الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ أَنْ يُطْعِمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَإِنَّ أَطْعَمَ عَشْرَةً وَكَسَاهُمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْطَى عَشْرَةً مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ أَطْعَمَ عَشْرَةً ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينٍ أُخْرَى جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْكَفَّارَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. انْتَهَى نَقْلُهُ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلَيْهِ يَمِينَانِ فَأَطْعَمَ عَنْ وَاحِدَةٍ مَسَاكِينَ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِهِ الْأُخْرَى مَكَانَهُ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ فَلْيَطْلُبْ سِوَاهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ النِّيَّةُ فِي الْكَفَّارَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَخَلَصَتْ كُلُّ كَفَّارَةٍ مِنْ الْأُخْرَى لَجَازَ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَأَجَازَ السُّيُورِيُّ أَنْ يُعْطِيَ مِائَةَ مُدٍّ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ عَنْ عَشْرَةِ أَيْمَانٍ، وَأَنْ يُعْطِيَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ أَلْفَ مُدٍّ عَنْ مِائَةِ كَفَّارَةٍ، مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَمِينٍ، وَالْكُلُّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَطْعَمَ مَسَاكِينَ عَنْ أَحَدِ كَفَّارَتَيْهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْطِيَهُمْ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ الْأُخْرَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا وَإِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينٍ وَالْأُخْرَى عَنْ ظِهَارٍ وَغَيْرِهِ.
[بَاب فِيمَا يَقْتَضِي الْبَرّ وَالْحِنْث]
(وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ وَوَجَبَتْ بِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَهَاهُنَا هُوَ مَوْضِعُ تَبْيِينِ يَمِينِ الْبِرِّ وَيَمِينِ الْحِنْثِ، وَهَاهُنَا ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْحِنْثُ وَفِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ طُرُقٌ. ثُمَّ قَالَ: فَالْأَقْوَالُ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ خَمْسَةٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ: إنْ فَعَلَ أَجْزَأَ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُجْزِئُهُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لَا بِطَلَاقٍ وَلَا بِمَشْيٍ وَلَا بِصَدَقَةٍ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ آلَى بِعِتْقٍ فَهَمَّ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الْحِنْثِ إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. وَيَجْرِي عَلَى هَذَا الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آخِرَ طَلْقَةٍ وَالصَّدَقَةُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَأَمَّا فِي يَمِينِهِ لَا أَفْعَلُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَوْ لَأُكَلِّمَنَّهُ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ انْتَهَى. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ، إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ.
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلْيُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً، وَيَرْتَجِعُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا صَبَرَ إلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ حَلَفَ بِالظِّهَارِ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ وَيَبَرَّ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّلَاقَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا وَيَبَرُّ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ. لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ
حَتَّى يَفْعَلَ عَلَى مَا فِي النُّذُورِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَقْتُلَ فُلَانًا وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا لَمْ يَبَرَّ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَفِي التَّفْرِيعِ: لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَحْدَهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا كَفَّارَةَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَفَّرَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَبْلَ الْحِنْثِ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَنْ لَا يَطَأَ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الْوَطْءِ إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْأَحْكَامِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ.
(إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ أَنْ قَدَرَ أَنْ يَخْرُجَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ وَاقِفًا عَلَى دَابَّتِهِ بِقُرْبِ الدَّارِ فَنَفَرَتْ بِشَيْءٍ فَاقْتَحَمَتْ بِهِ فَدَخَلَتْهَا، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ رَأْسَهَا أَوْ يُثْنِيَ رِجْلَهُ فَيَنْزِلَ أَوْ يَتَرَامَى مِنْ غَيْرِ عَنَتٍ يُصِيبُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَكْرَهَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَأَخَافُ إنَّ إكْرَاهَهُ لَهَا رِضًا بِالْحِنْثِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَأُكْرِهَ عَلَى أَكْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْإِكْرَاهُ يَرْفَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَيَرْفَعُ الْحِنْثَ إنْ انْعَقَدَتْ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ بِالْإِكْرَاهِ فِي لَا أَفْعَلُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَأَفْعَلَنَّ الْمَشْهُورُ حِنْثُهُ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَحْنَثُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ فَغُلِبَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ.
قَالَ التُّونِسِيُّ: وَحَنَّثَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي غُلِبَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ مَعَ بَقَاءِ يَمِينِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَتْ الدَّوَابُّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: لَأَرْكَبَنَّ هَذِهِ الدَّوَابَّ غَدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَاَلَّذِي حَلَفَ عَلَى الْحَمَامِ لَيَذْبَحَنَّهَا فَبَادَرَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ طَارَتْ الْحَمَامُ لَجَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ.
وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَأَخْرَجَهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَرَبِّ الدَّارِ أَوْ سَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ خَوْفٍ، لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَيَمِينُهُ حَيْثُ انْتَقَلَ بَاقِيَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا وَأَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي لَا أَفْعَلُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ
أَخْرَجَهَا قَاضٍ لِتَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ قَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ أُكْرِهُ وَلَوْ بِكَتَقْدِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ ".
(وَفِي عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ بَتُّ مَنْ يَمْلِكُهُ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِهِ وَمَشْيٌ لِحَجٍّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي أَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ أَنْ أَخْرَجَ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَلَا إثْمَ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى الْحِنْثِ فِيهَا فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِنِسَائِهِ وَالْعِتْقُ لِرَقِيقِهِ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِي إلَى الْكَعْبَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ (وَكَفَّارَةٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
(وَزِيدَ فِي الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي مِنْ صَوْمِ سَنَةٍ إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ وَفِي لُزُومِ شَهْرَيْ ظِهَارٍ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ اضْطِرَابٌ. الْأَبْهَرِيُّ وَأَبُو عُمَرَ: لَا شَيْءَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ.
وَعَنْهُ أَيْضًا: كَفَّارَةُ يَمِينٍ. الطُّرْطُوشِيُّ: ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَنْوِي فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا صُدِّقَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْتِيًا. الْبَاجِيُّ:
تَقْرِيرُ مَا تَحَقَّقَ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ مِنْ أَقْوَالِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يُنَوَّى، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ أَنْوِ إلَّا طَلْقَةً صُدِّقَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي بَدْوِيٍّ حَلَفَ بِاللَّازِمَةِ: إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا فِي امْرَأَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ سَائِرُ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْبَاجِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلَّخْمِيِّ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إنَّمَا خُرِّجَتْ عَلَى سَبْقِ اللِّسَانِ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْقَصْرِ عَلَى أَحَدِهَا وَكَانَ مِمَّا يَنْوِي، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْضُرْهُ، لَكِنْ اخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ فِي التَّعْمِيمِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقْصِدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ الْأَيْمَانِ أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ مَا يَمْلِكُ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ. وَمَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِصَوْمِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ مِنْ الْأَيْمَانِ الظِّهَارَ وَفِي هَذِهِ نَظَرٌ. ابْنُ زَرْقُونٍ: صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
(وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَغْوٌ) اُنْظُرْ أَنْتَ عَلَى مَا تَحْمِلُ قَوْلَهُ: " وَالْأَمَةُ ". ابْنُ عَرَفَةَ: تَحْرِيمُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ سَاقِطٌ. ابْنُ وَهْبٍ: وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ وَلَدِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَوَاللَّهِ لَا أَمَسُّكِ» فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِتَحْرِيمِهِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: عَاتَبَهُ اللَّهُ فِي التَّحْرِيمِ وَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْحَرَامُ يَمِينًا فِي شَيْءٍ لَا فِي أُمِّ وَلَدٍ إنْ حَرَّمَهَا وَلَا فِي عَبْدٍ وَلَا فِي خَادِمٍ وَلَا فِي طَعَامٍ وَلَا فِي شَرَابٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَ امْرَأَتَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ.
(وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ) .
ابْنُ عَرَفَةَ: حِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا وَلِذَا لَا يَتَعَدَّدُ مَا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِتَكَرُّرِ مُوجِبِهِ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ إنْ خَرَجَتْ إلَى أَهْلِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ لَمْ يَضْرِبْهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً فَضَرَبَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ مِرَارًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ ضَرَبَهَا فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ حَنِثَ مَرَّةً لَسَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ وَلَيْسَ يَبَرُّ أَحَدٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ، ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهَا يَمِينٌ حَنِثَ فِيهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّمَا خَرَجَتْ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. الْكَافِي إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ طَلَاقُهَا، فَإِنْ عَادَ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا.
(كَعَدِمِ تَرْكِ الْوِتْرِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ إنْ نَامَ حَتَّى يُوتِرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ دِينَارٌ فَنَامَ لَيْلَةً قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ فَلَزِمَهُ صَدَقَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ نَامَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً - وَمَا أَرَاهُ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمَا إنَّمَا عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَمَاعُ أَشْهَبَ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ إنْ أَبَقَ، وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ بَاتَ عَنْهَا، وَسَمَاعُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ إنْ خَرَجَتْ. وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِصِفَةٍ هَلْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَرُدُّ هَذَا بِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْوِتْرِ قَدْ عَلَّلَهُ مَالِكٌ بِتَقَرُّرِ الْعُرْفِ تَكْرِيرَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ شَرْطِهِ، وَمَحْمَلُ السَّمَاعَاتِ عَلَى عَدَمِ تَقْرِيرِهِ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ مِنْ هَذَا بِوَجْهٍ.
(أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْبَوَاقِيَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُنَّ أَوْ كُلَّهُنَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَفَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَشْيَاءِ.
وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَعَلَيْهِ هُنَا لِكُلِّ صِنْفٍ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ بِاَللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ. وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ رَدَّدَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَفِي مَجَالِسَ ثُمَّ حَنِثَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ ذَلِكَ، نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةَ غَيْرَ
الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ غَيْرِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ كَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ كَفَّارَاتٍ، سَوَاءٌ قَالَ فِي نِيَّتِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَمْ لَا.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ كَأَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُ نُذُورٍ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنَّذْرِ الْأَخِيرِ النَّذْرَ الْأَوَّلَ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ كَلَّمْته فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ كَلَّمَهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْقَةَ الْأُولَى غَيْرُ الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْأَوَّلُ غَيْرُ الثَّانِي فَلِذَلِكَ لَزِمَاهُ جَمِيعًا، وَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوَّلًا هُوَ الْمَحْلُوفُ بِهَا آخِرًا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
(أَوْ قَالَ لَا وَلَا) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ لَا بَاعَ سِلْعَتَهُ هَذِهِ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ آخَرُ: وَأَنَا فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَا أَنْتَ فَبَاعَهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الطَّلَاقِ طَلْقَتَانِ. وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهَا أَيْضًا مِنْ الثَّانِي فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ.
وَقَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَا بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا مِنْ فُلَانٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِيهِ، بَاعَهَا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ رَدَّهُمَا عَلَيْهِ فَبَاعَهَا أَيْضًا مِنْ الْآخَرِ فَهُوَ سَوَاءٌ انْتَهَى. فَانْظُرْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَا وَأَمَّا لَا وَلَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
(أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْنَثَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلُ كَذَا فَقِيلَ لَهُ: إنَّك سَتَحْنَثُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْنَثُ ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَتَانِ (أَوْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِاتِّفَاقٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: ظَاهِرُ سَمَاعِ عِيسَى فِي الْحَالِفِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا.
(أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مُوجِبَاتِ الْحِنْثِ تَتَعَدَّدُ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَالْعُرْفِ قَالَ: فَاللَّفْظُ " كُلَّمَا وَ " مَهْمَا "، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِثْلُ " كُلَّمَا "
وَ " مَهْمَا "، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ الْحِنْثُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ إلَّا إذَا أَتَى بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ:" كُلَّمَا " أَوْ يَقْصِدُ التَّكْرَارَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْوِتْرِ.
(لَا مَتَى مَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك أَبَدًا أَوْ " إذَا مَا " أَوْ " مَتَى مَا " حَنِثَ مَرَّةً فَقَطْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِمَتَى مَا كُلَّمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: " إنْ " وَ " إذَا " وَ " أَبَدًا " بَعِيدَةٌ فِي التَّكْرَارِ فَلَا يَثْبُتُ التَّكْرَارُ فِيهَا إلَّا بِنِيَّةٍ. " وَمَتَى مَا " قَرِيبَةٌ مِنْ " كُلَّمَا ". اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ طَالِقٌ أَبَدًا طَلْقَةً ".
(وَوَاللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ) مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَإِنْ قَصَدَهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ رَدَّدَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجَالِسَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ حَنِثَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ (وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِالْقُرْآنِ ".
(وَلَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ غَدًا) . ابْنُ يُونُسَ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ، فَإِنْ كَلَّمَهُ غَدًا لَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ، ثُمَّ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُكَلِّمْهُ غَدًا وَكَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا فَكَلَّمَهُ فِي غَدٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَرَّرَ الْيَمِينَ فِي كَلَامِهِ فِي غَدٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَرَّرَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَتَعَقَّبْ هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ طُولٌ اُنْظُرْهُمَا أَنْتَ.
(وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ
الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ فِي اللَّهِ وَغَيْرِهَا
كَطَلَاقٍ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا
كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ كَتَوْكِيلِهِ فِي لَا يَبِيعُهُ وَلَا
يَضْرِبُهُ إلَّا لِمُرَافَعَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَطْ وَاسْتَحْلَفَ مُطْلَقًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ لَا إرَادَةِ
مَيِّتَةٍ وَكَذِبٍ فِي طَالِقٍ وَحُرَّةٍ أَوْ حَرَامٍ وَإِنْ بِفَتْوَى) .
ابْنُ عَرَفَةَ: النِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ خَالَفَتْهُ بِأَشَدَّ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَطُرُقٌ. التَّلْقِينُ: يُعْتَبَرُ فِي الْيَمِينِ النِّيَّةُ وَيُعْمَلُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ اللَّفْظُ بِهَا، كَانَتْ مُطَابِقَةً لَهُ أَوْ زَائِدَةً فِيهِ أَوْ نَاقِصَةً عَنْهُ بِتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ أَوْ تَخْصِيصِ عَامِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ تَوَافَقَ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ اسْتَوَى حُكْمُ مَا يَقْضِي بِهِ وَمَا لَا يَقْضِي بِهِ وَإِنْ خَالَفَ اللَّفْظُ مُقْتَضَى النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى بِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ النِّيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَإِنْ حَضَرَتْهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَكِنْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ حَضَرَتْهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ النِّيَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا مَا لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ نِكَاحِهَا فَتَبِينُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي فَيُصَدَّقُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي يُعَاتِبُ زَوْجَتَهُ فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ أَهْلِي أَحَدٌ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا، فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ.
ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْقَابِسِيِّ فِي الَّذِي يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ فَيَقُولُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. الْوَجْهُ الْآخَرُ مَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْبِيدًا ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت شَهْرًا أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرَ يَمِينًا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَادَّعَى مَا يَقْطَعُ التَّأْبِيدَ فَيُصَدَّقُ فِي الْفُتْيَا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا وَقَالَ نَوَيْت سَمْنَ ضَأْنٍ، أَوْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ فِي جَارِيَةٍ لَهُ إنْ كَانَ وَطِئَهَا وَهُوَ يُرِيدُ بِقَدَمِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي هَذَا، وَشِبْهُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَاجَعْتُك فَأَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَقَدْ
خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت مَا كَانَتْ فِي عَدَمِهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ لِمَ أُدِينُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ دَيَّنْته. وَقِيلَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا بِلَا مُخَاصَمَةٍ وَلَا مُرَافَعَةٍ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْمُرَافَعَةُ فَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ يَمِينِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِقْرَارُهُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْإِقْرَارِ مُدَّعٍ فِيمَا يَطْرَحُهُ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: حِكْمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ جَارِيَةٌ وَزَوْجَةٌ يُسَمَّيَانِ كَذَلِكَ وَقَالَ: نَوَيْت جَارِيَتِي فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ فَلَا تَنْفَعُهُ وَأَكْثَرُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
الْوَجْهُ الْآخَرُ مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ فِي قَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ أَوْ شَرْطٍ أَوْ لِتَأْخِيرِ أَجَلٍ دُيِّنَ، فَمَا كَانَ يَقْضِي فِيهِ السُّلْطَانُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ، وَمَا كَانَ لَا يَقْضِي بِهِ كَيَمِينٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِمَشْيٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيُدَيَّنُ فِي نِيَّتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ. انْتَهَى بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، رُمْتُ بِذَلِكَ مُسَايَرَةَ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ لَكِنْ لَمْ يَتَّجِهْ مَا رُمْتُهُ فَانْظُرْهُ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: اخْتِصَارُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى تَوْثِقَةٍ أَوْ تَأْخِيرِ رَبِّهِ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ طَوْعًا فِي أَمْرٍ كُذِّبَ فِيهِ فَيَقُولُ: نَوَيْت امْرَأَتِي أَوْ جَارِيَتِي الْمَيِّتَةَ، فَهَذَا لَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي قَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا.
وَاخْتُلِفَ هَلْ تَنْفَعُهُ الْمُحَاشَاةُ فِي يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ؟ وَالثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا وَقَالَ: نَوَيْت شَهْرًا أَوْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَيَقُولُ: نَوَيْت سَمْنَ ضَأْنٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَالَ: نَوَيْت شَيْئًا، فَهَذَا الَّذِي تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا فِي الْقَضَاءِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا فَيُفَارِقُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُ فَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي أَوْ يُعَاتِبُ زَوْجَتَهُ فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا إلَيْهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّوْكِيلِ فِي لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ فَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لَا أَفْعَلُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ ".
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ حَانِثٌ وَلَمْ يَنْوِهِ فِي الْكِتَابِ بِخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِنَفْسِي صُدِّقَ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَانْظُرْ هُنَا مَسَائِلَ:
مَسْأَلَةٌ أَوْلَى: اُسْتُحْلِفَ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّةٌ.
مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ: اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَشْيٍ وَنَحْوِهِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدِينُ.
مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ: طَاعَ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى ذَلِكَ. تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ: مَنْ قَالَ: حِكْمَةُ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ أَنَّ لَهُ نِيَّتَهُ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى وَثِيقَةٍ.
مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ: طَاعَ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ أَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ مُطْلَقًا.
مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ: اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ حَقٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ. مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ: اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ حَقٍّ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ طَرِيقَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ: فِيمَا يَقْطَعُ بِهِ حَقَّ غَيْرِهِ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ إجْمَاعًا مَعَ إثْمِهِ وَفِي غَيْرِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فِي حَقٍّ عَلَى الْحَالِفِ وَأَحْلَفَهُ الطَّالِبُ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِظَاهِرِ يَمِينِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْ أَنَّهُ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إذَا
لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، هَلْ ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ أَوْ إلَى نِيَّةِ الطَّالِبِ؟ رَاجِعْهُ فِي بَابِ لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْغَمُوسِ، وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ لَا يُصَدَّقُ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ مُخْلِصٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَجُلٍ اُبْتُلِيَ بِالْغَيْرَةِ فَحَلَفَ لِزَوْجَتِهِ فِي جَارِيَةٍ لَا يَطَؤُهَا وَهُوَ يَنْوِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَسُوقُ إلَى غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اللُّغْزُ اعْتِذَارًا أَوْ تَطْيِيبًا لِلنَّفْسِ لَا فِي حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَنَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا حَقَّ لِامْرَأَتِهِ فِي تَرْكِ وَطْءِ أَمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ فِيهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا السَّمَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِلُغْزٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ لِلسُّلْطَانِ طَائِعًا فَيَقُولُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَةً كَانَتْ لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: امْرَأَتُك طَالِقٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَكَذَا قَالَ: نَعَمْ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْت فَعَلْت وَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ إلَّا كَذَا وَكَذَا الَّذِي اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَأَيْته يَرَى إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ
الْمَحْلُوفُ لَهُ وَهَذَا نَصٌّ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى.
وَانْظُرْ فِي رَسْمِ يَشْتَرِي إذَا قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا ثُمَّ كَلَّمَهُ وَقَالَ: كُنْت كَاذِبًا فِي قَوْلِي حَلَفْت، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إذَا كَلَّمْت الْيَوْمَ فُلَانًا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا كَلَّمَهُ وَأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فَإِنَّهُ يَدِينُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزُّورِ.
(ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْبِسَاطُ سَبَبُ الْيَمِينِ. التَّلْقِينُ: إنْ عَدِمَ الْحَالِفُ تَحْصِيلَ النِّيَّةِ نُظِرَ إلَى السَّبَبِ الْمُثِيرِ لِلْيَمِينِ لِتُعْرَفَ مِنْهُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ ابْنَةَ ابْنِ تَشْفِينَ حَلَفَتْ بِصَوْمٍ وَبِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا الْأَمِيرُ إلَى دَارِ الْإِمَارَةِ أَبَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَمِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: تَرْجِعُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهَا لِأَنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهَا إنَّمَا كَرِهَتْ الرُّجُوعَ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا.
قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَتَقَلَّدُهُ قَالَ: لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُحْمَلُ عَلَى بِسَاطِهَا كَرِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الَّذِي حَلَفَ لِلنَّقِيبِ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الْبَيْتِ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ كَانَتْ عَلَى حَاضِرَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي وَجَدَ الزِّحَامَ عَلَى الْمَجْزَرَةِ فَحَلَفَ لَا يَشْتَرِي اللَّيْلَةَ عَشَاءً فَوَجَدَ لَحْمًا دُونَ زِحَامٍ فَاشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ.
انْتَهَى مِنْ نَوَازِلِهِ. وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يَنْبَغِي صَرْفُ اللَّفْظِ إلَى مَعْنَى مَخَارِجِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْأُمُورُ، أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] وَقَالَ أَيْضًا: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] هَذَا نَهْيٌ وَالْآخَرُ أَمْرٌ. وَانْظُرْ بَسْطَ هَذَا أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي صَاحِبِ حَقٍّ ضَاعَ لَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ فِي مَوْضِعٍ وَمَا هُوَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُحَنِّثْهُ سَحْنُونَ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْبِسَاطِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
(ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ ثُمَّ مَقْصِدٌ لُغَوِيٌّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْأَشْهَرُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ أَنْ
يُرَاعِيَ بِسَاطَ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِيَمِينِهِ بِسَاطٌ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مَقْصِدٌ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا يُوجِبُهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى أَظْهَرْ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الِاحْتِمَالِ أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمُجْتَهِدِ تَتَعَارَضُ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قِيلَ: إنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَثْقَلِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَخَفِّ. فَكَذَلِكَ هَذَا يَأْخُذُ بِالْبِرِّ عَلَى قَوْلٍ. وَوَجْهُهُ بِالطَّلَاقِ يَتَيَقَّنُ الْعِصْمَةَ وَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَيَأْخُذُ بِالْحِنْثِ عَلَى قَوْلٍ، وَوَجْهُهُ الِاحْتِيَاطُ وَيَأْخُذُ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلٍ. وَوَجْهٌ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِالْحُكْمِ مَمْنُوعًا مِنْ التَّقْلِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ كَانَ اسْتِوَاءُ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ دَلِيلًا عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا يُخَيَّرُ الْمُكَفِّرُ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ، وَكَمَا يُخَيَّرُ وَاطِئُ الْأُخْتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَاكَ كَثِيرًا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَالِفِ عَلَى يَقِينِهِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ أَوْ بِمَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَتَى
مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِيَمِينِهِ.
(ثُمَّ شَرْعِيٌّ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا ابْنُ رُشْدٍ. وَاَلَّذِي لِابْنِ بَشِيرٍ: إنْ فَقَدَ الْبِسَاطَ وَالنِّيَّةَ فَهَلْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ لُغَةً أَوْ مُقْتَضَاهُ عُرْفًا أَوْ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالِ سَيَأْتِي قَوْلُهُ: " وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ ". وَانْظُرْ مَسْأَلَةً وَقَعَتْ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مَنْ حَلَفَ لَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ إذَا رَجَعَ بَعْدَمَا أَفَادَ نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ بَرَّ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: دَلِيلُهُ حَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَتُرَدَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ» فَهُوَ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غَنِيٍّ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عُمَرَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمَنْ قَالَ مَالِكُ النِّصَابِ غَنِيٌّ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَالِكُ نِصَابٍ ".
(وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلْنَذْكُرْ الْفُرُوعَ تَأْنِيسًا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَالْبِسَاطِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَبِيبِهِ: أُمُّك طَالِقٌ لَإِنْ جِئْتنِي إلَى بَيْتِي بِخُبْزٍ لَأَطْرَحَنَّهُ بِالْخَرِبَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْغُلَامُ وَمَعَهُ خُبْزٌ فَصَاحَتْ لَهُ أُمُّهُ فَخَرَجَ بِالْخُبْزِ فَقَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُبْزَ فَتَوَانَى فَأُرَاهُ حَانِثًا، وَإِنْ كَانَ فَاتَهُ هَرَبًا وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَلَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى فَاتَ فَوَاتًا لَا يُمْكِنُهُ الْبِرُّ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، كَمَسْأَلَةِ الْحَمَّامَاتِ مِنْ نُذُورِ الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ ".
(وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) لِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَنِثَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَعَلَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ مِنْهُ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَهُ قَدْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَبْلَ يَمِينِهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ.
قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ بَاعَ مِلْكًا فَضَادَّهُ الْمُشْتَرِي فَحَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ
فَقَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْبَيْعِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ بَعْدُ وَالْبَيْعُ قَدْ مَضَى.
قَالَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ: عَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ فُتْيَا ابْنِ الْبَرَاءِ لِمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَوْضَعَهُ الْمُشْتَرِي فَحَلَفَ الْبَائِعُ بِالطَّلَاقِ لَا بَاعَهُ مِنْهُ فَأَجَابَ الثَّوْبُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا حِنْثَ عَلَى الْبَائِعِ. اُنْظُرْ آخِرَ تَرْجَمَةٍ مِنْ النُّذُورِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
(أَوْ سَرِقَةٍ لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ لَيَرْكَبَنَّ دَابَّتَهُ غَدًا فَهَلَكَتْ قَبْلَ غَدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى بِرٍّ بِالتَّأْجِيلِ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا أَوْ لَيَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ فِي غَدٍ فَسُرِقَ ذَلِكَ قَبْلَ غَدٍ حَنِثَ إذْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فِي غَدٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إلَّا أَنْ يُسْرَقَا أَوْ لَا أَجِدُهُمَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ حَمَامَةً لِيَتِيمِهِ وَهُوَ يَظُنُّهَا حَيَّةً ثُمَّ قَامَ مَكَانَهُ فَأَلْفَاهَا مَيِّتَةً فَلَمْ يَبْقَ عَالِمٌ بِالْمَدِينَةِ إلَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ وَأَنَّ وَجْهَ يَمِينِهِ إنْ أَدْرَكَهَا حَيَّةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالسَّرِقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ إذَا تَمَّ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ مَيِّتَانِ اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ
فِيهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَفِي السَّرِقَةِ لَوْ أَمْكَنَهُ السَّارِقُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ أَمْكَنَهُ هُوَ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَكَوْنُهَا عِنْدَ السَّارِقِ أَمْرٌ لَا يُعْذَرُ بِهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ لَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْغَلَبَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْحَمَامَاتِ إنَّمَا لَمْ يُحَنِّثْهُ فِيهَا لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا مُسْتَحِيلٌ وَنَاقَضَ. سَحْنُونَ: مَسْأَلَةَ الْحَمَامَاتِ بِمَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَيَبِيعَنَّ أَمَةً فَبَاعَهَا فَأُلْفِيَتْ حَامِلًا مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا وَجَدَهَا حَامِلًا كَمَسْأَلَةِ الْحَمَامَاتِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لِافْتِرَاقِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَةَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَطْؤُهَا لَوْلَا مَنْعُ الشَّرْعِ فَصَارَ مَنْعُ الشَّرْعِ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ كَمَنْعِ آدَمِيٍّ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَالسَّرِقَةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ الْغَلَبَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَحْوُ هَذَا لِأَبِي عِمْرَانَ لِأَنَّ إخْفَاءَ السَّارِقِ لَهُ كَمَنْعِ غَاصِبٍ مِنْ رُكُوبِهَا أَوْ مُسْتَحِقٍّ اسْتَحَقَّهَا أَوْ رُبِطَ أَوْ سُجِنَ حَتَّى فَاتَ الْأَجَلُ.
وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَيَأْخُذَنَّ حَقَّهُ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَوْمَ فَمَطَلَهُ أَوْ الدَّابَّةُ حَتَّى انْقَضَى الْيَوْمُ أَوْ مَرِضَ أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ دَارَ نَفْسِهِ فَحُبِسَ عَنْ دُخُولِهَا. وَخَرَّجَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَمَامَاتِ مَنْ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ لِزَوْجِهَا طَعَامًا حَتَّى يَقْدَمَ وَلَدُهَا الْغَائِبُ فَتُوُفِّيَ الْوَلَدُ قَبْلَ قُدُومِهِ قَالَ: وَسَوَاءٌ تَأَخَّرَ قُدُومُهُ عَلَى عَادَةٍ أَمْ لَا خِلَافًا لِابْنِ الْبَرَاءِ.
(وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) اُنْظُرْ الْمَدْرَكَ السَّادِسَ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَانْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: " وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ ". وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَا كَفَّرَ حَتَّى عَزَمَ عَلَى الضِّدِّ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي النَّذْرِ
الْمُبْهَمِ ". نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ فِي يَمِينِهِ عَلَى حِنْثٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِي ظِهَارِهَا خِلَافُ هَذَا انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَرَادَ إذَا حَلَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ فِي الطَّلَاقِ وَحْدَهُ فَيُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً كَمَا حَلَفَ لَيَرْتَجِعُ وَيَطَأُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَرَثَتِهِ شَيْءٌ فِي الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ فِي الْحَالِفِ: لَيَفْعَلَنَّ إنَّهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَيَحْنَثُ إنْ أَخَّرَ فِعْلَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَالِفِ لَيَنْتَقِلَنَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَقِلْ تِلْكَ السَّاعَةَ حَنِثَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فَلَهُ أَنْ يُصَالِحَهَا فِي الْحِينِ وَيَتْرُكَهَا الشَّهْرَ الدَّاخِلَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْتَجِعُهَا فَيَكُونُ الْحِنْثُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مُبْهَمَةً لَيْسَ فِيهَا أَجَلٌ فَصَالَحَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَعْتِقْ رَقَبَةً أَوْ أَفْعَلْ كَذَا، فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ فَبَرَّ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
(وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ النَّاسِيَ يَحْنَثُ بِنِسْيَانِهِ. وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُحَقِّقِي الْأَشْيَاخِ نَفْيَ الْحِنْثِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَرَادُوا تَخَرُّجَهُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ النِّسْيَانَ كَالْعَمْدِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيُّ خِلَافَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا وَيَأْكُلَ نَاسِيًا وَبَيْنَ أَنْ يُصْبِحَ يَأْكُلُ نَاسِيًا. اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفٍ، وَانْظُرْ الْخَطَأَ
كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْحَالِفُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هُوَ حَانِثٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِيهِمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيُحَاشِيَهُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ هَلْ يَبَرُّ بِهَذَا السَّلَامِ مَنْ حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمُسَلِّمِ أَنْ يَتْرُكَ هِجْرَانَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَالسَّلَامُ يُخْرِجُ مِنْ الْهِجْرَانِ أَوْ يَكُونُ كَالْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا.
(وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْحِنْثُ يَدْخُلُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا دُونَ الدُّخُولِ، وَحَرُمَ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ مِنْ النِّسَاءِ فَحَرُمَتْ عَلَى الْأَبِ زَوْجَةُ الِابْنِ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ نِكَاحٍ وَهُوَ الْعَقْدُ دُونَ
الدُّخُولِ، وَعَلَى الِابْنِ زَوْجَةُ الْأَبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُبَاحُ بِهِ الشَّيْءُ أَقْوَى مِمَّا يُحْظَرُ بِهِ. فَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ اسْتِيعَابَ جَمِيعِهِ، وَمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَكْلَ بَعْضِهِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.
(وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ لَا مَاءٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ لَا آكُلُ فَشَرِبَ سَوِيقًا أَوْ لَبَنًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَهَذَا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّضْيِيقُ عَلَى نَفْسِهِ
بِتَرْكِ الْغِذَاءِ. وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشَّرَابِ لَمْ يَحْنَثْ لَوْ شَرِبَ مَاءً وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي اللَّبَنِ نِيَّةٌ أَوْ فِي السَّوِيقِ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ نَفْخِهِ.
(وَلَا تَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَعَشَّى فَتَسَحَّرَ لَمْ يَحْنَثْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ السُّحُورِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ تَرْكَ الْغِذَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.
(وَذَوْقِ مِلْحٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ كَذَا وَلَا يَشْرَبُ شَرَابَ كَذَا فَذَاقَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِل إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَحْنَثْ.
(وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ لَا أَقَلَّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَدَمَ حِنْثِ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لِمَنْ طَلَبَهُ فِي سَلَفِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَا يَمْلِكُ إلَّا عَشْرَةً فَوَجَدَ تِسْعَةً فَقَطْ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِيمَنْ تَسَلَّفَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا فَوَجَدَهُ نَاقِصًا فَسَأَلَهُ أَوْزَنَ مِنْهُ فَحَلَفَ مَا مَعَهُ إلَّا أَنْقَصَ مِنْهُ فَوَجَدَ مَعَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا مَعَهُ أَوْزَنَ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي عُوتِبَ عَلَى إدْخَالِ سِلْعَتِهِ السُّوقَ يَوْمَ الْأَحَدِ بَعْدَ فَوَاتِ السُّوقِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَقَدْ أَدْخَلَهَا السُّوقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا أَدْخَلَهَا يَوْمَ السَّبْتِ فَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ تَتَأَخَّرْ سِلْعَتُهُ عَنْ سُوقِهَا وَهَذَا إنْ كَانَتْ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَدْ حَنِثَ إذْ قَدْ تَأَخَّرَ بِهَا عَنْ سُوقِهَا وَعَنْ الْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ.
(وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ
وَلُبْسِهِ فِي لَا أَرْكَبُ وَلَا أَلْبَسُ) ابْنُ عَرَفَةَ: دَوَامُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَابْتِدَائِهِ إنْ أَمْكَنَ تَرْكُهُ كَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ لَا الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالنَّوْمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَيْهَا. فَإِنْ نَزَلَ عَنْهَا أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ.
(لَا فِي كَدُخُولِ دَارٍ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ فِي الدَّارِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَمَادِيهَا وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِحَامِلٍ إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ وَلَكِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ.
(وَبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ
الْعَبْدَ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ.
(وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا أَوْ أَخَذَ سَوْطًا لَهُ رَأْسَانِ أَوْ جَمَعَ سَوْطَيْنِ فَضَرَبَ بِهِمَا خَمْسِينَ جَلْدَةً لَمْ يَبَرَّ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ مِائَةَ جَلْدَةٍ جَلْدًا خَفِيفًا لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ.
(وَبِلَحْمِ الْحُوتِ وَبَيْضِهِ وَعَسَلِ الرَّطْبِ فِي مُطْلَقِهَا) أَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ: إنْ أَكَلَ لَحْمَ الْحُوتِ. مُحَمَّدٌ: أَوْ لَحْمَ طَيْرٍ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] وَلِقَوْلِهِ: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ مَا نَوَى. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ رُءُوسَ السَّمَكِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لِيَمِينِهِ بِسَاطٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بَيْضًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ سَائِرِ الطَّيْرِ وَبَيْضِ السَّمَكِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ الْحُوتِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَقْيَسُ لِأَنَّا إذَا عَدِمْنَا النِّيَّةَ وَالْبِسَاطَ نَظَرْنَا إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَمَقَاصِدِهِمْ فِي أَيْمَانِهِمْ، فَالْمَعْهُودُ فِي الرُّءُوسِ عِنْدَ النَّاسِ رُءُوسُ الْأَنْعَامِ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْضِ بَيْضُ الطَّيْرِ لَا رُءُوسُ السَّمَكِ وَبَيْضُهُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَحْوَطُ وَبِهِ أَقُولُ. وَأَرَى أَنَّ النِّيَّةَ تَنْفَعُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، هَذَا إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ لَحْمَ السَّمَكِ وَلَا رُءُوسَهُ وَلَا بَيْضَهُ وَلَا رُءُوسَ الطَّيْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ بَيِّنَةٌ لِلْمَعْهُودِ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ، وَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ لَا آكُلُ عَسَلًا فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مِمَّا يُلْتَفَتُ فِيهِ عَلَى النَّظَرِ إلَى الْعُرْفِ أَوْ أَصْلِ التَّسْمِيَةِ فِي اللُّغَةِ فَذَكَرَ فُرُوعًا ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ عَسَلًا، هَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَسَلِ الْقَصَبِ؟ وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْحِنْثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: عَسَلُ الْقَصَبِ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: عَسَلُ الرُّطَبِ.
(وَبِكَعْكٍ وَخُشْكَنَانَ وَهَرِيسَةٍ وَإِطْرِيَةٍ فِي خُبْزٍ لَا عَكْسِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ فِي الْخُبْزِ بِالْكَعْكِ لَا الْعَكْسُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْخُشْكَنَانِ كَالْخُبْزِ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَلْ يَحْنَثُ
بِأَكْلِ الْإِطْرِيَةِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْكَعْكِ وَالْكَعْكُ أَقْرَبُ إلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ مُلْتَحِقٌ بِالْخُبْزِ قَطْعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْحِنْثُ بِالْهَرِيسَةِ بَعِيدٌ.
(وَبِضَأْنٍ وَمَعْزٍ وَدِيَكَةٍ وَدَجَاجَةٍ فِي غَنَمٍ وَدَجَاجٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ غَنَمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْآخَرِ لِلِاسْمِ الْأَخَصِّ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دَجَاجًا فَأَكَلَ دَجَاجَةً أَوْ دِيكًا حَنِثَ لِلِاسْمِ الْجَامِعِ، وَإِنْ خَصَّ أَحَدَهُمَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دِيكًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ دَجَاجَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دَجَاجَةً لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ دِيكٍ (لَا بِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ خَصَّ أَحَدَهُمَا ".
(وَبِسَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ فِي سَوِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لُتَّ بِسَمْنٍ حَنِثَ وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَمْ لَا. إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ خَالِصًا.
(وَبِزَعْفَرَانٍ فِي طَعَامٍ) سَحْنُونٌ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زَعْفَرَانًا فَأَكَلَ طَعَامًا فِيهِ زَعْفَرَانٌ حَنِثَ وَلَا يَنْوِي لِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا هَكَذَا وَلَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ.
(لَا بِكَخَلٍّ طُبِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خَلًّا فَأَكَلَ مَرَقًا طُبِخَ بِخَلٍّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا دَخَلَهُ الْخَلُّ. ابْنُ الْمَوَّازِ:
وَقَالَهُ أَشْهَبُ.
قَالَ إسْمَاعِيلُ: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ السَّمْنِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ السَّمْنَ الْمَلْتُوتَ بِهِ السَّوِيقُ هُوَ عَلَى حَالَتِهِ وَإِنَّمَا أَلُزِقَ بِالسَّوِيقِ إلْزَاقًا.
قَالَ غَيْرُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ لِأَنَّهُ يَصْعَدُ فَوْقَهُ فَيُجْمَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْخَلِّ أَبَدًا.
(وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُك أَوْ قَبَّلْتِنِي) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَبَّلْتُك فَقَبَّلَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ اسْتِرْخَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ إنْ قَبَّلْتنِي حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ.
(وَبِفِرَارِ غَرِيمِهِ فِي لَا فَارَقْتُك أَوْ فَارَقْتِنِي إلَّا بِحَقِّي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَا فَارَقَ غَرِيمَهُ إلَّا بِحَقِّهِ فَفَرَّ مِنْهُ أَوْ أَفْلَتَ أَوْ غَصَبَ الْحَالِفُ بِرَبْطٍ فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَا أُفَارِقُك كَالْقَائِلِ لَا أَتْرُكُهُ إلَّا أَنْ يَفِرَّ أَوْ أَغْلِبَ عَلَيْهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ حَلَفَ لَا فَارَقَ غَرِيمَهُ إلَّا بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا فَارَقَتْنِي وِفَاقٌ وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ بَشِيرٍ (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: فَفَرَّ مِنْهُ أَوْ رُبِطَ الْحَالِفُ.
(وَإِنْ أَحَالَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
حَقَّهُ فَأَحَالَهُ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ لَمْ يَبَرَّ.
(وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ لِأَنَّ الشَّحْمَ يَخْرُجُ مِنْ اللَّحْمِ مَعَ قُرْبِ اسْمِهِ وَمَنَافِعِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي اللَّحْمِ دُونَ الشَّحْمِ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ شَحْمَ ثَوْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا الْعَكْسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّحْمِ.
(وَبِفَرْعٍ فِي لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ فَأَكَلَ بُسْرَهُ أَوْ رُطَبَهُ أَوْ تَمْرَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلْعَ بِعَيْنِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ زُبْدِهِ أَوْ جُبْنِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بُسْرَ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مِنْ بَلَحِهَا لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوَّلُ دَرَجَاتِ النَّخْلِ طَلْعٌ ثُمَّ إغْرِيضٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ زَهْوٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ انْتَهَى. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ أَوَائِلَ كَلِمِهَا فِي قَوْلِك طَابَ زَبَرَتْ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَالِفُ لَا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ مُشَارٍ إلَيْهِ وَلَا نِيَّةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: يَحْنَثُ بِمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا بِمَا تَوَلَّدَ هُوَ عَنْهُ.
(أَوْ هَذَا الطَّلْعَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فِي شَيْءٍ كَالْأَكْلِ مَثَلًا فَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ يُخَالِطُ غَيْرَهُ، فَإِنْ انْتَقَلَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَا هُوَ مُعَدٌّ إلَى الِانْتِقَالِ إلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ مُعَدٌّ إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ هَذَا الطَّلْعُ، فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَةَ مِنْ كَقَوْلِهِ: لَا أَكَلْت مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، قَرُبَ تَغَيُّرُهُ أَوْ بَعُدَ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْ بُسْرِ ذَلِكَ الطَّلْعِ أَوْ رُطَبِهِ أَوْ تَمْرِهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ مِنْ كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَكَلْتُ هَذَا الطَّلْعَ أَوْ هَذَا الْقَمْحَ وَأَشَارَ إلَى مُعَيَّنٍ، فَإِنْ بَعُدَتْ اسْتِحَالَتُهُ فَلَا شَكَّ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ. وَإِنْ قَرُبَتْ جِدًّا وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ صُنْعٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الْقَمْحَ فَأَكَلَ
خُبْزَهُ، أَوْ هَذَا الزَّبِيبُ فَشَرِبَ نَبِيذَهُ، وَهَلْ يُلْحَقُ بِهَذَا الْجُبْنِ مِنْ اللَّبَنِ وَالرُّطَبِ مِنْ الْبَلَحِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ وَهَذَا لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ (لَا الطَّلْعَ أَوْ طَلْعًا) ابْنُ بَشِيرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَرِقَ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ هَذَا الْكَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْكَذَا فَيُسَمِّي شَيْئًا غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ إذَا نَكَّرَ وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ " وَالْمَذْهَبُ إذَا نَكَّرَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ " مِنْ " أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا كَالسَّمْنِ مِنْ الزُّبْدِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَنَفْيُ الْحِنْثِ هُوَ الْأَصْلُ.
(إلَّا بِنَبِيذِ زَبِيبٍ وَمَرَقَةِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمِهِ وَخُبْزِ قَمْحٍ وَعَصِيرِ عِنَبٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ: فِي الشَّحْمِ مِنْ اللَّحْمِ، وَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْعَصِيرِ مِنْ الْعِنَبِ، وَالْمَرَقِ مِنْ اللَّحْمِ، وَالْخُبْزِ مِنْ دَقِيقِ الْقَمْحِ. فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ.
(وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ لَا الرَّدَاءَةَ كَسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الدَّقِيقَ أَوْ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهُمَا بِحَالِهِمَا أَوْ أَكَلَ خُبْزَيْهِمَا أَوْ سَوِيقَ الْحِنْطَةِ حَنِثَ، لِأَنَّ هَذَا هَكَذَا يُؤْكَلُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا مِنْ طَعَامٍ وَلَا مَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى وَجْهَ الْمَنِّ، وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ كَرِهَهُ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ
رَدَاءَةٍ أَوْ سُوءِ صَنْعَةٍ فِي الطَّعَامِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا ذَكَرْنَا.
(وَبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا حَلَفَ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ فَصَلَّى مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ سَقْفِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْحَالِفِ عَلَى الدُّخُولِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ الْحَمَّامَ لَحَنِثَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْخُلَهُ قَدَرَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَيَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلَانِ.
(وَدَارِ جَارِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ الْحَالِفُ عِنْدَ جَارِهِ فَوَجَدَ الْمَحْلُوفَ عِنْدَهُ حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ فَخَافَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْحِنْثَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتٍ فَيَحْنَثَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلِمَ بِهِ، فَجَعَلَ تَرْكَهُ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِخُرُوجِهَا كَابْتِدَاءِ إذْنٍ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابُ ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ الْحَالِفُ فَدُخِلَ بِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَرْهًا قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَرَاخَ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ وَكَانَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ خَرَجَ مَكَانَهُ، فَإِنْ أَقَامَ وَهُوَ لَوْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ لَخَرَجَ فَقَدْ حَنِثَ.
(أَوْ بَيْتِ شَعَرٍ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا فَسَكَنَ بَيْتَ شَعَرٍ وَهُوَ بَادٍ أَوْ حَضَرِيٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا} [النحل: 80] الْآيَةُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِيَمِينِهِ مَعْنًى يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنُ فَحَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى بَيْتِ الشَّعَرِ.
(كَحَبْسٍ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ) أَصْبَغُ: يَحْنَثُ فِي لَا جَامَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ بِإِدْخَالِهِ
الْإِمَامُ السِّجْنَ كَارِهًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَائِعًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ سَجَنَهُ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ وَلَوْ سَجَنَهُ ظُلْمًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي لَا أَفْعَلُ وَلَا يَحْنَثُ فِيهِ مُكْرَهًا اتِّفَاقًا (لَا بِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَيَّ فُلَانٌ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ لَا يَحْنَثُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ.
(وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا فِي بَيْتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَيِّتٌ حَنِثَ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ.
قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ مَا عَاشَ أَوْ قَالَ: حَتَّى يَمُوتَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ حَنِثَ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ الْأُولَى، لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا عَاشَ أَوْ حَتَّى يَمُوتَ فَدَخَلَ بَعْدَ حُلُولِ الشَّرْطِ فَكَانَ لَا يَجِبُ الْحِنْثُ بِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُ مَنْ يُحَنِّثُهُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: يُحَنِّثُهُ فِي لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا حَيَاتَهُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا.
وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ. ابْنُ رُشْدٍ: بِنَاءً عَلَى حَمْلِ حَيَاتِهِ عَلَى مَعْنَى الْأَبَدِ أَوْ الْحَقِيقَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَلَا يَدْخُلُ حَانُوتَهُ وَلَا قَرْيَتَهُ وَلَا جِنَانَهُ وَلَا مَوْضِعًا لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَتَاعٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا أَنْ يَكْرِهِ عَيْنَ الدَّارِ لِوَجْهٍ مَا فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. ابْنُ يُونُسَ: لَا يَحْنَثُ عِنْدِي إذَا دَخَلَ حَانُوتَهُ أَوْ جِنَانَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّ دَارِهِ لَيْسَتْ هِيَ جَنَانَهُ.
(يَمْلِكُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ بَيْتًا يَمْلِكُهَا فَإِنْ قَالَ: مَا دَامَتْ فِي
مِلْكِهِ فَدَخَلَهَا وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ: إنَّهُ يَحْنَثُ. فَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ وَقَالَ: قَدْ خَرَجَتْ بِالْمَوْتِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَعَلَّهُ فِي الرِّوَايَةِ رَأْيُ إبْقَاءِ حَقِّهِ فِي تَجْهِيزِهِ لِلدَّفْنِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا (لَا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُجَامَعَةَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَخَافُ عَلَيْهِ الْحِنْثَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتٍ.
(وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا يَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ)
رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَهُ: إنْ حَلَفَ لَا يَنْفَعُهُ مَا عَاشَ يَحْنَثُ بِتَكْفِينِهِ.
(وَبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا فِي لَا أَكَلْت طَعَامَهُ إنْ أَوْصَى أَوْ كَانَ مَدِينًا) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ وَلَا يَنْتَفِعُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ فَانْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ جَمْعِ مَالِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ بَعْدَ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يُدْفَنَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ حَانِثٌ، كَانَ دَيْنًا مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَا تَرَكَ بِمَوْتِهِ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ وَلِأَهْلِ الْوَصَايَا. وَمَا جَرَى فِيهِ مِنْ حَادِثٍ فَمِنْهُمْ قَالَ: وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ سَاوَى بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَعَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُمَا سَاوَيَا بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فَرَاجِعْهُ أَنْتَ. ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ فُلَانٍ فَسَافَرَ مَعَهُ فَاشْتَرَيَا طَعَامًا فَأَكَلَاهُ فَلْيَحْلِفْ مَا أَرَادَ إلَّا طَعَامَهُ خَالِصًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ اُنْظُرْ قَبْلُ تَرْجَمَةَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ.
(وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ أَوْ رَسُولٍ فِي لَا كَلَّمَهُ وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُشَافَهَتَهُ، يُرِيدُ وَيَحْلِفُ وَالْكِتَابُ أَشَدُّ.
قَالَهُ مَالِكٌ. وَهَذَا فِي أَيْمَانِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ وَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ حَتَّى يَقْرَأَهُ وَلَوْ عِنْوَانَهُ.
وَقَالَ
اللَّخْمِيِّ: يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ.
(وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا سَأَلَ فُلَانًا حَاجَةً فَاحْتَاجَ إلَيْهِ فَلَزِمَ الْجُلُوسَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ إلَيْهِ لَا أُحِبُّهُ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ فَهِمَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَاجَتَهُ مِنْ طُولِ جُلُوسِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا هُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي لَغْوِ الْإِشَارَةِ.
(وَبِكَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ مَرَّ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: الصَّلَاةَ يَا نَائِمٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعَرَفَهُ فَهُوَ حَانِثٌ، وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهُوَ مُسْتَثْقِلٌ نَوْمًا وَهُوَ كَالْأَصَمِّ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَشْغُولٌ يُكَلِّمُ رَجُلًا وَلَمْ يَسْمَعْهُ. مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِمَنْ دَقَّ بَابَهُ: مَنْ أَنْتَ فَإِذَا هُوَ حَنِثَ لَا فِي الْعَكْسِ (لَا قِرَاءَتَهُ بِقَلْبِهِ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَحْنَثُ إنْ قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ حَسْبَمَا يَأْتِي.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ الْحَالِفَ لَوْ أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ عَنْهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَالِفُ أَوْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ أَوْ يُمْلِيَهُ. ثُمَّ إذَا أَرْسَلَ الْكِتَابَ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ: إنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ.
وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْرَأَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَلَوْ عِنْوَانَهُ. وَعَلَى هَذَا فَفِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا لَفْظًا قَوْلَانِ: لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّ أَشْهَبَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ: اُرْدُدْهُ أَوْ اقْطَعْهُ فَعَصَاهُ وَدَفَعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ أَوْ رَمَاهُ فَأَخَذَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ. اُنْظُرْ قَبْلُ تَرْجَمَةً فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ رَجُلًا مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
(أَوْ قَرَأَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ) تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ زَيْدًا مَثَلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا حَنِثَ
إنْ وَصَلَ الْكِتَابُ لِزَيْدٍ لَا إنْ قَرَأَهُ زَيْدٌ بِقَلْبِهِ وَلَا إنْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا مَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَعْنِي إنْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ إنَّمَا هِيَ فِي كُتُبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَذَكَرَهَا خَلِيلٌ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَسَأَذْكُرُ هَذَا النَّصَّ هُنَاكَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ.
(وَلَا بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا فَأَمَّ قَوْمًا فِيهِمْ زَيْدٌ فَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ صَلَّى الْحَالِفُ خَلْفَ زَيْدٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَرَدَّ عليه السلام حِينَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا كَلَامًا انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّالِثَةَ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ رَدَّهُ عَلَى الْمَحْلُوفِ
عَلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ كَرَدِّهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَنَسَبَهُ لِلْمُدَوِّنَةِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا.
(وَلَا كِتَابَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَى الْأَصْوَبِ وَالْمُخْتَارِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ عَبْدَ اللَّهِ فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إلَى الْحَالِفِ كِتَابًا فَقَرَأَهُ الْحَالِفُ وَلَمْ يُجِبْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ قَالَ: هُوَ حَانِثٌ. وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْرَأْهُ هُوَ وَقُرِئَ عَلَيْهِ مَا فِيهِ بِأَمْرِهِ فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لِلرَّسُولِ: اقْرَأْهُ عَلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَمَا ذَلِكَ بِالْبَيِّنِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَالِفَ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى.
وَنَحْوُ هَذَا أَيْضًا لِلَّخْمِيِّ. قَالَ مَا نَصُّهُ: عَدَمُ الْحِنْثِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهُ وَكَلَّمَهُ وَلَمْ يُجَاوِبْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ لَا كَلَّمَنِي. وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ الْحِنْثِ بِأَنْ قَالَ: حَقِيقَةُ التَّكْلِيمِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَبِّرَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ بِلِسَانِهِ عِبَارَةً يَفْقَهُهَا عَنْهُ إذَا سَمِعَهَا، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا بِالْكِتَابِ إلَيْهِ إذَا قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلِّمًا لَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّفْهِيمُ وَهُوَ مَعْنَى الْكَلَامِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ إذَا قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ.
(وَبِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ "(وَبِفَتْحٍ عَلَيْهِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ تَعَايَا الْحَالِفُ فَلَقَّنَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَأَمَّا لَوْ تَعَايَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَلَقَّنَهُ الْحَالِفُ فَقَدْ حَنِثَ.
(وَبِلَا عِلْمِ إذْنٍ فِي لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَذِنَ لَهَا فِي سَفَرٍ أَوْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ فَهُوَ
حَانِثٌ.
(وَبِعَدَمِ إعْلَامِهِ فِي لَأُعْلِمَنَّهُ وَإِنْ بِرَسُولٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ لِرَجُلٍ إنْ عَلِمَ كَذَا لَيُعْلِمَنَّهُ أَوْ لَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يُعْلِمَهُ أَوْ يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا بَرَّ انْتَهَى. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِعِلْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا عَلَى مَنْ رَاعَى الْأَلْفَاظَ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ) تَأْوِيلَانِ تَقَدَّمَ إطْلَاقُ ابْنِ يُونُسَ وَتَقْيِيدُهَا اللَّخْمِيِّ بِذَلِكَ (أَوْ عَلِمَ وَالٍ ثَانٍ فِي حَلِفِهِ الْأَوَّلِ فِي نَظَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ رَجُلٌ لِلْأَمِيرِ طَوْعًا إنْ رَأَى أَمْرَ كَذَا لَيَرْفَعَنَّهُ إلَيْهِ فَعُزِلَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ أَوْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ عَدْلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ وَلِي بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمِيرِ يَحْلِفُ قَوْمًا أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِهِ فَعَزَلَ فَلَا يَخْرُجُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوا مِنْ وَلِيَ بَعْدَهُ، يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا.
قَالَ سَحْنُونَ: إنَّمَا يَلْزَمُ الرُّفُوعَ إلَيْهِ إذَا كَانَ الَّذِي اسْتَحْلَفَهُمْ عَلَيْهِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ أَيْمَانِهِمْ شَيْءٌ. أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَاضِيًا كَتَبَ إلَى قَاضٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخُصُّ الْمَعْزُولَ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا رَآهُ بَعْدَ عَزْلِهِ فَلْيُعْلِمْهُ بِهِ وَإِلَّا حَنِثَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَفْعُ ذَلِكَ إلَى وَارِثِهِ أَوْ إلَى وَصِيِّهِ وَلَا إلَى أَمِيرٍ بَعْدَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ:" لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَيْمَانِهِمْ شَيْءٌ ".
(وَبِمَرْهُونٍ فِي لَا ثَوْبَ لِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اُسْتُعِيرَ ثَوْبًا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَوْبًا هُوَ عَلَيْهِ وَلَهُ ثَوْبَانِ مَرْهُونَانِ، فَإِنْ كَانَ كَفَافَ دَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَحْلِفُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا لِلْعَارِيَّةِ وَذَلِكَ نِيَّتُهُ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَمْ لَا.
(وَبِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي لَا إعَارَةَ وَبِالْعَكْسِ وَنَوَى إلَّا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِمَّا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى الْمَقَاصِدِ أَنْ يَحْلِفَ لَا أَعَارُ إنْسَانًا فَوَهَبَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَيُرِيدُ مَنْعَهُ الْعَارِيَّةَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ أَوْ يَكُونَ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهِ وَيُكْرَهُ لِبَاسُ غَيْرِهِ لَهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَهُ فَتَصَدَّقَ حَنِثَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فُلَانًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَكُلُّ هِبَةٍ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهِيَ كَالصَّدَقَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا نَفَعَهُ مِنْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا
فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ أَصْلَ يَمِينِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْعَارِيَّةِ.
(وَبِبَقَاءٍ وَلَوْ لَيْلًا فِي لَا سَكَنْت) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا خَرَجَ مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرَ إلَى الصَّبَاحِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فَلْيَجْتَهِدْ إذَا أَصْبَحَ فِي مَسْكَنٍ وَيَنْتَقِلُ، فَإِنْ تَغَالَى عَلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ أَوْ وَجَدَ مَنْزِلًا لَا يُوَافِقُهُ فَلْيَنْتَقِلْ إلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ سِوَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يَخْرُجُ سَاعَةَ حَلَفَ وَلَكِنْ لَا يَحْنَثُ فِي إقَامَةِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَكَانَ الْقَابِسِيُّ رُبَّمَا اسْتَحْسَنَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَأَفْتَى بِهِ مَعَ إنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَسِعَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ ذَلِكَ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ: إنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَأْتِي عَلَى اعْتِبَارِ اللَّفْظِ قَالَ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ رَاعَى مَقْصِدَ الْحَالِفِ دُونَ الِاعْتِبَارِ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ، لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ رَجُلًا فَعَنَى بِيَمِينِهِ لِيَنْتَقِلَ عَنْهُ فِي أَعْجَلِ مَا يَقْدِرُ، فَإِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي ارْتِيَادِ مَنْزِلٍ وَالِانْتِقَالِ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ.
(لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ حَمْلُ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ. فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْكَنْتنِي مِنْ حَلْقِ رَأْسِك لَأَحْلِقَنَّهُ فَأَمْكَنَتْهُ فَلَمْ يَحْلِقْ ثُمَّ أَمْكَنَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَقَ لَبَرَّ فِي يَمِينِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ أَمْكَنْتنِي مِنْ حَلْقِ رَأْسِك مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. وَمِنْ الْوَاضِحَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ لَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ. زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ:
وَالتَّعْجِيلُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطْلُبُ مَنْزِلًا أَرْجُو أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قِيلَ: إنْ أَقَامَ شَهْرًا قَالَ: إنْ تَرَاخَى فِي الطَّلَبِ خِفْت حِنْثَهُ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ إنَّهُ يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ فِي " لَا سَكَنْت " لَا فِي " لَأَنْتَقِلَنَّ " كَذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ آخَرُ فِي وَجْهٍ.
قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ لَا سَكَنْت فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ فَسَكَنَ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَلَفَ أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهُ سُكْنَى فَمَتَى وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ حَنِثَ، وَالْآخَرُ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَرَّ.
(وَلَا بِخَزْنٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا فَاخْتَزَنَ فِيهَا حَنِثَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَشْهَبَ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْخَزْنَ إذَا انْفَرَدَ لَا يُعَدُّ سُكْنَى. وَإِنَّمَا يُعِدُّ ابْنُ الْقَاسِمِ بَقَاءَ الْمَتَاعِ سُكْنَى إذَا كَانَ تَابِعًا لِسُكْنَى الْأَهْلِ وَإِذَا انْفَرَدَ لَمْ يُعِدَّهُ سُكْنَى.
(وَانْتَقَلَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ
عَمَّا كَانَا) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الْمَقَاصِدِ وَإِلَى السَّبَبِ الْمُحَرِّكِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ عَنْ مُسَاكَنَتِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ حَالَتُهُ عَنْ الْحَالَةِ الْأُولَى الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَوَّلًا فِي بَلَدٍ وَظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي قَرْيَةٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَارَةٍ انْتَقَلَ عَنْهَا (أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا وَلَوْ جَرِيدًا بِهَذِهِ الدَّارِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ فِي دَارٍ وَجَبَ الِانْتِقَالُ عَنْهَا. وَهَلْ يَكْفِي فِي هَذَا أَنْ يَضْرِبَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا حَتَّى يَصِيرَا دَارَيْنِ؟ شَكَّ مَالِكٌ وَخَافَ الْحِنْثَ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي دَارٍ سَمَّاهَا أَمْ لَا، فَقُسِمَتْ وَضَرَبَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ بِحَائِطٍ وَجَعَلَ لِكُلٍّ نَصِيبَ مَدْخَلٍ عَلَى حِدَةٍ فَسَكَنَ هَذَا فِي نَصِيبٍ وَهَذَا فِي نَصِيبٍ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " سَمَّاهَا أَمْ لَا " خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: " لَوْ عَيَّنَ الدَّارَ لَمْ يَبَرَّ بِالْجِدَارِ اتِّفَاقًا ". وَفَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْمُدَوَّنَةَ بِأَنَّ الْجِدَارَ مِنْ جَرِيدٍ كَالْبِنَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ
وَابْنُ حَبِيبٍ: الْجِدَارُ مِنْ جَرِيدٍ لَغْوٌ.
(وَبِالزِّيَارَةِ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَزَارَهُ. فَلَيْسَتْ الزِّيَارَةُ سُكْنَى وَيَنْظُرُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ أَوْ الصِّبْيَانِ فَهُوَ أَخَفُّ، وَإِنْ أَرَادَ التَّنَحِّيَ فَهُوَ أَشَدُّ. التُّونِسِيُّ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: " أَشَدُّ " حِنْثَهُ بِزِيَارَتِهِ وَبِقَوْلِهِ: " أَخَفُّ " عَدَمَهُ (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا أَوْ بِبَيْتٍ بِلَا مَرَضٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الزِّيَارَةُ تَخْتَلِفُ لَيْسَتْ زِيَارَةُ الْحَاضِرِ كَزِيَارَةِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرْيَتِهِ، وَهَذَا يُقِيمُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ.
قَالَ أَصْبَغُ: إذَا أَكْثَرَ الزِّيَارَةَ نَهَارًا فِي الْحَضَرِ أَوْ أَكْثَرَ الْمَبِيتَ وَالْمُقَامَ فِي شُخُوصِهِ إلَيْهِ يَعْنِي فِي غَيْرِ الْحَضَرِ فَهُوَ حَانِثٌ.
(وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ فَفِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يُسَافِرُ مِقْدَارَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَهَذَا نَظَرٌ إلَى حَمْلِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى التَّسْمِيَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَكَفَى فِي هَذَا أَقَلُّ سَفَرٍ، أَوْ إلَى الْمَقَاصِدِ الْعُرْفِيَّةِ لَنَظَرَ إلَى مَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْقُطْرِ سَفَرًا (وَمَكَثَ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ
كَمَالُهُ كَأَنْتَقِلَنَّ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ فَسَافَرَ أَوْ انْتَقَلَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُقِيمُ بِالْمَكَانِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ؛ قِيلَ: شَهْرٌ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا خَرَجَ يُقِيمُ شَهْرًا وَلَوْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَأَجْزَأَهُ.
وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ حَلَفَ لَا بَقِيَ لَهُ قُشَاشٌ فِي غُرْفَةٍ فَأَخْرَجَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَفْتِي انْتَقِلْ وَأَقِمْ شَهْرًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَسَلَّ وَلَا تَشْعُرُ بِالرُّجُوعِ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِاللَّازِمَةِ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ مَالَهَا: إنَّهُ إنْ انْتَزَعَهُ مِنْهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ إنْ رَدَّهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِانْتِزَاعِ لَمْ يَحْنَثْ. انْتَهَى النَّصُّ.
(وَلَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ لَا بِكَمِسْمَارٍ وَهَلْ إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ لَهُ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ يَرْتَحِلُ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَمِيعِ مَتَاعِهِ وَإِنْ أَبْقَى مَتَاعَهُ حَنِثَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَرَكَ مِنْ السِّقْطِ مِثْلَ الْوَتَدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: هَذَا إنْ تَرَكَ الْوَتَدَ وَنَحْوَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ لَأَخَذَهُ لِخِفَّةِ أَمْرِهِ، وَأَمَّا إنْ تَرَكَهُ لِيَرْجِعَ
إلَى أَخْذِهِ حَنِثَ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ لَا يُعَدُّ بِهِ سَاكِنًا لِخِفَّتِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ أَوْ عَيْبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَقَضَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ دِرْهَمًا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَاقِصًا بَيِّنَ النَّقْصِ أَوْ مَا لَا يَجُوزُ أَوْ اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ حَانِثٌ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ. وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ فَلَمْ يَلِدْ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَرِيءَ
فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ ".
(وَبَيْعٍ فَاسِدٍ فَاتَ قَبْلَهُ إنْ لَمْ تَفِ كَأَنْ لَمْ تَفُتْ عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ قَضَاءً مِنْهُ عَرْضًا يُسَاوِي مَا عَلَيْهِ لَوْ بِيعَ بَرَّ. ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ. اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ عَرْضًا فَاسِدًا وَالْأَجَلُ قَائِمٌ، فَإِنْ فَاتَ وَقِيمَتُهُ كَالدَّيْنِ بَرَّ مُطْلَقًا وَأَقَلُّ بَرَّ إنْ قَضَاهُ تَمَامَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِلَّا حَنِثَ. وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونَ: يَحْنَثُ. وَأَشْهَبُ: لَا يَحْنَثُ. وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ، وَلَوْ عَلِمَ الْفَسَادَ إنْ قَصَدَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَرَادَ لِيَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبَرَّ.
(وَبِهِبَتِهِ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَك غَرِيمُك لَيَقْضِيَنَّكَ حَقَّك رَأْسَ الشَّهْرِ فَوَهَبْت لَهُ حَقَّك أَوْ وَضَعْت مِنْهُ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً لَمْ يَبَرَّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَعَلَى مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ.
(أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ عَنْهُ وَإِنْ مِنْ مَالِهِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ غَابَ الْحَالِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَأَرَادَ بَعْضُ أَهْلِهِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يُبْرِئُ الْحَالِفَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْ الْحِنْثِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَرْضَى بِذَلِكَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالتَّقَاضِي يَبَرُّ بِقَضَائِهِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ.
(أَوْ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِالْقَضَاءِ إلَّا بِدَفْعِهِ ثُمَّ أَخْذِهِ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَعَلَّقَ بِرَجُلٍ فِي حَقٍّ لَهُ فَقَالَ لَهُ: قَدْ قَضَيْتُك فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ: مَا قَضَيْتنِي فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ إذَا أَنْكَرْت أَنَا آتِيك بِحَقِّك غَدًا وَحَلَفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ نَظَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي كِتَابٍ تُقَاضِيهِ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَاضَاهُ مِنْهُ فَقَالَ: اذْهَبْ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ قَدْ وَجَدْت مَا ادَّعَيْت عَلَيْك بَاطِلًا: إنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ وَإِلَّا حَنِثَ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. قُلْت: فَإِنْ قَامَتْ لِلْحَالِفِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ قَالَ: لَوْ شَهِدَ لَهُ
أَبُو شُرَيْحٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَعْيُ الْمَقْصِدِ يُوجِبُ بِرَّهُ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: حَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَلَمْ يُرَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ إلَيْهِ فِي يَمِينِهِ.
(لَا إنْ جُنَّ وَدَفَعَ الْحَاكِمُ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَقَوْلَانِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْحِنْثِ بِتَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِجُنُونِ الْحَالِفِ خِلَافٌ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَجُنَّ الْحَالِفُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْضِي عَنْهُ وَيَبَرُّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْهُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ حَانِثٌ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ.
(وَبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ هُوَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ: إنْ لَمْ يَقْضِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ كَانَتْ عَلَى الْخَمِيسِ حِينَ قَالَ: غَدًا فَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى غَدٍ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: هَذَا ضَلَالٌ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ إذَا قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ. وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاحِدًا. ابْنُ رُشْدٍ: يَدُلُّ قَوْلُهُ: " وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ " إلَى آخِرِهِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ: " هَذَا ضَلَالٌ " لِأَنَّهُ يُعْرَفُ مِنْ مَذْهَبِهِ الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَثِيرًا مَا يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِهِمْ فِي مَسَائِلِهِ وَيُرَاعِي أَقْوَالَهُمْ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ ".
(لَا إنْ قَضَى قَبْلَهُ بِخِلَافِ لَآكُلَنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ فَقَدْ بَرَّ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ حَنِثَ إذْ الطَّعَامُ قَدْ يَخُصُّ بِهِ الْيَوْمَ، وَالْغَرِيمُ إنَّمَا الْقَصْدُ فِيهِ الْقَضَاءُ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ سُئِلَ فِي أَكْلِهِ الْيَوْمَ فَقَالَ: دَعَوْنِي الْيَوْمَ فَأَنَا وَاَللَّهِ آكُلُهُ غَدًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا أَكَلَهُ الْيَوْمَ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْأَكْلُ لَا تَعْيِينُ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَنِثَ.
(وَلَا إنْ بَاعَهُ بِهِ عَرْضًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَنَانِيرَك وَلَمْ يَقُلْ حَقَّك فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَبَرُّ إنْ دَفَعَ إلَيْك عَرْضًا سِوَى دَنَانِيرِك إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَعْيَانِ الدَّنَانِيرِ، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى أَعْيَانِ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَبَرَّ إلَّا
بِدَفْعِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. اُنْظُرْ تَمَامَ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَبِالْإِقَالَةِ ".
(وَبَرَّ إنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ أَوْ مُفَوَّضٍ) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ حَقَّهُ فَغَابَ الْغَرِيمُ بَرَّ بِقَضَاءِ وَكِيلِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ فَالْحَاكِمُ الْعَدْلُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِ عَدْلٍ بَرِيءَ مِنْ الْحِنْثِ وَلَمْ يَبَرَّ مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَضَاءُ وَكِيلِ رَبِّهِ نَصًّا أَوْ تَفْوِيضًا لِغَيْبَتِهِ كَقَضَائِهِ، فَلَوْ عَدِمَا وَخَافَ الْحِنْثَ فَالرِّوَايَاتُ يَبَرُّ بِقَضَاءِ السُّلْطَانِ. ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ: وَيَبْرَأُ.
(وَهَلْ ثُمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ أَوْ إنْ عَدِمَ الْحَاكِمُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ يُرِيدُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ فَغَابَ فُلَانٌ، فَلْيَقْضِ وَكِيلُهُ أَوْ السُّلْطَانُ وَيُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ احْتَجَبَ عَنْهُ السُّلْطَانُ فَلَمْ يَجِدْهُ أَوْ كَانَ بِقَرْيَةٍ لَا سُلْطَانَ فِيهَا وَخَافَ إنْ خَرَجَ إلَى السُّلْطَانِ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِالْحَقِّ عَلَى شَرْطِهِ إلَى عُدُولٍ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِهِ بِعِلْمِهِمْ فَلَمْ يَجِدْهُ لِتَغَيُّبٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَضَى وَكِيلًا فِي ضَيْعَتِهِ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ رَبُّ الْحَقِّ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ أَجْزَأَهُ.
قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا عَلَى الْحَقِّ وَلَا سُلْطَانًا مَأْمُونًا وَدَفَعَ إلَى ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الطَّالِبِ أَوْ وَكِيلِ ضَيْعَتِهِ أَوْ إلَى أَجْنَبِيٍّ بَرَّ وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى رَبِّهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: " وَإِنْ قَضَى وَكِيلًا فِي ضَيْعَتِهِ أَجْزَأَهُ " ظَاهِرُهُ كَانَ بِالْبَلَدِ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا بَعْضُهُمْ، وَاخْتَصَرَهَا آخَرُونَ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ السُّلْطَانِ أَوْ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
(وَبَرِيءَ فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ وَإِلَّا ضَرَّ) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مِنْ الْحِنْثِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ دَفَعَ إلَى الْإِمَامِ غَيْرِ عَدْلٍ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ.
قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَإِنَّمَا بَرَّ بِدَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ لَا يَقْبِضُ دِينًا لِغَائِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْحَالِفِ لِبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ (كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ جَاءَ بِالْحَقِّ إلَى عُدُولٍ فَأَشْهَدَهُمْ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ فَالْحَاكِمُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ فَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ: إلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ أَوْ إلَى رَمَضَانَ فَإِذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ وَاسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ. ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَا كُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ " إلَى " فَهُوَ حَانِثٌ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرٍ هُوَ فِيهِ كَقَوْلِهِ إلَى الْهِلَالِ أَوْ إلَى مَجِيئِهِ أَوْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ " إلَى " وَذَكَرَ " اللَّامَ " أَوْ " عِنْدَ " أَوْ " إذَا " فَلَهُ لَيْلَةَ يُهِلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمُهَا كَقَوْلِهِ: لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِدُخُولِهِ لِاسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إذَا دَخَلَ وَنَحْوُهُ (وَإِلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ شَعْبَانَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ. يَبْقَى النَّظَرُ إذَا قَالَ: لِاسْتِهْلَالِهِ؛ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ الْفَرْقُ بَيْنَ " اللَّازِمِ " وَ " إلَى "، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ بَرَّ.
(وَبِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً فِي لَا أَلْبَسُهُ لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ وَلَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ جُبَّةً فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ الْأَوَّلَ لِضِيقِهِ أَوْ لِسُوءِ عَمَلِهِ فَحَوَّلَهُ فَلَا يَحْنَثُ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ قَمِيصٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ فَاِتَّزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّ فِيهِ رَأْسَهُ أَوْ طَرَحَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ أَصَابَهُ مِنْ اللَّيْلِ هِرَاقَةُ بَوْلٍ فَجَعَلَهُ عَلَى فَرْجِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ هَذَا لُبْسًا وَلَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ لُبْسٌ وَيَحْنَثُ وَقَالَهُ مَالِكٌ.
(وَبِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ فِي لَا أَدْخُلُهُ إنْ لَمْ يَكْرَهْ ضِيقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَحُوِّلَ الْبَابُ عَنْ حَالِهِ وَأُغْلِقَ وَفُتِحَ غَيْرُهُ، فَإِنْ دَخَلَ مِنْهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ الْبَابُ دُونَ الدَّارِ، إمَّا لِضِيقِهِ أَوْ لِجِوَارِ أَحَدٍ فَلَا يَحْنَثُ.
(وَبِقِيَامٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَبِمُكْتَرًى فِي لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَعَلَا عَلَى
ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ دَخَلَ بَيْتًا يَسْكُنُهَا وَفُلَانٌ بِكِرَاءٍ حَنِثَ وَهِيَ كَمِلْكِهِ.
(وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فَدَخَلَ وَلَدُ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ خُبْزًا فَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ حَنِثَ.
قَالَ سَحْنُونَ: أَمَّا أَنَا فَتَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ مَلَكَ الطَّعَامَ. عَبْدُ الْحَقِّ: قَيَّدَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ الْمُدَوَّنَةَ بِكَوْنِ الْأَبِ قَادِرًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِابْنِهِ لِكَوْنِ الطَّعَامِ يَسِيرًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِأَكْلِهِ فِي الْوَقْتِ كَالْكِسْرَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: نَفَقَةُ ابْنِي عَلَيَّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَمِلَ عَنِّي مِنْهَا شَيْئًا. فَهَذَا إنْ أَكَلَ مِمَّا أَعْطَى الصَّبِيَّ حَنِثَ وَيُعَدُّ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِخُبْزِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْدِمًا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ ابْنِهِ فَلَا يَحْنَثُ، وَابْنُهُ وَعَبْدُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَهُ رَدُّ هِبَةٍ لِعَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَدِينًا. التُّونِسِيُّ: وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى رَدِّهِ فَمَا أَكَلَهُ إلَّا فِي مِلْكِ ابْنِهِ.
(وَبِالْكَلَامِ أَبَدًا فِي لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ لَمْ يُكَلِّمْهُ الْأَبَدَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] فَلَوْ قَالَ: الشُّهُورُ فَفِي كَوْنِهِ سَنَةً لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] أَوْ الْأَبَدُ قَوْلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ هَذَا.
(وَثَلَاثَةً فِي كَأَيَّامٍ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ شُهُورًا أَوْ أَيَّامًا أَوْ سِنِينَ فَثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسَمَّى. ابْنُ بَشِيرٍ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذِّمَّةَ تَعْمُرُ بِإِلَّا وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَهَلْ كَذَلِكَ لَأَهْجُرَنَّهُ أَوْ شَهْرًا قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا حَلَفَ لَيَهْجُرَنَّهُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَبَرُّ بِهِ، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَهْجُرُهُ شَهْرًا.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ: يُجْزِئُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» وَاسْتَحَبَّ
سَحْنُونَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْأَبَدُ. وَقِيلَ: بِمُضِيِّ مُدَّةُ عَادَتُهُمَا الِاجْتِمَاعُ فِيمَا دُونَهُ. وَقِيلَ: سَنَةٌ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَيْسَ فِي " لَيَهْجُرَنَّهُ " وَصْلُ الْهَجْرِ إنْ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ " لَا أُكَلِّمُهُ "، وَهَلْ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ مَعَ الْكَفِّ عَنْ كَلَامِهِ؟ قَوْلَانِ عَلَى رَعْيِ اللَّفْظِ وَالْمَقْصِدِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ.
(وَسَنَةٌ فِي حِينٍ وَزَمَنٍ وَعَصْرٍ وَدَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ دَهْرٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ. اللَّخْمِيِّ: وَعَصْرًا أَوْ زَمَانًا سَنَةٌ.
(وَبِمَا يُفْسَخُ أَوْ بِغَيْرِ نِسَائِهِ فِي لَأَتَزَوَّجَنَّ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ بَرَّ بِبِنَائِهِ بِحُرَّةٍ مِنْ مُنَاكَحَةٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ اتِّفَاقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ تَزَوُّجُهُ بِمُجَرَّدِ بِرِّهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ: لَا يَبَرُّ إذَا تَزَوَّجَهَا لَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا يَبَرُّ إنْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ وَالرِّوَايَاتُ لَا يَبَرُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ. ذَكَرَهُ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ بِرُّهُ مُطْلَقًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَزَوَّجَ مَنْ لَيْسَتْ مِنْ مُنَاكِحِهِ لَمْ يَبَرَّ. وَسَهَّلَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ: هُوَ حَانِثٌ سَاعَةَ مَلَكَ عُقْدَتَهَا، مَسَّ أَوْ لَمْ يَمَسَّ. وَلَوْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى يَمَسَّهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي أَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَبَرُّ بِالدُّخُولِ أَيْضًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَزَوَّجَ مِمَّنْ يُشْبِهُ مُنَاكِحِهِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُحِلُّهَا هَذَا النِّكَاحُ لِزَوْجٍ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يُحِلُّهَا، كَانَتْ تُشْبِهُ مُنَاكِحَهُ أَوْ لَا تُشْبِهُ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ.
(وَبِضَمَانِ الْوَجْهِ فِي لَا أَتَكَفَّلُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْغُرْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ حَنِثَ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ وَجْهُهُ بِلَا مَالٍ فَلَا يَحْنَثُ.
(وَبِهِ لِوَكِيلٍ فِي لَا أَضْمَنُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَهَلْ إنْ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلٍ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتُهُ لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ وُكَلَائِهِ أَوْ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ حَنِثَ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يُرَاعَ عَلِمَ الْحَالِفُ بِهِ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ خِلَافُهُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ " فَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وِفَاقٌ فَانْظُرْهُ.
(وَبِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي لِمُخْبِرٍ فِي لَيُسِرَّنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَسَرَّ إلَيْهِ رَجُلٌ سِرًّا فَأَحْلَفَهُ لَيَكْتُمَنَّهُ ثُمَّ أَسَرَّهُ الْمُسِرُّ لِآخَرَ فَذَكَرَهُ الْآخَرُ لِلْحَالِفِ فَقَالَ لَهُ الْحَالِفُ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَسَرَّهُ لِغَيْرِي
حَنِثَ.
(وَبِاذْهَبِي الْآنَ إثْرَ لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَفْعَلِي وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَا أُبَالِي بَدْءًا لِقَوْلٍ آخَرَ فِي لَا أُكَلِّمُك حَتَّى تَبْدَأَنِي) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْتنِي حَتَّى تَقُولِي إنِّي أُحِبُّك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ نَعَمْ أَنَا أُحِبُّك فَقَالَ: هُوَ حَانِثٌ حِينَ قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لَك قَبْلَ أَنْ تَقُولَ أَنَا أُحِبُّك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَقَدْ اخْتَصَمْت أَنَا وَابْنُ كِنَانَةَ إلَى مَالِكٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ النَّسَقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَاذْهَبِي الْآنَ كَالْقَائِلِ إنْ شِئْت فَافْعَلِي وَإِنْ شِئْت فَدَعِي. فَقُلْت أَنَا: قَدْ حَنِثَ حِينَ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَمْ يَحْنَثْ. فَدَخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ فَقَضَى لِي عَلَيْهِ وَرَآهُ حَانِثًا، فَمَسْأَلَتُك أَبْيَنُ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَصْوَبُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَخَوَيْنِ حَلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي ثُمَّ حَلَفَ الْآخَرُ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي: إنَّ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا حَلَفَا عَلَيْهِ مَنْ بَدَأَ مِنْهُمَا صَاحِبُهُ فَهُوَ حَانِثٌ، وَحَلْفَةُ الثَّانِي حِينَ حَلَفَ لَيْسَتْ بِتَبْدِئَةٍ تَسْقُطُ بِهَا الْأَيْمَانُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِصَاحِبِهِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأنِي بِالْكَلَامِ فَقَالَ صَاحِبُهُ إذَنْ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي: لَيْسَتْ هَذِهِ تَبْدِئَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ الَّذِي صَوَّبَهُ أَصْبَغُ أَخَذَ بِهِ، وَمَا أَلْزَمَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَازِمٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَا كَانَا فِيهِ فَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا وَقَّعْت عَلَى اسْتِئْنَافِ كَلَامٍ بَعْدَهُ. وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِهَذَا مَنْ اعْتَبَرَ مُجَرَّدَ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَعَانِيهَا، وَتُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ لَيْسَتْ عَلَى أُصُولِهِ تَنْحُو إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
(وَبِالْإِقَالَةِ فِي لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ يَفِ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا وَضَعَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا لَا يَقْبَلُ مِنْهُ رَبُّ إقَالَةٍ أَحْسَنَ مِنْ وَضَيْعَةٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ يَوْمَئِذٍ أَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهِ. وَسَمِعَهُ مِنْهُ عِيسَى وَأَصْبَغُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ بَيِّنٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا دَنَانِيرَ. أَوْ حَقَّهُ فَقَضَاهُ عَرْضًا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَثْقَلَهُ. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْإِقَالَةِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْإِقَالَةِ فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَمْحِ أَوْ السِّلْعَةِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ (لَا إنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ عَلَى الْمُخْتَارِ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَةَ مَنْ حَلَفَ لَا وَضَعَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا فَأَقَالَ مِنْهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قِيلَ: فَإِنْ أَخَّرَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: رُبَّ نَظْرَةٍ خَيْرٌ مِنْ وَضَيْعَةٍ، يَكُونُ لِلْعَشْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ. قِيلَ: فَمَا حَدُّهُ؟ قَالَ: قَدْرُ تَقَاضِيهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ. وَالتُّونِسِيُّ قَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ بِتَأْخِيرِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ. اللَّخْمِيِّ: عَدَمُ
الْحِنْثِ أَبْيَنُ. التُّونِسِيُّ: الْحِنْثُ أَصْوَبُ.
(وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْتِيهِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَفَنَ دَرَاهِمَ لَهُ فِي بَيْتِهِ فَالْتَمَسَهَا بَيْنَ فُرُشِهِ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ الدَّرَاهِمُ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتهَا فَقَالَ لَهَا: هِيَ طَالِقٌ إنْ أَخَذَهَا أَحَدٌ غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ تَحْتَ مُصَلًّى كَانَ لَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَهَا ثُمَّ وَنَسِيَهَا قَالَ: أَرَى أَنَّهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. ابْنُ بَشِيرٍ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْ. وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فَسُئِلَ عَنْهَا عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْطِ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِضَاعَةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا فِي لَا خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي
لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ)
اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَدَارُ جَارِهِ فِي الْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلِمَ. جَعَلَ تَرْكَهُ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِخُرُوجِهَا كَابْتِدَاءِ إذْنٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا حِينَ لَا تَسْمَع وَأَشْهَد بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنه قَبْل عِلْمهَا بِهِ حَنِثَ. عِبَارَة اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا وَلَمْ تَسْمَعْ ثُمَّ خَرَجَتْ حَنِثَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَة أَيْضًا يَحْنَث مِنْ حَلَفَ لَا أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ فِي خُرُوج بِسُكُوتِهِ عَنْهَا بَعْد عِلْمه بِخُرُوجِهَا. زَادَ ابْن حَبِيب عَنْ ابْن الْقَاسِم وَغَيْره: إلَّا أَنْ يَحْلِف عَلَى التَّأَثُّم وَالتَّحَرُّج عَنْ الْإِذْن لَهَا وَيَتْرُكهَا عَلَى السَّخْطَة وَغَيْر رِضَا فَلَا يَحْنَث. وَمِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن الْقَاسِم: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَن لِزَوْجَتِهِ إلَّا فِي عِيَادَة مَرِيض فَخَرَجَتْ فِي الْعِيَادَة بِإِذْنِهِ ثُمَّ مَضَتْ بَعْد ذَلِكَ إلَى حَاجَة أُخْرَى لَمْ يَحْنَث، لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنه وَهِيَ كُلَّمَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنه مِنْ حَمَّام أَوْ غَيْره لَا يَحْنَث إلَّا أَنْ يَتْرُكهَا بَعْد عِلْمه فَيَصِير ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ إذْن، وَإِنْ هُوَ حِين عِلْم بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكهَا فَلَا يَحْنَث، وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِذَلِكَ حَتَّى رَجَعَتْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَانْظُرْ هَذِهِ الْفُرُوع مَعَ عِبَارَة خَلِيل.
(وَبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكٍ آخَرَ فِي لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ لَا دَارَ فُلَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ دَارُ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا فُلَانٌ فَسَكَنَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: دَارُ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ فَبَاعَهَا فُلَانٌ فَسَكَنَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا أَبَدًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ سُكْنَى تِلْكَ الدَّارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِ فُلَانٍ، وَإِذَا قَالَ: دَارُ فُلَانٍ فَبِالْبَيْعِ قَدْ صَارَتْ
غَيْرَ دَارِ فُلَانٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عَيْنَ الدَّارِ.
(وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ أَوْ خَرَجَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ.
قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَوْ كَرَاهِيَةِ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهِيَتُهُ فِي الدَّارِ خَاصَّةً فَلَا يَمُرُّ بِهَا. قَالَ فِيهِ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ حُوِّلَتْ مَسْجِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ (إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) لَمْ أَجِدْ هَذَا
الْفَرْعَ.
(وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت فَقَالَ هُوَ لِي ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ لَهُ حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَدَفَعَ فُلَانٌ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَأَعْطَاهُ الرَّجُلُ لِلْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ثَوْبُ فُلَانٍ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ مِثْلَ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْهُ فَبَاعَهُ مِمَّنْ اشْتَرَى لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ: أَنَا حَلَفْت أَنْ لَا أَبِيعَ فُلَانًا فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا ابْتَاعَ لِنَفْسِي ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ لِفُلَانٍ، لَزِمَ الْحَالِفُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَحَنِثَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ نَاحِيَةِ فُلَانٍ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إذَا كَانَ
الْمُشْتَرِي مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ الْبَائِعُ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَالَهُ أَشْهَبُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ.
(وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي لَا فِي دُخُولِ دَارٍ وَتَأْخِيرِ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ وَلَا دَيْنَ وَتَأْخِيرُ غَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ وَأَبْرَأَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ بِالنَّظَرِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَأْخِيرُ الْوَصِيِّ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ يُبْرِئُهُ وَالْوَصِيُّ ظَالِمٌ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تُؤَخِّرَنِي فَمَاتَ الطَّالِبُ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ تَأْخِيرُ وَرَثَتِهِ إنْ كَانُوا كِبَارًا أَوْ وَصِيِّهِ إنْ كَانَ أَوْلَادُهُ صِغَارًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لِوَصِيٍّ وَلَا وَارِثٍ تَأْخِيرٌ مَعَ الْغُرَمَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُجْزِئُهُ تَأْخِيرُ الْغُرَمَاءِ إنْ أَحَاطَ دَيْنُهُمْ بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يُبْرِئُوا ذِمَّةَ الْمَيِّتِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُعْطِيَ فُلَانًا حَقَّهُ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ فُلَانٌ لَمْ يُجْزِهِ إذْنُ وَرَثَتِهِ إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ، وَإِنْ دَخَلَ وَقَضَى حَنِثَ.
(وَفِي بِرِّهِ فِي لَأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضًا فِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وَأَكَلَتْ أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلَانِ إلَّا أَنْ تَتَوَانَى) فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ
يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَوَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ نَهَارًا فَلَا يَبَرُّ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ فَوَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ فَقَدْ حَنِثَ. ابْنُ رُشْدٍ: تَفْرِقَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ إنَّمَا يُفَرَّقُ فِي مَعْنَى الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَزُولُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ وَيَأْثَمُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنْ يَبَرَّ بِهَذَا الْوَطْءِ كَمَا يَحْنَثُ بِهِ أَوْ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهِ كَمَا لَا يَبَرُّ بِهِ
وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ فِي رَجُلٍ تَغَذَّى مَعَ أَهْلِهِ فَجَعَلَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَتِهِ بِضْعَةَ لَحْمٍ فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَأْكُلِيهَا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَذَهَبَتْ بِهَا فَأَكَلَتْهَا فَأَخَذَتْ الْمَرْأَةُ الْهِرَّةَ فَذَبَحَتْهَا فَأَخْرَجَتْ الْبِضْعَةَ فَأَكَلَتْهَا الْمَرْأَةُ: لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ فِي شَيْءٍ يَحْنَثُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ سَاعَةَ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَمِينِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْهِرَّةِ الْبِضْعَةَ قَدْرُ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا دُونَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَانَتْ قَدْرَ مَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَهَا وَتَحُوزَهَا دُونَهَا فَعَلَتْ فَهُوَ حَانِثٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ الْحَالِفِينَ بِهَا وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُقْتَضَى أَلْفَاظِهِمْ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِي وَقْتِ يَمِينِهِ أَنْ تَأْكُلَهَا إلَّا وَهِيَ عَلَى حَالِهَا مُسْتَسَاغَةً لَا عَلَى أَنَّهَا مَأْكُولَةٌ تُعَافُ وَتُسْتَكْرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إنْ اسْتَخْرَجَتْهَا مِنْ بَطْنِ الْهِرَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْحَلَّ فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فَأَكَلَتْهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ مُجَرَّدُ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ فِيهَا، وَهُوَ أَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَعْنَى وَبَيْنَ الَّذِي يَحْلِفُ لَيَأْكُلَنَّ الطَّعَامَ فَلَا يَأْكُلُهُ حَتَّى يَفْسُدَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ.
(وَفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا فِي لَا كِسْوَتُهُمَا وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ وَاسْتَشْكَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا وَزَيْتًا حَنِثَ بِأَكْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ حَلَفَ لَا كَسَا امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَنِيَّتُهُ لَا كَسَاهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا فَكَسَاهَا أَحَدُهُمَا حَنِثَ يَعْنِي إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَكْسُوَهُمَا إيَّاهَا مُجْتَمِعَتَيْنِ وَلَا مُفْتَرِقَيْنِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا لَهَا لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَسَاهَا وَاحِدًا. ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الشَّيْخُ: فَارَقَ جَوَابَهُ فِي تَنْوِيَتِهِ فِي لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا لِأَنَّ الْعُرْفَ جَمَعَهُمَا بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ لَيْسَ الْعُرْفُ جَمَعَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلُ فِعْلَيْنِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا فَعَلَ فِعْلًا بِبَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمَعَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ
دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَوْ يَقُولَ لَهُمَا: إنْ مَسَسْتُكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ أَمْكَنْتنِي وَذَكَرَ فِيهِ كَاَلَّذِي يَقُولُ لِعَبْدَيْهِ: إنْ شِئْتُمَا الْحُرِّيَّةَ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَشَأْ الْآخَرُ كَاَلَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ بِعَبْدٍ وَيَقُولُ: إنْ قَبِلْتُمَاهُ فَقَبِلَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ. وَانْظُرْ فِي ثَالِثِ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الْقَائِلِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَدَارَ فُلَانٍ فَدَخَلْت إحْدَاهُمَا أَنَّهُ حَانِثٌ، ثُمَّ إنْ دَخَلْت الثَّانِيَةَ لَمْ تَطْلُقْ ثَانِيَةً. وَانْظُرْ فِي التَّرْجَمَةِ نَفْسَهَا إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَخَالَعَهَا فَدَخَلَتْهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ابْنُ شَاسٍ.