثالِهم مِنْ عَدم سَبي نِسَائهم وَذرَاريهم، وَعَدم التعَرض لإِفرادِهم بَعدَ فَراغ قتالهم وَدخُولهم في
(1) الهندي، كنز العمال: 11/ 324.
(2)
هو أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، قال الخطيب: كان تام المروءة ظاهر الديانة صدوقاً ثبتاً، وفاته سنة 415هـ. سير أعلام النبلاء: 17/ 311؛
(3)
أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري، يعرف بالحاكم الكبير، قال عنه الذهبي: محدث خراسان الإمام الجهبذ مؤلف كتاب الكنى 378هـ. تذكرة الحفاظ: 3/ 976؛ طبقات الحفاظ: ص 389.
(4)
(الفرعية) سقطت من (د).
(5)
في (د): (الاعراض).
الإطاعَة، كَمَا حَققَ هَذِهِ الأمُور جَميعاً في مَحالها المفصلة في بَيان أحوالهم.
وَمنها عَن عَلي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ ليّ النبي صَلَّى اللَّهُ تَعَالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أنتَ وَشيعتك في الجَنَّة، وَسَيَأتي قَومٌ لَهُم نبزٌ يُقَال لَهُم الرّافضَة، فإذا لقيتمُوهم فاقتلُوهم فإنهم مُشركونَ)) (1) رَواه أبو نُعيم (2) في (الحلية) والخَطِيب (3) وَابن الجَوزي (4) في (الوَاهِيات)(5)، وَفيه: محمد بن حَجر (6)، ثقة غالٍ في التشِيع رَوى [له](7) الشيخَان (8)،
وَلَا شبهة أن شيعَته كلُّ مَنْ شايعه في
(1) الطبراني، المعجم الأوسط: 6/ 355، رقم 6605؛ الخطيب، تاريخ بغداد: 12/ 358؛ الطبري، الريضا النضرة: 1/ 364. والحديث ضعيف كما ذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية: 1/ 167؛ الهيثمي ن مجمع الزوائد: 10/ 22.
(2)
هو أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق المهراني الأصبهاني، الحافظ الكبير محدث العصر صاحب حلية الأولياء وغيرها، وفاته سنة 430هـ. تذكرة الحفاظ: 3/ 1092؛ طبقات الحفاظ: ص 423.
(3)
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، الحافظ الكبير ومحدث العراق، صاحب تاريخ بغداد، مع كثرة عنايته بعلوم الحديث، وفاته سنة 463هـ. تذكرة الحفاظ: 3/ 1135؛ طبقات الحفاظ: ص 433.
(4)
أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي الحنبلي، الحافظ المفسر صاحب المعارف والفنون في الرجال والتاريخ والفقه والوعظ وغيرها، وفاته سنة 597هـ. وفيات الأعيان: 3/ 140؛ سير أعلام النبلاء: 18/ 186.
(5)
كذا يسميها المؤلف وهي (العلل المتناهية).
(6)
هو محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر، أبو الخنافس، قال البخاري: فيه بعض النظر، وقال أبو حاتم: كوفي شيخ، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي، وقال الذهبي: له مناكير. ميزان الاعتدال: 3/ 337؛ لسان الميزان: 5/ 119.
(7)
زيادة من (د).
(8)
كذا ذكر المؤلف، ولم أجد له رواية في الصحيحين أو حتى في الكتب الستة ..
سُنته (1)، وَتابَعهُ في طِريقتهِ وَسيرتهِ المطابقة لمَا هِيَ عَليه النبي وَأصحَابه [12/ب] في ظَاهِره وِسريرَتهِ، وَيقويه قَوله تعَالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].
ويؤيّدُه مَا رَواه الدينُوري (2) عَن المدَائني (3) قَالَ: نَظَرَ عَلي بن أبي طَالب إلى قومٍ ببابه، فقال لقنبر (4):((يَا قنبر (5) من هؤلاء؟ قَالَ: هَؤلاءِ شيعَتكَ، قَالَ: وَمَا ليَّ لَا أرى فيهم سيما (6) الشيعَة؟ [قال: وما سيمى الشيعة؟](7) قال: خَمْص البُطون مِن الطوى (8)، يبسَ الشفاه من الضمأ، عش العيون مِن البكاء)) (9).
(1) في (د): (سنة).
(2)
هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، قال الخطيب: كان ثقة ديناً فاضلاً ولي قضاء الدينور وكان رأساً في اللغة والعربية والأخبار وأيام الناس، وفاته سنة 276هـ. تاريخ بغداد: 10/ 170؛ سير أعلام النبلاء: 13/ 296.
(3)
أبو صالح شعيب بن حرب المدائني، قال عنه الذهبي:((الإمام القدوة العابد شيخ الإسلام))، من رجال البخاري، وفاته سنة 197هـ. سير أعلام النبلاء: 9/ 188؛ تهذيب التهذيب: 4/ 306.
(4)
في (د): (للقنبر). وقنبر هو مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال الذهبي:((لم يثبت حديثه))، وكان في آخر عمه ينتقص من عثمان رضي الله عنه. ميزان الاعتدال: 5/ 475؛ لسان الميزان: 4/ 475.
(5)
(يا قنبر) سقطت من (د).
(6)
في (د): (بسيما).
(7)
زيادة من (د).
(8)
في (د): (الطول).
(9)
المرتضى، الأمالي: 1/ 13؛ الهندي، كنز العمال: 11/ 325.
وكأنه رضي الله عنه وَكَرّمَ وَجهُهُ أشارَ إلى تفِسير قَوله تعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] وقوله سبحانه} وتعَالى في حقِّ أهِل الصفة: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] وقوله سبحانه {(1) وتعالى في حق المنافقين: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30](2).
وَمِن اللطائف مَا وَقعَ مِن أربَابِ الظرائف، وهو: كَانَ سنياً (3) في غايَة مِن حسن الصّورة وَنور البَصِيرة، لِكنُه مُولع بالفِسقِ مِن شرب الخَمرِ وَغيرها مِن الأمُور الخطيرة، وَهَو مِن ندماء الشيعَي مِن الأمرَاء، فَذَكرَ في مَجلسِهِ بيَان أمَارَات الأتقِيَاء وَعَلامَات الأشقِيَاء، فَقالَ السَّني:((أنا مِن فسّاق أهل السّنة وَانظروا في وَجهي مِن سِيما نُور أهل الجَنة، وَأبصروا في طلعَة الحسَامي وَغاظ (4) الشيعَة وَاتقِيَائهم عَلى مَظِنتهم الشيعَة تروا عَلَيه مِن غبر (5) الظلَمة المشَاهدة، على أنه من حملة الظلَمة)).
ولعَلهُ أخَذَ هَذا المعنى اللطِيف وَالمبَنَى الظريف مِن قوله تعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ
(1) ما بين المعقوفتين} {زيادة من (د). وينظر للفائدة تفسير ابن كثير: 1/ 326.
(2)
قال القرطبي: ((ولتعرفنهم في لحن القول: أي في فحواه ومعناه)). الجامع لأحكام القرآن: 16/ 252.
(3)
في (د): (شاباً).
(4)
في (د): (وغلظ).
(5)
في (د): (غبرة).
هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس: 38 - 42].
وَقدَ ورَدَ: ((كَمَا تعِيشونَ (1) تموتون، وكَمَا تموتوِنَ تحشرونَ)) (2).
وَقد صحَ: ((أن الظاهر عنَوان البَاطِنِ)) (3).
وَهِذا أصل في بَابِ الفراسَة (4) وَكتَاب الكيَاسَة، وَقد قَالَ تعَالَى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] أي المتقين.
وَفي الحَديث: ((اتقوا فراسَة المؤمن، فإنه ينظر بنورِ الله)) (5) وَهذا قد يَكون بأمَارَات الظاهِرية، وَقد يكُون بِعلامَة بَاطِنية تتجَلى عَندَ أصحَاب نتِكشف لأربَابِ الأبصار [13/أ] والبَصِيرة (6) وَالأسرَار.
(1) في (د): (تبعثون).
(2)
لم أقف عليه.
(3)
كلام المؤلف يوهم أنه حديث، ولم أقف عليه.
(4)
الفراسة في اللغة التثبت والنظر، وفي اصطلاح الصوفية: هي مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب. التعريفات: ص 212.
(5)
الحديث أخرجه الترمذي عن أبي سعيد، السنن: 5/ 298، رقم 3127؛ البخاري، التاريخ الكبير: 7/ 354؛؛ الخطيب، تاريخ بغداد: 3/ 191؛ أبو نعيم حلية الأولياء: 10/ 281؛ الطبراني عن أبي هريرة، المعجم الأوسط: 3/ 312؛ القضاعي عن عبد الله عمرو، مسند الشهاب: 1/ 387، رقم 662؛ ابن عدي عن أبي إمامة، الكامل: 6/ 406؛ البيهقي كتاب الزهد: 2/ 159، رقم 358؛ أبو نعيم، حلية الأولياء: 6/ 118؛. والحديث (ضعيف) كما حقق ذلك الشيخ الألباني، ضعيف الجامع: رقم 127.
(6)
في (م): (البصيرة).
وَمنها مَا [روي](1) عَن جحيفَة (2) سَمعت: عَلياً عَلى المنَبر يَقول: ((هَلكَ فيّ رجُلان مُحِبٌ غالٍ،
وَمُبغضٍ غالٍ)) (3) رَوَاهُ العشاري (4) في (فضائل الصديق) وَابن أبي عَاصم (5) وَاللالكائي (6) في (السنّة).
وَفي روَاية لاِبن أبي عَاصِم عَن علي قَالَ: ((يهلك (7) فينا أهل البيَت فَريقان: مُحب مطرٍ وَباهت مفترٍ)) (8) وَالإطراء: هو المجاوزَة عَن الحَدِّ في الثنَاءِ، وَالبَاهتُ: هُوَ الذي يَأتي بِالبُهتان علَى طَريقِ الافِتراء.
وَفي رواية أخُرى لهُ عَنهُ قال: ((يحبني قَومٌ حَتى يدخلهُم حبّي النَّار، وَيبغضني
(1) زيادة من (د).
(2)
كذا ذكره المؤلف، والأصح (أبو جحيفة): وهب بن عبد الله السوائي، ويقال له وهب الخير، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، ثم كان على شرطة علي، وفاته سنة 73هـ. سير أعلام النبلاء: 3/ 202؛ الإصابة: 6/ 626.
(3)
ابن أبي عاصم، السنة: 2/ 477، رقم 987، قال الشيخ الألباني في تعليقه على الكتاب (إسناده ضعيف). وروى الحديث أيضاً الشيعة في كتبهم، فقد رواه المرتضى في نهج البلاغة: 4/ 2؛ خصائص الأئمة: ص 124.
(4)
أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العشاري، قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة صالحاً، وفاته سنة 451هـ. تاريخ بغداد: 3/ 107؛ سير أعلام النبلاء: 18/ 48.
(5)
(أبي) سقطت من (د).
(6)
في (د): (الاسكافي).
(7)
في (د): (هلك).
(8)
ابن أبى عاصم، السنة: 2/ 484، رقم 1005. قال الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الكتاب (إسناده ضعيف جداً).
قومٌ حَتى يدخِلهُم بغضي النار)) (1).
وَفي روَاية أخَرى عَنهُ - ورواية الأصبهاني (2) في (الحجة)(3) عَنهُ أيضاً - بلفظ: ((يهلكُ (4) فيّ رَجَلانِ مُحبٌّ مُفرطٌ، وَمُبغضٌ مُفرطٌ)) (5) ولا شك أن المحب الغالي هُوَ الرّافضَي، والمُبغضُ الغالي هُوَ الخَارِجي.
وَأمَّا السنّي: فَمُحبٌّ لعَليٍّ في المقام العَالي؛ لأنه في الوسِط الذِي هو القسط الذي أشَارَ إلَيهِ قَوله تعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} الآية (6)[البقرة: 143] وتحقِيقه أن خيرَ الأمُور أوسَطها، وَهَذا يجَري في الاعِتقاد، وَفي الأفعَال وَالأخلاق وَسَائر الأحَوالِ، كَمَا لَا يخفَى عَلى أربَاب الكِمال، فإن مَدَار التوحيد عَلى التوسّطِ بَيْنَ التشبيه وَالتنزيه، كَمَا في الآيَاتِ وَالأحَادِيث المتشَابهاتِ، [وكقولهم] (7):
(1) ابن أبي عاصم، السنة: 2/ 477، رقم 986؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 42/ 293. قال الشيخ الألباني في تعليقه على الكتاب الأول: (إسناده جيد). وقد روى الحديث أيضاً الشيعة في كتبهم كما عند الطوسي، الأمالي: ص 256؛ ابن شهر آشوب، المناقب: 1/ 227.
(2)
أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الأصبهاني، الحافظ الملقب بقوام السنة، أملى وصنف وتكلم في الرجال وأحوالهم، وفاته سنة 535هـ. تذكرة الحفاظ: 4/ 1278؛ طبقات الحفاظ: ص 463.
(3)
هو كتاب (الحجة في بيان المحجة). كشف الظنون: 1/ 631.
(4)
في (د): (تهلك).
(5)
ابن أبي عاصم، السنة 2/ 477، رقم 987؛ الخلال السنة: 1/ 293. قال الشيخ الألباني في تعليقه على الكتاب الأول: (إسناده ضعيف).
(6)
قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} زيادة من (د).
(7)
زيادة من (د).
لا عَينَ ولا غَير في تحقيق صفَاتِ الذاتِ كَذَا مَذهبهم (1)،
وَبَيْنَ (2) المعَطْلةِ وَالمجسّمة وَبَينَ القَدرية والجَبرية وَبَيْنَ الرفض وَالخروج.
وَكذا يعتَبر التوسط في استحِسَانِ الأخلاق كالشجاعَة، فإنهُ حَالة بَيْنَ التهوّر وَالجُبن، والسّخاوَة بَيْنَ التبذِير وَالبُخل، وَالتواضع بَيْنَ الكِبر وَالمهَانة وَنَحوها عِندَ مَن يعرف عِلم الأخلاق، وَيفرق بَيْنَ الخَسَّة وَالذميمة، وَقد قال تعَالَى في عِلم المعَاشِ:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67].
(1) هذا هو قول الماتريدية، وقد توقف المحققون من أهل السنة في ذلك، قال ابن أبي العز:((كان أئمة السنة (رحمهم الله تعالى) لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ولا أنه ليس غيره؛ لأن إطلاق لفظ الغير فيه إجمال فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل، إن أريد به أن هناك ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها، فهذا غير صحيح وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة، فهذا حق ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها)). شرح العقيدة الطحاوية: ص 129 .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فإذا قيل: الصفات مغايرة للذات لم يكن في هذا من المحذور ما في قولنا: إن صفات الله غير الله، فإن اسم الله يتناول صفاته، فإذا قيل إنها غيره فهم من ذلك أنها مباينة له، وهذا باطل؛ ولهذا كان النفاة إذا ناظروا أئمة المسلمين، كما ناظروا الإمام أحمد بن حنبل في محنته المشهورة، فقالوا له: ما تقول في القرآن وكلام الله أهو الله أم غير الله؟ عارضهم بالعلم وقال: لهم ما تقولون في علم الله أهو الله أم غير الله؟)). الجواب الصحيح: 5/ 17 - 18.
(2)
في (د): (وعين).