الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: والواجب أن يضمّوا في رسم شهادته الشهادة على السلطان بقبول العهد، بأن يقال قبل على ما نصّ وشرح فيه:«وعلى مولانا السلطان المشار إليه فيه بقبول ما فوّض إليه فيه» أو نحو ذلك: لأنه كما يعتبر العهد من العاهد يعتبر القبول من المعهود إليه كما تقدّم في موضعه.
الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها في الورق)
أما قطع الورق فلا نزاع في أنه يكتب في قطع البغداديّ الكامل، على ما هو مستقرّ العادة إلى الآن. وقد تقدّم في الكلام على مقادير قطع الورق في المقالة الأولى «1» من الكتاب أنّ عرضه ثلاثة أشبار وخمسة أصابع، وطول الوصل كذلك.
وأما القلم الذي يكتب به، فمختصر قلم الطّومار لمناسبته له على ما تقدّم فيما يناسب كل قطع من الورق من الأقلام.
وأما كيفيّة كتابة العهد وصورة وضعه في الورق، فعلى ما تقدم في البيعات وعهود أولياء العهد بالخلافة: وهو أن يبدأ بكتابة الطّرّة في أعلى الدرج من أوّل عرض الورق إلى آخره سطورا متلاصقة من غيرهامش، وفي أعلاه قدر إصبع بياضا، ثم يترك ستة أوصال بياضا من غير كتابة غير الوصل الذي فيه الطّرّة؛ ثم تكتب البسملة في أوّل الوصل الثامن بحيث تكون أعالي ألفاتها تكاد تلحق بالوصل الذي فوقه، بهامش عن يمين الدّرج قدر أربعة أصابع مطبوقة أو خمسة؛ ثم يكتب سطرا من أوّل العهد تحت البسملة ملاصقا لها بحيث تكاد أعالي ألفاته تلحق بالبسملة، ثم يخلّي بيت العلامة قدر شبر، ثم يكتب السطر الثاني من العهد على سمت السطر الذي تحت البسملة، ويسترسل في كتابة بقية العهد.
ثم الذي رأيته في دستور معتمد ينسب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنه يكون بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع. وأخبرني بعض فضلاء الكتّاب أنه رأى في بعض الدساتير أنّ سطوره تكون مزدوجة على نظير البسملة والسطر الأول، وبين كل سطرين بعد بيت العلامة تقدير خمسة أصابع مطبوقة.
قلت: ولعل ذلك تفنّن من الكاتب وتطريز للكتابة، لا على سبيل اللّزوم.
فإن قيل: لم كان مقدار البياض بين سطور العهد مع كبر قطع الورق دون بياض ما بين سطور التقاليد ونحوها مما يكتب عن السلطان على ما سيأتي ذكره؟
فالجواب أن العهد كالمكاتبة من العاهد للمعهود إليه، كما أنّ التقليد كالمكاتبة من المقلّد للمقلّد، والأعلى في حقّ المكتوب إليه أن تكون السطور متضايقة على ما تقدّم في الكلام على المكاتبات؛ فناسب أن تكون سطور العهد أكثر تقاربا من سطور التقليد وما في معناه، تعظيما لشأن السلطان في الحالتين.
فإن قيل: ينقض ذلك بعظم قلم العهد، ضرورة أنه كلّما غلظ القلم كان أنزل في رتبة المكتوب إليه على ما تقدّم أيضا، فالجواب: أن غلظ القلم في العهد تابع للورق في كبر قطعه، وقاعدة ديوان الإنشاء أنه كلّما كبر قطع الورق في المكاتبات، كان تعظيما للمكتوب إليه، بدليل أنّ كلّ من عظم مقداره من الملوك كان قطع الورق في مكاتبته أكبر، ولو كتب العهد بقلم دقيق مع ضيق السّطور وسعة الورق لجاء في غاية القصر. ثم قد جرت العادة أن تكون كتابة العهد من أوّله إلى آخره من غير نقط ولا شكل، وعليه عمل الكتّاب إلى آخر وقت.
قلت: هذا بناء على المذهب الراجح في أن المكاتبة إلى الرئيس تكون من غير إعجام ولا ضبط: لما في الإعجام والضّبط من استجهال المكتوب إليه ونسبته للغباوة وقلّة الفهم، بخلاف من ذهب إلى أن الكتابة إلى الرئيس تقيّد بالإعجام والضبط كي لا يعترضه الشكّ، ولا يكلّف إعمال الفكر، على ما تقدّم ذكره في أوائل المكاتبات، فإنه يرى نقط العهد وشكله.
وإذا انتهى إلى آخر العهد كتب المشيئة، ثم التاريخ، ثم المستند، ثم
الحمدلة والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم الحسبلة، على ما تقدّم في الكلام على الفواتح والخواتم في أوائل المقالة الأولى من الكتاب.
وهذه صورة وضعه في الورق، ممثّلا له بالطرّة التي أنشأها القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر، والعهد الذي أنشأه القاضي شمس الدين إبراهيم بن القيسراني «1» للملك الناصر «محمد بن قلاوون» وهو العهد الأخير من المذهب الأوّل.
الطرّة هذا عهد شريف تجدّدت مسرّات الإسلام بتجديده، وتأكّدت أسباب الإيمان بتأكيده، ووجد النصر العزيز والفتح المبين بوجوده، ووفد اليمن والإقبال على الخليفة بوفوده، وورد الأنام مورد الأمان بوروده. من عبد الله ووليّه الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان أمير المؤمنين، ابن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، عهد به إلى السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد خلّد الله سلطانه، ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي قدّس الله روحه على ما شرح فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم الهامش هذا عهد شريف يعمر بك للإسلام المعاهد، وينصر منك الاعتزام بيت العلامة فتغنى عن الموالي والمعاضد، ويلقي إليك مقاليد الأمور لتحمي في مرضاة