الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع من المقالة الخامسة
(في الولايات الصادرة عن الخلفاء لأرباب المناصب من أصحاب السّيوف والأقلام، وفيه [ثلاثة «1» ] فصول)
الفصل الأوّل (فيما كان يكتب من ذلك عن الخلفاء، وفيه خمسة أطراف)
الطرف الأوّل (فيما كان يكتب عن الخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم)
وكان الرسم في ذلك أن يفتتح العهد بلفظ: «هذا ما عهد» أو «هذا عهد من فلان لفلان» ويؤتى على المقصد إلى آخره. ويقال فيه: «أمره بكذا وأمره بكذا» .
والأصل في ذلك ما كتب به أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، لأمرائه الذين وجّههم لقتال أهل الرّدّة «2» ، وعليه بنى من بعده. وهذه نسخته:
هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لفلان حين بعثه [فيمن بعثه]«3» لقتال من رجع عن الإسلام. عهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع في أمره كلّه، سرّه وجهره. وأمره بالجدّ في أمر الله [تعالى] ، ومجاهدة من تولّى عنه ورجع عن الإسلام إلى أمانيّ الشيطان، بعد أن يعذر إليهم: فيدعوهم بدعاية الإسلام: فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شنّ غارته عليهم حتّى يقرّوا له؛ ثم ينبّئهم
بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم، لا ينظرهم ولا يردّ المسلمين عن قتال عدوّهم، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقرّ له، قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله:
فإذا أجاب الدّعوة لم يكن له عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسرّ به. ومن لم يجب إلى داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمه «1» ، لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلّا الإسلام، فمن أجابه وأقرّ به قبل منه وعلّمه؛ ومن أبى قاتله: فإن أظهره الله عز وجل عليه، قتل فيهم كلّ قتلة بالسّلاح والنّيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه إلّا الخمس فإنه مبلّغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يدخل فيهم حشوا حتّى يعرفهم ويعلم ما هم: لئلّا يكونوا عيونا، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم؛ وأن يقصد بالمسلمين ويرفق بهم في السّير والمنزل، ويتفقّدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصّحبة ولين القول.
وهذه نسخة عهد كتب به أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، حين ولّاه القضاء:
«2» أمّا بعد، فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة؛ فافهم إذا أدلي إليك «3» ، وانفذ إذا تبيّن لك: فإنه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له، آس «4»
بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك «5»
حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عونك «6»
. والبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصّلح جائز
بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا. لا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس «1»
فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحقّ «2»
: فإن الحقّ قديم «3»
، ومراجعة الحق خير من التّمادي في الباطل.
الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنّة «4»
؛ ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك بنظائرها، واعمد إلى أقربها إلى الله «5»
وأشبهها بالحقّ، واجعل لمن ادّعى حقّا غائبا أو بيّنة [أمدا]«6»
ينتهي إليه:
فإن أحضر بينة، أخذت له بحقّه وإلا استحللت القضيّة عليه «7»
؛ فإنّه أنفى للشّكّ، وأجلى للعمى «8»
. والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حدّ، أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا»
في ولاء أو نسب؛ فإن الله تولّى منكم السّرائر ودرأ بالبيّنات والأيمان. وإيّاك والقلق «10»
والضّجر؛ والتّأذّي بالخصوم، والتنكّر عند الخصومات: فإنّ الحقّ في مواطن الحقّ يعظّم الله به الأجر، ويحسن عليه «11»
الذّخر والجزاء؛ فمن صحّت نيّته «12»
وأقبل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلّق للناس «13»
بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله؛ فما