الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبور) (1).
ثُمَّ يتَعلق بهَذَا المبَحَث مَسَائل مهمة ودلائل متمة، تركنَاهَا مَخِافة ملالة (2) أربَاب الجهالة وَضلالَة العَامة، وَإن كَانَ الله سُبحَانهُ أختار لنا الطريقة الملَائمة (3)، فطَائفَة الأزبكية وجهلَة مَا ورَاء النهرية، ينسبُونَ أهل خرَاسَان إلى الروافض وَهُمْ بَريئونَ مِنهُم، وَجماعَة القلزبَاشية (4) وَالعراقية الاوبَاشية ينسبُونهم إلى الخوَارِج، وهم مُنزهونَ عَنهم.
من كمل من العلماء ابتلي بأربع:
وقد قيلَ مَن كَملَ مِن العُلمَاء ابتنى بأربَعةِ مِنْ الأشيَاء: ((شماتة الأعداء وملامة (5) الأصدِقاء وطَعن الجُهَلاء وَحسدَ العُلماء)) (6)، لِكنني أقول كَمَا قَالَ وَكيع (7) مِن قول بَديعِ (8) الشعرِ:
إن يحسدُوني فإني غَير لائمهم
…
قبلي مِنْ الناسِ أهل الفَضل قَد حسدوا
فَدَامَ لي وَلهم مَا بي وَمَا بهم
…
وَمَات أكثرنا غيظاً لما وجدُوا (9)
(1) والمطبوع يحمل اسم: (شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور).
(2)
في (د): (ملامة).
(3)
في (د): (الإسلامية).
(4)
في (د): (القزلباشية).
(5)
في (م): (سلامة).
(6)
مقولة أوردها أيضاً العراقي، المستخرج على المستدرك: ص 21.
(7)
أبو سفيان وكبع بن الجراح بن مليح الرواسي الكوفي، الحافظ الثبت محدث العراق وأحد الأعلام، وفاته سنة 196هـ. تذكرة الحفاظ: 1/ 309؛ تهذيب التهذيب: 11/ 109.
(8)
في (د): (البديع).
(9)
البيت ينسب لبشار بن برد، ديوانه: ص 397. ونسبه الخطيب لأبي حنيفة. تاريخ بغداد: 13/ 368.
وَقَالَ الله تعَالَى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 199] وَقالَ تعَالَى عز وجل: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:15].
وَلقد أحسَن محمد بن الحسَن في قَول أبي (1) الحَسَن شعر [16/أ]:
لم (2) يحسدُوا (3) شر النَّاس مَنزلة
…
مَنْ عَاشَ في النَّاس يَومَاً غَير مَحسود (4)
قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54].
وللهِ دَر قائله:
مَا يضر البَحرَ أمسَى زَاخِراً
…
إن رَمى فيهِ غَلامٌ بِحَجَر (5)
وَقد عَرف فانصف (6) أن مَن صنّفَ فَقد استهدف، فأيُّ كلامٍ أفصح مِن كلام رَبِّ العالمين وَقد قالوا:{أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25].
(1)(أبي) سقطت من (د).
(2)
في (د): (هم).
(3)
في (د): (يحسدوني).
(4)
تاريخ بغداد: 13/ 364.
(5)
البيت ينسب للأخطل، ديوانه: ص 472.
(6)
في (م): (الصف).
وَقد قَالَ زَين العَابِدين (1) رضي الله عنه وَعن آبَائه أجمَعِين:
يا رُبَّ جَوهَرِ عِلمٍ لَو أبوحُ بهِ
…
لَقِيلَ لي أنتَ مِمَّن يَعبدُ الوَثَنا
وَلاسَتَحَلَّ رجالٌ مُسلمونَ دَمي
…
يَرونَ أقبَحَ مَا يَأتونَهُ حَسَنا (2)
ثُمَّ مَا يَجبُ عَلينا التنبيه مما ثبتَ لدينا، وهو أنه قَد علم مِمَّا (3) قَدّمنا أنه لم يثبت الكفر إلا بالأدلة القطعية، وَإذا جوزَ عُلماؤنا الحنفية قتلَ الرافضِي بالشُروطِ الشرعية، عَلى طريق السَياسَية العرفيّة (4)، فَلَا يجوز إحرَاقه (5) بالنار وَنحوه مِن أنواع القتل الشنيعة (6)، بَل يقتل بالسّيف وَنحَوه مِن آلات الموت (7) السّريعَة، بقولِ (8) صَاحِب الشريعَة: ((إذَا قتلتم فاحسنوا
(1) هو علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زين العابدين أبو الحسين الهاشمي المدني حضر كربلاء مريضاً فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا، وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى عبد الملك، وهو الإمام الرابع عند الإمامية، وكان يسمى زين العابدين، مات في ربيع الأول سنة 94هـ. طبقات ابن سعد: 5/ 211؛ تذكرة الحفاظ: 1/ 74؛ تهذيب التهذيب: 7/ 268.
(2)
البيت نسبه الخطيب لعمرو بن كلثوم كما في تاريخ بغداد: 12/ 489، ولم أجده في ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي، وقد نسبه ابن أبي الحديد للحلاج كما في شرح نهج البلاغة: 11/ 222. وربما أخذ القاري نسب هذا البيت إلى علي بن الحسين من الشيعة الذين نسبوه إليه. ينظر: الأميني، الغدير: 7/ 36.
(3)
في (د): (من).
(4)
في (م): (العرضية).
(5)
في (د): (إحراق).
(6)
في (م): (الشيعة).
(7)
(الموت) زيادة من (د).
(8)
في (د): (لقول).
القتلة)) (1) وَلِقَولهِ عَليه أفضل (2) الصّلاةِ وَالسّلامِ: ((لَا تعذبُوا عَذابَ (3) اللهِ)) (4).
ثُمَّ الرجم مختَصّ بالزاني المحصن لا سِواهُ، فَقدَ وَرَدَ:((من بدل دينه فاقتلوه)) (5) وَلم يقل فارجموه، بل اللائق به أنه يستتاب، وإن ظهرَ شبهة يؤتى لهُ بِالجوَاب لِيظهر لِهُ وَجه الصوَاب.
فعن (الخلاصة)(6): ((الجَاهِل إذَا تكلم بكلمة الكفر وَلم يدرِ أنها كفر، قَالَ بَعضُهم: لَا يكُون كفراً وَيعذر بالجهل، وَقَالَ بَعضُهم: يَصير كافِراً، ثُمَّ قَالَ: وَإذَا كانَ في المسألة وَجُوه يوجبُ التكَفِير، وَوَجه وَاحد يمنع فعلى المفتي أن يمَيل إلى ذلك الوجه)) (7)، انتهى.
(1) الحديث أخرجه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه، الصحيح، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل: 3/ 1548، رقم 1955؛ الترمذي، السنن، كتاب الديات، باب النهي عن المثلة: 4/ 23، رقم 1409، أبو داود، السنن، كتاب الضحايا، باب في النهي أن تصبر البهائم: 3/ 100، رقم 2815؛ ابن ماجة، السنن، كتاب الذبائح، باب إذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة: 5/ 278، رقم 3170.
(2)
(أفضل) سقطت من (د).
(3)
في (د): (بعذاب).
(4)
هو جزء من حديث ابن عباس وقد تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
هي (خلاصة الفتاوى) في الفقه الحنفي: تصنيف افتخار الدين طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد بن الحسين البخاري الحنفي، وفاته سنة 542هـ. هدية العارفين: 1/ 430.
(7)
نقلها عنه ابن أبي اليمن الحنفي في لسان الحكام: ص 414. وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو قول طائفة من الحنفية، وذهب جمهور العلماء إلى القول الأول بأن الجاهل إذا نطق بالكفر كفر، قال الخطيب الشربيني: ((كفر من نسب الأمة إلى الضلال أو الصحابة إلى الكفر، أو أنكر إعجاز القرآن شيئا منه، أو أنكر الدلالة على الله في خلق السماوات والأرض، بأن قال ليس في خلقهما دلالة عليه تعالى
…
أو قال: الأئمة أفضل من الأنبياء - هذا إن علم معنى ما قاله - لا إن جهل ذلك لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين فلا يكفر لعذره)) (مغني المحتاج: 4/ 136) واستثنى ابن القيم من ذلك: ((الجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم لم يكفر)). إعلام الموقعين: 3/ 95.