الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتل المُسلم وَتكفِيره، وَقد قِيل: لو كان تسعَة وتسعَونَ دَليلاً عَلى كفر أحَد، وَدليل وَاحد عَلى إسلَامه، ينبَغي للِمفتي أنْ يَعمل بذلكَ الدليل الوَاحِد؛ لأن خطأه في خلَاصِه خيرٌ مِنْ خَطئه في حَدّهِ وَقصَاصِهِ.
لا يقال كيف نسبت قول سَبّ الشيخين كفر إلى العَوام، مَع أنهُ مُذكوُر في بَعض كتب الفتَاوى لبَعض الأعلام، فإنِّا نقول: لم أرَ نقله إلَاّ مِنْ المجهُولينَ الذينَ هم في طريق التحقيق غَير مَقبُوليَن، فلَا يعتبر في بَابِ الاعِتقاد الذي مَدَاره عَلى مَا يَصِح بِهِ الاعتماد.
[حكم سب الصحابة عند الحنفية:]
والحاصل: أنه ليس (1) بمنقولٍ عَن أحدٍ مِنْ أئمتنا المتقدمين كأبي حَنِيفة وأصحابه، وَأمَّا غَيرهم فَهم رجَال وَنحنُ رجَال، فلَا نُقلد قَولهم مِنْ غَير دَليل عقلي وَنقلي، يؤتى به مِنْ طَرِيق ظنّي أو قطعي، مَع أنهُ مُخالف للأدلة القطعية والظنية المأخوذة مِنْ الكتاب وَالسنة المروية [4/ب] التي تفيد في العَقائد الدينية أو تفيد (2) في القَواعدِ الفقهية، فإن ما وَردَ فيها إمَّا ضَعِيف في سندِهِ أو مُؤول في مسَتندِهِ، لئلا يعَارض القَواعِد الشرعية، فإن القولَ بالتكفير مُعارض لمَّا نص عليه أبُو حَنِيفة في (الفِقه الأكبَر)، مُوافقٌ لمَّا عَليه جَمع المتكلِميَن مِنْ أهل القبِلة لا يكفر، وعليه الأئمة الثلاثة مِنْ مَالِك وَالشافِعي وَأحمد، وَسَائر أهل العِلم المعتَمد في المعتقد.
(1)(أنه ليس) سقطت من (د).
(2)
في (د): (تعتبر).
وَقد صرحَ العلامة (1) التفتازَاني (2) في (شرح العَقائد)(3) بأن سَب الصَحابة بدعَة وفسق (4)، وكذا
صَرح أبُو الشكور السالمي (5) في (تمهيده)(6): أنَّ سَبَّ الصَّحابة ليسَ بكفر، وَقد وَردَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم:((أن مَنْ سَب الأنبيَاء قتل، ومَنْ سَب أصحَابي جلد)) رَواهُ الطبَراني عن علي كرمَ الله وَجهَهُ (7)، رَواه أيضاً عَن ابن عَباس:((مَنْ سَبّ أصحَابي فعَلَيه لعَنةُ اللهِ وَالملائكة وَالنَّاسِ أجَمعِينَ)) (8).
(1) في الأصل (علامة) ولا تصح، وقد سقطت هذه الكلمة من (د).
(2)
هو سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، من أئمة العربية والفقه والمنطق والبيان، له مؤلفات عديدة، وفاته سنة 793هـ. الدرر الكامنة: 6/ 112؛ شذرات الذهب: 6/ 391.
(3)
المسماة (شرح العقائد النسفية). هدية العارفين: 2/ 430.
(4)
كذا ذكر المؤلف، وهذه المسألة خلافية بين الفقهاء، قال القاضي أبو يعلى:((الذي عليه الفقهاء في سبِّ الصحابة، إن كان مستحلاً لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق، ولم يكفر سواء كفرّهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم، وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة)). الصارم المسلول: 3/ 1061.
(5)
هو أبو شكور محمد بن عبد السيد بن شعيب الكشي السالمي الحنفي. كشف الظنون: 1/ 484.
(6)
هو (التمهيد في بيان التوحيد)، قال حاجي خليفة:((وهو مختصر في أصول المعرفة والتوحيد)). كشف الظنون: 1/ 484.
(7)
المعجم الصغير: 1/ 393؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 38/ 103. قال الهيثمي: ((وفيه عبيد الله بن محمد العمري، رماه النسائي بالكذب)). (مجمع الزوائد: 6/ 260، والحديث (موضوع) كما حكم عليه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: رقم 5616.
(8)
المعجم الكبير: 12/ 142، رقم 12709؛ الخلال، السنة: 3/ 515؛ ابن عدي، الكامل: 5/ 212؛ الجرجاني، تاريخ جرجان: ص 274. قال الشيخ الألباني (حديث حسن). الجامع الصحيح: رقم 6285.
ثم لا وَجه لتخصِيص الشيخَين فيما ذكر، فإن حكم الحسَنين كذلك، بَل سائر الصحَابة هنالك، كما يُستفَاد مِنْ (1) عُموم الأحَاديثِ وَخُصوصها، فَقد ورَدَ عَنه عليه الصلاة والسلام:((مَنْ سَبّ عَليَّاً فَقَد سَبني، وَمَنْ سَبني فَقَد سَبَّ الله)) رَواهُ أحَمد وَالحاكم عَن أمِّ سَلَمة (2).
بَل وَقد بالغَ صلى الله عليه وسلم وَقال: ((مَنْ سَب العَرب فأولئكَ هُم المشركونَ)) روَاهُ البيهَقي عَن عُمر رضي الله عنه (3).
إلا أنه يَجبُ حَمله على أنه أراد باللام الاستغراق، أو الجنس الشامِل للنبي الصَّلاة وَالسَّلام بالاتفاق، فَهذا تحقيق هذِهِ المَسألةَ المشكلة عَلى مَا ذكرَ في (الموَاقف)(4).
(1) في (د): (عن).
(2)
مسند الإمام أحمد: 6/ 323، رقم 26791؛ المستدرك: 3/ 130، رقم 4615؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 42/ 266. والحديث في إسناده أبو عبد الله الجدلي واسمه: عبد بن عبد، وثقه ابن حبان (تهذيب التهذيب: 12/ 165)، ورماه ابن سعد بالتشيع حيث قال: ((يستضعف في حديثه، وكان شديد التشيع)). (الطبقات: 6/ 228). ولهذا السبب قال الشيخ الألباني عن الحديث (ضعيف)، كما في ضعيف الجامع: رقم 5681.
(3)
الحديث أخرجه ابن عدي، الكامل: 6/ 379؛ العقيلي، الضعفاء: 4/ 217؛ البيهقي، شعب الإيمان: 2/ 231؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: 10/ 294. والحديث (موضوع) كما ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة مطرف بن معقل (لسان الميزان: 6/ 48). وهو الحكم نفسه الذي أطلقه الألباني على الحديث. ضعيف الجامع: 5617.
(4)
كتاب (المواقف في علم الكلام) تصنيف عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الأيجي القاضي (ت 756هـ). حيث يشير القاري إلى قول الإيجي في آخر كتابه: ((ولا نكفر أحداً من أهل القبلة، إلا بما فيه نفي للصانع والأفضلية القادر العليم أو شرك أو إنكار للنبوة، أو ما علم مجيئه ضرورة، أو لمجمع عليه كاستحلال المحرمات، وأما ما عداه فالقائل به مبتدع غير كافر)). الموقف: ص 717.
وأمَّا مَا في كتب (1) العَقائد، فمَنْ اعتقد غَير هذاَ فليَحذر (2) عقيَدته، وَليَتب عَن تعَصّبه وَحمَاقتِهِ، وَيترك حمية جاهليته، وإلَاّ فيلهث (3) غِيَظاً على حقدِهِ وحسَدِهِ وَطغيتهِ، وَيُدفن في تربة خباثته وَنجاسُته ظنيته إلى أن يتَبينَ بُطلان مَظنته في سَاعَة قيامتهِ [5/أ] {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9]، فَيظهر ضمائر وَيتمَيز الكفر مِنْ الإسلام وَالكبائر مِنْ الصغَائر.
ثم [مَنْ](4) ادعى بطلان هَذا البيان، فعَليَه أن يظهر في ميدان البَرهان، إمَّا بتقرير اللسَان هو، وَإمَّا بتحرير البَيان والله المستعان، وَالحِق يَعلو ولا يعلى إلا (5) البطلان، وَقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام:((أن الله يَبِعَث لِهَذِهِ الأمة على رأس مائة سَنة مَنْ يجدد لها دِينها)) وَرَوَاه أبو دَاود وَالحاكم وَالبيهَقي في (المَعرفة) عَن أبي هريرة (6).
فوالله العَظيم، وربَّ النبي الكَريم، أني لَو عَرفت أحَداً أعلم مِنّي بالكِتَاب وَالسّنة، مِنْ جهة مَبناها أو مِنْ طريق مَعناها (7)، لَقصَدت إلَيه ولو حبواً بالوقوف
(1) في (د) وردت العبارة: (وفي كتب العقائد).
(2)
في (د): (فليجدد).
(3)
في (د): (فليمت).
(4)
زيادة من: (د).
(5)
كذا في النسختين.
(6)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة: 4/ 109، رقم 4291؛ المستدرك: 4/ 567، رقم 8592؛ الطبراني، المعجم الأوسط: 6/ 324؛ تاريخ بغداد: 2/ 61؛ الداني، السنن الواردة في الفتن: 3/ 743. الحديث صححه الحاكم، قال العجلوني: ورجاله ثقات: (كشف الخفاء: 1/ 282). قال الشيخ الألباني: (صحيح). صحيح الجامع: رقم 1874.
(7)
في (د): (معناهما).