الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ريب الدّهر وغيره، وحجّة تحمل فيها على ما يحمي ما منحته من كل [ما شعّثه وغبّره]«1» ؛ وليعمل بهذا المثال كافّة المطارنة والأساقفة والقسيّسين، والنصارى أجمعين، وليعتمدوا من التّباعة لك ما يستحقّه تقديمك على الجماعة، وليثقوا بما يغمرهم من العاطفة «2» الحامية سربهم من التفريق والإضاعة؛ إن شاء الله تعالى.
وكتب في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وستين وأربعمائة.
الطرف الرابع
(فيما كان يكتب عن مدّعي «3» الخلافة ببلاد المغرب والأندلس) وكانوا يعبّرون عمّا يكتب من ذلك بالظّهائر والصّكوك: فالظهائر جمع ظهير، وهو المعين، سمّي مرسوم الخليفة أو السلطان ظهيرا لما يقع به من المعاونة لمن كتب له. والصّكوك جمع صكّ وهو الكتاب، قال الجوهري: وهو فارسيّ معرّب والجمع أصكّ وصكاك وصكوك؛ ثم تحامى المتأخّرون منهم لفظ الصّكّ، لما جرى به عرف العامّة من غلبة استعماله في أحد معنيي الاشتراك فيه وهو الصّفع، واقتصروا على استعمال لفظ الظّهير.
ولذلك حالتان:
الحالة الأولى «4» (ما كان الأمر عليه في الزمن القديم)
واعلم أنه لم يكن لهم مصطلح يقفون عند حدّه في الابتداءات، بل بحسب ما تقتضيه قريحة الكتّاب؛ فتارة يبتدأ بلفظ:«من فلان إلى فلان» أو «من
فلان إلى أهل فلانة» أو «إلى الأشياخ بفلانة» أو «يصلكم فلان بهذا الكتاب» . وتارة يبتدأ ب «أما بعد حمد الله» . وتارة يبتدأ بلفظ «تقدم فلان بكذا» . وتارة يبتدأ بلفظ «مكتوبنا هذا» وغير ذلك مما لا ينحصر.
فمن الظّهائر المكتتبة لأرباب السّيوف عندهم، ما كتب به بولاية ناحية، وهي:
من فلان إلى أهل فلانة أدام الله لهم من الكرامة أتمّها ومن الرّعاية أوفاها، وأسبغ عليهم برود نعمه الجزيلة وأصفاها.
أما بعد حمد الله ميسّر أسباب النّجاح، ومسنّي مرام الرّشاد والصّلاح، والصلاة على سيدنا محمد رسوله نبيّ الرحمة والرّفق والإسجاح «1» ، وعلى آله وصحبه المتّصفين بالقوّة في ذات الله تارة وتارة بخفض الجناح، والرّضا عن الخليفة أمير المؤمنين ذي الشّرف الذي لم يزل بالهدى النبويّ متوقّد المصباح، والدعاء للمقام الإماريّ بالنصر الذي يؤتي مقاليد الافتتاح، والتأييد الماضي حدّ رعبه حيث لا يمضي غرار المهنّد وشبا الرّماح، فإنّا كتبناه إليكم- كتب الله لكم سكون الأرجاء وهدوّها، وأجرى لكم بالصّلاح رواح الأيّام وغدوّها- «من فلانة» وللدّولة العليّة بركات تكاثر السّحب في انسكابها وانسجامها، وتقود الخيرات والمسرّات في كل أوب بزمامها، والحمد لله حمدا يقضي بوفور جزيلات النّعم وجسامها.
وإن الاهتمام بكم لمستبق على كل غرض جميل، ومقدّم فيما يحظيكم بكلّ بغية وتأميل؛ وبحسب هذا لا يزال يختار لكم من الولاة كلّ مختار منتخب، ولا يقدّم عليكم إلّا من ينتهي إلى أثيل حسب وكريم منتسب، ولا يزال يداول موضعكم بين كل طريقة تتّصل من حسن السّير وسداد النظر بأمتن سبب؛ وعلى هذا الأصل استخرنا الله وهو المستخار، والذي يقضي ما يشاء ويختار، في أن
قدّمنا عليكم، وولّينا للنظر فيما لديكم، من له التقدّم في الإقدام، والاضطلاع الثابت الأقدام؛ وذلك فلان؛ وآثرناكم به اعتناء بجانبكم واهتبالا «1» ، وخصصناكم منه بمن يفسح في كل أثر حميد مجالا، والمعتقد فيه أن يعمل على شاكلته بنباهة مكانه، وأن يبذل في الانتهاض والاكتفاء غاية وسعه وإمكانه؛ وعليه أن يلازم تقوى الله العظيم في سرّه وعلنه، ويجري على سبيل العدل وسننه، ويشمّر عن ساعده في الدّفاع عن أحوازكم كلّ التشمير، ويأخذ على أيدي أهل التعدّي أخذا يقضي على الفساد وأهله بالتّتبير، ويقصد بكم سديد السّعي ورشيد الرأي في الدقيق والجليل والصغير والكبير، ويسوّي في الحق بين الحافل والتافه والغنيّ والفقير، وعليكم أن تسمعوا وتطيعوا، ولا تهملوا حقّ الامتثال والائتمار ولا تضيعوا، وأن تكونوا يده التي تبطش، وأعوانه فيما يحاول من مستوفي المساعي المرضيّة ومستوعبها، وأن تتعاونوا على التقوى والبرّ، وتقفوا له عند النهي والأمر، وتجتهدوا معه في مصالحكم كلّ الاجتهاد، وتعتمدوا على ما رسمناه لكم أتمّ الاعتماد، وستجدون من مواليكم- إن شاء الله- ما يوافق الظّنّ به، ويلائم العمل بحسب حسبه؛ إن شاء الله تعالى والسلام.
ومنها ما كتب به في ولاية ناحية أيضا، وهي:
من فلان إلى أهل فلانة أدام الله تعالى كرامتهم بتقواه، وعرّفهم أحقّ النظر بمصالحهم وأحراه.
وبعد، فإنّا كتبناه لكم- كتب الله لكم أحوالا متّصلة الصّلاح، حميدة الاختتام والافتتاح- من فلانة، ونعم الله سبحانه موفورة الأقسام، صيّبة الغمام؛ وقد اقتضى
ما نتوخّاه من الاحتياط على جوانبكم، ونعتمده من الإيثار لكم والاعتناء بكم، أن نتخيّر للتقديم عليكم من نعلم منه الأحوال المرضيّة حقيقة، ونحمد سيره فيما يحاوله وطريقه.
ولمّا كان فلان ممن حمدت مقاصده، وشكرت في المحاولات الاجتهاديّة عوائده، وحسنت فيما نصرّفه فيه مصادره وموارده، رأينا- والله القاضي فيما نذره ونأتيه، بالتوفيق الذي يكون به انقياد النّجح وتأتّيه- أن نقدّمه لحفظ جهاتكم، وتأمين أرجائكم وجنباتكم، ووصّيناه أن يجتهد فيما قلّدناه من ذلك كلّ الاجتهاد، وينتهض في إذهاب الشّرّ وإرهاب أهل الفساد، وبأن يسلك فيما يتولّاه من الأحكام سنن الحق، ويجري على سبيل العدل والرّفق، ويدفع أسباب المظالم، وينصف المظلوم من الظالم؛ فإذا وافاكم فتلقّوه بنفوس منبسطة، وعقائد على العمل الصالح مرتبطة، وكونوا معه على تمشية الحق يدا واحدة، وفئة في ذات الله متعاونة متعاضدة، بحول الله سبحانه.
ومنها ما كتب به بإعادة وال إلى ناحية، وهي:
وإنا كتبناه إليكم- كتبكم الله من المتعاونين على البر والتقوى، وأعلقكم من طاعته بالحبل الأمتن الأقوى- من فلانة: والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته، والاستعانة به والتوكّل عليه؛ وقد صرفنا إليكم فلانا بعد أن أقام هنا شاهدا مشاهد للتعلم نافعة، مباشرا من المذاكرة في الكتاب والسّنّة مجالس ضامنة لخير الدنيا والآخرة جامعة، مطالعا لأحوال الموحّدين أعزّهم الله في مآخذهم الدينيّة، ومقاصدهم المحيية لما درس من الملّة الحنيفيّة، فنال بذلك كلّه خيرا كثيرا، وأحرز به حظّا من السعادة كبيرا، وظفر منه بما يكون له في كل ما ينظر فيه سراجا منيرا، وقد أعدناه إلى الشّغل الذي كان يتولّاه لجهتكم حرسها الله، ووصيّناه بتقوى الله تعالى الذي لا يطّلع على السّرائر سواه، وأن يكون بما شاهده مما تقدّم ذكره مقتديا، وبأنواره الساطعة التي لا يضلّ من اهتدى بها مهتديا، ولا
يستند في شيء من أحكامه إلى من لا يقوم على عصمته دليل، ولا جعل إليه تحريم ولا تحليل؛ فأعينوه- وفقكم الله- على تمشية هذه المقاصد الكريمة أكرم إعانة، واسلكوا من مظاهرته على الحق وموازرته على المسالك التي تستبين هنالكم أتمّ استبانة، إن شاء الله تعالى.
ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدينّية ما كتب به في ولاية قاض، وهو:
أما بعد حمد الله رافع علم الحقّ لمن اهتدى، وواضع ميزان القسط بالشريعة المحمديّة الآخذة بالحجز عن مهاوي الرّدى، ومؤيّد الدّين الحنيفيّ بمن ارتضى لتحديد حدوده وتجديد عهوده وهدى، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه الكريم الذي أرسله إلى الناس كافّة غير مستثن عليه من الخلق أحدا، وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في نصره وإظهار أمره جددا، والرضا عن الخليفة أمير المؤمنين العبّاسيّ الأطيب عنصرا ومحتدا، فإنا كتبناه إليكم- كتبكم الله ممن اعتزّ بطاعته وتقواه، واعتصم من حبله المتين بأوثقه وأقواه- من فلانة، وفضل الله سبحانه مديد الظّلال، وتوكّلنا عليه- عز وجهه- ظهيرنا المعتمد به في كلّ حال، وعمادنا الذي نقدّمه فيما ندبّره من الأعمال؛ وإنّكم من عنايتنا، وموصول رعايتنا، لبالمحلّ الأدنى، ومن خاصّ نظرنا واهتمامنا لمن نكلف بشأنه كلّه ونعنى، ونعتمد من ذلك بالأحسن فالأحسن فجزاء الذين أحسنوا الحسنى.
وقد علمتم- وصل الله كرامتكم- أنّ الأحكام الشرعيّة هي ملاك الأمور ونظامها، وعليها مدار الأعمال الدينية وبها تمامها، وأنه لا يصلح لها إلا من تجرّد عن هواه، وآثر الحقّ على ما سواه، واتّبع حكم نبيّه- عليه السلام في كلّ ما عمله ونواه، وتجمّل بالدّراية وحمل الرّواية فكانتا أظهر حلاه، واتّسم بالعدل والاعتدال فيما وليه من ذلك أو تولّاه، وكان ممن أطلق الحقّ لسانه وقيّد الورع يمناه؛ وقد أمعنّا النظر فيمن له من هذه الأوصاف أوفى نصيب، ومن إن رمى عن قوس نظره الموفّق كان سهمه المسدّد مصيب: لنخصّكم به قاضيا في هذه الأحكام، ونقدّمه
للفصل بينكم في القضايا الشرعية حكما من صالحي الحكّام، فرأينا أهلا لذلكم ومحلّا من اختبرت على [النّهج]«1» القويم أحواله، وارتضيت فيما نيط به من ذلك أعماله وأقواله، وشهد له الاختبار بالانكفاف عن كل سابق وغائب «2» ، وعن ارتكاب الثّنيّات إلى السّنن اللاحب، وذلكم «فلان» أدام الله كرامته وتوفيقه، ويسّر إلى مسالك النّجاة مسلكه وطريقه، فأنفذناه إليكم حكما مرضيّ السّير، وافر الحظّ من المعارف المصوّرة للحقّ في أجمل الصّور، مكتفيا لما لديه من استقامة الأحوال عن الوصايا ما خلا التذكير والتنبيه، والوصية بتقوى الله فهي التي تعصم العامل بها وتنجيه، فقد وصّى بها الله من اختاره من خلقه لإقامة حقّه وارتضاه، فقال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
«3» .
فتلقّوه- أدام الله كرامتكم- بنفوس منبسطة، وقلوب مبتهجة مغتبطة، وأهواء على التظافر والتناصر في الحق مجتمعة مرتبطة؛ وتعاونوا في ذات الله على الطاعة، وكونوا في سبيل الله يدا واحدة فيد الله مع الجماعة، واستعينوه سبحانه على الخير يعنكم، واشكروا الله يؤتكم خيرا مما أخذ منكم، وهو سبحانه يتولّاكم بالحفظ الشامل، ويستعملكم من طاعته وسلوك سبيل مرضاته بأنجى ما استعمل به عامل؛ والسلام.
ومنها ما كتب به أبو الحسن الرّعيني في ولاية قاض، وهي:
من فلان إلى الأشياخ بفلانة أدام الله كرامتهم بتقواه، واستعملهم فيما يحبّه ويرضاه.
أما بعد، فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم حسناه، وأوزعكم شكر ما خوّلكم
من نعماه ورحماه؛ ومن مقاصد هذا الأمر العزيز- أدامه الله- ما يعلي يد الحقّ ويسميها ويسدّد سهام العدل إلى أغراضها ومراميها، ويتكفّل بالجزاء لمن لاذ بأكناف الطاعة ونواحيها، والحمد لله على نعمه التي لا نحصرها ولا نحصيها.
وإلى ذلكم فإنّ فلانا لمّا تمكنت الثّقة بجميل صفته، واستنامت البصيرة إلى استحكام سنّه ومعرفته، وقد كان تقدّم له من خدمة الأمر وأوليائه ما نجّده «1» مع الأيّام وخرّجه، وخصّصه من كريم الاستعمال بما استدناه إلى مراقي الذّكاء واستدرجه، رأينا- والله المستعان- أن نقدّمه للنظر في قضاياكم الدّينيّة، وأحكامكم الشرعيّة، بعد أن وصّيناه بتقوى الله فقدّمها، وعرضنا عليه ما يعلمه ويلزمه من شروط الحكومة فالتزمها؛ فلينهض إلى ما قدّمناه على بركة الله تعالى مشمّرا عن ساعد الحزم، آخذا في كافّة أموره بما يأخذه أولو العزم، جاريا على السّنن الواضح المعروف، مسوّيا في الحق بين النّبيه والخامل والشريف والمشروف، محتسبا على إقامة فروض الدّين أكرم احتساب، مكتسبا من الأجر في ردع الظّلم والباطل أفضل اكتساب، راجيا في تمشية العدل على رغم من أباه ما يرجو المؤمن المحقّق من زلفى وحسن مآب، ولدينا من عقده على ذلك ما يحسّن مقصده، ويمكّن في بسطة الحقّ مقعده؛ فإذا وافاكم فاستبشروا بموافاته، وقفوا عند ما يمضيه من لوازم الشّرع وموجباته، وتعاونوا على الخير تعاونا يجزل حظّكم من فضل الله وبركاته؛ فهو المؤمّل في ذلك لا ربّ سواه.
ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدّيوانية ما كتب به أبو المطرّف بن عميرة بولاية وزارة وهو:
مكتوبنا هذا بيد فلان أدام الله علاءه، وحفظ عنايته وغناءه، يجد به مكان
العزّة مكينا، ومورد الكرامة عذبا معينا، وسبيل الحرمة المتأكدة واضحا مستبينا، ويتقلد وزارتنا تقلّد تفويض وإطلاق، ويلبس ما خلع عليه منها لبسة تمكّن واستحقاق، وينزل من رتبتها العليا منزلة شرفها ثابت وحماها باق، ويسوّغ الدار المخزنية التي يسكنها بفلانة تسويغا يملّكه إيّاها أصحّ تمليك، ويفرد فيها من غير تشريك، إن شاء الله تعالى والسلام.
ومنها ما كتب به أبو عبد الله بن الأبّار «1» في مشارفة ناحية، وهو:
عن إذن فلان، يتقدّم فلان للنّظر في الأشغال المخزنية بفلانة، موفّيا ما يجب عليه من الاجتهاد والتّشمير، والجدّ الذي ارتسم في الإنماء والتّثمير، مصدّقا ما قدّر فيه من الانتهاض والاستقلال، وقرّر عنه من الأمانة التي رشّحته وأهّلته لأنبه الأعمال، جاريا في ضبط الأمور المخزنية والرّفق بجانب الرعية على المقاصد الجليلة والمذاهب المرضيّة في عامّة الشّؤون والأحوال، عاملا بما تقدّمت به الوصيّة إليه، وتأكّدت الإشارة [به]«2» عليه، من تقوى الله في السّر والعلن، علما أنّ المرء بما قدّمته يداه مرتهن.
ومنها ما كتب به المذكور بإعادة مشارف إلى ناحية، وهو:
يعاد بهذا المكتوب فلان إلى خطّة الإشراف بفلانة: رافلا من ملابس التّكرمة والحظوة في شفوفها، مخلّى بينه وبين النظر في ضروب الأشغال المخزنية وصنوفها، فهو المعروف بالكفاية والاجتهاد، الموصوف بحسن الإصدار