الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الخامس (ما يكتب في متن العهد)
وللكتّاب فيه طريقتان:
الطريقة الأولى
- أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» ونحوه على ما تقدّم في عهود الملوك عن الخلفاء.
وعلى هذه الطريقة كتب أبو بكر بن القصيرة المغربيّ الكاتب عن أمير المسلمين «يوسف بن تاشفين» «1» سلطان المغرب بولاية عهده لابنه أبي الحسن على ما بيده من الغرب والأندلس في ذي الحجة سنة ستّ وتسعين وأربعمائة، وهو:
كتاب تولية عظيم جسيم، وتوصية حميم كريم، مهّدت على الرضا قواعده، وأكّدت بيد التقوى معاقده، وأبعدت عن الغواية والهوى مصادره وموارده، أنفذه أمير المسلمين وناصر الدّين، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين، أدام الله أمره، وأعزّ نصره، وأطال فيما يرضيه ويرضى به عنه عمره، غير محاب، ولا تارك في النصيحة لله عز وجل ولرسوله موضع ارتياب لمرتاب، للأمير الأجلّ أبي الحسن عليّ ابنه المتقبل شيمه وهممه، المتأثّل حلمه وتحلّمه، الناشيء في حجر تقويمه وتأديبه، المتصرّف بين يدي متحديه «2» وتهذيبه، أدام الله عزّه وتوفيقه وأنهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه، وقد تهمّم بمن تحت عصاه من المسلمين، وهذا فيمن يخلفه فيهم هدّى للمتقين، ولم ير أن يتركهم سدّى غير مدينين، فاعتام «3» في النّصاب
الرفيع واختار، واستنصح أولي الرأي منهم ومن غيرهم واستشار، واستضاء بشهاب استخارة الله عز وجل واستنار؛ فلم يوقع الله بعد طول تأمّل، وتراخي مدّة وتمهّل، اختياره ولا اختيار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحكمة والتجربة واستشاره إلّا عليه، ولا صار به وبهم الاجتهاد إلّا إليه، ولا التقى ورّاد التّرائي والتشاور إلا بين يديه، فولّاه على استحكام بصيرة وبعد طول مشورة عهده، وأفضى إليه بالأمر والنهي والبسط والقبض بعده، وجعله خليفته في رعايا مسنده وأوطأ عقبه جماهير الرجال، وناطه بمهمّات الأموال والأحوال، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنّة في أحد عصى أو أطاع، ولا ينام به عن حماية من أسهره الحيف والخوف والاضطجاع، ولا يتلهّى دون معلن شكوى، ولا يتصمّم عن مستصرخ لدفاع بلوى، وأن ينتظم أقصى بلاده وأدناها في سلك تدبيره ولا يكون بين القريب والبعيد من رعيّته بون في إحصائه وتقديره؛ ثم دعا- أدام الله تأييده- لمبايعته من دنا ونأى من المسلمين، فلبّوا مسرعين وأتوا مهطعين «1» ، وأعطوا صفقة أيمانهم متبرّعين متطوّعين، وبايعوه على السّمع والطاعة، والتزام سنن الجماعة، وبذل النصيحة، وإصفاء النّيّات الصحيحة، وموادّة من صاحبه، ومحاربة من حاربه، ومكايدة من كايده، ومعاندة من عانده، لا يدّخرون في ذلك على حال المكره والمنشط مقدرة، ولا يحتجّون في وقتي السّخط والرضا بمعذرة، ثم أمر بمخاطبة أهل البلاد لتبايعه كلّ طائفة في بلدها، وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها، حتّى يستوي في التزام بيعته القريب والبعيد، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب والشهيد، وتطمئنّ من أعلام الناس وخيرهم قلوب كانت من تراخي ما انتجز قلقة، ولم تزل ببقية التأخّر أرقة، ويشمل الناس السرور والاستبشار، وتتمكّن لهم الدّعة ويتمهّد القرار، وتنشأ في الصّلاح لهم آمال، ويستقبلهم جدّ صاعد وإقبال، والله يبارك